هل أنا شخصية شكاكة؟
السلام عليكم أرجو سرية المعلومات.. تعرفت منذ فترة (حوالي شهرين) على شاب عن طريق أحد أصدقائي لنتعرف ثم يتقدم لخطبتي.. وتعرفنا بالفعل عن طريق الاتصالات غير المباشرة لظروف سفره، سمعت عنه عن طريق عائلته وأصدقائي أنه شاب ملتزم ومحبوب، وهذا ما لمسته منه في كلامي معه..
ولكن بدأت شكوكي في صحة شخصيته وهل هو كما يقول أم أن كل هذا كذب؟ حينما بدأ في التعبير عن حبه لي بعد فترة قصيرة جدا حوالي أسبوعين.. فقد تعجبت وبدأت أشك أنه يكذب علي لغرض لا أعلمه.. وبدأت أطرح عليه اسئلة مباشرة مثل: ما الخطوة التالية؟ ما شكل حياتك الآن؟ وما الذي تنوي فعله؟ كل هذا بنبرة حادة.. تكررت اسئلتي التي تدل على شكي فيه وبدأت أطالبه بالصراحة والوضوح كثيرا.. خصوصا بعدما لاحظت أنه يكذب كذبات بيضاء لا مبرر لها على الإطلاق ولا أفهم لماذا يكذب في شيء لن يضر ولن ينفع!
زادت شكوكي وبدأت أفكر طالما يكذب كذبات بيضاء فمن المؤكد أنه يخفي شيئا خطيرا وكبيرا... فبدأت أبحث وراءه دائما وكلما بعث لي بصورة أو حكى لي شيئا أسارع للتأكد منه بطريقتي.. أحيانا يقول أشياء غير منطقية فأسأله عنها فيبررها لي فأقتنع..
ولكن بعدما بدأ يشعر بشكي حاولت التقليل من تلك الأسئلة المباشرة.. فيما بعد بدأت أتأكد من شخصيته ومن أشياء كثيرة يخبرني بها بدأت أتأكد من صحتها.. أرتاح كثيرا ولا أشعر بالشك حينما أحادثه صوتيا لمدة طويلة، وما إن تبدأ المحادثة عن طريق الرسائل يعود شكي سريعا.
أنا الآن أشعر أن العيب يأتي مني وأني شكاكة بشكل مبالغ فيه.. ولكني غير متأكدة لأنه كل فترة يتبين لي أن لديه كذبة صغيرة وغير مبررة! فيعود شكي مرة أخرى.. أريد أن أعرف هل عدم راحتي وشكي المستمرين مؤشر لكذبه هو أم لاضطرابي أنا؟
مع العلم إني لا أثق في أحد وازدادت قلة ثقتي في الناس السنين الأخيرة لأحداث كبيرة تسببت لي في ذلك.. ولكن معظم من حولي مقتنعين أنه شاب طبيعي ولا شيء يدعو للتوجس منه
26/11/2019
رد المستشار
أهلا بك أختي "فرحانة" على موقع مجانين للصحة النفسية.
معرفة هل أنت شخصية شكاكة يحتاج منا سماع قصة الطرف الثاني أو على الأقل نكون شاهدين على الوقائع التي تشككين فيها، لنعرف "آلية التأويل والتفسير" التي تحصل أثناء قراءتك للواقع. فالواقع شيء ونظرتنا له شيء آخر، لذلك تختلف تفسيراتنا له، وتلك المسافة الفارقة (بين الواقع وأذهاننا) هي التي يقبع فيه التفكير التشكيكي. لكن عموما يُمكننا معرفة هل أنت مبالغة في الشك إذا اعتمدنا على شهادة معظم الناس، فغالبا ما يكون الناس دليلا على ما يجب الشك فيه أو لا (وأقصد هنا جانب العلاقات الاجتماعية فقط وليس الأمور العلمية مثلا) لذا لما تقولين أن معظم من حولك يرى ذلك الشاب طبيعيا ولا يدعو للتوجس، فهذا قد يكون دليلا على أنك تبالغين في الشك فيه.
