أوطان الهلع: العدوى والمناعة – مراجعات واجبة**
فكر معي ....
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، في البداية لابد وأن أحيي السادة القائمين على هذا الموقع الثري بعلمهم وخبراتهم الجمة على إدارة مثل هذا الموقع الراقي، بدأت مطالعتي لموقعكم النفسي من خلال صدفة بحتة ومن يومها وأنا متابع جيد لاستشاراتكم والردود الوافية الكافية المحترفة في التشخيص والعلاج بكفاءة مرتفعة من ناحيتكم.
تعلمت كثيرا، وحصلت منكم على عصارة الخبرات المفيدة..... لكن عندي مشكلة أود استشارتكم فيها والرد الشافي كعادتكم الكريمة..... المشكلة هي أنني لدي بعض الأسئلة العميقة شيئا ما يسبب لي وسواسا قهريا.
وهو أني أعرف أن المريض له حق عدم إفشاء سره من قبل الطبيب المعالج وذلك شرف المهنة وحق المريض على طبيبة كما أنه لصالح المجتمع ككل..
شرف المهنة لأن الطبيب تحمل أمانة أسرار المريض فلا يجب أن ينشرها على العلن... بعدما وضع صاحب المشكلة كل ما يؤرقه وبتفاصيل لا يعلمها أحد إلا الله أمام الطبيب (صار عاريا أمام الطبيب ليكشف عليه ويعالج العلة التي تؤرقه) فكيف يفضح الطبيب عورة صاحب مشكلة نفسية تؤرق عليه حياته؟
كما أنها لصالح المجتمع ككل يجب أن لا يكون على الملأ العلاج النفسي أو حتى الاستشارة النفسية وعرض مشكلات السادة المشاركين والردود عليهم ... كما يعلم الجميع أن الإنترنت والإعلام جعل العالم قرية صغيرة.... ثقافات تغزو ثقافات.. وأيدولوجيات تغزو أيدولوجيات.....
فلماذا موقعكم الكريم لا يرد على الاستشارات بغير نشرها على الملأ حتى لا يتم التفاعل مع هذه المشكلات من قبل المتابعين للموقع فيتم التأثر من تجارب الغير ومشكلاتهم سلبا مما يؤدي إلى تفشي المشكلات في المجتمعات؟
(تفشي الأمراض ينتج عن سرعة نقل العدوى.. وهناك نفوس ذات مناعة ضعيفة قد تصيبها عدوى تفشي المشاكل الموجودة في الاستشارات)
أعطيكم مثالا من خلال موقعكم الكريم، في ردكم على استشاره بتاريخ 11/05/2004 والموجود على صفحات موقعكم العزيز
جاء فيها ما يلي : وهم التحرش الجنسي...هل نحن السبب؟ أي أنه قد يتأثر البعض في حياتهم بهذه الاستشارات تأثرا سلبيا.....
هذه هي الأسئلة القهرية التي تدور بخاطري فتسبب وسواسا يشفيه الرد بموضوعية وحرفية عالية عهدتها من أساتذتي المتميزين القائمين على الموقع.
شكرا لسعة الصدر
وعذرا على طول الاستشارة
1/2/2018
** هذه مشاركة في استشارة أوطان الهلع: العدوى والمناعة – مراجعات واجبة والتي قام بالرد عليها أ.د سداد جواد التميمي
رد المستشار
الأخ السائل:
سؤالك فرصة لمراجعة علنية مفتوحة لعدة مسائل:
- الأولى: لماذا ننشر الاستشارات وفيها أسرار شخصية بتفاصيل دقيقة؟! وما علاقة هذا بآداب مهنة العلاج النفسي؟!
أتفق معك فيما يخص السرية الواجبة، ولكنها تختص بالتعاقد الحاصل في العلاج الفردي في جلساته الخاصة، أو حتى العلاج عبر الهاتف أو شبكة الإنترنت، أما موقعنا فهو يقدم هنا خدمة هي أقرب إلى تبادل الخبرات عبر الحكايات التي ترد في رسائل لا يعرف أحد منا بيانات أصحابها، أو بالأحرى أشخاصهم، وبالتالي فإن نقطة المنطلق والارتكاز هي الحكاية ثم التعليق عليها بمعلومات أو ملاحظات تستهدف تفهيم السائلة أو السائل، أو رسم خريطة تضاريس، ومسارات تعامل مع ما تحتويه الرسائل، والمحتوى طيف عريض مما يعرض للناس في حياتهم اليومية، والاتفاق واضح ومعلن بين موقعنا، وأصحاب الرسائل من أننا نقدم مشورة محدودة – بحكم الوسيط الاتصالي - نجيب فيها على السؤال الذي وصلنا، ويعلم المرسل أن رسالته ستكون أمام الجميع، وقد يطلب حجب بعض تفاصيلها، وأحيانا نفعل هذا بدون طلب من صاحب، أو صاحبة الرسالة!!
ويقترب هذا من صيغة العلاج النفسي الجماعي، أو الإرشاد والمشورة والدعم الجمعي وفيه نوع من المواجهة والتعري لأغراض علاجية باتفاق مسبق.
