هذه مشاركة من أ. حسن خالدي في استشارة بطء وسواسي أم اكتئاب وسواسي أم ماذا؟ م2
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
أهلا بالأخ شادي الذي قرأت كل مداخلاته في الموقع هنا ومنها أسئلته حول الضروري من العلوم النفسية والجميل أنّه بقي متواصلا رغم مرور السنين
أتمنى أن تكون بأفضل حالا الآن.
بالنسبة للسجع الذي لم يعجبك أن يُربط بحالة الهوس أو الأعراض الفصاميّة،
أنا فهمتُه كآلية ذهنية للربط بين أشياء أو أحداث بمجرّد التشابُه اللغويّ يا شادي
فحقا لا يعني أنّ السجع الذي هو قدرة إبداعية بشرية، يوحي باضطراب ذهاني.. لكنّه قد يكون آلية للرّبط تعني الكثير لمن لديه أعراض فصامية، وأضرب لك مثالا: التزامن بين الوقائع أو الحوادث شيء معروف.. قد يحمل الإنسان على التأمل والتساؤل عن "حكمة" التزامن.. وقد يفترض هذا أو ذاك، لكن الفصامي يكون موقنا بأن التزامن يعني شيئا، ولا يكون ذلك الشيء اعتباطيا، بل يصب في الاضطهاد أو في جنون العظمة وما يصب في سيرورته المرَضيّة، يعني هناك بنية مرضية structure
بالنسبة لما وصفْتَ من شعورك بسد ثغرة القائد (المهدي) وأن الدكتور أحمد عبد الله يصلح كمهديّ وأن الموقع كأرضية مشتركة جامعة للأمة.. كل ذلك يا عزيزي يوحي بوهامات فصامية délires paranoïaques وليس délires paranoïdes فتنظيم الضلالات والاعتقادات حول موضوع المهدي والخلافة وإنقاذ الأمة بهذا الشكل المنطقي وعلى أساس معطيات واقعية وليس تخيلية.. هو بالضبط ما يسمى délire paranoïque الذي يختلف عن الآخر(paranoïde) بأنّه يعتمد معطيات حقيقية ومتماسك جدا منطقيا، عكس الثاني الذي يتسم بالبعثرة والاختلاق وتوهم الوقائع والأحداث والروابط معا، (راجع الفرق حتى تفهم أكثر)
وربما تتساءل وتقول: وما الضير في توقع هذا أو ذاك، وافتراض أنّ وقت جمع الأمة على المهدي المنتظر قد حان؟
إذا كان التساؤل والاستشكال من جهة "هل هذا صحيح أو لا" من ناحية العقيدة، سنقع في فخ السؤال الخطأ الذي سيؤدي بنا للجواب الخطأ وانطلاء "الحيلة النفسية" علينا جميعا!
وأعطيك مثالا على أن الخلط بين الآليات النفسية والنتائج الأخلاقية (الحكم الأخلاقي أو العقدي وصحته من خطئه) قد يحيد بنا عن التشخيص الصحيح، نأتي على المثال:
شخص يدعي أنه إله مثل فرعون، هذا وقع ويقع، وشخص آخر يدعي أنه إله، ظاهريا هما متشابهين، كلاهما يدعي الألوهية والقدرة الخارقة، لكن هل الدوافع والملابسات متشابهة؟ فرعون تكبر وتجبر وكانت فلسفة حكم المصريين تقوم على "حُكم أحفاد الآلهة أو أشباه الآلهة" بكلمات أخرى كان متسقا مع مقامه كحاكم تحته الخدم والعبيد ومتسقا مع ثقافة وأساطير المُلك عندهم.
أمّا الثاني: الذي يقطن بحي كسائر الناس، حياتُه عادية، ليس عنده ما يُميّزه عن غيره، فجأة ادعى الألوهية؟؟ هل ندخل معه في سجال هل هذا كفر أو إيمان/ يجوز أو لا يجوز ؟!! لو أراد أن يكفُر لفعل دون أن يدعي الألوهية! أليس هذا أكثر منطقية في الناس العاديين؟ خصوصا أنّ كفر العصر وهو كفر تحرّريّ إن صحّ الوصف.
إن أول افتراض سنضعه في حالة مواطن عادي يدعي الألوهية هي نوبة ذُهانية.
وهذا شبيه بما قلتَ عن المهدي ودافعتَ عنه بقولك (أن هذه القيادة قد تكون على يد من يسمى بالمهدي فالمهدي عندي مرادف للقائد المرشد وليس منصب تشريف وعندما أقول أنني ظننت أنه هو فكلمة الظن قصدت بها معناها المناقض لليقين فهي مجرد فكرة لشاب مستعد أن يتولى المسؤولية الشاغرة رغم تواضعه وعدم كفاءته في انتظار البديل الكفء)
في نظري لو كانت مجرّد تحمل للمسؤولية ومهمّة قيادية، لسعيتَ للعمل والقيادة كأي داعية أو مرشد أو مفكر كما يفعل جل الناس منذ الأزل، دون المناداة على صورة رمزية مثل المهديّ وعلامات الساعة، والشرّ كائن ما بين خلقنا إلى قيام الساعة، والإصلاح واجب ومتاح حتى إن علمنا أن ما بقي للساعة ثلاثة آلاف عام!
