الهروب إلى ما وراء الطبيعة
السلام عليكم؛ ربما ليست مشكلة خاصة لكنه استفسار... بالتأكيد أصبحت ظاهرة ملموسة الكلام عن القدرات الخارقة للإنسان التي أفسد عملها التطور التكنولوجي وجري الإنسان وراء المادة.... التي أنهكت قواه، وقضت على الوُد بين الإنسان وأخيه.
وتفككت الأسر فبدأ يسعى من جديد لتحقيق استقرار نفسي بممارسة الرياضات الروحانية مثل اليوجا التي نحن الشعب العربي أغلبنا لا يعلم عن قواعدها شيئا أو عن أسرارها،
فهل للسير في هذا التيار عواقب لم نحسبها بعد؟
شكرا
13/11/2004
رد المستشار
الأخت السائلة:
منذ بدأت الخليقة والإنسان يبحث عن معنى كما يقول "فيكتور فرانكل" عالم النفس الألماني الشهير الذي بلور "نظرية" البحث عن معنى بوصفها مدخلا لنوع من أنواع العلاجات النفسية في مواجهة حياة يبدو أحيانا أنها تمر بلا جدوى ولا هدف ولا معنى.
والحياة الحديثة التي ساهمت الحضارة الغربية فيها بنصيب الأسد في تغليب تصوراتها للكون وللإنسان وللحياة الطيبة السعيدة، هذه الحياة الحديثة تتضمن العديد من الصيغ والتراكيب وأنماط العيش والعلاقات وطرق تنظيم الوقت، وأشكال العمل والإنتاج، وكذلك الترويح والترفيه على نحو أنهك إنسانية الإنسان وهو يسعى إلى تحقيق الكسب والرضا المادي على حساب روحه.
ورغم أن الإسلام كان هو الصيغة التي وازنت بين الروح والعقل والجسد، بين المادة وغيرها بين الفردانية والجماعية، بين الدنيا وزينتها والآخرة وطموحاتها، إلا أنَّ تخلف المسلمين عن فهم دينهم، وانقطاعهم عن تراثهم، وعجزهم بالتالي عن التحقق بمراد الله منهم فضلا عن عجزهم في نقله وانتقاله عبرهم إلى غيرهم، ورغم ذلك ينتشر الإسلام دون كثير جهد من المسلمين!!!
المهم أنه في الفراغ الذي يتركه المسلمون أو يغيبون عنه بجهل أو كسل أو غفلة أو تقصير....
نجد غيرهم ينتشر ويقدم ما عنده، فنحن مثلا قد فقدنا أو انقطعنا عن تراث عريض وعميق أنجزه أجدادنا في مجال الرياضات النفسية والروحية والتي كانت أساسا هاما من أسس بناء الشخصية المسلمة والعلاقات الأسرية والاجتماعية على أرضية راسخة من الإيثار وإنكار الذات، والطموح إلى ثواب الآخرة لا الاكتفاء بمتاع الدنيا.
التربية على الزهد في الماديات، وعلى الاستمتاع بمعية الله عز وجل، بالنفس المؤمنة تكون حية تتألق في شعورها بالكون وبغيرها من بني البشر، هذه التربية وتلك المتع حرمنا النقد السطحي السفيه للتصوف الذي اختصره في بعض ما احتوته ممارسات شاذة للبدع والخرافات وهو ما لا تخلو منه ظاهرة إنسانية، لكن أحدا لم يقل بإحراق الحاسوب لأنه قد يحتوي على صُوَرٍ عارية أو كلمات شيطانية، ولا أحد يمكن أن يقوم بقتل البشر لأنهم يمكن أن يخطئوا أو حتى يكفروا، ولكننا بهذا المنطق الشمولي المعوج أعدمنا وفقدنا التصوف بمدارسه وتراثه وعلومه التي قد تحتاج إلى غربلة أو تنقية لكنها أهم وأثمن من أن نتركها لضعاف العقول أو المتحمسين مع قلة في الفقه والحكمة والخبرة بالإنسان واحتياجاته، وهذا جهد يحتاج إلى من يبذله وإذا كانت "اليوجا" وغيرها من الرياضات الروحية تنتشر كالنار في الهشيم فإن هذا يحدث في الفراغ الناشئ عن تغييب التصوف الإسلامي الصحيح، ولأن حاجة الناس باتت أكثر إلحاحا لما يمكن أن يربت على أرواحهم، أو يريح نفوسهم المتعبة ويرمم علاقاتهم المتقطعة، فهم أشد ما يكون إلى هذه الراحة وذاك الترميم.
راجعني زوجان أحدهما يشتكي من أن رفيقة عمره ظلت تعاني من الاكتئاب والقلق، ولم يتجاوب هو مع مشاعرها المتألمة القلقة حتى ذهبت لأحد الروحانيين –وهو هندي– ثم أفاق الزوج حين رأى زوجته قد استراحت بعض الشيء- ولكنها ما تزال تذكر هذا الرجل في كل مجلس، وتستشيره في كل خطوة تخطوها!!!!