- المسألة الثانية: العصر المفتوح الذي نعيشه يقتضي إعطاء أهمية مضاعفة لبناء عقل المستخدم بحيث يكون هو محور الارتكاز في عملية التعلم، وتكوين الخبرات فلم يعد هناك أي معنى ولا وجاهة لممارسة أي نوع من الوصاية أو الرقابة لتحديد ما يصلح أو ما ينفع الإنسان أو ما يضره، ويكتفي في هذا الصدد بالاتفاق على أن كل إنسان على نفسه بصيرة، ونجتهد جميعا في استعادة هذه البصيرة ونفاذها بدلا من أن نكون بديلا عنها، أو مرشدا مباشرا يختار لها، إنما ندعو لتنميتها، ونغذيها بالمعلومات والخبرات لتصحو، وتعمل، وتنضج.
وندرك أن هذا هو تحول ضروري لازم في أسلوب التعلم، ونقلة كبيرة نحن مضطرون لإحداثها في وعينا وتعاملنا من الأسلوب التسلطي الأبوي المغلق إلى الأسلوب التشاوري المفتوح المرتكز على تبادل الخبرات والتعلم منها، وليس الخوف من التلبس بها، أو التماهي معها، وهذا الموضوع برمته يحتاج إلى إيضاح، وبسط في الشرح، ومراجعات عميقة لممارسات ممتدة، وتصورات متجذرة في عقلنا الجمعي، وينبغي أن تحصل فرصة نتحاور فيها حول هذه المسألة الضرورية التي تشير إليها رسالتك من طرف غير مباشر، وربما لم تقصده أنت!!
- ثالثا: المثال الذي اخترته يكشف المزيد مما ينبغي مراجعته.
الفتاة السائلة تتعامل بهلع وقلق وتوجس شائع مع مسألة تحتاج إلى معالجة ولتصحيح الإطار المتداول قبل المحتوى الذي تتناوله!!
الفتاة صاحبة الرسالة تتبنى المعيار المثالي متطرفة في الحكم على الأشياء والأشخاص، والهلع ينتقل للمستشارة على نحو ما، ومن المستشارة إليك!!
الفتاة تسمي أجزاءًا من جسدها "مناطق مخجلة"، وتخشى التصريح بما تتصوره أو تستشعره حتى لا يعاقبها الله به!!
وهي تعتقد أن إدراكها للواقع هو عين الحقيقة، ولقطات كثيرة تحتاج إلى تمهل وتأمل وتصحيح عميق، وصادم- ربما!!
وهي نقاط جديرة بالمعالجة بغض النظر هل الأب يمارس هذا الانحراف فعلا، أو أن الفتاة مسكينة ومصابة باضطرابات في إدراكها وتفسيرها، وربما تتوهم وتهلوس، أو لديها ضلالات، أو تسقط رغبات جنسية مكبوتة على أبيها، وآفاق كثيرة تفتحها رسالة الفتاة، وتصعب معالجة كل هذه النقاط في إجابة واحدة!!
المستشارة، والإجابة قديمة للغاية (خمسة عشر عاما)، أقصد أن نفس المستشارة يمكن أن تتناول نفس الرسالة من جوانب أخرى، لو أنها أجابت عليها الآن!!
وفي يقيني أن هذه الفتاة تحتاج لمراجعة ومناظرة لحالتها من متخصص ليحسم لها أو يساعدها في حسم الارتباك، والفجوة بين ما تتصوره، ورفض المحيطين بها له.
وحضرتك لديك هلع ناشيء ربما من تبني نظرية "العدوى، والمناعة" التي ترتكز عليها بوصفها حقيقة علمية، وربما توصية دينية، وهي مما نحتاج لمراجعته، وقد راق لك أن تلتقط ما ترى أنه يؤيد نظرتك، وتقديرك من إجابة قديمة على استشارة مرتبكة لفتاة مضغوطة بالعصاب الجماعي تجاه الجسد والجنس، وهذه الشبكة المفاهيمية كلها تحتاج للمراجعة!
وفي نهاية ردي أعود لأؤكد أن رسالتك في غاية الأهمية لأنها تتعلق بما يستحق نقاشا معمقا حول ما نحاول تقديمه، وحول اللحظة الحالية بتفاصيلها، والتحويلات الكبرى التي حصلت في المعرفة والتعلم والاتصال، وحول تأثيرات هذا على البشر، وحول رصد هذا كله، والتعليق عليه، وبشكل فردي تابعت صدور عدة كتب في هذا المجال خلال العشرية المنصرمة، وقد ترجمت بعض هذه الكتابات إلى العربية، ورسالتك تتضمن تحريضا غير مباشر لي أن أعود لهذه الكتابات قارئا ومتأملا، وربما أكتب في هذا الصدد شيئا أكبر من هذه العجالة التي أرجو أن تكون ولو إضاءة بسيطة في مساحات خطيرة – لا يتطرق إليها أحد!!