كيف أتخلص من نتاج تربية أهلي الناقدة.
السلام عليكم ورحمة الله، أنا فتاة في 32 من عمري نشأت في عائلة مكونة من 7 أفراد أنا أصغرهم كان أبي صاحب شخصية ناقدة للناس وساخطة نادرًا ما يمتدح أحدًا أو يمتدح عمل أحد، وكانت أمي مهوسة برأي الناس بها وتسعى لإرضائهم دائمًا..
أبي وأمي منذ أنا وعيت على الدنيا كانت حياتهم الزوجية متوترة وبها العديد من المشاكل التي أراها الآن لم تكن تحتاج كل ذلك الهم والغم الذي كان يحيط بيتنا، لم يهدأ بيتنا من المشكلات والتوترات الا بعد أن بلغت الـ 22 من عمري..
بالنسبة لطفولتي فقد كنت الطفلة الصغرى يصغرني ابن واحد، كنت خجولة جدًا وخائفة دائمًا من إغضاب أبي أو امي، فكنت دائمًا أسعى لفعل الصواب.. بالنسبة لنهاية طفولتي وبداية مراهقتي فلم أحظى بأي اهتمام من أمي أو أبي فقد كان تركيز أمي منصبًا على أخوتي الأكبر مني بحكم أنهم كانوا أولادًا في مرحلة مراهقة وكانت خائفة عليهم وعلى أخي الأصغر كونه طفلًا رغم أنه يصغرني بسنة ونصف فقط !
أما أبي فكان شخصية ناقدة لا يعجبها شيء ولا أحد كان دائم الغضب والانزعاج من أتفه الأسباب والهروب من البيت فلم يكن حاضرًا في ذاكرة مراهقتي كثيرًا أما في طفولتي فكان عطوفًا علي لكن لم يولني اهتمامًا لكونه كان مهتمًا بأخوتي.
كانت تربية أبي وأمي قائمة على النقد لم أذكر يومًا فعلت فيه أمرًا لهم أو لي مهما كان سخيفًا إلا وحصلت على نقد من أبي أو أمي فيما فعلته، نعم يحدث استحسان من قيامي بالفعل لكن النقد أولًا وثانيًا وثالثًا ثم الاستحسان بشكل طفيف. هذه التربية ظهرت على بعض إخوتي فأصبح النقد سمة في البيت لابد أن ننقد كل شيء لابد أن يكون لكل شيء سلبيات ولكل تصرف ولكل عمل.
لا يمكن أن نقول شكرًا بدون "لكن لو فعلت كذا لكان أفضل" ولا يمكن أن نجلس في جلسة دون أن نقيم شيئًا أي شيء ولو كان منديلًا !!. انعكس هذا الأمر علي في حياتي وفي شخصيتي بشكل عكسي فلم أستطع أن أتقبل تقديرًا لعمل ما دون أن أشكك بصحته ودقته فكلما فرحت بتقدير أحدهم لعملي كلما سمعت صوتًا داخلي يشكك بصدقه أو باستحقاق العمل لكل ذلك التقدير، مع الوقت استطعت تقبل تقدير الناس لعملي ومدحهم له دون نقد جارح، لكن عندما تزوجت أصبح ذلك الصوت مسيطرًا علي بشكل قبيح
زوجي إنسان طيب وحنون وحساس يمتدحني دائمًا بمتدح شخصيتي وشكلي وعملي في المنزل بكافة أشكاله الا أن ذلك الصوت يقول لي بأنه يجاملني ولهذا دائمًا ما أفتعل عيوبًا فيما أفعل كأن أقول الملح زائد أو أي أمر إلا أنه لا يستجيب معي وينفي ذلك ويمتدحني، مدحه لي يشعرني بزعزعة وتوتر أشعر بأن شيئًا ما غير صحيح وأنه يجاملني ويكتم مراعاة لمشاعري وأنه سيأتي يوم وينفجر ويخرج كل عيوبي دفعة واحدة، وقد قلت له ذلك بأنه كيف لا يوجد فيّ عيوب وأنه يجامل وبكيت واستغرب من ردة فعلي وانزعج من بكائي وقال أنه لو وجد شيء لا يعجبه فسيتكلم وأنه سبق وتكلم وأن حياتنا خلال الستة شهور ليست وردية وبها مشاكل زوجية كأي زوجين، وأنني بقولي هذا أبحث عن مشاكل!
وما قاله حقيقة مرت علينا مشاكل صعبة بعض الشيء في بداية الزواج واستطعنا بتوفيق الله حلها..
