كيف أواجه أهلي؟
لم يمض على زواجي سوى 18 يوم، وأنا اليوم أفكر جدياً في الطلاق! وهذا لأنني لا أطيق زوجي، لا أحتمل النظر إليه حتى أو التحدث إليه لفترة طويلة، أحس بمشاعر نفور وكره تجاهه لم أعهدها من قبل، أتحاشى الشرب من نفس كأسه أو استعمال أي من أغراضه الشخصية، أتهرب منه دائماً، ليس خوفاً منه ولكن... أعافه بكل معنى الكلمة وأزدريه، من أول يوم لزواجنا لم أذق طعم السعادة للحظة واحدة، رغم أنه كان لطيفا معي، ولكن حتى لطفه نفرني منه!!
أعلم أن هذا بسبب غبائي وتسرعي في اتخاذ قرار الزواج به في ظرف شهر وهذا احتراماً لرغبة والدي، وحكمت المنطق وما يمليه علي عقلي فقط، بأن هذا الرجل ذو خلق ودين ومن عائلة محترمة..الخ، ولكن قلبي كان قد رفضه من أول نظرة مع الاستخارة طيلة الشهر واتخاذ سورة البقرة كورد يومي،
ورغم أنني فاتحت أختي الكبرى بعدم راحتي له، قالت أنه شئ طبيعي لكل مخطوبة لم تتعرف عليه جيداً!! المشكلة أنني لم أقتنع ومضيت في هذا الزواج وكأنني كنت منومة!! وهذا الرجل لم ألتق به سوى مرتين قبل زواجي، الأولى يوم النظرة الشرعية، والثانية لشراء الخاتم بعد العقد، ولكننا لم نتحدث كفاية، بل سطحيا، رغم أنني أصريت عليه أن يذكر شروطه وما يريده في زوجته بصراحة،
لكنني صدمت بعد الزواج بشخص آخر، وبشروط تعجيزية، فبالإضافة إلى الراحة النفسية والقلبية التي لم أشعر بها قط معه، صُدمت به يحبسني في البيت من أول أيامي، حتى ممنوع أخرج أشتري شيء، يدعي أنه رجل البيت وهو سيشتري كل شيء! حتى إذا جاء أخوه وزوجته ليأخذونا بالسيارة لنتفسح، شرط علي أن لا أخرج إلا بالحجاب، رغم أنه رآني وقد التقيته بسروال عريض ولبس محتشم!! حتى في المنزل إذا شغلت الراديو من الهاتف وكانت هناك أغنية (لا يوجد تلفاز ولا راديو!! ليس لأنه فقير، بل ميسور ولكن "حاجة في نفس يعقوب قضاها"!!) يقول لي أطفئي!!
أطلب منه الخروج لأنني مخنوقة، فيصمت! كرهته حقاً ولا أحتمله! أحياناً أفكر لو كنت ارتحت له فقط، ربما أصبر عليه لفترة عساه يتغير! ولكني لا أطيقه بكل معنى الكلمة، لا أحتمل العيش معه تحت سقف واحد! أريد مصارحة أهلي بأمر طلاقي، ولكن لا أعرف كيف أفاتحهم! أعلم أن وقع الصدمة سيكون شديداًعليهم، بما أنهم ينتظرون طفلاً مني (لازم أخطف طفل مباشرة لأني كبرت!)، وسيحاولون ثنيي عن قراري بشتى الطرق، قد تصل إلى الضرب وأن يتبرأ مني والدي ..الخ، ولكني عازمة على المضي في قراري، حتى لو مت، لأنني أعيش جحيماً حقيقياً عند هذا الرجل .
أشيروا علي في أقرب وقت أرجوكم،
وبارك الله فيكم .
14/9/2018
رد المستشار
السلام عليكم أختي "رِناد" وأهلاً وسهلاً بك، وحقا نأسف عن التأخير وهي استشارة طارئة.
