الطريق إلى السلام والتجاوز التام
السلام عليكم
أحب أولا أن أسرد بعض من سمات شخصيتي التي عرفتها عن نفسي منذ بدأت الإدراك والوعي بنفسي أنا شخصية تجنبية إلى حد ما لا أحب الانخراط في المجتمعات الجديدة ولا خوض التجارب الجديدة عادة
وأحس إني أنظر لنفسي من عيون من حولي وأعتقد أن هذه النقطة ترجع إلى طفولتي حيثما كان مدرسيني يمدحونني دائما بأني هادئة ومطيعة وكنت أحب ذلك لأنه كان يجعلني مميزة وجميلة علي حد تعبيرهم فنشئت هادئة مطيعة أفعل ما أشعر أن الآخرين يتوقعون مني فعله حتى لا أخيب آمالهم.
- مسالمة لا أحب المشاكل ولا أستطيع التعايش مع بيئة مليئة بالمشاحنات
- نادرا ما أعبر عن انفعالي أو غضبي.
-أتخذ القرارات ببطيء وصعوبة.
- كثيرة الإحساس بالذنب تجاه الآخرين.
- قليلة التعبير عن مشاعري بأنوعها مثل الغضب والفرح والحزن.
ـ لم يمارس علي عنفا جسديا أو جنسيا في طفولتي
- انطوائية أستطيع التفاعل مع الأشخاص بصورة جيدة ولكني أحرص علي إبقائهم علي مسافة مني، لا أفصح عما بداخلي وما أشعر لأي شخص إلا لو كان قريبا جدا.
-علاقتي بأمي ليست قريبة وأبي كذلك.
-متحفظة ومن أسرة محافظة.
لا أعلم من أين أبدأ بالتحديد ولكن أعتقد أن مشكلتي بدأت منذ رأيت والدتي في السادسة من عمري منفعلة وتخبط رأسها بالحائط وتقول لأبي أنها لا تريده ولا تريد الحياة معه.. وقتها تكونت لدي تراكمات بأنهم لا يحبون بعضا وأنهم لو أحبوا بعضا يوما ما حدث ذلك واستمر هذا المشهد بالتكرار بأشكال وطرق مختلفة فتارة تصرح لي أمي أنه لولانا أنا وأخي ما استمرت وإن حتى أبي غير قادر علي إشباعها جسديا ولا عاطفيا كنت في الحادية عشر حينها عندما اعترفت لي أمي بذلك أن أبي ضعيف جنسيا علي حد تعبيرها.
أبي ليس بالشخص الجاحد أو القوي القاسي بل هو طيب ولكنه جاف كثيرا لا يظهر مشاعره علي الإطلاق سواء لنا أو لأمي لم أسمعه يوما أن قال لأمي كلمة حب واحدة وكان غير مراعي لظروف من حوله لم ألتمس له يوما انه شعر بأمي يوما كانت تبكي أو أحس بإرهاقها الجسدي فكف نفسه عن طلب أشياء كثيرة تلبيها له كان هذا أكثر المواقف قسوة رأيتها منه عندما رأيت أمي مرهقة وتعبه جسديا من أعباء المنزل طوال اليوم وتعبر لأبي عن ذلك فيطلب منها أن تفعل كذا وكذا.. فتمنيت إلا أتزوج شخصا مثل أبي لا يبالي بتعبي ولا يشارك في تربيه أبنائه حتى لا من حيث النصح ولا التوجيه ولا الإرشاد أو العقاب لا من أي شيء سوي أن يجلب المال فقط لا غير..
