بين الجهل بقوانين الحياة، ومصيدة الشعور بالذنب
مشكلة عائلية وغلط في حق نفسي كبير
مشكلتي بدأت أول ما بابا توفي عماتي وأعمامي مبقوش يسألوا ولا يشوفونا، ماما اتجوزت ومبقتش مركزة معانا باعت أملاك بابا وضيعت فلوسها في البورصة إللي هي حقنا شرعا بتوكيل عام،
أنا عندي 3 إخوات؛ ولدين وبنت، البنت مبعتبرهاش أختي من أول ما بابا مات وهي عايشة برة البيت مع صحابها وما بنشوفهاش إلا مرة في السنة وشغالة مضيفة حاليا ولا حتى بتكلمنا تسأل أخويا الكبير الأكبر منها فضل يشرب حشيش ومخدرات لحد ما اتجنن وجاله مرض اسمه اضطراب ثنائي القطبين وأنا اتخطبت وخطيبي ضحك عليا هو ومامته لأني طبعا مكنتش عندي أخت حتى أحكيلها وتنصحني لحد ما حكيت لجارتي وجارتي حسبي الله ونعم الوكيل فيها فضحتني في العمارة ولمت السكان وكلمت أم إللي كان خطيبي عشان تأكد لهم إن كلامها صح،
أنا ندمانة وبتمنى إن ربنا يجيب لي حقي منه هو وأمه اللي كانت عارفه وكانت بتقول هتجوزنا في أسرع وقت وضحكت عليّ إنه كان بيحصل في بيتهم العلاقة دي أخويا الصغير بقى كل يوم والتاني علقه ليا بالدم في جسمي لو عليت صوتي بس واتخانقت مع ماما والله ما بيكون أي سبب تاني غير أخلاقي لأني حرمت أعمل حاجة غلط من ساعة موضوع خطيبي ده مع إنه ما بيسألش حتى عن أختي اللي مبتجيش أصلا ولا حد يعرف عنها حاجه،
وكل يوم خناقة في الشارع بالمسدس ويضرب نار على الناس ويعور ناس ويعملوا له محضر وماما مش قادرة عليه أو هي بتكرهني عنهم لأن أى حد بيعمل حاجه فيهم بتدافع عنه لكن أنا شتيمة وإهانة فيّ حتى أختي بتدافع عنها وتقول سبوها بتشتغل لكن أنا حتى ما بتحوش لما حد يضربني وهي معندهاش إخوات خالص،
أنا بقى تعبت وبفكر أنتحر كل حاجه سودة حولي حتى كان عندي واحدة صحبتي عرفت إنها فضحاني على موضوع خطيبي ده عند ناس كتير وقالولي أنا خلاص جبت آخري من الدنيا والناس اللي عايشين فيها حد يشوف لي حل، أمشي من البيت طب أروح فين خايفة من الناس اللي في الشارع ولو حد في صحباتي اللي من الجامعة استحملنى يوم مش هيستحملني التاني
الحل إيه مش عارفه أتكلم مع حد وخايفة أتفضح زي ما جارتي عملت
مع إنها كانت حالفة على المصحف إن عمرها ما هتقول
5/2/2018
رد المستشار
الابنة السائلة: نعيش في مجتمعات تحمل ثقافة النحيب على اللبن المسكوب، والاستسلام لدور الضحية! عقولنا تبرمجت على رصد وتوصيف المشكلات والتجمد أمامها، والتملص من المسؤولية، وتعليق مهمة خلاصنا في رقبة أي أحد، أو استسلام في انتظار الفرج، أو الانتحار لأننا انتهينا قبل أن نبدأ!!
ما حصل مع خطيبك هو مسؤوليتك الشخصية، وبعد اعترافك أمام نفسك بهذا "دون تحوير" يمكنك تقبل هذا الأمر الواقع، وأنا أقبلك وأقبله ولا أحكم عليك بشيء، ولا أنسب إليك عارا، ولا أتوقع من فتاة عديمة الخبرة بالحياة، وعديمة السند أفضل مما جرى.
لكن بناء الخبرة، وشبكات المساندة هو أيضا مسؤوليتك.
الدراما الواقعية في حياة كل منا هي في تدبيره، وتأمله، وفعله فيما وضعته فيه الأقدار.
أي أنك من يقرر تناول المعطيات والظروف المعيشية لك بوصفها تحديات تستفز فيك قواك وطاقتك في التركيز، والترتيب، والتعامل خطوة خطوة، أو أيضا أنت من تقرر استمرار النحيب، والاستسلام لموقع، وموقف، ودور الضحية!!
وأكرر لك الكلام حتى تستوعبيه.
كيف يمكننا التعامل مع المعطيات الموجودة في حياتك؟!
أولا: وقف النحيب، ووقف التملص من المسؤولية عن نفسك، وسلامتك، وسلوكياتك، تماما، وفورا.
والاعتراف والقرار بأن كل ما يخصك هو مسؤوليتك الشخصية، وبأن حياتك هي حصاد اجتهادك في تطوير معارفك، وخبراتك، أو تقاعسك واستسلامك، أنت مسؤوليتك!!
