تشنج مهبلي وعنة تفاعلية : علاج سلوكي
أريد أن أفهم مشكلة ذلك المدير
السلام عليكم ورحمة الله، كل الشكر لموقعكم المميز الذي تعلمنا منه الكثير علي مدي الأعوام الثلاثة الماضية .. وهي فترة معرفتي بالموقع.
أرجو أن يتسع صدركم لسماعي فيما سأقوله .. والذي لا يمكنني أن أصفه بالمشكلة لكونه تعجب واستغراب لا غير.
.. أعمل في مجال الموارد البشرية، وألاحظ دائما غرابة في سلوك مدير القسم الذي أعمل به .. لا أعرف تفسيره وأرجو منكم إرشادي إلى طبيعة تلك الشخصية وما إذا كان يعاني من مشكلة نفسية أو عقلية ما !
فهو دائم الكذب، دائما ما يحاول إظهار أنه يأكل من محلات مرموقة، ويشتري من ماركات غالية رغم أنه ليس كذلك، يدعي أنه موضوعي وعادل رغم أنه دائما ما يحمل الأمور محملا شخصيا، لا يعدل بين المرؤوسين، منبهر دائما بأحد مرؤوسيه ويرى أنه الأفضل دائما، ودائما ما يعطيه تقييما أعلى من الجميع بسبب أو بدون سبب حتى وإن أخطأ لا يحاسبه.
لا يقبل النقد، ويرى دائما أنه على صواب، ويدعي علمه بأي أمر نتكلم فيه حتى أنه قد يجري بحثا سريعا على الإنترنت لموضوع نتحدث فيه ..ثم يتكلم كأنه يعرف هذا من قبل.
مؤخرا انضم للإدارة شاب ذو مهارات عالية وبعضها أعلى من المدير .. وباعتراف المدير .. ويحب الإبداع، والأعمال غير التقليدية أو الروتينية، دائما ما يقترح تحسينات على العمل وطريقة أدائه، ذلك الموظف جيد جدا فنيا لكنه صريح ومندفع وقد ينتقد من هم أعلى منه إداريا ويجادلهم ويظهرهم على خطأ، وقد يكون به بعض الانطوائية إذ يحب العمل منفردا، وبدون التشارك مع أحد إلا أنه يساعد الزملاء إن احتاجوا إليه، كما أنه يحب المرح والنقد اللاذع على سبيل المزاح .. وأصبحت أنا من الأصدقاء المقربين لذلك الزميل ..
حاول هذا المدير في البداية استمالته وضمه إلى الزملاء الثلاث "الموالين" له والمؤيدين له في كل صغيرة وكبيرة، إلا أنه لم يقبل بذلك ودخلا معا في صدامات كثيرة، فبدأ في مضايقته وتقييمه المنخفض لأتفه الأسباب، وتأليب مدير الإدارة "مدير المدير" عليه والادعاء بأنه أصبح لا يعمل كما في السابق، وأنه تغير، وأنه يقلد الزملاء "غير الجيدين" بالإدارة.
ورغم أنني مررت مع مديرنا بنفس المراحل حتى تملكني اليأس من أن ينصلح حاله .. ولكن ذلك الموظف الجديد جعلني أتذكر الكثير من المواقف الماضية .. وأثار في نفسي رغبة إيجاد حل جذري لتلك الأمور
أرجو معرفة ما نوع تلك الشخصية ؟؟..
وما طبيعة تلك المشاكل النفسية لديه ..؟؟ وما هي أنسب طريقة للتعامل معه؟
4/10/2019
رد المستشار
أهلا بك وسهلا على موقع مجانين
في الحقيقة القضية وما فيها أقل تعقيدا من أنماط الشخصيات وخبايا النفوس، سلوك هذا المدير وسط الشركة هو مثل سلوك شخص في مجتمعاتنا المريضة، الدينامية نفسها تحكم كلا المجالين: الشركة والمجتمع، فالشركة مجتمع مصغّر بكلّ عُقده واختلالاته، تحكمُها العبثية نفسها والمصلحية والمظاهر والنفاق، فهو يدّعي أنه يعيش في البذخ حتى لا يتعرّض لاحتقار من قبل زملائه والمجتمع، ويشعر بتلك النظرة التبجيلية التي يقدّمها الناس لمن هم في مثل وضعه ومستواه ! شكليات التقييم الإيجابي التي تحتكم لمزاجية المسؤولين ومدى مجاملة المقيَّمين للمسؤول، وإشعارِه بالتفوّق والتميّز، ليردّ لهم المسؤول تلك المجاملات المجانيّة، ثم يردّ له المرؤوس مجاملات أخرى وهكذا دواليك... حاجيات طفولية يتمّ إشباعُها في شركات كبرى ومشاريع جادة وحيويّة وعالم يُفترض أن يكون للبالغين ! نفسيات لا تزال في مرحلة الطفولة تكره أن ترى الواقع كما هو بسلبياته وإيجابياته، ما انتقدها أحد إلا شعرت بالضيق ومارست عدوانيتها... مديح ومجاملات مستمرة تُغرق المشاريع في السلبية والتخلّف والفشل. النتيجة هي أنّ كل شخص يحاول التصرف بجدية ونضج ورُشد يليق بالموقف يُتّهم ويُشيطن ويبدو كريها جدا.. طبعا هو كريه في مناخ من الاسترخاء والإدمان على الكلمات الحلوة والمنمّقة !