علاقتي بأبي سطحية جدا هو موجود ولا موجود افتقدت الدور الأبوي في حياتي كثيرا وأرجعت الفجوة في علاقتهما إلى غياب الحب والمودة فكل تزوج لأسباب واضحة أمي هربا من بيت أبويها وأبي لأن ذلك ما يفعله الناس... تمت خطبتي الأولى تحت ضغط من أمي وتحت مسمي أن أتعرف علي هذا الإنسان فمقابلتين لا تكفي للحكم عليه وبالفعل.. تمت الخطبة سنة بأكملها أصارع فيها اتخاذ القرار بفسخ الخطبة لم استطع أن انجذب له أو أن تتكون مشاعر من أي نوع تجاهه وهذا كان السبب الأساسي وكانت هناك أسباب مؤديه إليه مثل أني لا أستطيع التوافق معه في التفكير أو الحوار كنت أحس بفجوة تتسع وهنا كانت أكبر مخاوفي أمامي وبعد عناء نفسي اتخذت القرار بفسخ الخطبة وكنت أخشى الإحساس بالذنب وتأنيب الضمير عليه..
بعدها قام زميل لي بالكلية بالتعرف على وكان مختلفا في كل شيء عن أبي كان جياش العواطف ولبق وذو أفكار وهوايات وأهداف أحببته وأحبني وصرح لي بذلك وقام بعد عام من تعارفنا بالتقدم إلى وزاد حبنا وتعلقنا ببعضنا ووصل ذلك لدرجة عميقة من المكالمات الليلية وكانت لا تتجاوز كلمة بحبك ولكني كنت أشعر ببعض التغيرات الصوتية عليه مع ارتفاع أنفاسه وانخفاضها
علمت بعدها أنه قد يكون يمارس العادة وهو يتحدث إلى استهجنت ذلك في البداية وحاولت منعه ولم أصارح بم فهمت حتى لا يتلاشى حاجز الحياء بيننا أكثر ولكني انجرفت بعد ذلك تحت إصراره وإلحاجة الشديد بدون أن يعلم أني علمت ولربما علم بدون أن أذكر له فكانت أنفاسه واضحة للغاية وحتى كان لا يتعمد إخفاءها حاولت مرارا وتكرارا أن يتوقف عن ذلك ولكنه كان يضغط علي دائما وخشيت أن يبتعد وكنت أحبه كثيرا كنت اشعر بأني من يحتوي ومن يطيب ومن يعطي في هذه العلاقة وكنا علي وشك كتب الكتاب حيث اندلعت الخلافات العائلية المعروفة علي المهر والمؤخر وإلى آخره.
اكتئبت كثيرا ومررت بلحظات عصيبة وضغط نفسي وبكاء مستمر ولم أعلم كيف نجوت لولا رحمة من الله تنزلت علي قلبي في هذا الوقت.. شعرت بعظم ما فعلت ومن عصيت وتبت إلى الله من كل هذا وعاهدت الله أن التزم قدر استطاعتي.. ودعوت الله كثيرا أن يعوضني خيرا وأن يطيب جرح قلبي.. وهو مضي في حياته وتعرف علي بنت أخري وتقدم لخطبتها وهو الآن يكمل تجهيز شقته لها التي يوما كانت شقتنا سويا..
تقدم إلى شاب ملتزم جدا حتى يكاد لا يكون لديه تجارب سابقة وناشئ بالمسجد وعلي خلق.
أستطيع تمييز ذلك جيدا الآن.. وافقت علي الخطبة لما شعرت أولا باستعداد نفسي لمقابلة شخص جديد ثانيا لما وجدته من ارتياح وسلام عندما التقينا وجلسنا سويا
الأمر الآن يؤرقني أن لا أستطيع حبه مثلما أحببت خطيبي الثاني وأنا أريد ذلك حقا لا أريد خيبة أمل ثالثة وأيضا هو مناسب خلقا وعلما وتدينا وطيبة
أخاف ألا أستطيع أن أتلقى أو أستقبل منه مشاعر وأن لا أشعر معه بالحميمية التي كنت أشعر بها مع من أحببت...
