عقدة نقص
شكرا لمساعدتكم في حل مشاكلنا وجزاكم الله كل خير، مشكلتي أن والدي ووالدتي منفصلان، وكنت أشتكى من بعض الرعشة في يدي, وعندما ذهبت لدكتور مخ وأعصاب قال لي: أني "ماعنديش حاجه".
وقال: أني تعرضت لمشاكل كثيرة في صغرى جعلتني عندي عقدة نقص من بعض الأشياء لذلك لا أقبل أن أحدا يكلمني بطريقة سيئة، و"أتنرفز" بسهولة, وقال: إن "مفيش علاج"!!!.
واللي مضايقني إن والدتي كانت معايا وكل شويه تقول لي: "إنت عندك نقص زي ما الدكتور قال" أنا أعترف أني فعلا أوقات أتضايق جدا لو أي حد كلمني بأسلوب سيء بس لأني عندي كرامة, وأعتقد أن أي إنسان مكاني لازم يتضايق، ولا أنا فعلا معقدة ؟ ولو أنا كده "في علاج أم لأ؟؟" ؟؟
آسفة لطول رسالتي وأرجو الرد
جزاكم الله كل خير
وشكرا
14/11/2004
رد المستشار
الأخت العزيزة أهلا وسهلا بك على مجانين، وشكرا على ثقتك، الحقيقة أن كمَّ ما استفزته سطورك العفوية القصيرة من أوجاع في الذهن كبير، وكلها أوجاعٌ تمس قضايا مهمةٍ لأنها قضايا تمس أساليب التعامل المعوجة الشائعة في مجتمعاتنا بين الآباء والأبناء، والمرضى والأطباء، والبنات والأمهات، ....................
ويكفينا هذا القدر من الأوجاع لنقول لك الرد على ما جاء في إفادتك، وبالمناسبة هي إفادة قصيرة لم يكن أي داعٍ لأن تعتذري عن طولها، إلا أن تكوني تفترضين البخل في مستشاري مجانين وهم كما أعرفهم في منتهى الكرم، أو تكونَ فكرتك عنهم كفكرتك عن طبيب المخ والأعصاب الجهبز الهمام الذي يلتقطها وهي طائرة، ويصدر الأحكام الباترة، وهم بالتأكيد ليسوا كذلك.
واسمحي لي أن آخذ من سطورك الصدوقة تلك، ثم أبين لك ما تستدعيه كل عبارة في الذهن:
مشكلتي أن (والدي ووالدتي منفصلان،): إذن فقد كنت منذ وقت مبكر في حياتك "ضحية انفصال والدين لأنهما لم يفلحا في الحفاظ على أسرةٍ أسَّساها معا"، ويمكنك أن تضعي ما تشائين من الظروف والأحوال والملابسات التي سبقت وتلت الانفصال، وغالبا ستجدين غياب الإعداد اللازم لشخصيهما -كيف يختاران شريك الحياة، كيف يكونُ الزوج/الأبُ زوجا وأبا وكيف تكونُ الزوجة/الأمُّ زوجةً وأما، وكيف يتعامل كل منهما مع الآخر- ستجدين غياب الإعداد عاملا مشتركا تضاف إليه أي تشكيلة من الظروف والأحوال.
(وكنت أشتكى من بعض الرعشة في يدي, وعندما ذهبت لدكتور مخ وأعصاب قال لي: أني "ماعنديش حاجه".): فأنت سليمةٌ من الناحية العصبية فيما يتعلق بأسباب الرعشة عصبية المنشأ Neurogenic Tremor وإلى هنا يشكرُ الطبيبُ لأنه تكلم في حدود تخصصه، وليته سكت بعد ذلك، وأحالك إلى المختصين في علاج الرعشة نفسية المنشأ Psychogenic Tremor أو المختصين في نظره بأمر العقد النفسية أو عقدة النقص كما يسميها، إلا أنه مع الأسف لا سكتَ ولا وجَّهكَ الاتجاه الصحيح.
وإنما فَسَّرَ في وجهك أفكاره ومعتقداته المنقوصة بالثلث حين قال لك ما ذكرته لنا (عندي عقدة نقص من بعض الأشياء لذلك لا أقبل أن أحدا يكلمني بطريقة سيئة، و"أتنرفز" بسهولة, وقال: إن "مفيش علاج"!!!.، ومن المؤكد هنا أن المعلومات التي تقدمينها أنت لنا غير كاملة مما يعني أن علينا أن نذكر القرَّاء بأننا نبني على كلامك، ونتحرك في حدود مساحةٍ أعطيتها أنت لنا من المعلومات، إلا أنه ربما يقصدُ أنه لا يملك العلاج، أو أنه ليس من تخصصه أن يعالج العقد لا ندري مقصده أيا كان، إلا أن من المؤكد أن خبرته في التعامل مع بنت تدخل عيادة الطبيب في صحبة أمها المنفصلة عن والدها تساوي صفرا على أكرم تقدير، أتدرين لماذا يا أختي؟ لأنه هو الآخر لم يتمَّ إعداده الإعداد اللازم ليتعامل مع نفسية المرضى، وهو ليس فريدا في ذلك مع الأسف لأن القائمين على تحديد ما يدرس في كليات الطب في بلادنا وما لا يدرس أجرموا وما يزالون في حق الأطباء وحق المرضى لأنهم لا يدرسون شيئا عن التعامل النفسي مع المريض ولا عن الأبعاد النفسية للعلاقة بين الطبيب ومريضه، وإنما يترك كل طبيب ليتعلم بالممارسة!، ونفس الكلام ينطبق على تعليم مبادئ أو حتى قشور الطب النفسي في كليات الطب فهو أيضًا أمرٌ يجئ إن جاء في ذيل القائمة.
