بسم الله الرحمن الرحيم
الحقيقة أنا أواجه مشكلة صغيرة ولكن تسبب لي الكثير من الإحراج وأرغب في تجاوزها.
أنا في عملي أحتاج أن ألقي بعض المحاضرات وأشعر بخوف وارتباك لمواجهة الحاضرين حيث أنه يظهر علي ذلك من خلال الارتعاش والتعرق وذهبت إلى طبيب نفسي وقال لي أنه نوع من أنواع الرهاب الاجتماعي نظرا لطفولة عشتها وأشياء أخرى ترتبت على ذلك
والحقيقة قال لي أنه خفيف عندك ليس بالشديد حيث أني أستطيع الدخول على الحاضرين وإلقاء المحاضرة لكن كما سبق وأن ذكرت أنه يحدث لي الارتباك والتعرق والتعثر في الكلام
ولكن لاحظت أمرا ما غريبا عند لعب كرة القدم هو عندما أبدأ أكون خائفا، لكن إذا تعرضت إلى أي إصابة أو سقوط يزول ذلك الشعور أرجو من سيادتكم توجيهي للطرق السليمة وأشكر لكم تعاونكم المعهود وجزاكم الله خيرا
كمال محمد مكاوي
أرجو إفادتي فإنها تؤرقني
2/5/2019
رد المستشار
الأخ العزيز السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وأهلا وسهلا بك على صفحتنا استشارات مجانين، الحقيقة أن إفادتك واحدةٌ من الإفادات النموذجية، برغم قصرها، وبرغم إغفالك لذكر تفاصيل طفولتك تلك، بل لعل إغفالك لتلك التفاصيل وما قلت أنه أشياء ترتبت عليها، هو أحد مشاهد الجمال في تلك الإفادة! أتدري لماذا؟ لأن أحدا لا يعرفُ أسباب الرهاب الاجتماعي، ولا غيره من أنواع الرهاب المتعددة كرهاب الساحة، ورهاب الجنس الآخر، وغير ذلك من الأنواع، لا أحد على التحديد يعرفُ السبب المؤكد الذي يجعل إنسانا ما عرضةً للإصابة بذلك النوع من الاضطرابات النفسية، هناك كلام عن الوراثة له ما يدحضه وله ما ينفيه، وهناك في كل مدارس علم النفس الغربية المختلفة نظريات لشرح مصل ذلك السبب، ولا دليل يرقى بأطروحات أي من تلك النظريات إلى مستوى الكلام العلمي،
لكن المدرسة السلوكية والمعرفية في علم النفس هي الوحيدة التي رغم أنها لا تعطينا سببا أكيدا مثل كل المدارس الغربية الأخرى إلا أنها تعطينا شرحا للحركية النفسية (السلوكية المعرفية) التي تتفاعل بها الأعراض التي يشعرُ بها الشخص مع حياته بحيث تتزايدُ وتتفاقم مع الوقت لتضع مزيدا من الضغوط على حياة الفرد بحيثُ أنها تشرح كيف يتعلم الشخص مع الوقت سلوك الاجتناب ويعيشُ به وكلما تمادى في اجتناب ما يسببُ أعراض الرهاب لديه كلما سقط أكثر في متاهة القيود، وهي أيضًا المدرسة الوحيدة التي تقدم لنا طرقا وبرامج علاجية ناجحة، تقوم على التعرض التدريجي ومنع الهروب! وهذا ما عند الغرب.
وأما ما عندنا فهو ما قاله أمير المؤمنين على ابن أبي طالب رضي الله عنه "إذا هبت أمرا فقع فيه، فإن شدة توقيه أعظم مما تخاف منه" وفي روايةٍ أخرى"إذا هبت أمرا فقع فيه، فإن شدة توقيه أعظم من الوقوع فيه"، فهو رضي الله عنه وأرضاه يلخص أطروحات المدرسة السلوكية المعرفية كلها بذلك القول الجامع إذا هبت أمرًا فقع فيه، وأنا أراك كما وصف لك طبيبك النفساني تعاني من حالة بسيطة لكنها تسبب لك الضيق، فهل تدري لماذا الحالة بسيطة؟؟؟ لأنه أصابت كيانا نفسيا قويا هو كيانك أنت بارك الله فيك
والله ما أظن ما أشرت إليه بقولك في إفادتك : (نظرا لطفولة عشتها وأشياء أخرى ترتبت على ذلك)، ما أظنه إلا زادك صلابة وقوة، ولهذا السبب لم تتمكن منك أعراض الرهاب الاجتماعي القاسية بشكل يمنعك عن المواجهة، ولم تسقط بالتالي في حفر التجنب المتتالية التي لا تزيد الحالة إلا سوء، إن الأعراض التي تصفها أنت هي بعض أعراض التوتر والقلق، والتي هي في نفس الوقت أعراض الخوف والجري ومحاولة الهروب والغضب والمفاجأة، وأحيانا أعراض التعب والإرهاق، لكنك وحدك تستقبلها بشكل مختلف وتفسرها لنفسك بشكل مختلف، فتأخذُ مسارا مختلفا بالتالي، وإن كان محدود التأثير في حالتك لأنها خفيفة الشدة كما قال طبيبك النفساني
ما رأيك يا أخي أنني لا تعنيني الأسباب، إلا بقدر احتوائها على مواقف فكرية لك أنت (أي كيف استقبلت أحداثا معينة حدثت، وفسرتها ورأيت أنها تعني)، أي تأثيرات الأحداث المعرفية عليك والانطباع الذي تتركه في نفسك، وكذلك أيضًا تفسيرك أنت لما يعتريك من أعراض، وتقييمك أنت لكيف يرى الآخرون تلك الأعراض، ولن أقول كيف يرونك أنت لأنك محاضر كما بينت لنا، وأحيلك الآن إلى رابط مهم على مجانين هو :
النظريات المعرفية للرهاب الاجتماعي
وأريدك أيضًا أن تتأمل قولك : (ولكن لاحظت أمرا ما غريبا عند لعب كرة القدم هو عندما أبدأ أكون خائفا، لكن إذا تعرضت إلى أي إصابة أو سقوط يزول ذلك الشعور)، فهذا الأمرُ ليس غريبا أتدري لماذا؟؟ لأن الخوف من ظهور الضعف البشري (الذي يتقبله الإنسان المتوازن نفسيا)، هذا الخوف يزول بمجرد ظهور الضعف، وبالتالي تزول أسباب المهابة بالوقوع فيما تهاب كما قال علي ابن أبي طالب، فهل الخوف من مجرد حصول تلك الأعراض رغم أنها لا تقعدك عن الأداء هو أصلا خوف منطقي؟ ولماذا لا تجعل التعرق أو غيره بالضبط مثل الإصابة أثناء اللعب؟ أمرٌ واردُ الحدوث لكل الناس؟؟ ، لو فكرت كذلك ستكتشفُ أنك تستطيع التغلب على أعراضك تلك أو ستقلل من شدتها عليك أكثر فأكثر!
وباختصار أنا أرى أنك يا عزيزي تقف على طريق العلاج بل وتصر على الوقوف، لكن الأعراض تضايقك، وأرى أنك تحتاج لبعض جلسات العلاج المعرفي التي تغير فيها بعض مواقفك المعرفية من الأعراض، ومن ما تعتبره أنت أسبابا أيضًا إذا شئت ، فاستخر ربك، واطلب العلاج المعرفي، وتابعنا بأخبارك .