منغلق أو محافظ : كلنا في الهمِّ عرب
منغلق أم محافظ: محنة أمة ومستقبل منشود، مشاركة
السيد الدكتور أحمد عبد الله المحترم، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد،
تكشف رسالة الأخت الفاضلة فيما تكشف جملة من خصائص عقلية الفرد العربي، من حيث الفوضى الذهنية والالتباس الفكري، والسطحية في تناول المشكلات، والتهرب من تحمل المسؤولية، و تبني النزعة الإقصائية السلطوية في التعامل مع الآخر: سواء أكان شيئاً أو فكراً أو فرداً. ففي مستهل اعتراضها على رؤية الأستاذ الدكتور وائل أبو هندي لواقع المجتمع العربي عامة والخليجي خاصة والسعودي على وجه التحديد والتي اعتبرتها "اتهاماً يدّعيه" السيد المجيب -بما يتضمن افتراضاً كهذا الشعور بالظلم ويشي بالنظر إلى الذات كضحية- لا رأياً قابلاً للنقاش أو وجهة نظر ناقدة تقارع بالحجة والبرهان المنطقي، تحاول الهرب للأمام وسد باب النقاش بالاتقاء على الدليل الشرعي والضرب على وتر الشعور بالضعف والعجز عن الفهم أمام قوة الله وانتقامه!
فالعقلية العربية تفترض وبإصرار أن العقل البشري، في ذاته، عاجز عن الفهم وأنه لا يستطيع أن يدرك ما في شريعة الله وصنائعه من حكم وأسرار. فعبارة "من نحن....." و"ولماذا نحن الخلق نحاول أن ننتهج....." -في الرسالة آنفة الذكر- لا تعبّر فقط عن حالة نفسية ناجمة العجز ونظرة دونية للذات، بل نظرة إلى العالم تحدد و تحصر دور الفرد وتطلعاته وقدرته على الإنجاز والتغيير.
فالدين في "مجتمعنا" يكرّس شعور الإنسان بالضعف "وخلق الإنسان ضعيفاً"، والضآلة "فلينظر ما خلق..."، والعجز " والذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنّا لله وإنّا إليه راجعون"!! في حين يغفل القراءة الصحيحة لقوله "إنّا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض فأبين..."، ولمعنى المراد من "إنّا كرّمنا بني آدم..."، وذلك الحض المستمر والحث الدائم على التفكّر والتأمل وإعمال العقل في خلق الله -على سعة كلمة "الخلق" هنا وشموليتها- في محاولة جادة لمحاربة التبلد الذهني الذي نراه وتلمس أثره في حياتنا اليوم، والناتج عن الركون السلبي إلى حقيقة أنّ الله واحد أحد وأنّه الخالق المدبّر لكل ما في الكون.
بعبارة أخرى، أنّ الدين عندما يقرر وحدانية الله -في الألوهية والروبية- إنّما يوجّه المتدين- المعتقِد به- للانخراط في ميدان فكري شديد النشاط ودائم الحركة لاستكشاف مظاهر هذه الوحدانية، الأمر الذي يجب أن يؤثر فيه على مستوى الفكر والسلوك، بحيث لا يكون الدين جملة من المفاهيم الجافة والجامدة التي لا تترك لمعتنقها خياراً وسطاً بين التجمد عند النقطة الزمنية والمكانية التي عرّفت حولها -تلك المفاهيم- من جهة، أو الانفصال التام عنها ورفضها لانعدام مرونتها وانقطاعها عن الحاضر من جهة أخرى.
وفي حين أن الدين -وهو الإسلام هنا من حيث أنّه معتقد السواد الأعظم في المجتمع العربي- احتاط دون الوصول إلى تلك المرحلة الضيقة والمتطرفة في الاختيار -إن جاز لنا أن نسميها اختياراً- بإبقاء الفضاء رحباً وفتح الباب واسعاً للتجديد والتغيير وفقاً لمقتضيات التبدل والتغير -الطبيعي منه وغير الطبيعي- بأبعاده الثلاث: الزمان والمكان والإنسان.
فهو لم يشرّع الاجتهاد والقياس فقط، بل شجّعهما وفرضهما في ظروف شتّى، كما كان فقه الأولويات حاضراً ومعتبراً في مختلف مستويات التشريع- الفردية والجمعية-. وما تعدد الأحكام الشرعية التي تنظم موضوعاً واحداً، كالزواج مثلاً، إلا دليلاً واضحاً على ضرورة اعتبار حيثيات وملابسات كل حالة بما تستحق من الاعتبار، فهو مباح في ظروف ومستحب بل ربما واجب في غيرها، بينما يكره ويحرّم في حالات أخرى... مما يمنح الشريعة مرونة ويكسبها حيوية تسمح لها بالبقاء النشط ويعطيها المصداقية كمنظم عام وشامل وأبدي لحياة الإنسان بكل جوانبها.