مع الأسف الشديد إذن عدنا مرةً أخرى لأزمة الإعداد، هي إذن أزمة إعداد الإنسان في بلادنا، وأعتذر لك مقدما، بغض النظر حتى عن ما لم تذكريه، لأن ما قاله في وجود والدتك مختتما فهمه لها وهي طائرة، كحكم باترٍ لإمكانية العلاج مُقِرًّا بأنه ليس هناك علاج، هذا يستوجب الاعتذار، وأن يحدث ذلك أمام والدتك فأمرٌ يستوجب ما هو أكثر من ذلك، خاصة وأنت تقولين: (لا أقبل أن أحدا يكلمني بطريقة سيئة، و"أتنرفز" بسهولة,)، وحتى لا أطيل عليك في غياب التفاصيل، فسأقول لك أيضًا أن معايرة والدتك أكرمها الله لك هي أيضًا نتيجة عدم الإعداد الكافي مع الأسف.
أطمئنك أنا، والله معنا ومعك، بأن أعراضا كالتي ذكرتها وأكثر تعقيدا بكثير منها هي أعراضٌ قابلة للعلاج لدى الطبيب النفسي المتخصص، والذي قد يكونُ حتى علاجا دون عقاقير علاجا معرفيا أو سلوكيا مثلا، وأحيلك إلى عدد من الردود السابقة لمستشارينا على مجانين ستجدين فيها ما يفيدك وما يسري عنك وما إن شاء الله يزرع في صدرك الأمل، فقط قومي بنقر ما يلي من عناوين:
عصبيةٌ حتى وهيَ تكتبُ لنا ! : ما هي العصبية ؟
أنا عصبي ! ماذا أفعل
لأنني عصبي : كنتُ ولم أعد !
رد على إنسان موسوس عصبي
أنا عصبية : يصبح شكلي كالمجانين!
العصبية والحنية معا : أهلا بالجوزاء
وعن أمثلة من الأمهات العربيات وعلاقتهن ببناتهن اقرئي:
نفسي في أم غيرها: أخي بكل احترام وأنا بالجزمة
الابنةُ المضطهدةُ ودبلوماسية العائلة !
الابنةُ المضطهدةُ ودبلوماسية العائلة ! مشاركة
للصبر حدود : أفيقي يا أمنا العربية !
من أم أسطورة إلى امرأة غريبة : الأم العربية
بدلا من البرد والخجل: أفش شعري ونصرخ معا
أفش شعري : ولنواصل الصراخ مشاركة
وعن الدبلوماسية وفنون التعامل مع الوالدين وكذلك عن توكيد الذات اقرئي:
دبلوماسية العائلة والندم حيث لا ينفع الندم
ابنتنا ترسم معالم استراتيجية التعامل مع الوالدين
السير على حد السيف واستراتيجية ترقيق القلوب
مجتمعاتٌ ضد توكيد الذات
وأقول لك في نهاية هذا الرد أن زمان العقد النفسية، أو زمان الأعراض النفسية التي ينظرُ إليها على أنها غير قابلة للحل أو للتعديل زمانٌ قد لى بفضل الله إذا ما توفر شرطان، هما المريض الراغب في العلاج والطبيب النفسي المتخصص.
وتضيف الدكتورة داليا مؤمن ليس لديّ ما أضيفه على رد الدكتور وائل أبو هندي سوى أنك في حاجة إلى تعلم واكتساب "تأكيد الذات". وهي مهارة من مهارات التواصل مع الآخرين من خلالها يفرض الإنسان نفسه على الآخرين ويؤكد وجوده بينهم وذلك دون اللجوء إلى العدوان اللفظي أو البدني. وقد يكون من المناسب أن تتعلمي استخدام كلمة "أنا" في كلامك مع الآخرين ومع نفسك. وأرى أن العلاج النفسي الجماعي مفيد لك بقدر كبير إذ يمكن أن تتعلمي تلك المهارة وغيرها من المهارات التي تساعدك على التعبير عما بداخلك دون "نرفزة". وأهلا وسهلا بك دائما على مجانين، فتابعينا بأخبارك.