حالة وسواس تقاوم العلاج : أحقا تقاوم ؟!
السلام عليكم بداية أتقدم بخالص الشكر والتقدير على ما تقدمونه من خدمة جليلة للناس في موقعكم الموقر.
وأتمنى أن تقبلوا مني هذه الاستشارة التي قد تكون جديدة بالنسبة لكم حيث أنها من أخصائية نفسية وليس من منتفعة.
منذ عدة سنوات بدأت العمل في عيادة نفسية حكومية يتردد عليها عشرات المئات من طالبي الخدمة النفسية والمتابعين بشكل شهري.
لفت انتباهي خلال بداية عملي وجود حالة وسواس قهري (سيدة تبلغ من العمر 55 عام تعاني من وسواس النظافة والاستحمام الدائم) يتهرب منها جميع الزملاء ولا يرغبون بتقديم الجلسات العلاجية لها حيث وصفوها بأنها شخصية متعبة, ثم قام الزملاء بتحويل هذه الحالة لي لما أتمتع به من سمعة مهنية طيبة ولله الحمد.
- بدأت مع الحالة من نقطة الصفر حيث تعرفت على تاريخها المرضي ودرست ملفها وجميع أنواع الأدوية التي أعطيت لها وأهم الأعراض والأفكار التي تعاني منها.
استخدمت خلال سنة كاملة جميع أنواع التدخلات النفسية (التحليل النفسي المختصر، العلاج السلوكي المعرفي، العلاج الدوائي) ولكن كان يلفت انتباهي أن المريضة تقاوم أي تحسن وفي نفس الوقت ترفض حضور أي شخص من عائلتها معها إلى الجلسات وترفض أيضا الزيارة المنزلية المهنية لمقابلة أفراد العائلة حاولت وحاولت كثيرا ولكن للأسف دون جدوى حتى مع العلاج الدوائي كنت ألاحظ أن المريضة إذا شعرت بالتحسن فإنها ترفض الاستمرار في العلاج وتقوم بإيقافه وتنقطع عن متابعة الجلسات.
في كل مرة كنت أقوم بإيقاف الجلسات ثم يؤنبني ضميري بشدة وأن ما أفعله حرام حيث إنني مطالبة بمساعدتها وليس عقابها بإيقاف الجلسات فكنت أعود للجلسات من جديد برغم انني أصبحت أتضايق من رؤيتها وأتمنى غيابها عن الجلسة.
كانت آخر جلسة منذ شهرين تقريبا حيث اكتشفت أن المريضة برغم كل الجلسات والإرشادات إلا إنها تستعمل (القفازات الطبية في عملية النظافة من النجاسة في المرحاض) وتمكث حوالي ساعة في الحمام وتقوم بالاستحمام الكامل وتغيير كافة ملابسها إذا شكت في نجاسة ملبسها.
حينها بصراحة نفذ صبري أخبرتها أن وقتها معي انتهى وأنني لن أسمع المزيد منها.
ومنذ آخر جلسة والمريضة منقطعة عن الحضور للعيادة وصرف علاجها الشهري فهل ما قمت به حلال أم حرام, صح أم خطأ ؟؟؟
24/11/2018
رد المستشار
الزميلة الفاضلة والمرابطة في أرض الرباط الأبية أهلاً وسهلاً بك على موقعنا مجانين ... وشكراً على ثقتك.
من الواضح أن مهمتك كانت في منتهى الصعوبة ... ومن الواضح أن أحخدا من زملائك لم يكن مستعدا للتعامل مع تلك الحالة المبالغة في تصعيب مهمة المعالج والتي تصر على حرمانك أو غيرك من المعالجين من الاستعانة بذوي الدلالة في حياتها رغم كونهم أعضاء أسرتها (أبناؤها وبناتها وربما الزوج) ..... لا أدري ولا تدرين أنت شيئا عن مدى معلومات هؤلاء عن حالتها أو كونها مريضة من الأساس ! فما تسمينه أنت وسواس النظافة والاستحمام المتكرر ... لا يصلني من مسماك إلا أن هناك غسيلا وتكرارا للغسيل...
ولكن هل هو تحسبا من النجاسة ؟ أم النظافة ؟ أم كليهما ؟ .... خلاصة ما أود بيانه هو أن أما كهذه إذا كانت مشكلتها الأساسية هي اتقاء أو تحاشي النجاسة فقط وعليها تنبني الوساوس والقهور فإن من الممكن ألا يظهر لأفراد الأسرة شيء إلا ربما تغيبها في الحمام ... وحتى هذه ربما تكون لفترات طويلة وحدها في البيت وقد تحرص ألا تمارس طقوس الحمام في وجودهم ! كل هذا لتفسير رفضها إدخال أحد أفراد الأسرة في العلاج.... ربما هم لا يعرفون ! ... بينما أنتم ترون ذلك تعمداً منها لإفشال العلاج.