بناءً عليه، فإنّ ذلك الاتكاء "السهل" على الدليل الشرعي-كما في رسالة الأخت الكريمة- لا يفقده قوة القطع المنطقية في المسألة موضع الخلاف فحسب، بل يكسبه مفعولاً ناقضاً لهدف الاستعانة به طالما أنّه ينتمي لحالة بعيدة عن السياق الذي تسير فيه المسألة مدار البحث فضلاً عن كونه تعبيراً صارخاً عن القصور بل التصحر الفكري لدى صاحبه، والذي كما سبق وذكرنا أنّه نتيجة حتمية للإحساس العميق بالعجز والشعور بالنقص والحط من قيمة الذات والشك فيها، والتي تتمكّن من بنية الفرد النفسية كنتيجة طبيعية لأسلوب تربيته في مرحلة الطفولة والمبنية على التخجيل والعقاب والحد من الحرية.
إنّ الطفل العربي يتلقّى تربية تعزز في نفسه الشعور بالخجل على حساب الشعور بالذنب. ففي حين أن الخجل يرتبط برقابة الآخرين وتقييمهم للسلوك، فإنّ الشعور بالذنب مرتبط بالرقابة الداخلية و الوعي بتحمل المسؤولية. الأمر الذي يعطّل قدرة الفرد على النقد الموضوعي للذات ويخلي الساحة للضغط الاجتماعي والنقد الخارجي، فيفقد القدرة على الفعل ويحوّل تفاعله مع محيطه إلى سلسلة من ردود الأفعال. فما يستدعي الخجل هو ما يعيبه الناس، أي يعتبر عيباً من وجهة نظرهم، في حين لا عيب فيما لا يرونه أو يسمعونه، مما يطبع شخصية "العربي" بازدواجية حادّة في ما يفعله أو يقوله واقعاً وما يفترض أن يفعله أو يقوله، وبالتالي فإنّ تبني مقياساً مزدوجاً للسلوك يصبح مبرراً ومقبولاً في المنهجية التربوية. في جو كهذا تتضاءل فيه الرقابة حدّ التلاشي، بمعنى أن ما يسمى الضمير يوأد في مهده قاطعاً الطريق أمام نمو الشعور بالمسؤولية.
أقول في هكذا جو، يتبدل سلوك الفرد تبعاً لوجود الرقابة أو عدمه، ويصبح إلقاء اللوم على أيّ جهة عدا الذات تحصيل حاصل، فيشعر الفرد أنّه مفعول به على الدوام ويتعاظم إحساسه بالظلم وبأنّه ضحية، بالتالي يتكثف شعوره بالعجز والضعف وانعدام الحيلة. وبالنظر إلى أساليب "تقويم السلوك" المتبعة في الإطار التربوي في المجتمع العربي يشكّل العقاب البدني والاستهزاء والتحقير الأساليب الأكثر استعمالاً. فالصفعة على وجه الطفل أو قفاه أو كتفه -وإنّ لم تكن مؤلمة- تفقده الشعور بالأمان وتشككه في حب المعتدي عليه -أماً أو أباً أو ربما أخاً- له، بل وتشعره بالمذلّة والهوان، ولكونه غير قادر على ردّها بمثلها فإنّه -وتكرار هذا العقاب- يعتاد أن يسكت ويكبت موجهاً شعوره ذلك إلى داخله فيحط من قيمة نفسه ويحقّر ذاته، أو لمن هم أضعف منه سواء كانوا أفراداً أو أشياءً: أفرادا،ً كالأخوة الأصغر أو الرفاق في المدرسة؛
ولاحقاً لمن يقعون تحت سلطته كأفراد العائلة -الزوج، الزوجة، الأبناء- أو من هم أقل مكانة اقتصادية أو اجتماعية أو من يقعون في درجة وظيفية أدنى أو حتّى عامة النّاس من المراجعين في دائرة حكومية يعمل بها. وأشياءً كألعابه أو كتبه المدرسية أو الممتلكات العامة من قبيل أشجار الحديقة العامة أو مقاعد الانتظار في موقف الحافلات أو المدرسة أو الشارع...إلخ، تماماً كما ويدرّبه -الكبت- على الخنوع والرضوخ لكل ذي سلطة يتوقع أن ُيلِحق به أذىً من ذلك النوع كالمعلم مثلاً، وتالياً أي نوع آخر من الأذى يمكن أن تسببه أي جهة لها عليه سلطة.