وأنا أقرأ في أول فقرة وأمرّ على (أحس بمشاعر نفور وكره تجاهه لم أعهدها من قبل) قلتُ في نفسي حالة وسواس قهري لأنها كانت تميل إليه وترتاح له ثم نفرتْ منه، لكن لما أكملتُ الاستشارة تبدّد هذا الاحتمال تماماً. طبعا أنت تطلبين فقط إفادة في كيفية مواجهة أهلك وليس هل تطلقين أو لا، فأنت عازمة، ولو لم تكوني عازمة لصنَعتُ لك عزماً من كلماتٍ أكتُبها لك.
لأنّك لن تقبلي بهذا الزوج ولن ترتاحي له إلا أن يُفتح صدرك ويُستخرج قلبك ويُغسل في طست، فلا عشق لشكله ولا توافق مع أفكاره! لذا لن ألومك على قرارك المتسرّع فقد كفَتني نفسك ذلك واستكثرَت، لكني سأشير إلى الأخطاء التي حصلت في نقاط حتى يستفيد غيرك من تجربتك. وأنا أسرُد هذه النقاط أتحدث بشكل عام عن أيّ حالة مشابهة فلا تعتبرينها هجوما عليك يا رِناد:
- حتى لو كان زواجا تقليديا ومن أجل إرضاء الوالدين فقط، ينبغي أن تعرفي جيداً طينة زوجك وعقليّته، فأنت حتى لم تعرفي كيف يتصوّر المرأة المتزوجة وهي معه، فمنعك وضيّق عليك وفرض عليك أشياء لم تتخيّليها أصلاً. فقد تجتمع شروط الأهل مع شروطك وتتعايش، أو على الأقل تكون المخطوبة على دراية بخاطبها حتى تكوّن صورة كاملة قدر المستطاع فتُقْدم واعية بكل التّبعات (en toute connaissance de cause) أو تجد فعلا أدلة مقنعة لأهلها حتى تنفي إلحاحهم الذي يشوّش على الرؤية السليمة.
- نصيحة أختك الكبرى هو ما يقع عندما تُبسَّط الأمور ويُنظر لشيئين مختلفين على أنّهما شيء واحد، أختُك قد أسقطت مخاوف النساء الطبيعية، مخاوف يتشارك فيها الرجال أيضا حتى بعد بحث ومعرفة واستقصاء وتأكد من شريك الحياة، فخرجت نصيحتها سطحيّة متجاهلة بأن تشارك "عدم الراحة" بين الحالات لا يجعل الحالات مشتركة، فعدم الراحة عرض من أعراض التخوف الطبيعي الذي يزول بمعرفة الآخر والتآلف معه، وهو أيضاً عرض من أعراض النفور والاحتقار والرفض التامّ ! فاتتها التفاصيل الدقيقة ففاتها الإرشاد السليم. وهنا تظهر أهمّية تعدد الآراء.
- تحكيمك للمنطق البحت يُظهر سمة الآلية في اتخاذ هذا القرار، مع أنّ تحكيم العقل يفترض إدخال عنصر العاطفة في المعادلة، لأن معنى العقل ليس هو "التفكير مثل الآلة" بل هو الأخذ بعين الاعتبار كل ما يُمكن إدماجه لإيضاح الرؤية. وربما فكّرتِ وقُلتِ أنّني ابنة الثلاثين والأهل يضغطون وتقدّم من لا يُعاب فيه شيء (من بعيد) وتعاملت بمعايير سلبية، يعني إن لم يكن فيه كذا فهو جيّد وكأنه طلب زواج سلامةٍ وليس رضى وانتشاء، ونسيت أن تضعي معايير إيجابية لقبوله؛ "يجب أن يتحلى بصفات كذا وكذا لأنها مهمة لي أيضا"
- الاستخارة تكون عند الحيرة وأنت كنتِ متأكدة من رفضك إياه، أمّا قراءة البقرة يوميا لمدّة شهر، كان يكفيك في أقلّ من ذلك الوقت أن تجلسي وتتأملي في نفسك ودوافعها وتتخيلي نفسك معه أو أن تكلميه في الهاتف عن شروطه ورؤيته عن الزواج، ولكان ذلك أكثر عونا لك على اتخاذ القرار. ولعلّ هذا يحمل الذين يُزايدون على الناس بالدعاء وقراءة القرآن كحلّ لمشاكل الناس أو مُعين لاتخاذ قراراتهم، واتهام أصحاب التفكير العقلاني الواقعي ومستخدمي عقولهم التي وهبها الله لهم تعبّدا له، بالمادية وقلّة اليقين، فها هي الاستخارة والبقرة يومياً ولم يكن القرار في الأخير سليماً، بسبب عدم الوعي (في الكواليس) بالتصورات الخاطئة وضغوطات مجتمعية وأسريّة وحتّى الإكراهات الواقعية (مثل السنّ).
