الوسوسة في الصوم
السلام عليكم.. لكم جزيل الشكر على كل ما تقدمونه لتفيدوا أشخاصا كثراً
أنا عانيت من الوسواس في كل شيء تقريباً والحمد لله تعافيت من كثير منها، لكن ما يرهقني الآن هو وسواس الصيام.. لقد تعبت منه إذ لا يكاد يمر يوم تقريباً وأنا فيه صائمة إلا وقد شككت فيه وكدت أجزم أنه غير صحيح..لكن سأسألكم عن أمور حدثت لي خلال صومي
- القيء يفسد الصوم... لكن أنا أحس به تقريباً دوماً.. فماذا أفعل وأنا أحس بالمرارة بعد الارتجاع وأبلع وأحس بتغير طعمي بعد التجشؤ وأبلع .. وإن قلتم لي أعمداً ابتلعت أم لا فلن أستطيع الإجابة لأنني ربما أفعل ذلك عمداً.... أجل كي أدفع الوسوسة لأنني أكون شاكة.. ولكن أحس بذلك الطعم ..
-هل دخول غبار الطحين إلى الفم وابتلاعه مفسد للصوم علماً أنني كنت أحياناً أغلق فمي وأتفل لكن أحيانا أخرى لا، لعلمي أن الغبار لا يفسد الصوم
-نزول القيح المتواجد في الأنف إلى الفم ولو عمداً هل يفسد الصوم...
*قد تلاحظون أنني أكرر كلمة (عمداً) وهذا لأنني لا أكاد أفرق بين العمد وعدمه... وكذلك لأنني أريد إبعاد الوسوسة... لقد أتعبتني فأحياناً أبكي منها وأحيانا تضيق نفسي بسببها.. وأحاول أن أكون مثل الجميع يصومون ويفرحون به..
في الأخير لكم جزيل الشكر وأتمنى منكم إجابتي في أقرب وقت..
والسلام عليكم.
21/9/2018
رد المستشار
الابنة الفاضلة "أحلام" أهلاً وسهلاً بك على موقع الشبكة العربية للعلوم النفسية الاجتماعية مجانين.كوم وشكراً على ثقتك وطلبك استشارة الموقع.
أحييك على دقة وصفك بنيتي "أحلام" فكم أحسنت في وصف وساوس الصيام عند المسلمين، ولنأخذهم واحد فواحد :
نبدأ بسؤالك حول القيء في الصيام... والقيء الذي يذرع الإنسان لا يفسد الصيام، أي القيء المفاجئ المتمثل في شعور بالغثيان وزيادة اللعاب ثم خروج محتوى من المعدة على دفقات بكل ما قد يليه من بلع ويغسل الفم بعده بالماء حتى يزول أثر القيء .... ولا يفسد الصيام يا "أحلام"،
إنما القيء المتعمد هو الذي يفسد الصيام ولا تقولي أبداً لا أعرف إن كنت أتعمد القيء أم لا ؟ ببساطة لأن ما يحدث عندك هو (أنا أحس به تقريباً دوماً.. فماذا أفعل وأنا أحس بالمرارة بعد الارتجاع وأبلع وأحس بتغير طعمي بعد التجشؤ وأبلع)... وأنت لا تفعلين شيئا تتعمدين به القيء وإنما يفجؤك الإحساس به، إذا كنت سليمة طبياً من الناحية المعدية المعوية وهذا ما تعرفينه بين المغرب والفجر أي في وقت الإفطار والسحور..
فلا داعي للتساؤل عن السبب الطبي ما دام الأمر مرتبطاً بساعات الصيام دون غيرها، إذن ما يحدث هو إحساس وسواسي يليه فعل قهري هو البلع ثم آخر هو استطعام ما يبلع (أي تفتيش في الدواخل الحسية) فيكون الإحساس الوسواسي بالمرارة أو بطعم القيء أي بأنك يذرعك القيء يا "أحلام"...إلخ... وأخشى أيتها الصغيرة الطيبة أنك بعدها تعتبرين نفسك أفطرت وكله وسواس في وسواس.