لكن الأهم عندي هو شهادتك أنت على نفسك (مع العلم إني لا أثق في أحد وازدادت قلة ثقتي في الناس السنين الأخيرة لأحداث كبيرة تسببت لي في ذلك) وهذا سبب كاف لنُرجّح أنّك شكاكة بالأحرى وليس هو الكذاب.
الصدمات والتجارب القاسية قد تؤدي إلى تكوّن دفاعات نفسية مرضيّة كنوع من الحفاظ على الذات، كالتشكيك المبالغ فيه ومحاولة قراءة ما بين السطور، وتأويل الحركات البسيطة للناس وتفاعلاتهم، إن لم ينتبه الإنسان لهذه الدفاعات قد يكون ضحية لها مع كونِه يشعر أنّه محقّ تماما في "استخدام" تلك الدفاعات غير السوية، مبررا لنفسه بمعاناته وتجاربه المؤلمة !
وواضح منطقيا أنه لا علاقة للتجارب المؤلمة مع وجوب قراءة الواقع بشكل موضوعيّ ما أمكن، وإلاّ صرتِ أنت نفسُك هدفا لآلام الناس وتجاربهم السيئة ودفاعاتهم المرضيّة التي يكوّنونها ويوجّهونها إليكِ وأنت بريئة تماما ممّا عانوا منه.
الآن نأتي لشيء آخر مهم، وهو اختلاف شخصيتك عن شخصية خطيبك، هو إنسان محبوب بين الناس وهذا لا يعني أنّه يخلو من العيوب والأخطاء وحتى الكذب (بمختلف درجاته) لأن الناس تحكم من موقعها الذي هو غير موقع الارتباط والمغامرة الخاص بامرأة ستقبل برجل سيعيش معها طول حياتها ويكون أبا لأطفالها، لذا قد يكون حكم الناس مخفّفا وغير مكترث بتفاصيلَ معيّنة، عكسَك أنت. هذا من جهة. من جهة أخرى يبدو أنك تعطين قيمة وجدية كبيرتين للكلمات والتعبيرات، عكسَه هو، فهو شخص يمكنه أن يقول لك أنه يحبك بعد أسبوعين ليطيّب خاطرك على الأقل ويُشعرك بالراحة والقبول، وحتى إن رأينا أن أسبوعين لا تكفي لتكوّن حبّ حقيقي، فعلى الأقل يمكن أن نكون موقنين أنه لا يعني أنه يكرهك ويكذب ويقول لك عكس ذلك، فهو يستظرفك وربما بالغ بقوله "أحبك"، أنت لا تقبلين المبالغة وتدققين في التعابير وتتعاطين مع الأحداث بمنطقية ويقظة وتحذرين من الاستغراق في الكلام العاطفي والمعسول، مما يجعلك عكسه على ما يبدو، فهو لا يرى بأسا في كذبة غير مؤذية هنا أو هناك، في حين ترينها أنت كبيرة لا تُغتفر.
ومن هذا الاختلاف قد يتسلل إليك شك أكثر، لأنه ما دام يكذب ويخفي أشياء فهو يتلاعب بك قطعا، لأنك تفترضين أنه يعلم كيف تفكرين وكيف ترين الأمور وهو يقوم بأشياء سيئة تخالف مبادئك ويخفيها عنك ! وهذا بعيد عن زاوية نظره، فالحقيقة أنه يرى نفسه غير مذنب تماما وقد تتفاجئين إن عرفتِ أنّه يراك تبالغين في الحكم على الأمور والمواقف.
