السلام عليكم ورحم الله وبركاته يا دكتور وائل,
أولا: جزاك الله كل خير عما تقدمه من مقالات وردود قيمة جدا بل رائعة في موضوع البدانة والنحافة,
وثانيا: أريد من حضرتك ألا تنزعج من طول الإميل فهذه ليست استشارة قادمة إليك من طريق غير مشروع, إنه طلب ورجاء من حضرتك.
وثالثا: أريد أن أعرفك بنفسي فأنا خريجة كلية الهندسة قسم اتصالات بتقدير جيد جدا والحمد لله.
وأعاني من اضطرابات شديدة ومزمنة في الأكل، وحين أقول لك أنها مزمنة فأنا أعنيها فأنا أعاني من النهام العصبي منذ أكثر من خمس سنوات وكنت أتابع مع طبيب نفسي منذ ذلك الوقت لأني كنت أعاني من نوبات اكتئاب حادة، والحمد لله نجح معي الطبيب في علاج الاكتئاب المزمن –كما تم تشخيص حالتي- ولكني لم أشفَ من اضطرابات الأكل فدائما كان يقول لي الطبيب أنها بسبب الاكتئاب، ولكنها كما تعلم يا دكتور وائل أنها حلقة مفرغة من الأكل والاكتئاب, فدائما كان يقول لي الطبيب نصائح عادية لم أستفد منها شيئا مثل أن آكل سلطة وخضروات كثير، ولمَّا أجوع آكل طماطم وخيار وأحاول أنسى الأكل.....
"أنا عارفه كل ده وأكتر", فأنا مارست عدة حميات منحفة علي مدار أكثر من سبع سنوات من خلال ستة أطباء، كنت أفقد وزني، وطبعا أرجع أزيده مرة أخرى، فأنا قضيت طوال هذه السنوات في نقصان وزيادة وحرمان واكتئاب وبكاء وفي النهاية طبعا كما تعرف .. رجعت إلي ما كنت عليه بل وأكثر.... الحمد لله
هذه الكلمات الساذجة كانت تصيبني بالإحباط وحينما أذكر هذا للطبيب يقول لي حاولي مرة أخرى, لمَّا تخفي من الاكتئاب النوبات دي ها تروح...........
أنا مريضة فعلا فأنا حين أضطرب – وحبذا لو كان هذا الاضطراب بسبب ضيق ملابسي أو تعليق من إحدى صديقاتي أو أفراد أسرتي أو أن لا أقيس ملابس تعجبني بشدة في محل ما وأجدها حتى لا تدخل في جسمي، وكان نفس المقاس واسعا علي من قبل، فأنظر إلي بروز معدتي (الكرش) وهذه الدهون المتراكمة حول خصري – فأنهال علي الطعام بشراهة- لا فرق عندي بين الساخن والبارد أو الحلو والحاذق- دون حتى أن أمضغَ، وأملأ فمي بالطعام مرة واحدة....، وأذهب بعيدا عن الثلاجة –فأنا آكل داخلها- خوفا من أن يراني أحد،..... وحين يفرغ فمي من الطعام أذهب إلي الثلاجة مرة أخري لأعاود الكرة..... ولا يوقفني سوي الآم معدتي والقولون.
منذ حوالي سنة قرأت علي إسلام أون لاين:"ما الريجيم إلا أسطورة كبيرة: برنامج بديل" وبدأت في اتباعه ونجحت فيه لمدة ثلاثة أيام ثم فشلت بشدة، فاتبعته مرة أخرى ثم فشلت...... فأقرر أن أبدأ مع نفسي صفحة جديدة وأن أعيد ثقتي في نفسي مرة أخرى وأتبعه مرة أخرى وأفشل للمرة الألف
وما يزيد الأمر سوءا هو إحساسي بالفشل في أن أرضي الله وأتبع سنة الرسول عليه الصلاة والسلام وأن ما أفعله حرام لأنه أيضا يعوقني في العبادة، وخاصة الصلاة فلا أستطيع القيام بالعبادات وأنا أعاني من الآم معدتي والقولون حيث لا أستطيع أخذ أنفاسي وأظل أنهج أثناء الصلاة، وأرغب بشدة في إنهائها لأستسلم للنعاس الذي يغلبني.
في خلال هذه الفترة كنت أتابع باستمرار مقالات حضرتك وأي استشارات بخصوص هذا الموضوع علي موقع مجانين فأنا أدخل عليه كل يوم تقريبا وقد طبعت عدد كبير من هذه الردود والمقالات لأقرأها كلما ضعفت إرادتي وضاقت بي الأمور. بالأمس أصبت بإحدى هذه النوبات الشديدة وظللت آكل إلي أن شعرت أن معدتي سوف تنفجر، واستيقظت اليوم الجمعة 22 رمضان في قمة الاكتئاب وأعاني من آلام شديدة في القولون ومعدتي.