وبدلاً من انتهاج الصراحة والصدق والمواجهة في التعامل مع الآخرين -أشخاصاً أو مشكلات- يتجه باضطراد نحو الالتفاف والدوران والأسلوب غير المباشر في محاولة لاتّقاء التعرض للعقاب وفي مراحل متقدمة حماية الذات من تعريضها لتلك المشاعر السلبية من فبيل المهانة والاحتقار والضآلة، وتظهر على السطح سلوكيات مرضيّة كالنفاق والاغتياب، والتي تتضافر في بنائها مجموعة من العوامل النفسية ذات أصول متنوعة عائدة في مجملها إلى أخطاء تربوية ترتكب في حق الفرد في مرحلة الطفولة.
الآن، ورغم أنّ الحديث لم يتم حتى نهايته فالأفكار تزدحم عند رأس قلمي، أراني مضطرة لقطعه حتّى هنا حيث تنتظر أمور أخرى لابد من إنجازها.
ودمتم في نعم الله متقلبين وببركاته تعالى ناعمين، والسلام.
لميس.
8/9/2004
رد المستشار
أحمد الله أنه كان لديك ما يشغلك عن مواصلة رسالتك هذه لأن المعاني التي تدفقا فيها بالفعل هي من الدسم والتركيب بمكان أحسب أننا أمام سطور معبأة بأفكار جديرة بالنقاش والتفاعل، وكعادتي مؤخرا فإنني سأحبس قلمي عن الانطلاق معقبا أو حتى ما دحا في مواجهة إنتاج عقل جدير بانتزاع الإعجاب، وإذا ما علمنا العمر الزمني لصاحبته، ولكن اسمحوا لي أن أنطلق في سبيل آخر غير متوقع مستخدما المعلومات القليلة التي عرفتها عن صاحبة الرسالة فهي متطوعة –كما تقول بياناتها– هي خريجة جامعية في بلد عربي شرقي، وأعود سريعا إلى صفة متطوعة لأتوقف عندها متأملا وكاشفا لما يدور بخلدي هذه الأيام حول مسألة التطوع.
لمن تابعنا في "صفحة مشاكل وحلول للشباب" فلعله يذكر حديثنا القديم والمتكرر عن المجتمع المدني وأنشطته، والانضمام إلي النشاط الاجتماعي المتاح، في كل بلد والبحث في آفاق الأنفس والمجتمعات عن ثغرات ثقافية أو مواضع نقص أو خلل والسعي إلى سدها بجهود أهلية ثقافية أو مواضع نقص أو خلل والسعي إلى سدها بجهود أهلية فردية أو جماعية،
وأعتقد أن هذه الرسائل وصلت إلى الكثيرين وبطرق مختلفة، وربما انضمت إلى مصادر أخرى أرشدت إلى نفس السبيل فشهدنا هذا التحول الاجتماعي الكبير، ومن تجلياته التطور الذي طرأ على منهاج وخطاب "أخي عمرو خالد" الذي انتقل من الحديث عن مكارم الأخلاق وغيرها من شئون ترقيق القلوب، وإحسان الطقوس إلى مساحة التغيير الاجتماعي، أو ما يسميه أو أسماه "محمد أحمد الراشد" من قبله –صناعة الحياة – كما انطلقت إلى التطوع وعالمها الواسع منظمات وجمعيات تجمع خصائصا جديدة فهي تعتمد أكثر وأكثر على شباب في مقتبل العمر أو حديثي التخرج، وهي تندرج في مجالات متعددة لفعل الخير –وإفادة المجتمع، وهي –بشكل عام– تحترم الدين وتحاول استثمار قوته الدافعة وقر اءته شكل إيجابي وعقلاني وتعاوني فتخرج بالتدريج من نمط التدين الشائع والذي تنتقده الأخت هنا إلى نمط أو ألأشكال أخري أقرب إلى روح الدين الصافية، وأنفع للناس من كثرة الكلام والمواعظ، على أهمية الوعظ والروحانيات في موضعها وبقدرها.
وهذه كلها خطوات تأخرت جدا جدا، والحمد لله على كل حال، وبدأت مساحات واسعة من أهلنا في الأقطار المختلفة تعيد اكتشاف الإسلام ومعالمه رغم أن هذا يحدث وسط بيئة صعبة وضاغطة، وربما كانت هذه الصعوبة والضغوط من أسباب إعادة النظر في أحوالنا وعلاقاتنا بالدين وبالعالم.