وأيضا ما يوضحّ أنّ فكرة المهدي لم تكُن مجرد تعويض مجازي عن القيادة والعمل في سبيل الله، أنّ علامات ظهور المهدي يسبقها علامات لم تظهر لحدّ الآن، إضافة إلى أن التوقيت غير معروف، ولن يعرف المهدي نفسه أنّه مهدي إلا بعد أن يُخسف به والله أعلم، كل تلك الدلائل المضادة لا يلتفتُ إليها من كان لديه نوبة ذهانية، (تحيّز في الاستدلال)
فهذه ليست مجرد حالة فكرية عادية يقوم بها مسلم باحث بفحص احتمالات أن يكون هذا وقت المهدي ويحرّر الدلائل من القرآن والسنة والتاريخ وأقوال العلماء، لأن البحث سيكون شاملا ولن يتمحور حول الذات.
بقيت نقطة أخرى أحب أن أشير إليها وهي engram والشخصيات التسعة، إن ما يقع بخصوص التحسنات النفسية والواقعية المتعلقة بطرق التنمية والطاقة الحيوية وغيرها من العلوم الزائفة، قائمة على آليات نفسية معقدة ومغيّبة عن الأوساط العادية، لكنّك تجدها معروفة عند الباحثين الأكاديميين والباحثين في المناهج العلمية والتفكير العلمي.
مثلا هذا الإنجرام والشخصيات التسعة وما توحي به من حقيقة ذات القارئ وشخصيته تقوم على آليات مثل:
الاستسقاط validation subjective
تأثير فورير أو بارنوم Effet Forer ou Barnum
القراءة الباردة Lecture à froid
يجتمع الكلّ ليشكل Placebo يخفّف عن الإنسان معاناته ويجيب عن تساؤلاته وحيرته ويمكّنه من فهم والتحكم في حياته النفسية الغامضة وعالمه المضطرب المفزع، فيشعر بالتحسّن.
وغير تلك الآليات... وهي نفسها الركيزة التي تجعل الناس يصدّقون الكثير من الأمور مثل الأبراج والتفكير المؤامراتيّ...
وأضع لك من موقع "مشككوا الكيبيك" روابطَ بالترتيب (أعلاه) للاطلاع على هذه الآليات التي تندرج تحت مسمى التحيزات التأكيدية Biais de Confirmation ويمكنك الاستزادة من مواقع أخرى:
Validation Subjective
Effet Barnum
Cold Reading
1/1/2018
رد المستشار
الابن والزميل الفاضل والمستشار النجيب حسن خالدي أهلا وهلا بك في بيتك مجانين وشكرا على هذه المشاركة الرائعة التي أراها تضيف توضيحا كثيرا لما أردت إيصاله لصديقنا شادي وهو بالمناسبة من دعاني إلى المشاركة في وقفة التضامن مع فلسطين التي حضرتها في تونس أثناء زيارتي الأولى لها والتي أشرت إليها في مدونتي لبيك يا أقصى تمنيت لو كنت فلسطينيا وكانت الدعوة عبر الفيس بوك فهو صديق قديم لي هناك أيضًا.
وضعت لك الارتباطات التي اقترحتها بالفرنسية لأن شادي سيتمكن من قراءتها على وعد بأن أضع مقالات بالعربية فيها نفس المضامي ثم أغير الارتباطات في وقت لاحق، وأما ما أختلف معك فيه يا حسن هو فقط وصفك للأعراض الذهانية بأنها فصامية... والحقيقة أن الأعراض الذهانية لم تعد هي العلامة المميزة للفصام أيا كان محتواها حتى أن أعراض وعلامات شنيدر من المرتبة الأولىFirst Rank Schneiderian Symptoms التي تعلمت وتعلمت أجيال قبلي من الأطباء النفسانيين أنها علامة لا تقبل الجدال على وجود الفصام أصبح من المعروف الآن أنها أكثر وجودا في مرضى الثناقطبي المصحوب بأعراض ذهانية.
ما يميز الفصام من العلامات أصبح النقائص المعرفية وأعراض عدم الترابط Disconnectivity أو ما يسمى بالرنح المعرفي Cognitive Ataxia وشادي أبعد ما يكون عن ذلك في كل أحواله... أعرف أنك لم تقصد أن لأعراضه علاقة بالفصام لكن رأيت أنه لابد من التوضيح.
ويتبع>>>>>>>>>> : بطء وسواسي أم اكتئاب وسواسي أم ماذا؟ م3
التعليق: السلام عليكم مساء الخير د. وائل والأخ شادي. هو معرفة قديمة إذن بارك الله فيه وشكرا لوضعك الروابط التي بها اكتمل معنى الاستشارة وما أردت أن أوضّحه، وقد وضعتها بالفرنسية لعلمي أن إخوتنا التونسيين يقرؤون بالفرنسية، وننتظر المحتوى العربي الذي سيكون نافعا للناطقين بها.
وأشكرك كثيرا على تصحيح وتدقيق المحتوى حول المعلومات الطبنفسية، فقد وضحت لي الفروقات، وأنا أعشق معرفة الفروقات والتماهيات، بتمييزها يكون الضبط والفهم الجيد. وسأراجع ما وضعت لي من مصطلحات. دمت معلما وأبا مرشدا لنا يا عزيزي وائل.