وساوس عقدية : وخلافات فقهية م5
تجربتي في تجاوز بعض الوساوس...
كنتُ أعمل في إحدى الجامعات، وكنتُ أعاني عند تصحيح أوراق الطلاب، حيث كنتُ أراجع التصحيح أكثر من مرة، حتى أتأكد من عدم إغفالي أيِّ خطأ في ورقة الإجابة، أو التسبب في ظلم أيِّ طالب. كذلك كنتُ أطيل في وقت الاغتسال، وأعيد غسل الأعضاء أكثر من مرة، حتى أتأكد أن الماء وصل إلى جميع أجزاء جسمي، لدرجة أنني كنتُ أستغرق وقتًا طويلاً لدرجة لا تتخيلونها. ولكن بفضل الله تعالى تجاوزتُ هذا النوع من الوسواس.
وكان السر في ذلك أنني قررتُ عدم مراجعة عملي أكثر من مرتين، وعدم غسْل أيِّ عضو أكثر من مرتين، وأقنعتُ نفسي بفكرة، كانت بمثابة «طوق نجاة» أو «نقطة فارقة» في تجاوز هذه المشكلة. فقد كنتُ أقول لنفسي: «استحالة، أو صعب قوي، يحصل غلط في نفس الموضع مرتين متتاليتين».
فعلى سبيل المثال، لو أغفلتُ أيَّ خطأ، أو قمتُ أنا بأيِّ خطأ، في المرة الأولى عند تصحيح ورقة أيِّ طالب، سيتم تدارك هذا الخطأ في المراجعة الثانية، فمن الصعب جدًا أن أغفل نفس الخطأ مرتين متتاليتين. وعند الاغتسال، لو فرضنا أن الماء لم يصل إلى جزء معيَّن من الجسم في المرة الأولى، فسيتم تدارك هذا القصور في المرة الثانية، ومن الصعب جدًا ألا يصل الماء إلى نفس الموضع مرتين متتاليتين.
باختصار: «أقنعتُ نفسي أن أيَّ خطأ، أو تقصير، في المرة الأولى، سيتم تداركه في المرة الثانية، وأنه من المستحيل، أو على الأقل يصعب جدًا، تكرار نفس الخطأ، في نفس المكان، مرتين متتاليتين، وأن هاتين المرتين تكمِّلان كل منهما الأخرى، وأن أيَّ تقصير في إحدى هاتين المرتين، ستعوِّضه أو تصلحه المرة الثانية».
وبطبيعة الحال، لم أنجح في تطبيق هذا الأسلوب، من المرة الأولى، بل كنتُ أنجح مرَّة، وأفشل في أخرى، وازدادتْ تدريجيًّا مرات النجاح، حتى أكاد أكون قد تجاوزتُ هذا النوع من الوسواس. وأصبحتُ أشعر بالسعادة عندما أؤدي عملي، أو أقوم بطهارتي، بنفس الدقة التي ترضيني، ولا تقلقوا فلن تتأثر «نزعة الكمالية» [Perfectionism]، التي يميل إليها كثيرون من المصابين بهذا النوع من الوسواس. فستؤدون مهامكم وأعمالكم بنفس الدقة التي ترضيكم، ولكن دون قلق أو توتر.
وأثناء التكرار الزائد، والمراجعة المبالغ فيها، كنتُ ألاحظ أن «باب التكرار» إذا انفتح على مصراعيه، فلن تستطيع غلقه بسهولة، حتى لو وصل بك الحال إلى مراجعة الشيء عشرين مرَّة، ولن تكون راضيًا عما تقوم به في أيِّ من هذه المرَّات، وكنتُ أشعر بالأمر وكأن «شريط كاسيت» بدأ «يسِّف»، ولم يعد بوسعك وقف هذا «السَّف»، وكنتُ أشعر، عند تكرار المراجعة، وكأن «ويندوز دماغي» توقف، أو «هَنِّج»، ولم يعد بإمكاني الضغط على «زر الإنهاء». ولكن بفضل الله تعالى نجحتُ، بدرجة كبيرة، في تجاوز ذلك.
وثمة نوع آخر من الوساوس نجحتُ في تجاوزه، بدرجة كبيرة، وهو الشك في عدد ركعات الصلاة، واستخدمتُ في سبيل تحقيق ذلك أسلوب «العلامات». فبعد انتهاء الركعة الأولى، أنظر مثلاً إلى بقعة معيَّنة في سجادة الصلاة، وبعد انتهاء الركعة الثانية أنظر مثلاً إلى أصبع معيِّن في يدي، وهكذا حتى الركعة الرابعة. وقد أوحى إليَّ بهذه الفكرة شخص أحسبه على خير، ثم قمتُ بتطويعها، وأخترتُ «أربع علامات مختلفة» بعدد الركعات، فلو سهيتُ في أيِّ لحظة، سأتذكر آخر علامة قمتُ بها، ومن ثم لا أشك في عدد ركعات الصلاة. ما عليكم إلا أن تختاروا «أربع علامات مختلفة» تناسبكم، بعدد ركعات الصلاة، وأنا أفضِّلُ أن تكون العلامات مجرد النظر إلى شيء ما، حتى لا تقوموا بحركات زائدة قد تبطل الصلاة.