وبعد أن هدأت نفسي قليلا قررت أن أبدأ من جديد, وما أطلبه من حضرتك هو أن تتابع معي خلال الأربعة شهور القادمة بأن أرسل لك كل أربعة أيام أو أسبوع مثلا أربعة أو خمس سطور أقول لحضرتك فيها ما قد وصلت إليه في الفترة السابقة وأن ترسل لي أولا بأول تشجعني وتساندني وتعيد إلي ثقتي بنفسي حتى ولو بكلمة واحدة فأنا أعرف أن حضرتك مشغول جدا ولكني والله أحتاج بشدة إلي هذا الأمر وأفتقد كلمات التشجيع والمساندة التي تؤثر في كثيرا ممن حولي.
أرجو من حضرتك يا دكتور وائل أن ترد علي سريعا حتى ولو بالرفض لأن هذا من حقك ولا تجعلني أنتظر كثيرا ولك جزيل الشكر والاحترام والتقدير
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
5/11/2004
رد المستشار
الابنة العزيزة أهلا وسهلا بك وشكرا، جزيلا على ثقتك وإطرائك
وأبدأ الرد عليك باعتذار عن تأخري في الرد، ولا أدري هل سيشفع لي عندك أنه كان لأسباب رمضانية؟ أتمنى أن تسامحيني من فضلك.
لن أتمكن من الدخول في كثير من التفاصيل معك فيما يخص حالتك أنت بالذات، لأن كثيرا من المعلومات تنقصني عنك، وأهم من المعلومات أنني لم أقابلك في الواقع، فكونك تطلبين مني أن أتابع معك حالتك وأنت تتبعين برنامجنا المعرفي السلوكي المقترح، هذا في الحقيقة فوق قدراتي، فأنا لا أستطيع أن أقوم بهذا الدور كطبيب نفسي دون أن تكونَ لدي مريضة حقيقيةٌ لا إليكترونية
باختصار لابد من أن يكونَ هناك ما يجبُ حدوثه بين الطبيب والمُطبَّب، ذلك أنَّ العلاقة العلاجية لا يمكنُ أن تكون إليكترونية بهذا الشكل، ربما تمكنُ المتابعة إليكترونيا بعد إجراء الكشف وبعض جلسات العلاج المعرفي، ولكنها فوق استطاعتي –مهما ادعيتُ- إذا كانت ستبقى إليكترونية.
إذن سأتكلمُ بشكل عام عن انطباعات سطورك في ذهني، سأحاول أن أغير بعضا من طريقتك في التعامل مع الموقف، لكنني لا أدعي أن مفاتيح الكلام بالتأكيد ستلائمُ مداخل كيانك النفسي، فعندنا تاريخٌ امتد أكثر من سبع سنواتٍ من الحرب بينك وبين جسدك وبينك وبين مأكولك، هذه الحرب حتى لا ندري هل بدأت -بعد عدم الرضا عن صورة الجسد- بالاكتئاب أم بالحمية المنحفة؟ أم بهما معا؟
فقد تبدأ الحلقة المفرغة التي أشرت إليها بعدم الرضا عن صورة الجسد، ثم الاكتئاب ثم الحمية المنحفة ثم المزاج المتأرجح بين الاكتئاب والانبساط (وغالبا ما نجد تأرج المزاج مرتبطا بتأرجح الوزن على مدى الشهور أو السنوات)، كما يمكن أن تبدأ بعد عدم الرضا عن صورة الجسد بمحاولة حمية منحفة أو أكثر ثم يحدثُ الاكتئاب (أحيانا مرتبطا بفشل الحمية، وأحيانا رغم النجاح المبدئي فيها)، وهذا التسلل مهم في التشريح المعرفي الشعوري للحالة يا هبه.