بداخلي غصة تجاه هذا الحب الأخير تأتي وتأتي معها نوبات بكاء قد تستمر أيام.. عندما ذهب لم يذهب الشخص بل ذهب المعني بالنسبة لي ذهب معني الحب الذي كنت أبحث عنه وأدعو الله به في صلاتي دائما.. وعندما أرتبط بأخرى بعد 3 أشهر من انفصالنا وبدا أن بينهما بوادر علاقة حب أدركت أن المعاني كلها مزيفة غير حقيقية والدنيا كلها زيف كبير......... أنا لا أعلم كيف أتجاوز هذا تماما وأن أستعيد طاقتي علي الحب مجدا وأن أحيا بسلام كان شيئا لم يكن قط فلا جرح ولا حنق ولا غضب ولا ندم ولا أي شئ من هذا أبدا......
9/12/2017
رد المستشار
الابنة الفاضلة:تواجه نظرية الشخصية انتقادات حادة تنطلق من أن وجود سمات ثابتة لنفسية الإنسان هو توصيف وتفسير مخل لتصرفاته ومواقفه.
وأتعرف حاليا على مدرسة مختلفة هي "نظام العائلة الداخلية"، وهي تفترض أن بداخل كل منا أجزاء هي كينونات تولد وتكبر، أو تتعثر، وتتهمش، وقد يتضخم دورها وتأثيرها على مزاجنا ومسلكنا.
بدون دخول في تفاصيل نظرية أقول لك أن ما تفترضين أنه طباع ثابتة فيك هو مجرد استجابات نمطية متكررة ناتجة عن تركيبك الداخلي، والأهم أنه قابل للتطور والتغيير إذا أردت الانطلاق في رحلة الحياة متحررة تدريجيا من تلك الأغلال والقيود التي تكبل روحك!!
السؤال هو: هل تنوين التعامل مع هذه الأنماط تأملا وفهما وتطويرا، أو ستكملين حياتك هكذا؟!رسالتك تحمل خلاصة مكثفة لدورة حياة فتاة عربية خضعت للترويض الشائع وتأثرت به فصارت محنة تمشي على قدمين!! ولكنك ما تزالين في بدايات الطريق!وهذا الترويض وآثاره، وتلك المحنة ومعالمها هي مجرد بداية للرحلة، ومادة ثرية للعمل عليها وبها، وقصة حياة بدأت بداية عادية، ويمكن أن تختلف في مسارها مع اكتساب، أو استعادة الوعي العقلي، والروحي!!
تجربة الوالدين هي المصدر الأقرب للتعلم، ولكنني أدعوك لتقليل تركيزك عليها، أو استلهامك دروسها!! وهذه الدعوة لا أبالغ إذا عممتها على كل شاب وفتاة عربية لأن الأسرة صارت في الأغلب مسخا، ولا يطمئن عاقل إلى سلامة بنيان الأسرة العربية حتى يعتمدها مصدرا للتعلم أو بالأحرى محضنا للتنشئة!!
المبالغات، وتبادل الاتهامات، وتلفيق الأحكام هي الأجواء التي تسود الأسرة العربية للتغطية على عيوب التكوين، وأخطاء التأسيس على غير الحب، وخلافا للوعي، والرشد، والاستعداد والمسؤولية!!
آباء وأمهات يتزوجون ويكملون مسيرة إعادة إنتاج التشوهات التي تعرضوا لها في مصائد وفخاخ نصبوها لأنفسهم أو نصبها لهم المجتمع، وتسللوا إليها طائعين!!
الآن يمكنك نقد وفرز ومراجعة كل هذا بتفهم وتسامح لا يتنافى مع الوضوح والحسم، وبدون تعميم بأن ما حصل من والدك، أو مع والدتك سيحصل معك.
مغالبة مخاوفك وكسلك الداخلي شرط للبدء في مخالطة الناس بشكل أوسع، وهو ما يبدو لازما للتعلم، والنضج، والتأمل لإصلاح عيوب التردد، وكتمان المشاعر، والانطوائية، وضعف المرونة.
