هذه مشاركة جاءتنا في مشكلة عندما يكون العيب فادحا، وأرسلت إلى كلٍّ من المستشار الدكتور محمد المهدي (بطريق الخطأ)، والمستشار الدكتور عمرو أبو خليل، وهو المستشار الذي أجاب على المشكلة الأصلية فعلا، وهكذا وجد الدكتور محمد المهدي نفسه أمام نص لا يعرف أنه مشاركة في مشكلةٍ أجاب عنها مستشارٌ آخر، ولم تكن لديه بالطبع فكرةٌ عن الموضوع، وأما الدكتور عمرو أبو خليل، فما زال متأخرًا عن الرد على المشاركة حتى الآن، والحقيقة أن رد فعل المستشار الدكتور محمد المهدي، كان رائعا كعادته، ويرغمنا على نشره رغم ما في ذلك من فضح لخطئنا، فسامحوني يا زوار مجانين، لأنني المسؤول عن هذا الخطأ، وإن كانت نتيجته رائعة كما ترون.
أ.د. وائل أبو هندي
نص المشاركة:
عندما يكون العيب فادحا
السادة المحترمين؛
كنت أقول أن أصدق الناس السكارى والمجانين واستمريت على ذلك وليس بالضرورة أن يكون السكران هو من تناول المسكرات وسواها.
أعود إلى صلب الموضوع الأسرة هي الخلية الأولى في تكوين المجتمع الإنساني, وفي النظم الاجتماعية المختلفة تعتبر الأسرة من أهم عوامل تكوين الشخصية للإنسان، لكن العوامل الأخرى لها دور أيضا ونتيجة تطور المجتمعات الإنسانية والتقدم العلمي المتسارع جعل الإنسان الجديد يؤثر ويتأثر بالتطور وتشده تربيته الأولى إلى المراحل الأسرية وقد تدفعه للأمام والعكس وارد.
من هنا أقول ومن وحي تجربتي الإنسانية المتواضعة, الإنسان ابن بيئته والثقافة الذاتية لها دور عظيم في التربية وممكن أن يتمرد الولد على النظم الاجتماعية لأسرته إن كانوا إيجابيين أو سلبيين لينطلق بفهم حديث خاص به شخصيا، والتمرد على الوضع السيئ هو ثورة نحو الأفضل،
ولكم الشكر وأنا من المجانين المحبين لكم وأتمنى أن أستمر بالتواصل معكم
وشكرا.
5/8/2004
رد المستشار
أخي العزيز..... "محمود تميم ليلى" السلام عليكم ورحمة الله وبركاته؛
مرحبا بك في أسرة مجانين، ويبدو لي أن انضمامك لهذه الأسرة أغراك بالخروج على المألوف فرحت تتحدث بطريقة التداعي الحر، ولم ترتبط بوحدة الموضوع أو تناغم السياق فوضعت عنوانا لم أجد له صلة قوية ببقية الكلام، ولكن لابد أن هناك ارتباطا ما على مستوى أعمق لم أستطع الوصول إليه فاعذرني في ذلك وأعدك بأنني سأستمر في المحاولة.
بعد أن تجاوزت غموض العنوان وجدتني أمام فكرة فلسفية أخرى وهى صدق السكارى والمجانين، وهى فكرة قد تبدو غريبة أو مستهجنة من عموم الناس إلا أننا نرى فيها بعض الحقيقة وهى أن السكران (بشراب أو بغيره) يشترك مع المجنون في فقد دفاعاته النفسية، لذلك يقول ما يشعر به دون تحفظ أو حسابات تتصل بعالم الواقع لأن قوى التحكم لدى كل منهما قد انهارت أو ثبطت، وقد يكون هذا عيبا أو ميزة حسب من يحكم على ذلك الشخص أو ذاك، فالبعض يعتبره براءة وصدقا والبعض الآخر يعتبره بلاهة وسذاجة ونقص في العقل الذي هو أفضل شيء كرم الله به الإنسان.
ثم انتقلت بعد ذلك بحرية تامة إلى مناقشة إشكاليات تربوية من خلال تجربتك الشخصية والتي تلتقي أحيانا وتفترق أحيانا مع وعن نظريات نفسية وتربوية كثيرة، فلا شك أن سلوك الإنسان باختصار شديد هو حاصل ضرب الوراثة في البيئة، والأسرة هي البيئة الأولى التي ينشأ فيها الإنسان ويكتسب من خلالها الكثير من صفاته لدرجة أن عالم نفس كبير (بصرف النظر عن تحفظاتنا على كثير مما قاله) يقرر بالحتمية النفسية وهى أن سلوك الإنسان في كل حياته يتحدد بخبراته النفسية في السنوات الخمس الأولى من عمره وما تم فيها من تفاعلات بينه وبين والديه على وجه التحديد، فالتأثير في هذه الفترة يكون أشبه بوضع البرامج على القرص الصلب Hard Disk في حين أن الخبرات التالية للإنسان في كل مراحل حياته تشبه عملية تحديث تلك البرامج Updating أي أنها Soft Ware،
ولكن نظريات التعلم الاجتماعي عارضت هذا المفهوم وأثبتت أن الإنسان قابل للتعلم والتغير في كل مراحل حياته، وهذا الرأي الأخير أقرب للصحة والمنطق لأن الإنسان لو فقد قدرته على تغيير ما اكتسبه في السنوات الخمس الأولى من حياته لأصبحت مساءلته عن أفعاله في الدنيا والآخرة لا محل لها.
ثم انتقلت بعد ذلك إلى فكرة تمرد الابن على الأسرة ولمحت في كلامك إعجابا بهذا التمرد حيث اعتبرته وسيلة للانطلاق بمفهوم جديد خاص به شخصيا وثورة نحو الأفضل، وأستأذنك في إبداء بعض التحفظات التي تسمح بالاستفادة من روح فكرتك وهى أن كل جيل لابد وأن يقدم شيئا جديدا للحياة حتى تتطور البشرية مع تعاقب الأجيال ولن يحدث هذا إلا باختلاف الجيل الجديد عن القديم في كثير من المفاهيم والآراء والسلوكيات،
وبالطبع فإن هذا يزعج الجيل القديم ويهدده أحيانا لأنه يريد سلوكا مألوفا ومطابقا لرؤيته التي اعتادها ووثق فيها وهذه هي فكرة صراع الأجيال أو حوار الأجيال (حسبما تحب أن تسميها) والتمرد ربما لا يفي بهذا المعنى من البناء والتجديد وإنما هو يميل إلى الهدم والعداء وليس بالضرورة ثورة نحو الأفضل إلا إذا كان الوضع القائم على درجة من الفساد لا يصلح معها إلا التمرد، إذن اسمح لي باستبدال كلمة التمرد بكلمة الاختلاف أو التميز لأنها تحمل معان إيجابية تضيف إلى الحياة وعمرانها.
أخيرا أشكرك على ما فجرته بداخلي من خواطر حرة أو متحررة، وأنك شجعتني على الخروج عن النص وعن السياق الموحد ومارست (مثلك) حريتي وصدقي وجنوني على قدر استطاعتي.