اعترافات مجنون : أقوى من الفصام !
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،،،،
أنا صاحبة مشكلة: اعترافات مجنون : أقوى من الفصام ! أجمل التحيات لأصحاب الموقع ،وبعد،،،،، أشكر الدكتور: وائل أبو هندي على اهتمامه بالرد على تساؤلات مشكلتي النفسية، وأرجو أن أستطيع خدمتك بأي شيء،كما أثرت فيّ وقدمت خبرتك بنفس طيبة.
عدا تقديم الشكر والعرفان، فأنا كنت محتارة في إرسال رسالتي هذه، لماذا؟، لأنها تحمل أخباراً جيدة ومميزة وأخرى سيئة. لكن قبل كل شيء، أحب أن أخبرك يا مجيبي الطيب الدكتور وائل،أني قد أسعدت بقراءة كتابك الشامل والمبسط عن الوسواس القهري ؟، فقد أفادني كما أفادتني الروابط التي أحلتني إليها في ردك على رسالتي الأولى!في الموقع.
أما الأخبار فهي كالآتي:
** الأخبار الطيبة**: ذهابي للطبيب النفسي، وتقريره أني أعاني فصاماً وجدانياً، وبما أن الأصوات قد خفّت لدي، لكن المخاوف من الضوء وخروج الحيوانات من الجدران وغيرها من الأوهام ما زالت قائمة، فقد رأى أن أتناول حبوب قد كتبها لي، هذا بالإضافة إلى جلسات علاج سلوكي.
كما وجد الدكتور أني أعاني من الوسواس القهري، وأرجع كل هذا إلى عامل الوراثة، خاصة من جهة أبي وعائلته.ما زلنا في بداية المشوار، وأهلي شبه متقبلين للموضوع.
الأمور الجميلة الأخرى هي: ترشيحي لأن أكون معيدة، وقرار إكمالي دراساتي العليا، وقرب طباعة كتابي الأول في مجال تخصصي، وموافقتي على خطبة أحدهم لي.
**الأخبار السيئة**: إصابتي بنوبة اكتئاب حادة منذ يومين، فقد صرخت فجأة على أختي الصغيرة ومزقت أوراقي التي تحمل أسئلتها المدرسية، كما صرخت على كل أهل الدار، كما لو كنت مفاعلاً نوويا لامس قنبلة هيدروجينية، تعمدت بإصرار عجيب أن أضايق الجميع بصراخي وسبابي لمدة أربع ساعات متتالية، وقمت بجنون واضح بنثر كتب أختي وأخي، وهددتهم جميعاً بحرمانهم من علمي وفني وإبداعاتي، هل كنت إسكندر المقدوني بوحشيته؟، لا أظن، إنما تمنيت أن تغرز في ذراعي أبرة مهدئة، ولعدم وجودها، فقد كان المهدئ البديل هو النوم.
فكرت في العودة للطبيب النفسي واستشارته، لكن استطعت حبس نفسي في الغرفة من الساعة الرابعة عصراً إلى العاشرة، لا أخرج إلا للضوء، ليتك رأيت منظري يا دكتور، كنت كالمخبول الهائج، تنتابه أفكار الشر والتحطيم والتحقير. أهملت مظهري، وحش أكلي، وندر صحوي.أصبح كل الناس حتى أهلي في نظري، حفنة جبناء وسفلة، وأنا دونكيشوت الرومانسي والمحارب الشجاع.آه يا دكتور ، كم على المرء أن يعاني لينجو ويعيش بإنسانيته النقية الحلوة؟.
بالله عليك يا دكتور كيف سأكون معيدة غداً؟. لا شك أني سأرفض هذه الدرجة عن طيب خاطر.وأبحاثي وكتابي كيف سأنهيها وأنا مجنونة؟. ماذا سأقول لأهلي وكيف سأعتذر؟. كل ما أستطيع فعله هو أن أكون طالبة هادئة على مقاعد الجامعة في برنامج الدراسات العليا، أحمل كتبي بتثاقل وأرمق أساتذتي الذين يحبونني بحزن.
الحقيقة أن أهلي يعتبرونني مثال الطالبة المتفوقة والمميزة، ويطلبون دائماً مني المزيد من التألق والاهتمام بأخوتي، لدرجة أن كل أعمال أخوتي السنوية في الدراسة من جهدي الذاتي، هذا زاد من إهمالهم لي، على اعتبار أني الكبرى، وحالتي الآن تفاجئهم، لأني كتومة بطبيعة الحال.
