أرجو المساعدة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. محمد من المغرب عمري 22 سنة.. لا أعرف متى حدث أن فقدت ثقتي بنفسي وفقدت شخصية الطفولة تلك حيث كنت ذلك الطفل الذي يساهم في ضحكات الكثير من أفراد عائلته ويتكلم بطلاقة وكان مجدا في الدراسة شغوفا يجيد الكثير من الهوايات.. كل هذا قد مات..
تحولت إلى شخص صامت عبوس طوال الوقت خجول ضعيف الشخصية لا أحب نفسي ألوم ضعفي وقلة حيلتي.. وكأنني أولد كل يوم من جديد وأجد نفسي لم أكتسب شيئا.. لا أجد عندي أية مهارات اجتماعية.. خجلي وقلة ثقتي بنفسي سببت لي الكثير من الإحباط والضغوطات النفسية..
في المرحلة الثانوية لم أكن أحضر حصص الرياضة فقط لأن المكان يكون مفتوحا للعامة وقد أضعت الكثير من الحصص ولم أعد أحب أن يشار إلي كي أجيب عن سؤال أو أقرأ علنا أو ألقي إنجازات شفوية..
تعلمت عزف الجيتار عن حب لهذه الهواية لكنني لا أستطيع إخراج هذه الموهبة أحيانا أعقد جلسة مع أصدقائي وعندما أكون في المنزل أعزف وأغني وأتخيل أنني هكذا سأكون في الجلسة وعندما أجلس معهم لا أستطيع الغناء.. وأيضا مشكلة الكلام لدرجة أنني أصبحت أغير من الفتيات على طلاقتهن عندما أسمع حديثهن وكيف يتنقلون بين المواضيع وكذلك من أصدقائي..
جزء من هذه المشكلة أنني لا أحب صوتي وآخر أن عقلي لا يستحضر أي شيء.. الفراغ في عقلي.. فراغ مقنط عقلي مثل صحراء قاحلة.. إذا قرأت شيئا أو معلومة سرعان ما أنساها ولا أتذكر الكثير من ذكرياتي وإن تذكرت لا أتذكر تواريخها.. الصمت يؤثر علي كثيرا إذا كان اليوم فيه 24 ساعة فإن مجموع كلامي وقتما أصبح حتى أمسي مجموع ساعة أو نصف ساعة لا أكثر.. حتى أهلي لا أكلمهم حق كلامهم ليس كما أنظر الناس تعاملهم أحس بغرابتي عن هذا العالم..
زرت طبيبا مرة استمع إلي وطرح بضع أسئلة ثم وصف لي دواء تريزن 20 ملغ.. استعملته لمدة شهرين ولم أكمل لأنني كنت أستعجل العلاج وعندما أسقط في موقف محرج أحبط وكذلك أفكر في أن الأدوية لن تعالجني توقفت.. وتوكلت على الله وأكملت حياتي بفكرة أنني بخير وأني لست مريضا نفسيا.. وبعد عام.. بدأت نفس الأفكار والضغوط النفسية تعود وقررت الرجوع إلى الطبيب وهذه المرة ولا أتوقف عن الدواء..
لكن هذه المرة أيضا توقفت وأكملت حياتي وحاليا أنا في نفس الحالة وقررت أن أشارك استشارتي وأستفيد من ردكم.. لدي أيضا وسواس المظهر إذ يمكن لوسوسة أن تسبب تأخري عن مدرستي أو موعد هام زيادة عن عدم الرضى والارتياح عندما أخرج..
أيضا لا أستطيع الرؤية في عيني الناظر أجد صعوبة.. أعتذر عن أفكاري المشتتة لا زال لدي الكثير منها لكن أظن أن هذا يكفي لتشخيصكم.. أشكركم جزيل الشكر على عناء القراءة
21/4/2019
رد المستشار
السلام عليكم وأهلا وسهلا بك صديقي "محمد" على موقع مجانين.
قد فصلت بشكل جيد حالتك النفسية، وهذا جميل، لكنك لم تذكر بداية هذه الأعراض أو الحادثة التي كانت شرارة لهذه الحالة (في نظرك على الأقل)، أم أنّها أزمة المراهقة والهوية ومراجعة الذات ترافقت مع مرض الوسواس الذي تشير إليه.
