قلق الانفصال في الطفولة ربما هو الأساس
السلام عليكم ورحمة الله،
يسعدني أن أكتب إليكم للمرة الرابعة عن مشكلة ابني، وأرجو أن تجيبوني هذه المرة أيضا، ولكم جزيل الشكر.
ابني يبلغ 13.5 عاما وأخته 11.5 عاما، مشكلة ابني أنه يخاف كثيرا وخصوصا في أثناء النوم؛ فهو لا يستطيع أن ينام بمفرده في غرفته، ينام بالبكاء والتذمر. ورغم أني أصاحبه إلى سريره كل ليلة لمدة 15 دقيقة أحاول خلالها أن أخفف من روعه، فإنه دون جدوى، لقد أصبح يكره مجيء الليل؛ فهو يظن أن أحدا سيعتدي عليه خلال نومه، شرحت له مرارا أننا نعيش في مكان جد آمن، ولكن دون فائدة، بدأ ينام وحده منذ أن كان في عمره 5 سنوات، كان يخاف قليلا، ومع مرور السنين تفاقم خوفه حتى أصبح مبالغا فيه.
أحاول دائما أن أساعده لتخطي خوفه الدائم ولكن لم أفلح. معاملتي معه مبنية على الحب والحنان الكبير.
أبوه لا يتقبل خوفه وينعته بالجبان؛ وهو ما يؤزم الوضع، لقد أصبحت حالته مؤخرا تدعو إلى القلق؛ لذا راسلتكم لثقتي بأنكم سترشدونني لحل هذه المشكلة التي تعذبني كثيرا،
وجزاكم الله خير الجزاء.
23/11/2017
رد المستشار
أهلا وسهلا بك على صفحتنا "استشارات مجانين" وشكرا جزيلا على ثقتك.
للأسف لم أستطع الاهتداء لمرات استشاراتك السابقة، لكن من الواضح أن ما يمر به ابنك الآن هو على أغلب الظن أحد الاضطرابات الانفعالية ذات البدء النوعي في الطفولة Emotional Disorders with Onset Specific to Childhood ؛ فما تشيرين إليه من أعراض (كثرة الخوف والخوف من أن يبقى بعيدا عنك حتى في أثناء النوم) في طفل ذكر عمره الآن 13 عاما، أي أنه في المرحلة الإعدادية (المتوسطة) من التعليم، وقد بدأت الأعراض عنده كما أشرت منذ سن الخامسة أي من قبل سن المدرسة، هذا الاضطراب يسمى في الطب النفسي اضطراب قلق الانفصال في الطفولة Separation Anxiety Disorder of Childhood، حيث يوجد قلق مركزي مفرط يتعلق بالانفصال عن الأفراد الذين يتعلق بهم الطفل (عادة الأهل أو أفراد آخرون في العائلة).
ولا يمثل القلق في هذه الحالة مجرد جزء من قلق عام بشأن مواقف متعددة، وطبعا من الممكن أن يعطي الطفل تفسيرات كثيرة لتبرر مخاوفه وتكون مقبولة نوعا في رأيه من المحيطين، كما يحاول ابنك أن يبرر خوفه بأن أحدا سيؤذيه أو يقتله وهو نائم، وبالطبع يمكن أن تكون الأمور أبعد من ذلك تشخيصيا؛ فأنا لا أستطيع الحكم على فكرة يذكرها ابنك دون مناقشتها معه، كما يناقش الطبيب النفسي فكرة يعبر عنها مريضه.
المهم أن الأعراض الانفعالية (المخاوف) التي ظهرت على الولد منذ الخامسة وتعايشتم معها، وللأسف لم يتم علاجها في حينه وقد كان أيسر لو حصل، ولكنكم بالطبع لم تعتبروا أو لم تتخيلوا أن هناك أمراضا نفسية تصيب الأطفال، وهذا مع الأسف حال معظم الأسر العربية؛ إذ يعتقدون اعتقادا جازما بأن الاكتئاب والمرض النفسي لا يصيب الأطفال.
أنصحك بأن تقرئي الروابط التالية:
قلق الانفصال في الطفولة
خوف الخروج من المنزل قلق الانفصال
الخوف عند الأطفال..غالبًا عابر!
صحيح أن كثيرا من مخاوف الأطفال يتم علاجها في أثناء عملية التنشئة الأسرية الاجتماعية مثل الخوف من الظلام أو الحيوانات الأليفة طالما كان ذلك الخوف دون حدود الرهاب (أي الخوف المرضي غير المنطقي من شيء عادة لا يخيف، وكذلك يجب أن يكون التعبير عن ذلك الخوف من النوع المبالغ فيه، وغير الإرادي في نفس الوقت، وبشرط أن يؤدي بالطفل إلى تجنب موضوع الخوف).
كثير من المخاوف الشائعة في الأطفال يتم علاجها معرفيا وسلوكيا من خلال الأسرة والمجتمع، وإن كان من المهم هنا أن نذكر أسفنا لما آلت إليه أحوال أسرنا ومجتمعاتنا بحيث أصبحنا لا نربي أولادنا بأنفسنا غالبا مع الأسف، ونتركهم لغيرنا لانشغالنا، وهذا موضوع لن أخوض كثيرا فيه هنا.
فما حدث مع ابنك منذ بداياته وربما حتى الآن هو نوع من الخوف المزمن أو القلق المزمن، ولا بد أنه يحتاج علاجا خاصة وأنت ترين أن الحالة رغم جهودك -التي لا يشاركك فيها أبوه- تزداد صعوبة، والحقيقة أن الأمر يحتاج إلى دعم علاجي، فابنك يحتاج علاجا نفسيا سلوكيا ومعرفيا وربما عقَّاريا أيضا بعد أن يقرره له طبيب نفسي متخصص.
وأما بشأن رد فعل والده فأحسب أنه ليس رد الفعل السليم (حيث يتهمه بالجبن وهذا غير صحيح؛ لأن الولد مريض فعلا حسب ما يستنتج من إفادتك)، وربما يكون من المفيد أن يقابل الأب المعالج النفسي أو المعالجة النفسية، بل ربما احتاج الأمر علاجا أسريا خاصة إذا كانت المقارنة بينه وبين أخته قد زادت عن الحد.