وسط هذا كله، عقلي ينتعش في محراب العلم، والذي أعتبره دوائي الناجح، فحين انعزل وأبدأ بالقراءة والتحليل والكتابة، أشعر بفرح غامر، وبهجة لذيذة.
ها هي اعترافات المجنونة تعود، لتقلقك يا دكتور ، وتشكرك مرة أخرى على هذا الموقع الرائع ، والذي هو أفضل مكان للبوح دون قلق، والسؤال دون وجل. أتساءل لو لم يوجد الإنسان الأخ المستمع لألم أخيه الآخر في العالم، والمداوي له أحياناً كثيرة، ماذا سيحل بالعالم؟.
شكراً لاهتمامكم الدائم.
16/9/2004
اعترافات مجنون2 : متابعة2
السلام عليكم
أطيب التحيات، وبعد،،، لقد عدت لنسياني ذكر أمور مهمة (من وجهة نظري).
**بالنسبة لنوبة الاكتئاب**:هذه ليست المرة الأولى، بل الخامسة، وقد سبقتها أربع نوبات، ثلاث نوبات مقاربة لها بالشدة، واثنان أكثر منها حدة وهي على الترتيب الآتي(حسب ما أذكر):
1- سنة 91: وكانت المرة الأولى، وأعتقد أهلي حينها أني أتدلع، فقاموا بإغراقي بالهدايا والرحلات والمال، ولكن لم يستمعوا ولا لكلمة مما حاولت شرحه لهم من أن معاناتي مختلفة عما يظنون.
2- سنة 93: المرة الثانية والتي استطعت رغم ألمي النفسي، أن أكبت مشاعري وأجامل من حولي بكل حزن وانفعال، لكني أجد غرفتي التي أصرخ فيها وأمزق وأكسر ما حولي كما أشاء.
3- سنة 94: كانت شديدة وخطيرة، خاصة وأني منعت نفسي بالقوة من إيذاء أختي ذات الشهور القليلة وهي تصرخ في غياب أمي.
4- سنة 2000: كادت أن تقضي على مستقبلي العلمي، وذلك بسبب انقطاعي المفاجىء عن الدراسة مما حيّر من حولي، وكانت شديدة ومؤثرة امتدت لثلاثة أسابيع.
5- الآن 9/2004: متوسطة رغم فزع أهلي، لكنها تشتمل على زخم من الأفكار الشريرة والعنيفة جداً، كالرغبة العارمة في الضرب والشتم وتمزيق حاجيات الآخرين وإذلالهم النفسي.
**بالنسبة للقائي مع الطبيب النفسي**:
بدأ منذ شهر ونصف، والحبوب مفعولها من يظهر جلياً بالنسبة لي على الأقل، وقد أشار الدكتور إلى أن حالتي سيطول علاجها، لأنه قال بأني مزيج من الحالات المرضية، فالوسواس القهري والفصام والاكتئاب والجنون الدوري كلها أمراض أعانيها.
وهناك أمر أضافه أنه رغم ذلك فحالتي العقلية من ناحية الذكاء ممتازة بعد إطلاعه على اختبارات تحديد مستوى الذكاء، والذي جعلني محرومة أثناء دراستي الجامعية من المشاركة في الألغاز والمهارات الفكرية بأمر من الأساتذة الذين يعرفونني جيداً، وما كان هذا يسعدني.
** بالنسبة لمؤشرات التحسن التي أحسها**:
التردد صفة خفّت حدتها لدي، وكذلك التجميع المحموم للحاجيات القديمة، وحلّ بدلاً عنهما الاكتئاب.
**الزواج**:
إني أدرك أن الزواج مهم في حياة الإنسان، وبالذات المرأة، لذا وافقت عليه، لكنه مستواه الثقافي أقل مني بكثير، فهو لم يتعدَّ الإعدادية، لكنه يتميز بصفات حميدة وطيبة ومقارب لي جداً في السن. ربما هذا ليس كافياً، لكن في المقابل هو سيعيش مع امرأة مجنونة وأنا أقدر له اهتمامه بشخصيتي العامة، وعدم التفاته لمرضي، ونحن أقارب من بعيد، ونعرف بعض من فترة بعيدة، فهو يشاركنا دائماً أحزاننا وأفراحنا، لذلك هو فرد من العائلة، ويعرف عنا الكثير، ونعرف عنه أكثر.
**المستقبل العلمي**:
ضبابه أكثف من ضباب لندن الباردة والكئيبة، لذا لا أتوقع الكثير في المستقبل القريب، لكن سأعمل بكل قواي لتحقيق أهدافي وطموحاتي الكثيرة، والتي سأموت قبل تحقيق نصفها.