سؤال: وماذا بعد؟!
يبدو هنا مشروعا ومطلوبا بشدة، فما زالت جموعٌ أخرى من الشباب العربي والمسلم تتخبط في أوهام وترسف في قيود تشل عقولها وتحسب أن تبدد طاقاتها في معارك وهمية تافهة ونظرة واحدة إلى معاركنا الإليكترونية أو الوجود العربي الإسلامي العام على الانترنت نوضح ما أقوله، ولابد من حوار واسع ومستمر بين الجميع، والانترنت تتيح هذا، فلا ينبغي أن نترك الغافلين الواهمين، ولا ينبغي أن نحتفظ بأفكارنا وخياراتنا لأنفسنا، بل نتبادل الخبرات والمعارف فنتعلم جميعا من بعضنا البعض.
أنا مسرور طبعا بهذه الرسالة الجميلة، ولكنني أيضا مسرور بالرسالة الأصلية لأنها طرحت أفكارها بوضوح ولشكل مباشر وبسيط ومفهوم لنكون تعبير عن منطق سائد وموجود لدى قطاعات واسعة من الشباب.
أضعف الإيمان أن يستثمر كل منا الوقت الذي يقضيه أمام شاشة الحاسوب في الانتفاخ على آخرين، والتعريف بموقعنا وغيره من المواقع التي تطرح أسئلة وأفكارا ومقترحات جديدة تساعد في خروجنا من هذا المستنقع الذي نعي فيه لا نريد أن نكتف بالتحاور مع المثقفين في الاهتمامات ووجهات النظر "بل نريد أن نتحاور مع أقصى المخالفين لنا في الآراء.
والأوسع صدرا والأطول بالا والأكثر صبرا سيكسب الآخرين مهما بدو للوهلة الأولى بعيدين عنة طالما استطاع أحياء روح الاستكشاف ومنطق الإصغاء ومناخ الحوار النافع الذي أمرنا به ديننا الحنيف في أكثر من موضع وأعود للتطوع فأقول: إن نشر ثقافته والدخول إلى عالمه، واجتذاب قطاعات الشباب إليه هي مفاتيح لابد منها إذا كنا نبحث عن مستقبل مختلف، وعلى " إسلام أون لاين " ملف اسمه: " جدد حياتك بالتطوع"، وقبل يومين اتصلت بي إحداهن، وهي من طرف صديق أعرفه في أكسفورد ببريطانيا طالما، نشطنا سويا في إطار منظمة دولية تقوم فكرتها إلى استعادة الجانب الأخلاقي والإنساني التراحمي جماعيا، والمنضبط دينيا وروحيا، أعطاها بيانات "الاتصال" بي فاتصلت وكان أول ما طلبته– وقد وصلت إلى مصر من أسبوعين فقط- أن أدلها على مجلة أو جريدة تنشر فيها بعض المقالات والتحقيقات، وأدلها أيضا على منظمة غير حكومية لتتطوع فيها بعض الوقت.
هل سأكون سخيفا إذا قارنت هذه الأجنبية –غير المسلمة– بملايين المسلمين والمسلمات الذين واللائي يصدعون رؤسنا بالحديث عن (عظمة الإسلام) و"شقاء" الغرب وتعاسته... الخ، بينما هم في أوطانهم، وفي غربتهم أكثر، مجرد طاقات عاطلة، وأبدان تستهلك الأفكار والأشياء والأطعمة ولا يصدر عنها غير الفضلات والكلمات الفارغة غالبا، وغير المصحوبة بفعل يفيد أو ينفع!!!
وأختي هنا تتحدث عن أمراض النشأة ومنها "التخجيل"، قد فقدنا الحياء من الله ورسوله ليس بسبب سفور سافرة، أو عصيان. مدمن فهذه عندي ذنوب ومعاصي أصغر بكثير من تعطيل الطاقة بالكسل أو شغل أوقات الغير بقضايا الخبل، أو قتل الوقت، ومصادرة الأمل بتسفيه العمل التطوعي العام، واعتباره حلية أو طرفا، وتقديم طقوس العبادات الفردية عليه رغم مخالفة هذا بصراحة لروح ديننا، وتاريخه ومقاصده.
هذه بعض الأفكار التي أفلتت من قلمي في محبسه، فكيف لو انطلق ليرد على كل ما يجول بالخاطر تعليقا على رسالتك، جزاك الله خيرا وتابعينا بأخبارك ومشاركاتك وأهلا بتعليقاتكم التي ننتظرها.
ويتبع:>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>> منغلق أم محافظ: محنة أمة ومستقبل منشود، مشاركة2