لا أعرف كيف أتوب...!!!
كيف أتوب؟؟ وأنا لا أستطيع أن أسامح نفسي؟؟؟ وأنا لا أشعر بالأمل تجاه حياتي..!!!!
كلما قرأت أية من آيات الله.. تتحدث عن التوبة.. وعن رحمة ربي.. أبكي بشدة.. وأشتاق لربي.. ولكني.. لا أعمل عملا قويا طيبا..!!
أنا لا أفعل الفواحش الكبيرة... ولكني فقط جدا كسولة وأضيع وقتي... ولا أبذل جهدا كبيرا لنيل رضا ربي..!!!
إرادتي ليست قوية... أبدا..لأنني قد عانيت من الوسواس القهري لفترة شوي طويلة.. وتعبت منه.. وبالتالي..أشعر أنني لا أريد أن أرجع قريبة من ربي..
لأن الوسواس راح يرجع لي.... وسأعاني...
وأيضا.. سأعاني من ضغط الناس.. إذا تحدثت معهم عن الإسلام..!!!
أنا أريد بالحق التوبة.. وأن أكرس حياتي لربي.. ولكني..لا أعرف كيف..ولا أحمل إرادة كبيرة...أستطيع من خلالها أن أغير نمط حياتي... وأن أكون شخصيتي على الطريقة الصحيحة...
أرجو أن يرد علي الدكتور وائل...
وشكرا
2004/9/17
رد المستشار
الابنة العزيزة أهلا وسهلا بك على موقعنا مجانين، وشكرا جزيلا على ثقتك، كنا في مقالةٍ لنا قد تناولنا مشكلة الوسوسة في بداية الالتزام الالتزام الديني والوسوسة هل من علاقة؟، وخلصنا إلى وجود اختلافٍ بين ما يقدمه الطب النفسي بنظرياته المتداولة بين الأطباء النفسيين، وما يقدمه الفقهاء والشيوخ من تفسير لذلك، فبينما ترى نظريات الطب النفسي إرجاع ذلك إلى مجرد الكرب النفسي الذي يدفع إلى أو الذي يمثله الالتزام الديني، يفسر الفقهاء الأمر بشكل مختلف فيرجعونه إلى الشيطان الرجيم الذي يرى في الملتزمين الجدد فريسة سهلة أو لينة العظام أو هو يحاول الحؤول بين الملتزم المبتدئ وإحسان التزامه فيهاجمه،
وبرغم أن التفريق بين الخناس واللاخناس من أنواع الوسواس كما بيناه للمريض العربي المسلم من قبل، ورغم ما شرحناه أكثر من مرةٍ عن مرض الوسواس القهري: وأنواعه وأعراضه وحكمه الشرعي، بالرغم من كل ذلك بقيت كلمات مرضانا التي تشبه قولك: (عانيت من الوسواس القهري لفترة شوي طويلة.. وتعبت منه.. وبالتالي.. أشعر أنني لا أريد أن أرجع قريبة من ربي.. لأن الوسواس راح يرجع لي.... وسأعاني...)، تدفع الواحد للتأمل والتفكير من جديد، وتجعله كمسلم غير قانع بانعدام العلاقة بين اضطراب الوسواس القهري كمرض نفسي يعالجه الطبيب النفسي بعقَّاقير الماس أو الماسا، وبالعلاج المعرفي السلوكي، وبين الوسواس الخناس،
وهو ما يذكرنا بما افترضناه من قبل من إمكانية أن يكونَ للشيطان دورٌ في بداية الوسوسة (وليس –حتى الآن- في استمرارها) كما تفهمين من مقال: ما هو مصدر الفكرة التسلطية (الوسواسية) الأولى؟، في باب نطاق الوسواس القهري.
وأما الموضوع الذي اخترته أنت عنوانا لمشكلتك وهو التوبة (لا أعرف كيف أتوب...!!!)، فموضوع يستدعي التأمل بحق، ولكنني أود إحالتك أولا إلى ما كتبناه تحت عنوان: من سمات الموسوسين فرط الشعور بالمسؤولية والذنب، لتقرئي عن سمة معرفية/شعورية مهمة من سمات مرضى الوسواس القهري وهي سمة النزوع لتضخيم المسئولية والذنب، ولعل هذا أيضًا ما بيناه في أكثر من إجابة على استشارات مجانين مثل:
التائب من الذنب كمن لا ذنب له
التائب من الذنب كمن لا ذنب له مشاركة
دموع الندم وتجديد الإيمان
دموع الندم وتجديد الإيمان مشاركات
وكما ترين من الروابط السابقة، فإن فقه التوبة في الإسلام يأخذنا بعيدًا عن مثل هذه الطريقة في التفكير، وكي تدركي أكثر ما أقصدهُ بهذا الكلام، سأمشي معك خطوةً بخطوةٍ:
1- يبدو لأول وهلة، لقارئ سطورك يا ابنتي أنك أذنبت ذنبا كبيرا، حتى بدت لك التوبة لا تكفي، فإذا بك تصفين حالك بقولك: (أنا لا أفعل الفواحش الكبيرة... ولكني فقط جدا كسولة وأضيع وقتي...)، إذن فلديك شعور بالذنب أو التقصير مبالغ فيه.