قلتِ أنك تطمئنين أكثر عندما تتحدثان صوتا، لكنك تشكين إن كان التواصل كتابة، مما يعني أنّه كلما كان لك مساحة للتأويل اقتحم الشك عليك أفكارك، لأن نبرة الصوت تنقل لك الأحاسيس والطابع الجدي أو الهزلي، إضافة إلى حضور الشخص والتواصل الفوري المتبادل الذي يتيح السؤال أو الاستدراك أو الشرح المفصل...إلخ. وهذا يعين على تبديد شكوكك. أما الكتابة فهي مقتضبة لا حياة فيها ولا تعطي انطباعَ الاهتمام من كاتبها، مما يزيد من شكوكك حوله. وهذه النقطة تفسّر أيضا حالة الشك عندك وسعيك الدائم للطّمأنة، فما إن تطمأني تنقص الشكوك وما إن يذهب إحساسك بالأمان تزيد تلك الشكوك، فقولك (أحيانا يقول أشياء غير منطقية فاسأله عنها فيبررها لي فأقتنع) هذا التبرير يعطيك إحساسا بالأمان والطمأنة أكثر من كونه إقناعا منطقيا، وهذا في حدّ ذاتِه دليل واضح على وجود "آلية تشكيكية" مصدرُها القلق والتخوف وعدم الأمان، والسعي الدائم لإيجاد ذلك الأمان المفقود، في صعود وهبوط، حضورٍ وغياب، آلية تعتمد على التشكيك المستمر طلبا للطمأنة، بكلمات أخرى أنت تمارسين الشّك مدفوعة بالتخوف والألم، حتى تُقصين كلّ الاحتمالات غير المرغوبة، لتأمني على نفسك أخيرا، ثمّ تتشكّل شكوك أخرى، وتسعين لإسكاتها، وهكذا دوالَيك.
تساؤلك في هذه الجملة (ولكني غير متأكدة لأنه كل فترة يتبين لي أن لديه كذبة صغيرة وغير مبررة! فيعود شكي مرة أخرى) لا يعني افتضاح كذبة صغيرة غير مبررة (عندك وعادية عنده) أنّ شكوكَك الأخرى في حقه صحيحة وواقعية ! وهذا الاستنتاج التلقائي البديهيّ قائم على شعور زائف مفادُه أنّ عدم راحتك وشكك يدلّ على أن هناك شيء ليس على ما يُرام، وغالبا الشخصيات الشكاكة تحتاج أن تطْمئنّ على أنّ شكّها وتفسيراتها للأحداث ليست وهما ولا مبالغة (فالشك في النفس شيء سيء، معاناة الشك فيما عداها كافية !)، فتعمَدُ إلى بعض الحقائق الصغيرة والمؤكدة لتؤكد على أنّ نظرتها كانت حقّا وصوابا في أمور وفرضيات أكبر وأوسع من تلك الحقائق الصغيرة، وهذا يجب أن تحذري منه، لأنه إحساس رغم زيفه إلا أنّه قويّ ومتجذّر ويصعب اقتلاعه خصوصا إن كان يلعب دورا مُعينا في تهدئة النفس أو الإفلات من موقف يصيبنا بالقلق والتوتر (وظيفة وجدانية ونفسية).
أخيرا يمكننا أن نجيب معا على سؤالك الجوهري: "أريد أن أعرف هل عدم راحتي وشكي المستمرين مؤشر لكذبه هو أم لاضطرابي أنا؟" بأن نقول أن عدم راحتك وشكك نابع منك أنت لا من حقيقة أنّه كذاب، لأن الفرق بين الإنسان غير الشكاك والشكاك، هو أن الأول يفترض عدم وجود أسرار مضمرة يشك في وجودها إلى أن يتأكد من وجودها حقا، عكس الثاني الذي يفترض أن هناك أسرار وخفايا موجودة إلى أن يتأكد من عدم وجودها، وهذا كلّه بعيدا عن تقييم خطيبك ومدى كذبه أو صلاحيته لك.
يمكنك أن تزوري مختصا نفسيا حتى تناقشي معه نمط تفكيرك ودوافعك النفسية الدفينة، ولتعرفي أيضا هل هذا الشك نابع من الصدمات أو نابع من اضطراب أعمق للشخصية مع وجود تفكير زورانيّ لا قدّر الله
أتمنى لك التوفيق ومعاناة أقل فيما تبقى لك من حياتك.
ويتبع >>>>>>: هل أنا شخصية شكاكة ؟ م