الأنشطة العامة في مصر أصبحت ظاهرة جديرة بالدراسة فهي منتشرة ومتنوعة تضم جمهورا متنوعا، وتطرق أبوابا مختلفة، وتطرح قضايا وتساؤلات، أو تتيح التعرف والتدرب على اكتساب مهارات تحسين الحياة، وفهم النفس، والتواصل الإيجابي مع الآخرين.
هذا التطوير يبدو هو المدخل الأفضل لإدارة مشاعرك، وعلاقاتك، والقدرة على استكشاف نفسك وخطيبك بما يؤهل لاتخاذ قرار بالاستمرار، أو إنهاء العلاقة، وكلاهما ممكن ومتاح، ولا يصح الظن بأن أحدهما نجاح، أو فشل!!
ملايين أو مليارات العلاقات تبدأ وتستمر، أو تنقطع وتنتهي، ولا يخرج منها أصحابها بوصلات من النحيب، أو التأنيب.العلاقات هي فرص لظهور تفاعلات تكشف أجزاءنا الداخلية فيحصل الشوفان والوعي بها، وبالعلاقة بينها، ولكنها في تربيتنا وممارستنا الحالية فرصة لإصدار أحكام على الذات والآخرين والحياة!!
انظري مثلا إلى غصتك تجاه العلاقة المنتهية مع خطيبك السابق والتي يأتي معها انفعال وبكاء لأن معنى الحب قد ذهب!!فالمعاني كلها مزيفة، والدنيا كلها زيف كبير!!فهل مشاعرك، وأفكارك، وتقديراتك هي زيف أيضا!!أم أنك استثناء يكسر هذه القاعدة التي وضعتها، وترين الدنيا، والحب، والآخرين من خلالها؟!
راجعي دورك في كل العلاقات السابقة:- تمت خطبتي الأولى تحت ضغط من أمي.- قام زميل لي بالتعرف علي.- تقدم إلى شاب ملتزم.وإذا كانت ثقافتنا قد حصرت المبادرة أن تكون من الرجل فإن أمورك دائما قد سارت وكأنك مفعول به على طول الخط!!يستغرق الأمر عاما كاملا لفسخ الخطبة الأولى، ولا تدافعين عن خطيبك الثاني في غمرة الخلافات المادية التي تسمينها معروفة، وكأنها قدر لا فكاك منه، وفي نفس العلاقة كنت مضغوطة بالحب كما تصفين، كاتمة لاعتراضك، خائفة أن يبتعد...إلخ.
ثم بعد أن تنفض العلاقة، وانتهاء علاقة عاطفية هو حادث متكرر، وشائع لأن العلاقات تنشأ وتنتهي طوال الوقت، وفكرة الحب الواحد، والزواج الأبدي، والقلب الذي يحب مرة واحدة لا ثاني لها.. هذه كلها أفكار وخيالات وهمية تمتلئ بها الروايات والمسلسلات والأفلام – ربما، لكن الحياة الواقعية تبدو غير ذلك.
المبالغة الشديدة هي عنوان من عناوين حياتك في كل خطواتها خذي مثلا وصفك لمكالمات الليل متلاحقة الأنفاس، وهي مجرد تصرفات جنسية خفيفة متوقعة صادرة عن المحرومين، لكنها تصبح عظيمة عندك وصادمة، ومصحوبة بلحظات عصيبة، وضغط نفسي، وشبه محنة كبرى!!
علاقة فيها إعجاب، ومكالمات ليل تستمر فقط عاما، أو يزيد ثم لا تنتهي بالزواج تصير "جرحا في القلب"، ولأنه يذهب لاستكمال حياته تصبح المعاني كلها مزيفة، والدنيا زيف كبير!!
هذه "الأفورة" في تصور عاديات الأحداث تعكس خفة في التكوين، والتصورات، ويمكنك التعمق والتطوير والتمتين كما شرحت لك سلفا، وتفيدك أنشطة كثيرة متوافرة تركز على الوعي بالذات، والتعامل مع الانفعالات.