ثانيا: القبول بأن ما حدث قد حدث، وبأنه لا يشينك أمام نفسك لأن سوء التقدير، أو الخطأ هو واقع إنساني متكرر، وهو لا يشين صاحبه بل هو المعلم الأول لمن ينتبه ويتعلم، وفارق الخبرة الحقيقي بين إنسان ناضج، وغير "ناضج" هو فارق أخطاء: يحسب أحدنا حساباته، ويقدر تقديراته، ولديه توقعاته ثم تظهر له تطورات الأمور أنه كان مخطئا في حساباته، وتقديراته، وتوقعاته فيتعلم من هذا، ولا يكرر الخطأ، أو يتشنج، ويتهرب من المسؤولية، وينصت للأصوات المختلفة بداخله، أو من حوله التي تلومه لأنه أخطأ، وكأنهم ملائكة أطهار لا يخطئون!!
تبا لهم... ولا قيمة أبدا لآراء من لا يفهمون الحياة، وقوانين السير، والنجاح فيها "فكك منهم"!!
ثالثا: أهم مهام المرحلة هو التركيز على التعافي من الماضي، والتركيز في خطوات الحصول على شهادتك الجامعية دون بطء ولا تأخير لأنها بطاقة العبور لمرحلة جديدة في حياتك، وبطاقة خروج من وضع إلى وضع.
في شأن التعافي تحتاجين إلى مجموعة آمنة، ووسط صحي، لا أعتقد أن أسرتك توفره لك، ولا صديقات الجامعة ولا جيرانك، وأعرف أن الوصول لمثل هذا الوسط هو أمر صعب، ولكن صعوبته لا تبرر التخبط وسوء التدبير الذي حصل في اختياراتك لعلاقاتك، وينبغي التوقف عن الاستمرار في سوء اختيار علاقاتك والأشخاص القريبين منك!!
ومن حسن الحظ أنك تعيشين في مصر حيث أستطيع أن أدلك أين يمكن أن تجدي هذه الصحبة، تواصلي مع إدارة الموقع بإيميلك لأرسل لك التفاصيل.
وكنت قد كتبت من قبل عن أهمية وجود بيوت، أو مراكز، أو مساحات "ونس"، أو دعم نفسي، ومجتمعي في كل حي، أو مدينة عربية، وهذا حاصل حاليا في القاهرة، والإسكندرية، وأتمنى أن يتحقق في كل بقعة.
وأذكرك بإعطاء الدراسة أولوية لأن شهادتك الجامعية هي أهم خطوة أو إجراء تستطيعينه حاليا لتأمين وضع مادي ومجتمعي أفضل.
رابعا: حين نقع في موقف الضحية بسبب قلة خبراتنا، وسو تدبيرنا نميل غالبا للبحث عن شماعة لتعليق المسؤولية عليها، وكذلك البحث عن شخص أو أشخاص نلقي عليهم بمسؤولية إخراجنا مما نحن فيه، أو تحملنا له.
وهذا الأسلوب الهروبي الاعتمادي يختلف عن البحث عن مجموعة دعم، أو شبكة مساندة واعية نتشارك فيها الخبرات والتجارب وتطوير القدرات والمهارات, الأسلوب الهروبي يورطنا في علاقات مرضية جديدة سواءا صداقات، أو علاقات عاطفية نرمي بأنفسنا فيها، ونحن في حالة ضعف، وانكشاف واعتمادية ثم حين تحصل مشكلة جديدة نعود نشكو الأقدار، أو الظروف، أو الناس، أو العائلة!!
أرجو الحذر في انتقاء الأشخاص الذين تسمحين لهم بالتواجد في الدائرة المحيطة بك، أو في البوح لهم، وإطلاعهم على أسرارك أو أخطائك في مجتمعات عربية يسودها التخلف والغباء في التعامل مع الحياة وقوانينها، ومنها قانون الخطأ، والتعامل معه، والتعلم منه.
خامسا: لا يعني انفرادنا بالمسؤولية الكاملة عن أنفسنا، وتدبير مهام القيام بها وحدنا أننا نسير في الحياة، أو نهيم في الصحراء الواسعة دون رفيق!!
ذكرت لك مجموعة أو شبكة المساندة وأضيف لك الرفيق الأول والأهم الله سبحانه، وعلاقتنا به تضطرب جدا حين تتشوه علاقتنا بأنفسنا، والعكس صحيح حيث ترتبك علاقتنا بالله.
الإيمان الذي نتربى عليه غالبا ما يكون هشا عليلا لا يسعف ولا يكفي، ويقوم على ترديد كليشيهات، أو مقولات فارغة من المحتوى النافع، وتصوراتنا لله أيضا تصورات ساذجة، وأحيانا مخيفة، ويلزمك بناء علاقة مباشرة ومتينة مع ربك الذي خلقك، وهو أعلم بك، وبضعفك، وقلة خبرتك، وهو معك دائما، ويدعمك لو طلبت، وهو لا يتخلى عن عباده، وقد خلقهم يحملون إمكانية الخطأ، والقدرة على التعلم منه، أو الاستسلام له، وكل يختار ما يحلو له.
ومن إيماننا المتداول الذي تربينا عليه أننا نتضرع إلى الله لينوب عنا في القيام بواجباتنا، وكأنه يحل بديلا لنا في ما ينبغي أن نقوم به من تقدير، وانتقاء، ومسؤولية عن النفس، والقرارات، وتصحيح للمسار، وبدلا من ممارسة صلاحياتنا الإنسانية من مسؤولية وقرارات وأخطاء وتعلم واكتساب خبرات وإنضاج وعي نتوهم أن دورنا هو استمرار الانخراط في النحيب والتضرع ثم الجزع ونفاذ الصبر لأن شيئا لا يتغير.
تابعينا بأخبارك، ودمت بخير.