**حالتي النفسية الآن**:
مازلت حانقة على الجميع، وتنتابني رعشة في جسدي، ولكني أكثر هدوءا من الصباح، ولا أصدق هذا التغيير المفاجئ، فالبارحة فقط كنت أضحك وأمرح أكثر من اللزوم، واليوم أصرخ وأهدر كالرعد القاصف.
حسناً يا دكتور ، أرجو ألا أكون قد أفسدتُ يومك. أودعك متمنية لك كل خير.
في أمان الله.
2004/9/17
رد المستشار
الأخت العزيزة "رائعة الجنون". أهلا بك حين تابعت على مجانين وحين عدت لذكر تفاصيل مهمة لمجانين ،
وتأكدي يا أختنا في الله أنك أنعشت يوم مجانين ولم تفسديه كما ظلمت نفسك، مثلما ستكونين بفضل الله قادرة على إنعاش أيام المحيطين بك ما حييتِ، ونسأله سبحانه أن يوفقَ طبيبك النفسيَّ في علاجك، وأن ييسر لك أكثر من كل طموحاتك، ويخيب ظنك السيئ بنفسك، وبمستقبلك.
لستُ أستطيع الفكاك من تذكر ما قلته في آخر نص مشكلتك الأول بل وآخذُ كل الفقرات التالية منه لتذكيرك وتذكير زوار مجانين بروعة كلماتك وقدراتك الواعدة : (في شخصيتي ذلك الميل الفطري الطيب لإسعاد الآخرين، رغم معاناتي.فقط لأني أدرك ما أنا فيه.ذكائي وذاكرتي ومستواي المهني في تراجع كبير؛ لأني لم أتعالج. نعم، ذهبت إلى أطباء نفسيين،لكني هربت، لماذا؟، حقيقة لا أدري، لكني أظنه الخوف من تأثير الأدوية على إدراكي وذكائي، ومخافة إعاقة مهنتي، إن علموا بمرضي. هذا كلام غير علمي أو منطقي، أعلم ذلك، وهو أيضاً ينم عن أسلوب رجعي وتخلفي، لا يمت للحضارة والتكنولوجيا والأبستمولوجية الإنسانية في الوقت الحاضر، الآن، أنا مستعدة للاستماع والذهاب وأخذ النصح لأني أعاني كثيراً. هذا الجزء المدرك فيّ، يجعلني أنتظر الأمل. كان أساتذتي ينبهرون بأبحاثي العلمية وأفكاري الجديدة وكذلك زملائي، لكني عكس ذلك، أراه شيئاً ضئيلاً مما أستطيع. كم سطراً مما كتبت يرفض يائي؟، ياء الذات. ما أكثر ما نطلب التفسير والتعليل والتحليل لكل ما حولنا، ونحن أعصى ما نكون على البساطة والتحليل.)
كما أتذكرُ ما قلته في ردي عليك: (والحقيقة أن ما ذكرته من أعراضٍ في إفادتك الأولى وما أضفته في إفادتك الثانية كلها تقع ضمن دائرة اضطراب الفُصام الممزوج بأعراض وجدانية أحيانا، وإن كنت أصر على رأيي في أن ذكاءك وقوة شخصيتك إضافة إلى كونك أنثى (والإناث أقوى من الرجال في مواجهة الذهان لأسباب تتعلق بهرمون الأنوثة الذي يعمل عمل مضادات الذهان وإن كان بدرجة خفيفة) كل هذه العوامل جعلتك أقوى من الفُصام فمازلت قويةً لبقةَ الأسلوب حلوة البيان، بفضل الله تعالى رغم أربعة عشر عاما من المعاناة مع أعراض الفصام،)، وأضيف هنا أنك إن شاء الله على أول طريق استعادة التوازن النفسي والثبات، ولعل عباءة تشخيص اضطراب (أو بالأحرى مجموعة اضطرابات) الفصام الوجداني Schizoaffective Disorder/s، تسع ما ورد في سطورك كلها التي وصلتنا، وتأكدي يا أختي أنه كلما تنوعت الأعراض واصطبغت بالصبغة الوجدانية كما في حالتك، كلما كان المسار والمآل المرضي طيبا، والمآل المرضي طيبٌ في معظم حالات الفصام الوجداني على كل حال.