ثم سؤالك عن غبار الطحين ... -ألا كثر الله طحينكم أهلنا في الجزائر-، وردي ولست فقيها لكن تراقب ما أكتب فقيهتنا أ. رفيف الصباغ ، أن كل الغبار لا يفطر غبار الطحين وكذا رذاذ الماء الذي يدخل مع النفس فلا يكلف الله نفساً إلا وسعها .... هذا استنتاج منطقي.
وأخيراً سؤالك عن نزول القيح المتواجد في الأنف إلى الفم ولو عمدا هل يفسد الصوم... مبدئياً هو أقرب للمخاط منه للقيح اللهم إلا في حالة وجود التهاب بكتيري ولكنه في الأغلب ناتج عن تحسس أنسجة الأنف المخاطية بسبب التلوث الهوائي الذي تنعم به منطقتنا من العالم أكثر من غيرها، المهم أنها لا تفرق فقهياً أن يكون مخاطاً أو قيحاً ولنسمه إفرازاً حشوياً من الأنف...
ونزول هذا الإفراز للأمام أو للخلف وفي حالة التحسس (الحساسية) هو أكثر ما يكون للخلف بسبب انسداد جزئي أو شديد في الأنف... وحين يبلعه الإنسان فهو غالباً ما يفعل ذلك لتعذر إخراجه من الأنف واستمرار مضايقته له،
ويحدث ذلك للصائم وغير الصائم وهو غالباً من الأفعال الانعكاسية التي لا إرادة لللإنسان في حدوثها وإن استطاع أحياناً منعها، فإنها تبقى تضايقه حتى يفعل، وهذا كما قلت يحدث لكل إنسان ولا يضايقه ولا يشككه في صومه لأنه بسهولة يعرف أنه لم يرده أو لم تكن له إرادة كاملة فيه فهي ببساطة كتلة شبه سائلة عالقة بين الأنف والحلق تبقى تضايقه حتى تنزل للخلف (أي تبلع) وهذا هو طريقها الطبيعي في الالتهاب التحسسي أو للأمام من فتحة الأنف السفلى يحدث هذا للجميع ولا مشكلة.
فإذا حدث لموسوس بالصيام هذا الأمر فإن مشكلة مركبة تنشأ ... هو مبدئياً مشغول بمراقبة نفسه صائماً أي بمراقبة التزامه بالصيام .... وهذا التوتر ذاته في كثير من الأحيان ما يتسبب في زيادة المفرزات المخاطية من الأنف لاسيما في الموسوس، ثم هو يشعر بالإفراز فيحاول إخراجه للأمام فلا يخرج مرة فمرة حتى يبدأ الشك هل ابتلع منه شيئا أم لا ... ويبقى يوسوس حتى يندفع أحيانا إلى البلع عمدا ليدفع الوسواس (ويكون قاصدا بذلك إنهاء الصيام والوسواس معا!،
وهو شبيه بما وصفنا في حالة وسواس حفظ الوضوء إذ كثيرا ما يلجأ المسكين إلى نقض وضوئه بنفسه قاصداً بذلك إنهاء الوضوء والوسواس معا!).... فهل هذا القصد يعد تعمدا في الصيام ؟ رأيي كطبيب نفساني أنه فعل قهري وبالتالي ليس تعمداً.... الأهم والأكيد في حالتك أن (نزول الإفراز المتواجد في الأنف إلى الفم ولو عمدا) لا يفسد الصيام.
تشيرين بعد ذلك إلى حالة خاصة بالموسوسين وهي اختلاط الدواخل فاستبطان الإنسان لدواخله (مشاعره وذكرياته وآرائه ومواقفه وأفعاله ونواياه....إلخ) عملية سهلة لكل إنسان إلا للموسوس في موضوع وسوسته وحالها، وقد بينا ذلك من قبل في ردنا التفتيش في الدواخل آفة الموسوس وردنا الأحدث أكاد أقول أن لا نية للموسوس !
أي أن الموسوس حالة خاصة وبالتالي فإنه معفي من كل ما يستلزم التفتيش في الدواخل بداية من استحضار نيته فيما فعل أو يفعل من عبادات ومن محاولة تذكر ما إن كان فعل أو لم يفعل أو أحسن أو لم يحسن أثناء العبادات، ومن سؤال ماذا كانت نيتك ؟ في طلاق الكناية عند الموسوسين بالطلاق ... ليس هذا فقط بل هو معفي من استبطان إحساسه بتمام الفعل بشكل عام في حالات التطهر/التطهير على سبيل المثال.