2- ثمَّ يتضح أكثر ما تعانين منه معرفيا وشعوريا حين تكملين: (ولا أبذل جهدا كبيرا لنيل رضا ربي..!!! إرادتي ليست قوية... أبدا..)، فأنت إذن تريدين تعبدًا أكثر من المطلوب منك، ولا شيء في ذلك ما دمت تعطين كل ذي حقٍّ حقه (بدنك، وأهلك...) كما في الحديث الذي رواه البخاري
إذا فقد أقر صلوات الله وسلامه عليه ما قاله سلمان الفارسي لأبي الدرداء رضي الله عنهما: (إن لبدنك عليك حق ولأهلك عليك حق فأعطِ كل ذي حق حقه..)صدق صلى الله عليه وسلم، ولكن الواضح هو أنك تتشددين على نفسك، فتطلبين أكثر مما تطيقين، وتصفين أنت ذلك بشكل آخر تماما حين تقولين: (وأن أكرس حياتي لربي.. ولكني.. لا أعرف كيف.. ولا أحمل إرادة كبيرة.. أستطيع من خلالها أن أغير نمط حياتي.. وأن أكون شخصيتي على الطريقة الصحيحة)، كم تبدو كلماتك بريئةً رغم ظلمك لنفسك.
3- بعد ذلك ترجعيننا إلى مشكلة: علاقة الوسواس القهري بالالتزام الديني، فتعللين ما ترينه –أنت- تقصيرا في الالتزام بخوفك من عودة الوسوسة، ثم تغالين في شعورك بالذنب حتى أشرفت على الاكتئاب، وسأقول لك هنا أنني أنصح من توسوس في صلاة الفرض بأن تجاهد في صلاتها حتى تؤدي الفروض، ولا أفعل ذلك مع من توسوس في النوافل، وهناك فعلاً من توسوس في صلاة الفرض ولا توسوس في النوافل، وليس هذا إن أردنا توصيفه في الطب النفسي إلا علاجا سلوكيا للوسوسة، فضلا عن أن من يجاهد لأداء الفرض يجد من فضل ربه أكثر من غيره، ونفس الكلام ينطبق على قراءة القرآن أو ذكر الأذكار، فأنا لا أوافق من يأمرُ مرضاه بترك الواجب الديني اجتنابا للوسوسة.
4- أما ما يبين البعد الذي لم تظهريه بوضوح كما ينبغي فهو قولك: (وأيضا.. سأعاني من ضغط الناس.. إذا تحدثت معهم عن الإسلام..!!!)، أتدرين لماذا؟ لأن تشددك فوق طاقة البشر العاديين، فهل ما زلت يا ابنتي على الإنكار تصرين؟؟ هذا ما أنصحك بالتأمل فيه جيدا، كما أحيلك إلى الروابط التالية من على موقعنا مجانين:
الكمالية والإتقان بين السواء والمرض
الكمالية والإتقان بين السواء والمرض متابعة
هل أنت شخصيةٌ قسرية؟
تقولين بعد ذلك ما زلت (لا أعرف كيف أتوب...!!!)، الرد في منتهى البساطة قولي ما قال عليه الصلاة والسلام في دعاء الاستفتاح: "اللهم إني ظلمت نفسي واعترفت بذنبي فاغفر لي ذنوبي جميعاً" رواه مسلم، وتدبري ما ثبت في الأحاديث الصحيحة من قوله صلى الله عليه وسلم:
- "والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم آخرين يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم"رواه مسلم.
- "كل ابن آدم خطّاء وخير الخطائين التوابون" رواه الترمذي وابن ماجه والحاكم،
- وفيما يرويه عن ربه تعالى: "يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار، وأنا أغفر الذنوب جميعاً فاستغفروني أغفر لكم" رواه مسلم...
إذن ليست التوبة صعبة على المسلمين، تستغفرين فيغفر لك!، وتذكري أن الاعتدال في كل شيء هوَ المطلوب من الإنسان المسلم فكثيرٌ من النصوص القرآنية ومن السنة النبوية المطهرة تشيرُ إلى ذلك يقولُ تعالى "وكذلك جعلناكم أمةً وسطا" صدق الله العظيم،
وقد رويَ ابنُ عبد الله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "جاءت امرأةُ عثمانَ بن مظعونَ إلى النبي عليه الصلاة والسلام صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله إن عثمانَ يصوم النهار ويقومُ الليل، فخرجَ رسول الله صلى الله عليه وسلم مغضَبًا، يحملُ نعليهِ حتى جاءَ إلى عثمانَ، فوجدَهُ يصلي فانصرفَ عثمانُ حينَ رأى رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فقال لهُ: يا عثمان لم يرسلني اللهُ بالرهبانية، ولكن بعثني بالحنيفية السمحة، أصومُ وأصلي وألمسُ أهلي، فمنْ أحبَّ فطْرَتي فلْيَسْتَنَّ بسُنَّـتي، ومن سنتي النكاح" صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم،
وعن أبي عبد الله قال: إن ثلاثَ نسوةٍ أتينَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فقالتْ إحداهنَّ: إن زوجي لا يأكلُ اللحمَ، وقالت الأخرى: إن زوجي لا يشمُّ الطيبَ وقالت الأخرى: إن زوجي لا يقربُ النساءَ، فخرجَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يجرُّ رِداءَهُ حتى صعد المنبرَ، فحمد الله وأثنى عليه ثم قالَ:"ما بالُ أقوامٍ من أصحابي لا يأكلونَ اللحم ولا يشمونَ الطيب ولا يأتونَ النساء!؟ أما إني آكلُ اللحمَ وأشمُّ الطيبَ وآتي النساء، فمن رغبَ عن سنتي فليسَ مني" صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما أريده منك هو أن تتابعينا بالتطورات في مجانين، ودمت سالمة لمجيبك.
واقرئي أيضًا:
أفكار سحرية لا أذكار ولا استغفار
فرط الخوف من الذنب يضيع فضل الاستغفار
وساوس كفرية : احذري الاستغفار القهري