ما تحتاجين إليه إذن هو الاستمرار على العقاقير التي سيصفها لك طبيبك المعالج والتي غالبا ما ستشمل أحد مثبتات المزاج Mood Stabilizers، إضافة إلى تعليمك بعض أساليب التعامل مع ثورات المشاعر التي تنتابك من حينٍ لآخر، إلا أن ما تجدر الإشارة إليه هنا هو أن الاضطرابات الوجدانية الفصامية Schizoaffective Disorders هي اضطرابات نوبية تظهر فيها وتبرز في نفس نوبة المرض (ويفضل أن تكون في نفس الوقت) أعراض وجدانية وأعراض فصامية، أو علي الأقل بفرق بضعة أيام بين أحدهما والآخر، أما علاقتهما بالاضطرابات المزاجية (الوجدانية) النموذجية والاضطرابات الفصامية فغير مؤكدة، ولكنها شائعة بحيث لا يمكن تجاهلها، ولعل أفضل رؤية أو منظور نرى منه هذه الاضطرابات هو أن نتخيل متصلا يقع اضطراب الفصام Schizophrenic Disorder في أحد طرفيه بينما يقع اضطراب المزاج Mood Disorder في الطرف الآخر، وتتوزع الحالات المرضية بين هذين الطرفين فمنها ما يكونُ قريبا من الفصام ومنها ما يكونُ قريبا من اضطراب المزاج (الاكتئاب Depression أو الهوس Mania)،
وكلما كان مسار الحالة نوبيا وكانت أعراض الحالة مصبوغة بالصبغة الوجدانية Affective Coloring، كان المآل المرضي أفضل، وما أراه في حالتك هو كذلك،
ولعلنا أفضنا في شرح ذلك في إجابة سابقة على استشارات مجانين تحت عنوان: الفصام الوجداني : والمآل ما بين بين
لست أرى ما يستدعي إغراقك بهذا الشكل في التشاؤم، ذلك أن التشاؤم غير مرغوب فيه حتى وإن كان عابرا كما أعرف أنه كذلك لديك، وليس هناك أيضًا ما يبررُ التساؤل عن كيف أكونُ معيدةً وأنا مجنونة، فحقيقة الأمر هي أن معظم المبدعين هم في الأصل مجانين ، وما الإبداع إلا جنون منتظم ومرتب، ولا الجنون إلا إبداع متناثر يفتقر إلى الترتيب،
إذن فستكونين معيدة مبدعة خلاقة، فقط عليك باستخدام مثبتات المزاج لمنع أو على الأقل تقليل معدل حدوث النوبات التي تنتابك من حين لآخر، وعليه فلا داعي لتساؤلك: (كيف سأكون معيدة غداً؟، لا شك أني سأرفض هذه الدرجة عن طيب خاطر.وأبحاثي وكتابي كيف سأنهيها وأنا مجنونة؟، ماذا سأقول لأهلي وكيف سأعتذر؟) ستكونين إن شاء الله أفضل معيدة في القسم، وستنتجين لا كتابا بل كتبا وربما مراجع، وكلما كنت مجنونة أكثر كلما كان إبداعك أغزر.
وأما التردد فأظن أن العلاج العقاري إن شاء الله سيفيدك في تقليله، وهو وإن كان ذا علاقة بالوسواس القهري فإنه ليس دائما مرضيا كما بينا من قبل في الردود التالية على صفحتنا:
التردد متى يكونُ مرضيا ؟؟
فرط التذكر والتردد : أم هي الوسوسة ؟
الترددُ في قرار الزواج !
بقيت لدي ملاحظتان الأولى أنك في هذه المرة أيضًا كما في المرة السابقة، كتبت لنا على مرتين، وهذا يسعدنا ونتمنى أن تكتبي أكثر، ولا تمنعي نفسك من الكتابة لمجانين لأنها بحق تسعدنا، وأما الملاحظة الثانية فهي ذلك التنوع والتغير المتلاحق في أعراضك والتي لا تكاد تثبت على حال، فهذا وإن كان علامة على مآل طيب كما ذكرت لك إلا أنه يستدعي محاولة أعمق لفهم ما يحدث للنفس البشرية، وما نزال عاجزين عن الإلمام بخلفياته، فما معنى ذلك التداخل بين أعراضٍ ذهانية واكتئابية ووسواسية وهوسية في نفس الوقت وبالتبادل، وبهذا التقلب؟ هذا سؤال ربما للمتخصصين.
لكنني أود أن أطلب منك نسخة من كتابك لنضعها ضمن صفحة إصدارات ومطبوعات، وكذلك أطلب منك وأدعوك إلى المتابعة مع طبيبك النفسي والالتزام الطويل بتناول العقاقير التي يصفها مع أهمية التحاور مع الطبيب بشأن إقبالك على الزواج وكيفية العلاج أثناء الحمل خاصة في الشهور الأولى،
وتابعي مجانين بالتطورات الطيبة.