أنت لا تستطيعين التفريق بين التعمد والتلقائية أو بين الإرادة واللاإرادة بسبب مرضك ففضلا عن أن الله لا يكلف نفسا إلا وسعها، فإنه ليس على المريض حرج.... وأرجوك حتى تحصلي على العلاج المناسب إياك أن تفطري دفعا للوسواس أكملي صيامك فهو لا يفسد بكل ما تخافين وتتوجسين منه.
أما إذا أردت أن تحققي إن شاء الله ما تأملين (إبعاد الوسوسة... لقد أتعبتني فأحيانا أبكي منها وأحيانا تضيق نفسي بسببها.. وأحاول أن أكون مثل الجميع يصومون ويفرحون به..) .. هذا معناه أن عليك ممارسة الع.س.م على يد خبير فيه (طبيب + معالج نفساني –اثنان أو اثنين في واحد-) .... واختصارا ... اللعبة العلاجية المتدرجة القسوة حسب تفاعلك المعرفي وطاقتك واقتناعك تتمثل في أنك تقومين بكل تصرف من شأنه استفزاز وسواس حفظ الصيام ثم تحجمين عن فعل أي شيء يريحك مثل التأكد والاستبطان،
مثلا وبقصد العلاج تمررين منديلا مبللا بالماء البارد على شفتيك المفتوحتين ولا تتخلصي لمدة من الماء إن استشعرته خلف شفتك السفلى.... أن تتمضمضي ثلاثا في كل وضوء وألا تتعمدي التخلص من كل الماء سريعا.... أو أن تتعرضي يوميا لغبار الطحين أثناء الصيام، أو أن تتركي مخاط أنفك يأخذ طريقه الطبيعي إلى الحلق... وهذا لا يفسد الصيام ! لأن اللعاب لا يفسد الصيام وهما بنفس الحكم... سائل جسدي داخلي من الفم والحلق...... المهم أنك تفعلين ما ترينه أسهل مما سبق كبداية تواصلين بعدها ما هو أقسى وإن أعطى شعورا بالانتشاء ...
وتذكري أنك استجابة للوسواس التفاعلي لأي خطوة مما سبق لن تعطي إلا الإهمال فأي استجابة غير الإهمال تنصر الوسواس عليك ... وإياك أن تستبطني أو تحاولي تذكر البلع وما ارتبط به من نية أو تعمد .. فهذا مكروه من مريض الوسواس فضلا عن أنه يمثل الفعل القهري في أغلب الأحوال... باستثناء من يقعون في فخ إنهاء الصيام بالفعل دفعا للوسواس وعلى أمل قضائه عافاهم الله....
والذين يقعون في هذا النوع من الفعل القهري تطول محاولات استبطانهم وتتكاثر شكوكهم وبعضهم يحتار بين وسائل الفتوى فيسأل هنا ويسأل هناك ولا يستريح، وبعضهم يلجأ للهرب بإنهاء الصيام، ... والنقطة التي لا يجب أن تنسيها هي أنك إنما تستفزين الوسواس لتدربي نفسك على إهماله واستتفاهه.
لا أدعي أن ما كتبت أعلاه سيكون كافيا في حالتك خاصة وقد بدأتها بقولك (أنا عانيت من الوسواس في كل شيء تقريبا والحمد لله تعافيت من كثير منها) أي هناك ما يزال فضلا عن أن التعافي الذاتي كثيرا ما تشوبه سلوكات التأمين أو احتياطات الأمان والتي تعد عامل الإدامة الأهم للاضطراب ... باختصار لابد من أن تعالجي نفسك علاجا كاملا مع طبيب نفساني يوجهك لما قرأت عنه من العلاج الصحيح.
وإن شاء الله بداية من صيامك القادم عليك أن تصري على إكمال الصيام بل وتنتظرين أجر مشقة التعافي من الوسواس وأجر الصيام ... وأسأل الله أن تفرحي بالصيام قريبا وإن تأخرنا فرمضان القادم موعد التعافي عسى يباركه الله.
وأهلاً وسهلاً بك دائماً على موقعنا مجانين فتابعينا بالتطورات.
ويتبع >>>>>: لا فض فوك أحلام وصف وساوس الصيام ! م