أنت تمارسين العلاج النفسي في مؤسسة حكومية في غزة ولا معلومات لدي عن سابق تدريبك ولا عن المشرفين عليك أثناء التدرب على ممارسة العلاج النفسي وما أخمنه أنك ناشطة في تدريب نفسك بنفسك ربما مستعينة بالإنترنت وخبرات الزملاء ... ومن الواضح أن مستوى أدائك في الممارسة أنبأنا عنه أن لك (سمعة مهنية طيبة ولله الحمد)... إلا أن من المستحيل على المعالج النفساني على الأقل في بداية حياته المهنية أن لا يخطئ ... هذا في الأحوال العادية فما قولك في أحوال المعالجين النفسانيين المحاصرين ؟ والمضطرين إلى الإشراف على أنفسهم بأنفسهم ؟
مسألة أنها تبدو كمن ترفض التحسن هي احتمال قائم، وتفسيره النفسدينامي هو أن للأعراض المرضية دورا مهما تؤديه في حياتها ولابد لفهم ذلك من الإحاطة بأحوالها الاجتماعية بما في ذلك زوجها أحي أم شهيد؟ ويكاد يستحيل التقدم في العلاج في حالة كهذه دون إدماج الأسرة بشكل أو بآخر.... إلا أن هناك تفسيرا آخر هو أنها كلما اتبعت التعليمات وحاولت التنفيذ دهمها الوسواس بما يهزمها بتشكيكها في جواز ما نصحتم به مثلا من الناحية الشرعية أو العلمية من وجهة نظرها.
لم تذكري لي شيئا عن مستواها التعليمي ومدى صلاحيتها لأنواع التدخل العلاجي التي ذكرت ... ولا لماذا وصل الحال بزملائك الأقدم منك في المؤسسة النفسية تلك إلى التهرب منها ؟ ... وبماذا نفسر رغبتها في العلاج ورغبتها في الجلسات ؟ لابد أن هناك ما قد يكون أعمق من مجرد التمسك بأعراضها المرضية رغم محاولات الجميع.
صراحة أنا يمكنني أن أعاقب مريضاً بوقف الجلسات مرحليا أو بتحويله لزميل (مع وجود اتفاق مسبق بإمكانية هذا ضمن الإطار السلوكي للعلاج).... لكنني لابد أكون على صلة بأهله ... أما المريض الوحيد فلا يمكنني ذلك معه لأنني لا أعرف وسيلة للاطمئنان عليه بعدها... لكن ذلك لا يحدث إلا في عيادتي الخاصة.... بينما لا توجد علاقة علاجية خاصة بيني وبين مرضى المستشفى الجامعي الذي أعمل به لأنني أمارس التعليم كما أمارس العلاج في نفس الوقت.
أما ما حصل معك فهو أن المريضة بعد مجهود طويل أحبطتك فانفعلت وكان منك ما كان ... حين (اكتشفت أن المريضة برغم كل الجلسات والإرشادات إلا إنها تستعمل "القفازات الطبية في عملية النظافة من النجاسة في المرحاض" وتمكث حوالي ساعة في الحمام وتقوم بالاستحمام الكامل وتغيير كافة ملابسها إذا شكت في نجاسة ملبسها.)... وهذا الفسخ للعلاقة العلاجية ممكن ومتكرر الحدوث من كثيرٍ من المعالجين النفسانيين خاصة في المؤسسات الحكومية، لكن غالبا مع الاتفاق على التحويل لمعالج آخر...
لكن لأنها محولة لك من الجميع وليس متاحا أن تحوليها... وأنت شخصيا وصلت إلى مستوى مزعج من ما يسمى الطرح العكسي Countertransference ومنذ مدة كما تشي به كلماتك (في كل مرة كنت أقوم بإيقاف الجلسات ثم يؤنبني ضميري بشدة وأن ما أفعله حرام حيث إنني مطالبة بمساعدتها وليس عقابها بإيقاف الجلسات فكنت أعود للجلسات من جديد برغم أنني أصبحت أتضايق من رؤيتها وأتمنى غيابها عن الجلسة)....
كان طبيعيا أن تنهي علاقتك العلاجية معها، وكلمة حرام هنا غريبة حقيقة إن ما فعلته من رفض الاستمرار في علاجها ليس ذنبا !! ... ترى نسيت أن فقيها هو ابن قدامة المقدسي كتب كتابا في ذم الموسوسين ؟ ترى لماذا ؟؟ لأنهم بالفعل يحبطون من يحاول مساعدتهم لكن ذلك ليس بملكهم.... هم غالبا مضطرون إليه.... وأنت كذلك غير مذنبة بل اجتهدت ما استطعت هذا على المستوى الديني والخلقي كمعالجة نفسانية.
أما على مستوى الع.س.م فدعيني أسألك عن ما دار في الجلسات وماذا كانت الإرشادات ؟ هل دار بينكما حديث عن فقه المستنكح أو فقه الموسوسين ؟؟ هل عرفت هي مثلا أن المطلوب في الغسل الشرعي ليس التيقن 100% من وصول الماء إلى كل أجزاء الجسد الظاهرة وإنما تكفي غلبة الظن 80-99% ؟ هل عرفت وهل ناقشت معها ما يخصها في هذا المقال : وسواس التلوث والتنظيف علاج وسواس النجاسة القهري والمكون من 4 أجزاء ظهر منها ثلاثة فقط حتى وقت كتابة هذه السطور.
للأسف لا أدري إن كان بإمكان المؤسسة التواصل معها أم لا ؟ فإن كان فمرحى بها وبأسئلتها عبر مجانين وحبذا لو كنت أنت وسيلة التواصل بيننا..... وإن لم يكن فإن ربها أعلم بها وأرحم ... لكنك بالأساس لم تذنبي ... وهنيئا لنا بزميلة جديدة على مجانين... وبما سألت عنه تابعين