لكن سبع سنوات من الحرب مع الجسد ومع الأكل تعني أن مفاهيم أساسية تنقصك عن علاقتك بهذا الجسد، وهذا ما يعني أن عليك أن تبدئي بالعلاج المعرفي لفترةٍ قبل أن محاولة تطبيق برنامجنا المقترح، فأنا عندما وضعتُ ذلك البرنامج إنما كنت قد أطلت العمل في مؤلفٍ ضخمٍ بالعربية (اسألي الله أن ييسر لنا نشره) عن اضطرابات الأكل والحمية المنحفة، ووضعت قبله كثيرا من البدايات المقترحة للتغيير المعرفي للعرب المسلمين من أصحاب مشكلات الأكل والجسد، وقد تناثر بعض الكلام عن تلك المفاهيم في ردودي على مشاكل وحلول للشباب، وهنا في استشارات مجانين، ولكنَّ الأمرَ يختلف عندما يتعلق الأمرُ بتهيئة حالة بعينها لكي تتمكنَ من اتباع خطوات المرحلة الأولى التي سماها إخواني في إسلام أون لاين بالبرنامج البديل، وكنت أصلا قد أسميتها "ما الرجيم إلا أسطورة كبيرة برنامج مقترح"، إذن فهناك ما يجبُ أن يسبق تلك الخطوات
ومبدئيا أسألك هل هناك علاقة بينك وبين صاحبة مشكلة قمت بالرد عليها هنا في مجانين تحت عنوان: كذبٌ واكتئابٌ داخلي : في عبادة الصورة، هل هي أنت يا ابنتي؟ خاصة أننا لمسنا في اكتئابها الداخلي من شكلها ما دفعنا إلى إعطائها روابط عن مشكلات الأكل والصورة، إن كنت أنت صاحبة تلك المشكلة لماذا لم تذكريني بذلك إذن؟؟
تصفين بصدق وبواقعية شديدتين نوبات الدقر التي تحدثُ لك في ما يسبقها وما يليها من ضيق أو اكتئاب وربما مع توق ملح وكذلك ما يصاحبها من شعور بفقدان السيطرة والتخفي عن العيون ثم ما يليها من ندم وشعور بالعجز والفشل، ولما كنت قد شخصت حالتك بالنهام العصبي وقد قرأت كثيرا مما كتبناه في الموضوع ما دمت من متابعي باب البدانة والنحافة، فنستطيع أن نعتبر تشخيصك ممكن الصحة، لكن هل هو نهامٌ فقط أم أنه ممزوج باكتئاب أم أنه خليط من اضطرابات الأكل غير مكتملة الصورة مع الاكتئاب، إذن فإن الأمر يا صغيرتي يحتاج كما تعرفين إلى معلومات وأسئلة كثيرة لنعرف.
والحقيقة أن جملة "نوبات اكتئاب حادة" مع اكتئاب مزمن تفتح احتمالات تشخيصية كثيرة، لعل أقربها هو عسر المزاج المستمر مع نوبات من الانهباط (الاكتئاب) التي لا تصل ربما حد الاكتئاب الجسيم، ولا نستطيع كذلك استبعاد احتمال وجود اكتئاب مزمن بالفعل وإن كنا نظن درجة شدته غالبا بين الخفيفة والمتوسطة.
المهمُّ أن العلاقة وثيقة بين عدم الرضا عن صورة الجسد وبين الاكتئاب، وهي كذلك بين تجويع الجسد (اتباع الحمية المنحفة) وبين الاكتئاب، ووثيقة أيضًا بين النهام العصبي وبين الاكتئاب، وبين نوبات الدقر والاكتئاب، باختصار يبدو الاكتئابُ صديقَ سوءٍ في كل حال من أحوال غير الراضين عن صور أجسادهم!.
وأما الطبيب النفسي فعادةً ما يرى الأعراض التي اعتاد منها أن تستجيب للعلاج، ولم تكن اضطرابات الأكل النفسية كالقهم أو النهام أو العقعقة أو التريض القهري أو غير ذلك من الاضطرابات التي يقابلها الأطباء النفسيون في ممارستهم العملية في بلادنا، لأن معظم المرضى والمريضات وهم قلة في بلادنا والحمد لله يلجئون إلى طبيب الأمراض الباطنية، أو طبيب التخسيس، ومن حسن حظك أنك بدأت مع طبيب نفسي منذ فترة، وقد وفقه الله فعلا في علاج الاكتئاب، وهذا جيد، إلا أن عقاقير علاج الاكتئاب نفسها هي ما يقدمه معظم الأطباء النفسيون في الغرب لعلاج اضطراب النهام العصبي، واضطراب نوبات الدقر، وفي السنوات الأخيرة فقط بدأت محاولات العلاج المعرفي، وليست هناك غير نماذج منه تصلح لذوي الثقافة والتكوين المعرفي الغربي، وهي لذلك صعبة جدا وتحتاج تطرفا في توجهات المريضات بحيث تحتاج كل واحدةٍ منهن أن تتعامل مع جسد هو معيار نفسه وليس مع صورة هي المعيار اللا إنساني في ظل ثقافة الصورة، صحيح أن نفس الكلام ينطبق على من يعيشون ثقافتنا إلا أن في أساسيات علاقة المسلم بجسده ومأكوله والغاية منهما ما يجعل الأمور أسهل للمسلمين، وهذا مجرد افتراض، لكنك يجبُ أن تعرفي أن البرنامج ما يزال في مرحلة التجريب والتطوير، وأنا لذلك لا أستطيع فعل ذلك إليكترونيا، لأننا نبني للواقع الممتزج بحياة البشر.