التعلق بالماضي من علامات غياب التركيز في الحاضر، وبالتالي العجز عن إدارته إدارة حكيمة، بينما التدرب على العيش في اللحظة الحالية هو مفتاح.
أطلقي نفسك، وحرري روحك من الذكريات المؤلمة، والأحداث التي مرت بك، وركزي بدلا من النوح على الأطلال المتوهمة على التعامل مع ما هو لديك سواءا من آثار ما مضى، أو ما هو بين يديك الآن!! وتفيدك السايكو دراما، وبقية الأساليب العلاجية غير الدوائية.
أعط نفسك وقتا وفرصة كافية لاتخاذ قرار بشأن خطيبك الحالي دون مقارنة معيارية بعلاقة انتهت كان فيها ما فيها، ولها وعليها... الوقت ما يزال أمامك، وسنك صغيرة، والاختيار السليم يريح مع الوقت.
الحب يأتي مرة ومرات، بل نذهب له نحن حين يخفق القلب وبعد أن تتفحص العين، وترى كل إنسان كما هو في تميزه وخصاله، وتفاعلاته، يكون قرار الإقدام أو الأحجام دون تردد أو خوف من لوم أو تأنيب.
استقبال المشاعر أو إرسالها هو اختيار، وليس جزءا يعطب فينا لأننا مررنا بخبرة ثم تعلمنا فيها أن القلب لا ينبض إلا مرة!!! والسلام النفسي يأتي مع النضج، والتعلم من الخبرات، وليس من قلة الخبرات، ولا انعدامها، ولا الهروب من استحقاقاتها.
مبدأ المقارنات من أفشل ما نستخدم في بناء تصوراتنا، واتخاذ قراراتنا.. وخطيبك الجديد من حقه أن تريه كشخص مستقل له ملامحه، وله طريقته، وهو ربما يؤجل أمورا يرى أن وقتها لم يحن بعد كونه ملتزما، ولكن هذا لا يكفي للموافقة عليه، أو رفضه فتجاوزي أصوات الماضي، وركزي في تفاصيل اللحظة الحالية، وتابعينا بأخبارك .
التعليق: السلام عليكم أعجبني ردّك يا دكتور أحمد عبد الله ، فقد سرحتَ بالعقل فيها في دياليز نفسية واجتماعية كما العادة وأحب أن أضيف أنّ تجارب الحبّ نعيشُها على أنّها تجارب "وحي وإلهام"! بمعنى أنّنا نضع ما شعرنا به من حب وفقد مقام الدليل الساطع على "الصواب والأحقيّة"!
وبلحظة تأمل سريعة، نعلم أنّه لا ارتباط أبدا، تبقى التجربة من التجارب المؤلمة، لكنّ فكرتنا عنها قد تكون خاطئة، فليس كل ما نحبّ ونفتقده سيكون مصدر سعادة لنا وشيئا صحيّا بالنسبة لمستقبلنا. أنا لا أزعم أن زواجك من الخطيب السابق سيكون فاشلا، أبدا، لكني أنبّه عن احتمالية ذلك أيضا، فلا أنت ولا نحن عرفنا كيف سيكون الزواج، اللهم إلا إحساسك القوي بالحب اتجاهه، وكفى به دليلا عند معظم البشر!