- كونك لم تجدي في قلبك ولو ذرّة ميول اتجاهه زاد من احتمال رفضك أي تصرف منه وازدرائه والاشمئزاز منه (وربّما هناك تفاوت ثقافي بينكما على ما يبدو) وكما قلتِ ربما قبلت منه بعضا منها لو أحببت شيئا منه (مع عدم ضماني لتغيّره بسبب ذلك !) وصفُك له قريب من وصف امرأة لمغتصبها إن لاحظت ! تعافين تفاصيله لا تطيقين الحديث معه، تعافين أغراضه وكأسه الذي استعمله... أعيش معه الجحيم..إلخ. يعني عقلاً وشرعا أنت متزوجة به، لكن نفسيا هو كالمغتصب الملعون، لذلك تجاوز الأمر مجرّد سوء تفاهم وعدم توافق.
نأتي الآن على الأمر المهم وهو كيفية إخبار أهلك ومواجهتهم. أولاً المواجهة ستكون إلا أن تكون حيلة ما تبرّئين بها نفسك، وينبغي أن تعي جيداً أنك ربما تخرجين من جحيم إلى جحيم آخر، لكنّها في نظري ستكون أقل جهنّمية وأرحم لهبا، وأحيّيك على حذرك من الحمل، فهذا سهّل الأمر كثيراً، فالأسرة والمجتمع يجعلون من الأفراد أوعية لرغباتهم، فمن أراد طفلاً فليُنجبه ولا يدفع بأحد غيره ليفعل ذلك !
بما أنّ القضية فيها ضرْب وتبرّؤ وأنت بهذه السنّ، أنصحك بهذه الخطوات تقومين ببعضها أو كلّها إن لم تنفع بعضها:
- أوّلاً زوري طبيبا نفسيا ليقيّم حالتك النفسية وتشرحين له ما يجري، يكتب لك تقريراً يكون مبرّراً لك أمام الأسرة، وربما يلتقون به وينصحهم ويخوّفهم أيضا من المستقبل الأسود الذي ينتظرك وينتظرهم ويقول لهم أن الطلاق مسألة وقت وأن عودة بنتهم وحيدة خير من عودتها ومعها طفل أو طفلين. وكما أن طبيب السرطان يخبر بموت متنبّأ بعد شهور ويقع، فإن الطبيب النفساني يُخبر بفشل الزواج وقد يكون متأكداً. لكني مع ذلك أشك بأن عقلية مثل عقلية أسرتك قد تحترم رأي طبيب نفساني بالذات، قد تهاجه وتدعي أنّها أحسن من يفهم ويقرر.
- الحل الثاني هو أن تجلسي مع زوجك وتصارحيه بعدم قبولك له واستحالة الاستمرار بطريقة غير مدمّرة (فلا ذنب له) مع بقائك صارمة وجدية، فإن كان حساساً ويريد أن تقبله زوجته فسيكون سباقاً لطلاق امرأة لا ترى فيه رجلاً ولا عشيقا ولا حتى مخلوقا مقبولاً ! وإن سخر من مشاعرك واعتبرها مجرّد دلال، أضيفي له جُرعة أخرى من المرارة والأوصاف المفزعة من شعورك.
وتطرحي عليه فكرة الانفصال وأن يكون هو صاحبها بحجّة أنّكما لن تستطيعا التعايش مع بعضكما وأنه صبَر وصبَر ولم يجد حلاً إلا الطلاق قبل تفاقم الأمر، هذا سيبرّئك أمام أهلك ويرمي عليه أكثر المسؤوليةِ أو على الأقل تتجنبين الضرب ويبقى لومك على عدم صبرك والتجاوب معه، واعتبري ذلك على قُبحه ضريبة بسيطة لحل المشكل ولا تكترثي لها ولا تنفعلي.