أنا أعرف أن ذلك الصوت في داخلي وشعوري وإحساسي بأن شيئًا ما غير صحيح في حياتي الزوجية هو نتيجة تربية أهلي من إهمال وانتقاد،
أرجو أن ترشدوني لطريقة أو كتب أستطيع بها أنا أتحرر من تأثيرات تربيتي
ولكم جزيل الشكر ..
3/10/2019
رد المستشار
السائلة العزيزة:
رسالتك تثير قضية محورية في حياة كل إنسان، وأشكرك على هذه الفرصة للدخول إلى هذه المساحة فائقة الخطورة.
لطالما سمعت وقرأت الحديث الشريف: "ما من مولود إلا ويولد على الفطرة، وأبواه يهودانه، وينصرانه، أو يمجسانه"، أو كما قال خير الأنام صلى الله عليه وسلم. ووصلني من الحديث عمق تأثير الوالدين في تشكيل عقلية الأبناء حتى مستوى المعتقدات العميقة، مرورا بالقيم، والعادات والمخاوف، والمهارات، وحتى العيوب، والعاهات النفسية والاجتماعية!!
الأسرة هي المحضن الأول والأهم، وفي عالمنا العربي تتضاعف مسؤولية الأسرة في غياب الأدوار التربوية المنظمة للدولة، وغياب الوجود والنشاط الإيجابي للمجتمع، والدولة الحديثة تتدخل في تربية النشئ إلى درجة أن تكون هي الراعية الأولى له كما في بلدان غريبة كثيرة، والمجتمع يمارس سطوته وتأثيره في المجتمعات التقليدية التي تحتفظ بشبكات وروابط العائلة الممتدة، والقبيلة، والعشيرة.... إلخ.
أغلب الدول العربية خرجت من طور المجتمعات التقليدية، ولم تصل بعد إلى طور الدولة الحديثة، وبالتالي فإن الأسرة هي الأخطر والأثقل تأثيرا في الأبناء، والدولة والمجتمع لهما تأثير أضعف، وتدخلات أخف!!
وأنا صرت أرى رحلتنا في الحياة عبارة عن ميلاد على فطرة الله وخلقته ثم تشكيل يحصل لنا بتأثيرات الوالدين، والمحيط الاجتماعي، والإعلامي، والعالم الرمزي من فضائيات وإنترنت.... إلخ، يتلو ذلك ويتوازى معه جهد يبذله من ينتبه إلى أهمية أن يتواصل لوعيه الذاتي، ونفسه الحقيقية وسط ضجيج كبير بداخله، ومن حوله!!
تأثير الوالدين وغيرهما يتمثل في إضافات أو تفعيل زائد لأجزاء فينا، وإضعاف أو كبت أو تهميش لأجزاء أخرى. في حالتك مثلا حصل تركيز، وتواصلت تنمية وتقوية نزعة النقد، وإصدار الأحكام ربما على حساب ملكات ونزعات أخرى مثل الاستقلال، والذاتية، والحرية، والقدرة على اتخاذ القرار، وإدراك وممارسة المسؤولية عن النفس ثم الغير.
والرحلة تتضمن استكشاف ما أنت عليه حاليا، أي التضاريس والمعالم النفسية، ولا أحب تسميتها مشكلات، ولكن هي ملامح وجودك الحالي. كما تتضمن الرحلة معرفة الطبيعة الإنسانية أو الفطرة أو صفات وملامح الذات الواعية لاستعادة نشاطها، واستئناف ممارستها لقيادة نظامك النفسي الداخلي بأجزائه، ونزعاته المتنوعة.
يعني مثلا تستكشفين الجزء الناقد بداخلك، وتحاولين مصاحبته، والتفاوض معه ليعود إلى حجمه ودوره الطبيعي، ويفسح المجال لأجزاء أخرى يضغطها تضخمه. وتستكشفين ضمور الأجزاء المهمشة المهملة، وتعملين على تغذيتها، وإنعاشها.
التحضير لهذه الرحلة، والإقلاع فيها يستلزم بعض التجهيزات منها استكشاف الإزعاجات، وتسريبات الطاقة لتقليل أو منع التعرض لها، أو خفض التأثر بها، كما يتضمن التحضير استكشاف مصادر الدعم والطاقة من حولك، أي الأشخاص والأنشطة والأماكن والمعارف التي تزيد من وعيك، ونشاطك، وسلامك الداخلي، وتقلل من توترك، ومخاوفك، ونظرتك السلبية لنفسك.
أرجو أن تصلك سطوري هذه، وتنال من تركيزك وانتباهك وتأملك القدر الذي ينفعك، وتابعينا بأخبارك.
ويتبع >>>>>> : رحلة حياتنا: عقدة الجنس : ملف شائك في محيط مرتبك م