ولا أستطيع أن أقدم نقدا عميقا لهذه الرياضيات القادمة من آسيا غالبا، ولكن من المتوقع أن تكون مصبوغة بالأديان التي خرجت منها، كما أن التصوف الإسلامي الصحيح سيكون مصبوغا بروح الإسلام وجذور تصوراته للنفس وللإنسان، وبالتالي فإن هذه الرياضيات ليست مجرد برامج أو أدوات محايدة لتهدئة المخاوف أو استرجاع الروحانية المفقودة، ولكنها من المتوقع أن تكون تجليا للمعتقدات التي انبثقت عنها على نحو أو آخر، ولم أتعمق في هذا الشأن لأقدم لك تحليلا أو نقدا أعمق من هذا.
حسنا فعلت بفتحك لهذا الملف الهام، وإذا كانت لديك الرغبة في متابعة الاهتمام به أكثر، فإنني أقترح عليك أن تتصلي بنا هاتفيا، ودعينا نفكر معا: ما العمل؟!
* ويضيف الدكتور وائل أبو هندي الأخت العزيزة أهلا وسهلا بك على مجانين وشكرا جزيلا على ثقتك، ليس لدي بعد ما تفضل به مجيبك ابن عبد الله غير أن أضرب لك مثلا يبينُ كيف يمكنُ أن تصبح الصلاة بالنسبة للمسلم، رياضة روحية لا تضاهى وتغنيه عن كثير، وإليك قصة حدثت في عهد الخليفة الوليد بن عبد الملك, إذ طلب الخليفة الوليد بن عبد الملك عروة بن الزبير لزيارته في دمشق مقر الخلافة الأموية, فتجهز عروة للسفر من المدينة النبوية إلى دمشق واستعان بالله وتوجه إلى الشام.فأصيب في الطريق بمرض في رجله أخذ يشتد ويشتد حتى أنه دخل دمشق محمولاً لم يعد لديه قدرة على المشي، وانزعج الخلفية حينما رأى ضيفه يدخل عليه دمشق بهذه الصورة فجمع له أمهر الأطباء لمعالجته, فاجتمع الأطباء وقرروا أن به الآكلة (ما تسمى في عصرنا هذا الغرغرينا) وليس هناك من علاج إلا بتر رجله من الساق, فلم يعجب الخليفة هذا العلاج, ولسان حاله يقول (كيف يخرج ضيفي من بيت أهله بصحة وعافية ويأتي إلي أبتر رجله وأعيده إلى أهله أعرجاً)؛
ولكن الأطباء أكدوا أنه لا علاج له إلا هذا وإلا سرت إلى ركبته حتى تقتله, فأخبر الخليفةُ عروةَ بقرار الأطباء, فلم يزد على أن قال (اللهم لك الحمد). واجتمع الأطباء على عروة وقالوا اشرب كأساً من الخمر حتى تفقد شعورك، فأبى مستنكراً ذلك، وقال: كيف أشربها وقد حرمها الله في كتابه؟، قالوا: فكيف نفعل بك إذن؟!؟! قال: دعوني أصلي فإذا أنا قمت للصلاة فشأنكم وما تريدون!! (وقد كان رحمه الله إذا قام يصلي سهى عن كل ما حوله وتعلق قلبه بالله تعالى)، فقام يصلي وتركوه حتى سجد فكشفوا عن ساقه وأعملوا مباضعهم في اللحم حتى وصلوا العظم فأخذوا المنشار وأعملوه في العظم حتى بتروا ساقه وفصلوها عن جسده وهو ساجد لم يحرك ساكناً, وكان نزيف الدم غزيراً فأحضروا الزيت المغلي وسكبوه على ساقه ليقف نزيف الدم, فلم يحتمل حرارة الزيت, فأغمى عليه! فهل يا ترى كانت صلاة المسلمين الأوائل كصلاتنا اليوم؟، واقرئي: يوميات إنسان معاصر...أرحنا بها يا بلال
أذكر لك في الختام حديثا شريفا في صلب ما فقدناه فتأمليه: عن أبي هريرة رضيَ الله عنهُ قالَ: قالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء ثم استقبل القبلة فكبر ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن ثم اركع حتى تطمئن راكعا ثم ارفع حتى تستوي قائما ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا ثم ارفع حتى تطمئن جالسا ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا ثم ارفع حتى تستوي قائما ثم افعل ذلك في صلاتك كلها) صدقَ رسول الله صلى الله عليه وسلم.رواه البخاري ومسلم وابن ماجة، للصلاة إذن أسرار لا يعرفها كثيرون، فهل يزودنا أصدقاء مجانين ببعض ما يعرفون؟؟.