انتقالُك من شخص ضحوك اجتماعي إلى شخص منعزل مرتبك ضعيف الثقة راجع لمرض الوسواس على ما يظهر لي، ومن سنوات خلَتْ (لدي أيضا وسواس المظهر إذ يمكن لوسوسة أن تسبب تأخري عن مدرستي أو موعد هام زيادة عن عدم الرضى والارتياح عندما أخرج) فضّلتُ لو فصلت أكثر في مظاهر الوسواس هاته، وما تنصبّ عليه الأفكار الوسواسية، هل هو لباسك أم جسدك أم وجهك... تحسّن حالتِك بعد زيارتك الطبيب وتناولك دواء paroxetine (وهو مضاد اكتئاب ووسواس) يدل على أنّك تعاني حقا مما شخّصه الطبيب، لكن خطؤك كسائر الناس هو قطعك الدواء بعد شهرين فقط وشعورك بالتحسّن وهذا خطأ فادح،
والمشكل أن الناس تفترض أن الدواء لن يعالجها لوحده، وهذا صحيح في كثير من الحالات، لكن ما لا يفهمونه أن نظرتهم التشاؤمية والتشكيكية في أدوية الطب النفسي دون معرفة تخصصية هو ما يحملهم على افتراض ذلك، فالدواء إن لم يشف الحالة كليّا فإن عدم تناوله سيؤدي إلى تفاقُمِها قطعا، فإن الراحة التي تُعطى للمريض مثلا ليست هي سبب التعافي، لكن عدم الالتزام بها سيُفاقم الحالة ويزيد من مضاعفاتها ويضعف من أثر الخطوات العلاجية كيفما كانت.. هكذا يجب أن تفهم العلاج الدوائي، ضروري لكنه ليس كافٍ، وعدم كفايته لا تعني عدم ضرورته.
أعود لحالتك الوسواسية والنقاط الرئيسية فيها فأنت:
- لا تحب صوتك
- لا تحب شكلك بالتالي تسعى لتحسينه وإقناع نفسك كلّ مرة أنه "جيد"
- تهتم بتفاصيل صغيرة بشكل يُعيقك عن تأدية نشاطاتك الحياتية بطريقة طبيعية
- عدم الرضى عن نفسك عموما عندما تُخالط الناس
- لا تُحب أن تكون محطّ الأنظار (لا أحب أن يشار إليّ كي أجيب)
- لا تُحب أن تكون في مكان مفتوح يراك فيه الجميع ويحكمون على حركاتك ومهاراتك (ترك حصص الرّياضة)
كل هذه النقاط، وربما وساوس متعلقة بالأفكار لم تذكرها لنا، هي التي تسبّبت في انهيار ثقتك بنفسك وتقديرك لذاتك، وبالتالي صِرْتَ تمارس ما يُسمى في مجال علم النفس السلوكات التجنّبية conduites d’évitement بسبب قلقك ومخاوفك (غير المعقولة كما قد تُلاحظ) من مواقف تضطر فيها إلى الحديث أو الظهور أو أي شيء يضعُك أمام تلك المشاعر السلبية ويخرج الأفكار الوسواسية المزعجة، سواء فيما يخص صوتك أو كفاءاتك أو شكلك... فإليك ما يقع في رسم مبسط:
وهنا يكون العلاج المعرفي (تعديل أفكارك عن نفسك وعن الآخرين وكيفية بنائها) مهما وضروريا في هذه الحالات، لكن ليس بدون دواء.
أما بالنسبة لفراغ ذهنك وعدم تركيزك فهذا طبيعي، فالوسواس يستهلك كل طاقتك الذهنية في اجترار أفكار أو مدافعتها أو تحليلها، وربما كانت لك أحلام يقظة، تعوّض بها واقعك المرّ، فتبدأ في نسج المواقف من جديد أو تخيّلها وضبط سلوكك فيها وتكرار السلوك والقول إن أخطأت فيه حتى تبدو فيها مثاليا، وهذا يضيع عليك التركيز في حياتك الواقعية. وترافق الاكتئاب (إحساسك بالحزن وانعدام القيمة) يؤثر على القدرات المعرفية، وما إن تتحسّن حالتك حتى تعود لك قدراتك فلا تخف، وحاول ألا تحلل الوسواس أو تحاربه أو ترد بشكل منطقي عليه، إنما تجاهله فقط وامضي في شؤون حياتك، لكنّك قد تحتاج مساعدة مختص في ذلك.
وعندي ملاحظة أو تساؤل حول صوتك الذي لا يُعجبك، هل تقصد أنه لا يُعجبك مقارنة بما تصبو إليه من غناء وطرب، أو تقارنه بأصوات الناس "العاديين"؟ فإن كان الأول فقد أدخلت نفسك في مقارنة جائرة، وحمّلت نفسك ما لا تُطيق، وإن كان الثاني وجب معرفة هل أنت مبالغ في ذلك أم هي مجرد وساوس عادية.
لا أستثني احتمالية وجود اضطراب التشوه الجسمي Dysmorphophobie وهي غالبا تصيب المراهقين (السن عامل خطَر هنا facteur de risque) وهي اضطراب يتخيّل معه المصاب به أن جزء من جسده مشوه وغير جميل بدرجة مبالغا فيه. وأنصحك أخيرا بالرجوع للطبيب وإكمال الدواء معه، مع زيارة مختص نفسي أو هو نفسه إن كان يقوم بجلسات علاج معرفية سلوكية.
وأتركك مع بعض الروابط:
اضطراب تشوه الجسد Body Dysmorphic Disorder
أكره شكلي جدا
قلة التركيز الاحتمالات والعلاج
مريض الوسواس وتدريبات التركيز والذاكرة
لا أستطيع التركيز
الاجترار الوسواسي Obsessive Ruminations