طبعا التركيز على ما تعيشه أختنا من مشاعر الحب والفقد والحنين، صعب أن تجد ضده دلائل لغياب العشرة، أو على الأقلّ لم تعش حياة حقيقة مع الشاب، لدرجة تأخذ فيها المشاعر طابعا معقولا بعيدا عن الهالة والأسطورة mystification، مشاعر تأخذ حظّها من الإشباع فتصير كأي شعور وحاجية نفسية أو جسدية، فيعود لنا وعينا وتتصاعد عتبات إدراكنا وتمتّعنا فنصير أقلّ تحسسا وتضخيما للأمور العادية والتفاعلات الطبيعية، ويعود لنا حسّنا النقديّ وقلقنا الوجودي الذي يشكّل توازنا بين الانبهار والتعلق المفرط بالحبيب وبين التشكيك في صلاحيته وكماله ! كل ذلك صحيّ ما لم يتغلّب جانب على الآخر ! وهكذا نحن في حالة أقرب للتيار المتناوب، تموجات وشوق وفوران ثم إشباع وفتور، ثم تليه دورة أخرى
نتساءل مع الأخت مُنى عن مركزية الحبّ عندها لدرجة أنها دعتْ ربّنا أن يهبَها إياه ! مطلب مشروع، لكن أن يكون الحب عطاء وكأنه الأول والآخر، دون تخصيص الدعاء "الحبّ النافع"!، هذا يوحي بنظرة الإنسان عموما، والبنات خصوصا للحب والرومانسية وأثرها وتأثيرها على الحياة "الجميلة" التي نتخيلها فقط بالحب لا غير. لا شك أن الحبّ ضروري لحياة سعيدة، لكنّ وجوده لا يعني البتّة أننا خطونا أول خطوة لنا في الطريق الصحيح والحياة الهانئة. وهذا هو الخطر الذي يكاد يُعتبر مسلّمة عند الناس !! يكفي أن أقع في الحبّ وكل شيء وكل إعاقة نفسية (من الشريكين) وكل نقص في المهارات وكل فساد للأخلاق وكل غياب للتوافق، وكل عادات سيئة.. كل ذلك سيختفي بالحبّ ؟
أو أنّ الحب غال لدرجة ندفع من أجله ضريبة غالية جدا جدا في حياتنا، لا نفضل أن نقدّم مثلها إن كان الحب هو المضحّى به، على حساب حياة هانئة سليمة خيّرة ! كل ما قد تُنصحين به أختنا منى قد قاله الدكتور أحمد، وأهم نصيحة في نظري هي: أن القلب يحب أكثر من مرّة، وأن إنكار ذلك ربما يأتي من مثالياتنا كبشر إذ نعتبر تجديد تجربة الحبّ نوعا من الخيانة ومن الابتذال الذي لا يليق ب"جلالة الحبّ" كما تعلمناه، وأن الحب يكون أو لا يكون بالمرّة، وأن العلاقات التي تبدأ بالحب والشوق والبكاء خير ولا بد من علاقات تبدأ بالتعقل والاحترام والراحة، ثم الحب بعد الزواج، وبالأحرى "حُسنُ بناء وتطوير ذلك الحبّ"
وأحذّرك أختاه من اختلاط مشاعر الضيم تضييع الهدف وتسلط الأهل مع حبّك وتعلق، لأن بكاءك وحسرتك لها نصيب من ذلك، فأن يمنعنا أحد من اتخاذ قرار مصيري وخاص بنا، دائما يترك جرحا حتى لو كان مجرد دخول معهد أو كلية، مما ليس فيه حب ولا عشق !
حاولي عقلنة ردود أفعالك وفتّشي في تقلباتك المزاجية ودوافعها، وإياك أن تُدمني على البكاء والتحسّر كحالة تعويضية عن الفتور العاطفي، لأن البكاء والتهيّج يصنع حالة رضى بعد ذلك، وبعض الناس يحبّ أن يعيش تقلبات عاطفية عنيفة يشعر بها بأنه حيّ ولوجوده معنى، حتى إن كان ذلك بالحزن لا بالفرح ! وأتمنى لك السعادة والتوفيق، ولا أريد أن أعظك بالجملة الأبدية، لكنها (لحُسن الحظّ) حقيقة: كل شيء سيفوت وسيلتئم الجُرح، خصوصا إن أحسنّا طريقة التعامل معه
تحيّتي .. ,أعتذر عن الإطالة