وساوس عقدية : أساليب علاج ذاتية م6
تجربتي في التعامل مع «وساوس النذر»
دكتور وائل، السلام عليكم، في إحدى استشاراتي السابقة التي جاءت تحت عنوان «وسواس النذر2»، كتبتَ ليَّ حضرتك ما نصه:
"استشارتك التي أجابتها المستشارة ونتناول ردها الآن بالتعليق والتعقيب كنت عندما قرأتها قد اكتملت لدي رؤية مفادها أن الموسوس إذا فتش في دواخله وقع في وسوسة جديدة، أي أنه إذا حاول استبطان معلوماته الداخلية كأن يحاول التفتيش في ذاكرته أو مشاعره أو نواياه فإن قابليته للوسوسة تزداد جداً ... وهو في غنى عن ذلك".[انتهى الاقتباس من كلام حضرتك]
وبرأيي، هذا الكلام يلامس الحقيقة، واسمح ليَّ أن أضيف من الشعر بيتًا، من واقع تجربتي العملية مع «وساوس النذر».
*عندما كان الأمر يشتد عليَّ، ويزداد إلحاح الأفكار، وتنحشر العبارات في ذهني، وأدخل في دائرة من الشك والتساؤل: «هل تلفظتُ بشيء أم لا»، لاحظتُ أنني عندما أفكر فيما حدث، وأفتش في ذاكرتي، وأحاول أن أتذكر: «هل تلفظتُ بشيء أم لا»، قد يزداد الأمر سوءًا، وقد أقع في خطأ أكبر،
وقد يحدث تشكك آخر في التلفظ، فأبدأ في التفكير في هذه الواقعة الثانية لأتأكد: «هل تلفظتُ بشيء أم لا»، وقد يتكرر الأمر مرَّات عدة، وهلم جرًا، وقد أدخل في حلقة مفرغة، بسبب محاولة التفتيش في ذاكرتي، ومحاولة تذكُّر: «هل تلفظتُ بشيء أم لا» في المرات السابقة، وقد أنسى التفاصيل، بسبب مرور الوقت، وكثرة الأفكار، وتكرار الوقائع وتداخُلها، مما يتمخض عن حالة من الحيرة والاضطراب وعدم اليقين.
فلجأتُ إلى حلٍّ ساعدني كثيرًا، وهو: عندما يحدث شك في التلفظ بشيء ما، أقوم «في لحظتها» بكتابة ملابسات الواقعة، حتى تكون الذاكرة لا تزال حاضرة. على سبيل المثال: أدوِّن «نسبة الشك»، «وهل هو شك أم وهم أم أن هناك ترجيحًا ما»، «وهل هناك قصد للتلفظ»، «وهل هو سبق لسان»، وما شابه من نقاط.
ولاحظتُ الآتي: في أول الأمر، قد أرى المشكلة كبيرة، وأنه لا حل لها، ولكن عندما أعود إلى ما كتبته بعد فترة، ولتكن عدة أيام، قد أجد المسألة بسيطة، وقد أجد مخرجًا لها. وبيت القصيد، أو المغزى من هذا الأسلوب: هو أن أتوقف عن محاولة البحث في ذاكرتي، حتى لا يحدث المزيد من تداعي الأفكار، وحتى لا أقع في خطأ أكبر، وحتى لا أنسى التفاصيل، وحتى أسدّ الباب على الوساوس، لأنني لاحظتُ أن السواد الأعظم من مشاكل هذا النوع من الوسواس يحدث عند محاولة التفتيش في الذاكرة، ومحاولة تذكُّر ملابسات ما مضى، وهو ما قد يعرضك لمزيد من الأخطاء، ومزيد من الشكوك، وقد يحدث تداخُل للحالات، بعضها في بعض، وتدور في حلقة مفرغة، لا تتذكر فيها ما حدث، وتنتابك الشكوك، ويزداد القلق والتوتر.
والأهم من ذلك: أنني لاحظتُ أنني عندما أدوِّن ملابسات ما حدث «في لحظتها»، وأترك ما كتبته لفترة، ثم أعود إليه بعد عدة أيام، أجد الأمر أبسط مما كنتُ أظن، وتبدو الصورة ليَّ أكثر وضوحًا، وقد يتغير منظوري تمامًا لما حدث.
لا أعلم، يا دكتور وائل، هل ستوافق على هذا الأسلوب في التعامل مع «وساوس النذر»، وما شابه من «وساوس الطلاق والتجديف» وغيرها أم لا، ولكن هذا الأسلوب ساعدني كثيرًا. ولعله يفيد إخواني من المصابين بهذا النوع من الوساوس.
شكرًا لكم،
والسلام ختام.
5/8/2018
رد المستشار
الأخ الفاضل والصديق النشيط "محمد" أهلاً وسهلاً بك على مجانين وشكراً على ثقتك ومتابعتك الدؤوبة مع خدمة الاستشارات بالموقع، وها أنت تواصل مشاركاتك القيمة التي تشي بذهنك المرتب وحسن ابتكارك للحلول.
ما أنصح به في الغالبية العظمى من الحالات هو إهمال الوسواس الداعي للتذكر تمام الإهمال... ويكون ذلك أسلم وأكمل من الناحية العلاجية..... المشكلة أن القليل جداً من الموسوسين هم الذين يستطيعون كبح جماح وساوسهم من خلال عملية منطقية كالتي تقوم أنت بها... وبالنسبة للبعض تعتبر كتابة موضوع الوسواس اهتماما خاصا به ربما يزيده قوة..... فإذا وجد من ينتهي وسواسه بطريقتك هذه دون أن يجد نفسه مرة أخرى يشك فيما كتب فبها ونعم، وإن لا فإن الإهمال هو إستراتيجية العمل التي أدرب عليها مرضاي.
المشكلة أن هدف الع.س.م دائما يكون اتخاذ تدابير من شأنها ألا تقلل القلق الناتج عن حدوث الوسواس أو التعرض الاختياري له، لأن القلق هنا أو بالأحرى التدرب على تحمل مستويات معقولة ومتزايدة من القلق هو جوهر طريقة العلاج الأنجع مع الوسواس القهري، وما تقوم به أنت يهدف أساساً إلى خفض درجة القلق والتوتر، ومحاولة استباق ما قد يحدث من تشكك فيما بعد... لكن الفعل الاستباقي بالنسبة للم.س.م (المعالج السلوكي المعرفي) هو واحد من سلوكيات التأمين التي تتعارض مع كمال العلاج.
شكراً جزيلاً لك يا "محمد" وأهلاً وسهلاً بك دائماً فتابعنا وشاركنا على موقع مجانين.