ولذلك فإن البداية العلاجية الصحيحة يحب أن تكونَ معرفية سلوكية تتخذُ محاورها الرئيسية من إشكالية الصورة الجسدية والعلاقة بين ما يحمله الشخص من أفكار ومواقف تجاه جسده ومأكوله بشكل خاصٍ، وكذلك هدفه في الحياة، وما يمثله له الجسد والأكل في إطار ذلك الهدف بشكل عام، لكن المحاور الأساسية يا ابنتي إنما تمثلُ فقط ما يمكنُ أن نقيم البناء العلاجي عليه، ولكن البناء يجبُ أن يفصلَ على مقاسك أنت، فبناء العلاج النفسي لحالة بعينها، لا يشبه بحال من الأحوال ما يحدثُ في حانوت بيع الأزياء الجاهزة حيث تشترين ما تعجبك ألوانه وتفصيلته ولا يسبب لك الإحباط، وكثيرٌ مما في الحوانيت يسبب الإحباط، ليس هناك برنامج علاج معرفي سلوكي جاهز إذن لحالة بعينها، وإنما نقوم بتفصيله حسب معطيات تلك الحالة، فهل يمكنُ أن نتخذ من المعطيات الإليكترونية ما نقيم عليه؟ هل هي دعائم صالحة لذلك أصلا لا أظن!
قد يكونُ بإمكان مجانين أن تقدم لك الدعم الإليكتروني ولكننا أولا نعرف أنه لن يكونَ كافيا، وثانيا قد يضرُّ إلا في حالة أن يكون متابعة إليكترونية بعد بداية واقعية كما ينبغي أن تكون، ثم أنني لا أستطيع رغم كل هذا الوضوح الذي ربما أزعجك إلا أن أثني ثناء كبيرا على قولك: (وأن ما أفعله حرام لأنه أيضا يعوقني في العبادة، وخاصة الصلاة فلا أستطيع القيام بالعبادات وأنا أعاني من الآم معدتي والقولون حيث لا أستطيع أخذ أنفاسي وأظل أنهج أثناء الصلاة، وأرغب بشدة في إنهائها لأستسلم للنعاس الذي يغلبني)، فإذا كانت العبادةُ مهمةً لديك بهذا الشكل فإن الأمور ستكونُ لفضل الله أيسر، لكنني أذكرُ بأن الحرام والحلال ينطبق فقط على ما تفعلينه واعية مختارةً، ولا أظنه كل شيء في حالتك يا ابنتي.
ولست معك في قولك: (وما يزيد الأمر سوءا هو إحساسي بالفشل في أن أرضي الله، وأتبع سنة الرسول عليه الصلاة والسلام) فأنت هنا تغالين فيما تطالبين به نفسك يا ابنتي وأنا هنا أوجه الكلام لمن أخمن أن الاندفاعية السلوكية أحد سمات شخصيتها ولا أدري موقفك من ذلك إن كان صحيحا، فمثلك يجبُ أن تتبدل بالتدريج البطيء....، لا أن تشددَ على نفسها يا ابنتي، حتى ترى في الفشل في الالتزام بخطوات برنامجنا التي ندرك تماما أنها صعبة وغاية في الصعوبة، وبعد سنوات من التخبط بين الحميات وتأرجح الوزن وكره الجسد والاكتئاب، وغير ذلك مما لم تذكريه، ودونما علاج معرفي مناسب لها ولأفكارها، كيف تطلبين من نفسك أن تتغير قدام النت من الأرض إلى السماء ومن اليسار إلى اليمين؟؟؟ لو أنك فشلت ألف مرة، فإن عليك أن تبدئي بداية جديدةً بوسائل أكثر ملائمة لك ولكيانك النفسي.
إذن عليك باستخارة ربك وفتح الأمر مع أهلك، واسألي الله أن يوفقك في مسعاك لانتشال نفسك من دوامة المرض، وأهلا وسهلا بك دائما هنا حيث أكتب هذه السطور ونحن في ليلة العيد، كل عام وأنت بخير، وأهلا بك أيضًا دائما على مجانين .