في الهجرة والعشق : جدل المراجعات، والتحولات ! م1
الزمن في حياتنا بين القبول والشوق والرفض
عندما أصبحت سنة ثالثة في كليتي الجامعية ...واقترب هاجس البحث عن عمل قبل التخرج....وهو أم المشكلات الشبابية في عالمنا العربي....بدأت أقول لنفسي ففي غمرة الفشل في البحث عن العمل....." أصل الله قبل سنتين"، سقى الله أيام السنة الأولى فلا هم لي سوى دراسة ...
بعد سن الاثنين وعشرين وتخرجت واجهت صعوبات جمة لا عمل ولا وظيفة مهما كانت واضططررت للعمل بعمل مهني شاق، كما فشلت في علاقاتي العاطفية، أو بالاحرى فشلت بالتعرف على بنت بحياتي
كبرت وكبرت وأتت أحداث سوريا عام ألفين وأحدى عشرة، ضاع الحلم وضاع المستقبل وبعد عامين وفي غمرة الدماء والدمار، صرت أقول "سقى الله ماقبل الأحداث، سقى الله تلك اللحظات والحرية في الحركة، سقى الله تلك الأيام"، ثم سافرت بعدها....وما زلت في الغربة
وما زلت أعاني من انخفاض المردود، والبطالة أحيانا أخرى، والعزوبية....
دوما أتذكر الماضي وأقول.... سقى الله أيام كنا نتناول خبز ا يابسا أمام مدفأة شتاء أمام أبي وأمي اللذين لم أرهما منذ أربع سنين، سقى الله أيام ما قبل الحرب عندما كانت خمس أو ست بنات تنظرن إلي بشارع وكأنها تقول لي تعال كلمني، سقى الله حتى قبل عامين، ونحن بألفين وتسعة عشر.
قبل سنتين أفضل من اليوم، وقبل عشرة أفضل من قبل سنتين، وقبل خمسة عشر أفضل من قبل عشر سنين
وهكذا هلمجرا.
السؤال:
هل الزمن الماضي أجمل، والحال سيء، والقادم أسوأ،
أم الموضوع يتصل بأحوالنا الخاصة وظروفنا المادية والنفسية، وتقدمنا العمري...
أم ماذا؟؟
وشكرا
10/11/2019
رد المستشار
الأخ السائل:
أتمنى أن تكون هذه الرسائل المتبادلة مفيدة لك على أي نحو، كما أرجو أن تكون نافعة للقراء، وبخاصة المهاجرين منهم!!
البكاء على الماضي يشتت تركيزنا على الحاضر، ولم يكن الماضي هو تلك الجنة التي تستحق كل هذا البكاء، اللهم إلا من جهة عجزنا عن فعل أي شيء ينفعنا في الحاضر!!
افتح العدسة لترى سورية الماضي التي تبكي عليها، أو أي قطر عربي كيف كان يعيش قبل أن يتحرك الناس ضد السلطاتّ .... تعرف أكثر مني كيف عاشت بلدك خارج دوائر احترام إنسانية الإنسان في أبسط صورها حتى خرج منها السوريون على دفعات، وكنت حين أسافر إلى الغرب أسمع وأرى ليس فقط دفعات السوريين، ولكن أهلنا من العراق، ومن ليبيا، ومن اليمن، وطبعا الجزائر، وتونس، والسودان، ومصر!!
البلدان العربية تحولت إلى مفارخ عقول مهاجرة، وإلى أقطار طاردة على مر عقود طويلة، والتعامي عن هذا بحيث تذكر جلسات الخبز أمام المدفأة لن يلغي أنه بنفس الوقت كانت الدماء تراق، والأعراض تنتهك، والأموال تسرق، والبلد يتم تخريبه إنسانيا واجتماعيا وسياسيا بشكل ممنهج ومستمر، والتعامي عن هذا لا يلغيه!! فهل نسيت؟!
ثم أننا عجزنا – حتى الآن – عن التفاهم، والتعاون، والتكاتف لصياغة مستقبل مختلف!! فهل استمرار الفشل هو اختيارنا؟!
عجزنا بسبب خلل التكوين النفسي، وتفكك الترابط المجتمعي، والفشل الثقافي والفكري الذي هو بسبب عقود من تربية أسرية مشوهة، وتعليم يخرج عبيدا جاهزين للاستحمار، والاستبداد، وقهر مستمر.
وعندما ينهار هذا كله، أي الماضي البائس، ومحاولتنا الهشة للإفلات منه، ما هو الموقف المسؤول الشريف مما حدث؟! وعلى أي شيء نبكي؟! هل هو الحنين إلى الماضي؟! هل البكاء على اللبن المسكوب؟! هل هو لوم الضحايا حين ثاروا دون إعداد، أو دون استكمال الاستعداد لمواجهات شرسة مع قوى عاتية، وبناء حياة صحية وسليمة!!
هل هو الندم واليأس أم التعلم، والتعلم، والتعلم!!!
يلفتني هذا إلى سؤال يشغلني كثيرا: هل الإنسان على الأرض يبحث عن المعنى، أم هو قادر على، ومسؤول عن خلقه؟! هل نجلس ننتظر ونتأمل في الحكمة من وراء هذه الانهيارات، أم نبحث وسط الركام عما نريد الحفاظ عليه، ونتعلم من غيرنا كيف بنوا حياة جديدة جديرة بالعيش؟!
هذه الجراح والانهيارات والفقد والحركة واللوعة والأسى هل يمكن أن تكون مقدمات للخلق والإبداع والتعلم والبناء، أم نستسلم للعويل، والألم وننتظر الله أو الظروف لتصلح لنا أحوالنا؟!
عجيب أمر الإنسان والمجتمع حين يخرج من التعامي إلى العجز، وقلة الحيلة!! ويظل في موقع المفعول به لا يغادره.
رحم الله الراحلين، وتقبل الشهداء الذين دفعوا ثمنا غاليا حتى نرى ما كنا نتعامى عنه سابقا، ولكي نحصل على الفرص الحالية!! فهل نستثمر المتغيرات؟!
إنها الفرص أن ننظر في خلل نفوسنا، وعجزنا، ومواهبنا المضيعة وقدراتنا، وذواتنا المخربة، وأنظمتنا الداخلية الروحية النفسية المفككة المنهارة المضطربة، مع انهيار الأوضاع المادية والمعنوية والاجتماعية التي تغذي تخلفنا وتكرسه، وتحافظ عليه!!
ونحن هنا والآن..... ملايين تبحث عن طريق، وعن مستقبل، وعن حياة كريمة، إما أن تجتهد في السعي، وتستثمر الفرص والإمكانات المتاحة، وأولها انهيار الأوضاع المختلفة وفشلها، أو تستمسك بالهوان، وتبديد الوقت، والتعامي عن زخم الحاضر كما مارسته بشأن الماضي!!