هذه هي تجربتي في تجاوز بعض الوساوس، أنقلها إلى حضراتكم، فلعلها تفيد ولو حتى شخصا واحد.
عافاني الله وإياكم من كلِّ مكروه وسوء، والسلام ختام.
3/8/2018
رد المستشار
الأخ الفاضل والصديق النشيط "محمد" أهلاً وسهلاً بك على مجانين وشكراً على ثقتك ومتابعتك الدؤوبة مع خدمة الاستشارات بالموقع، ثم على مشاركتك الدسمة العظيمة الثانية في استراتيجيات تحسين حياة مرضى الوسواس القهري وهي التي يبتدعها ويلجأ لها بعض المرضى لتعينهم على كبح جماح الوسواس ولو جزئياً... وهكذا بالتأكيد كان النبهاء من مرضى الوسواس القهري على مر التاريخ ومنها ما وصلنا وصار ربما قواعد يتعلمها بعض المرضى من العارفين بها من ذويهم ... المهم ما هو موقف المعالجين منها ؟
فأما المعالجون بالعقاقير فقط فلا يرون أي ضرر من أي وسيلة تعين المريض على التعايش حتى يبدأ العقار في العمل، وغالبا ما يترك المتعجلون منهم الأمر للمريض وأهله ليتعاملوا مع الأعراض في تلك الفترة بما يهدئ منها ما استطاعوا .. وأما المتكلمون منهم فربما ينصح مرضاه بمثل هذه القواعد مما ربما تعلمه من آخرين أو من خبرة شخصية، ولكن هؤلاء هم الذين يسمعون مريض الوسواس القهري جيدا ثم يكتبون له الدواء.. ولا يكتفون بالوصول إلى التشخيص لينتقلوا مباشرة إلى اختيار العلاج العقاري، ومن أمثلة ذلك "العلامات" التي يحاول بها مرضى الشك في عدد ركعات الصلاة الحد من معاناتهم... فقد سمعتها من بعض مرضاي كنصائح من زميل أو آخر.
كذلك كان الفقهاء قديما يفعلون نفس الشيء مع مرضى وسواس النجاسة/التطهر... وليس فقط بسبب انتباههم لشك الموسوس في الفعل ورغبته في تكراره وإنما أيضًا بسبب ملاحظتهم لعدم قدرة الموسوس على الشعور باكتمال الفعل.... فقد ذكرت رفيف الصباغ في مقالها العاشر عن منهج الفقهاء في التعامل مع الوسواس القهري أن من بين ما كانوا يلجئون إليه ربط أفعال الموسوس بشيء ثابت محسوس:
بما أن الموسوس لا يستطيع أن يحكم على أفعاله حكماً صحيحاً، ولا يشعر بإتمامها، فقد ربط العلماء أفعاله بشيء ثابت، يعرف الموسوس من خلاله أنه أتم الفعل الذي يقوم به على الوجه المطلوب.
- فمثلاً: المطلوب في تطهير الأشياء (من غير نجاسة الكلب والخنزير): الغسل بحيث تزول النجاسة، ويغلب على الظن طهارتها. وقد يحصل هذا بمرة واحدة، وقد يحصل بأكثر حسب نوع النجاسة ونوع الشيء المتنجس.
لكن الموسوس لا يشعر بإتمام أفعاله فلا يستطيع أن يحكم بزوال النجاسة، ولا يغلب على ظنه طهارة ولا نجاسة، لهذا يعيد تطهير الأشياء مراراً وتكراراً. وتفادياً لهذا التكرار، ربط العلماء فعل الموسوس بأمر ثابت يتحقق -الموسوس- من خلاله من حصول الطهارة فيما يغسله بغض النظر عن إحساسه.)
وأما في العلاج السلوكي المعرفي يا "محمد" فإن الأمر مختلف تماما ... وهذه تسمى سلوكيات تأمين أو احتياطات أمان وهي لا تفيد العلاج بس تكمل حلقات الإدامة المفرغة لمعاناة المريض أو تكون سببا في عدم استفادته من التعرض .
إذن يا "محمد" هذه الطريقة مفيدة جدا في تسيير حياة مريض الوسواس القهري إذا لا يجد فرصة للعلاج، أو لا يستطيع الحصول إلا على العلاج العقاري، أو قل للذين يفشل علاجهم أو لا يكملونه لسبب أو لآخر... أما من يبدأ ويتابع برنامج ع.س.م فلا لا أنصحه بها.
أشكرك جزيل الشكر وأدعوك إلى متابعة عرض خبراتك مع الوسواس ففائدتها واضحة لكثيرين،
ودائماً أهلاً وسهلاً بك دائماً على موقع مجانين فتابعنا بالتطورات .
ويتبع : وساوس عقدية : أساليب علاج ذاتية م7