واحذري أن تعطي حجّة يمكن كشفٌها ببساطة كأن تقولي أن الطبيبة قالت بأنّك غير قادرة على الإنجاب (لا قدّر الله) فيجبروك على زيارة طبيبة أخرى فتؤكد لهم العكس، وحتى مع عدم انكشافك قد تكون الحجة ذات تبعات خطيرة وسببا لصدّ أي زوج مستقبلي يتحدث مع أهلك ولا تجدين فرصة لشرح قصتك له بسريّة مع صعوبة التصريح لهم بأنهم مخطئون.
بعد النقاش مع زوجك، يبقى احتمال أن تأخذه العزّة ويشعر بالإهانة ويريد الانتقام، ويستغل الوضع فيتّهمك في عرضك أو يضغط عليك لعلمه بأنّك لا تريدين إخبار أهلك بالحقيقة (من يدري، فأنا أقدم الحذر على التفاؤل) وكم سمعنا مثل هذه القصص، ولا فرق بينها وبين ما نسمع إلا تحقّقها فينا فنكتشف أن تبادل الأدوار ممكن فيصير القارئ مقروءً عنه! لذا أمّني وضعك، وابدئي المحاورة بأسئلة مثل: أنت تزوجتني وكنت بكراً صحيح، فيجيب، ولم ترَ منّي أي شيء، فيجيب... وهكذا كل أسئلة ستظنين أنّ أجوبتها ستكون ضدّه إن سوّلت له نفسه أن يُعربِد، وسجّلي المحاورة لتكون حجة لك في حالة ساءت الأمور.
قد تضطرين للقبول بالتنازل التام عن أي تعويض ماديّ، بل تنازلك من الأول دليل على أنّك لم تريدي أيّ ابتزاز بالطلاق وتزوجته لهذا فقط خصوصاً أنه ميسور كما فهمتُ، فإن رفضتِ فاعلمي أنّك ستنتقلين للضفة الأخرى وتكونين أنت صاحبة الطلاق وليس هو.
- الحل الثالث هو أن تخبري أحداً يحترمه أهلك ذا سلطة وذو حكمة، حكمة حقيقة وليس من قبيل تلك الحكمة التي تنسُبها الجماعة الجاهلة المتخلفة له، لتكون تخاريفهم متجسّدة فيه. يتدخّل ويقف بصفّك ويقنع أهلك بخطورة الأمر، وأتمنى أن تجديه !
- الحل الأخير، الالتجاء للقضاء أو لجمعية مهتمة بشؤون النساء وتخبريهم بقرارك وربما يقدمون لك محامياً خبيراً بهذه القضايا، وتخبريهم بأنّك ربما تتعرضين للاضطهاد أو الاعتداء وتخبرين القاضي أيضا بأنّ يهدّد (وقت الحكم) كل من سيعتدي عليك بالعقوبة.
في الأخير أتمنّى أن يكون جوابي محيطاً بكل جوانب المشكل أو معظمها. وأشير إلى أنّ وضعَك سيكون حرجاً جداً بما أنّك لا تعملين وتمكثين في البيت تحت سلطة والدك وتحت نفقته، وتعرفين ما يعني هذا من اضطهاد إذا حصل خلاف مثل هذا؟ ! فأنت كُنت مشروعاً زواج فلما جاء المنقذ رفضته وأفسدت كل شيء في نظرهم، لذا أنصحك أن تمتلكي أعصابا من حديد وأن تحاولي الخروج بأسرع وقت من سطوة البيت، لا بمعنى التمرّد، بل بمعنى الإنتاجية والاستقلالية وإثبات أنّك لست "زوجة مع وقف التنفيذ" تنتظرين الشفقة والانعتاق على يد رجل.
وأتمنّى لك التوفيق وأن ينتهي هذا المشكل بأقل الأضرار، وتابعينا بأخبارك، وإنّ من شكر الموقع ومستشاريه أن يأخذ المستشير وقتا لإرسال مستجداته كما أخذ وقتا لإرسال مشكلته. لأن الكثير لا يحمّل نفسه عناء إرسال شيء بعد أن يجد حلاّ.