لذلك حتى لو ادّعينا معرفة شخصيّته من خلال ما وصفتَه به، فهل يعني أن معرفتنا إياها تُسهّل إيجاد حلّ سحريّ ؟ لأن الفكرة السائدة هي أنّ الشخصية ما إن نعرفها ونصنّف صاحبها حتى نملك مفاتيحَها، فهل هذا صحيح ! قد يكون هذا صحيحا جزئيا لكن المفاتيح قد تكون مكلّفة الصُّنع وقد نبذُل لها مبادئنا ونسقيها من دمائنا.. فواضح أن مديرك هذا من النوع الذي يحب أن يُحيط نفسه بالمتملقين ويُبعِد من يُشعره بالنقص أو الخطأ، يحب التبجيل ويكره التعامل بنديّة، يحب "لعق الأحذية"... هذه تصرفات تجعله في صفّكما، فهل أنتما مستعدان للعمل بها ؟ الظاهر أنه لا يمكن ما دُمتما قد اشتكيتم من تصرفاته، فأمثاله لا يرونه مخطئا أو أنّ مبادئهم رقيقة ويُمكنهم تجاوزها بسهولة لتحصيل المصلحة وتفادي الصراع.
الحل الممكن مع أمثال هؤلاء، هو اللعب في مساحة تسمح لكما مبادئكما بها، مع كثير من المرونة في تقييم "الفعل الأخلاقي" و"القول الأخلاقي" الذي تسمحان لأنفسكما به. المساحة والمرونة التي أقصد هنا هي أنك لن تقول له "أنت رائع لأنك تذهب لذلك المحلّ" لكن قد تسايره في كذبه، وتتحدث عن شيء "غير محرم في مبادئك" وهو الماركة نفسها أو إيجابية الماركة.. وبذلك أنت لست مضطرا لكشف كذبه أو مجابهته فذلك لا يعنيك ولن يضرك، لكن المشكل هنا هو ضبط انفعالك من ذلك التصرف الصبياني والتصرف بأريحية في موقف مشابه (هنا نتساءل عن قلة نضجنا نحن الذين نقيّم الكذابين والمنافقين !)، لذا غالبا ما نجد شخصية مثل هذه تتصارع مع شخصيات في الضفة الأخرى تماما، مضادة لها تقيّم بشكل جديّ أكثر من اللازم، ولا تتنازل عن كلمة حلوة تقولها ما دامتِ تُشكّل لها "غصّة"، ولا تجد نفسها ميّالة لقولها ما دامت لم تخرج من أعماق أعماق القلب !
يُمكنُك أن تمدحَه بما فيه، وهو موجود لا شك، إذا غيّرت زاوية الرؤية في صفاته، وجزّأتَ نظرتك له، فبدل أن يكون كيانا شريرا حقيرا، سيكون إنسانا ذا إيجابيات وسلبيات، ولعلّ من أكبر إيجابياته أنّه سهل الانقياد لمن مدَحه قليلُ الحذر بسبب تمركزه على ذاته والمدائح الموجهة إليه فيصعب عليه معرفة المتملقين من الصادقين ويسهُل التأثير عليه ببضع كلمات معسولة ! عكس مدير كالصقر يقيّم الإنسان بإتقانه وعمله وتفانيه مما قد لا يتيح لك فرصة معه أبدا لترك انطباعٍ "إنساني" غير تقنيّ... وكونُه مديرا يدبّر الإدارة هذه من حسناته، ألا يستحق عليها كلمة شكر وتقدير مثلا.. كأن يقال له بفضل "فلان" فإن شركتنا لا تعاني من مشاكل الشركات الأخرى...أو "دائما ما نستفيد من خبرة فلان في هذا المجال..." أو "نحن نقدّر تعب وسهر مديرنا على حيثيات تبدو صغيرة لكنها متعبة.." لكن لاحظ معي أن الذي يحول بينكما وبين قول هذا له هو تلك النظرة المشمئّزة له، وعدم القدرة على عزل شعوركما اتجاه شخصه ككل (مدير كذاب ومتعجرف ومدّعٍ...) ومن هنا فائدة التجزئة لشخصه، مجاملة في حقه في نقطة معينة لا تعني أنك تقبل بمنهجه وتؤيد طريقة فعله في كل شيء !
لذا تحدثت عن الصرامة الأخلاقية التي يُريد أصحابها تبادل المدائح بمقادير وموازين ذريّة ولا يستطيعون تقبل تجاوز الحد في المدح أو الشكر والتقدير.. مع أن هذا الأسلوب يُنتج تشنجات أكثر مما يُعالجها، كأن أصحاب الصرامة الأخلاقية يعطون لهذه الشخصيات دوافع أخرى للاستمرار في طفوليتهم وعدوانهم، لأنهم لا يتصرفون معه باحترام وتقبّل (الشيء الذي ينقصه لذلك يتصرف بتلك الطريقة) فيزيدون الطين بلّة، ويزيد هو في تعنّته، معتقدين أنهم بتلك الطريقة سيبصّرونه بعيوبه ويوقظونه من غروره، ولن يستطيعوا لأنه أمر يتجاوزهم وأعمق من تعاملاتهم اليومية في الشركة، لذا المرونة مطلوبة جدا، وإن كنتَ ستقول له على مضض "لا بأس بك في هذه" فما العيب أن تقول له أنت "ممتاز" أو "من أحسن من يقوم بهذا" ؟ ! لا بأس في ذلك إلا ما تجده في نفسك من صراع وتجاذب بسبب ما تكسّره طريقة المدح تلك في نظرتك عن نفسك ومبادئ "الحقيقة والحق" عندك...
أتمنى أن تتحول العلاقة بينك وبين مديرك لعلاقة إنسانية يعتريها النقص والتشوه، بدل أن تكون علاقة بين الخير والشر، بين الصواب والخطأ بمعايير وأثقال كونية
تحياتي