عدم تحكم في الذات، كره المجتمع، عدم الشعور بالواقع.
سلام عليكم. أنا طالبة طب في السنة الرابعة حالياً. سأبدأ تسلسل الأحداث منذ أن كنت بالمتوسط، كانت أول أعراضي خفقان ونغزات بالقلب وقمت بإجراء ما يلزم ولم يكن هناك سبب واضح فأصبحت عائلتي تتهمني بأني أكذب أو أُمثّل. استمر الألم بالتراوح مع ألم الرأس والصداع منذ المتوسط إلى الآن وأجريت فحص للعين ولم يكن هنالك سبب فأصبحت لا أشكو على عائلتي. وصلت إلى مرحلة الثانوية وأصبت للمرة الأولى بما يسمى باضطراب الهلع على حد ما قرأته حيث كنت في أحد الأسواق وفجأة من دون إنذار أصبت بهبّات باردة وساخنة ورجفان في اليد، خفقان في القلب، برودة الأطراف، لم أستطع حتى الوقوف على رجلي وكنت أظن أنني أموت. ذهبت مسرعة إلى المستشفى وكالعادة لم يكن هنالك سبب واضح.
بالثانوي أو قبلها بدأت ألاحظ رعشه يدي التي لم تنتهي إلى الآن (أي ما يقارب الـ7 سنوات) وأعاني معاناة شديدة لأن ذلك يؤثر على تخصصي ومجال دراستي كثيراً، وفي نفس السنة بدأت أنسى كثيراً. أصبحت لا أتذكر حتى اللحظات المهمة التي حدثت معي كحفل التخرج، واستمر ذلك للجامعة فأصبحت لا أتذكر إن كنت قد حللت بالاختبار بشكل ممتاز أم لا، وعندما تظهر علامات المقرر ثم يسألني شخص ما كانت درجتي لا أستطيع تذكرها فأستعين بصديقتي كي تذكرني على أي علامة قد حصلت. أصبحت أنسى أسماء الأشخاص أو حتى إذا كانوا درسوا معي فأتفاجأ بمن يرحب بي ويعرفني وأنا لم أعرفه. حتى أني أصبحت لا أستطيع كتابة بعض الكلمات بالإملاء الصحيح وكنت سابقاً الأولى في اللغة العربية!. كانو يتحدثون عني ويلقبوني بفتاة الزهايمر.
في السنة الأولى من الجامعة عشت في فتر اكتئاب شديدة لأنها السنة الأولى التي أكون بعيدة عن أهلي، وسكنت مع أقارب لا أحبهم ولا يحبونني وأصبحت أتمنى الموت في كل لحظة، وأنام كثيراً إلى ما يقارب 18 ساعة، وأتغيب كثيراً عن الجامعة، وفي أحد الأيام ابتلعت شريط كامل من الحبوب على أمل أن أموت.
في السنه الثانية: كنت أرى كرههم لي وحقدهم حتى أني قد قمت بتفتيش جوالاتهم وكانو جميعاً يتكلمون عني بالكره والحقد ويتمنون ذهابي، و ظُلمت من الذين كنت أسكن معهم ورُميت في عرضي، لم يكن الأمر صادم لكن ما قد صدمني عدم وقوف أهلي بجانبي حيث صدق أبي حديثهم وكذبهم عني ولم يسأل إذا كان الأمر صحيح أم لا، لم يحاججني وسرعان ما قام بتهديدي بدراستي وبالضرب فكانت السنه الثانية أسوأ ما قد مر في حياتي حتى أني تغيبت عن امتحان نهائي بغير مرض، فقط لم أستطع أن أدرس وأنا تحت هذه الضغوط فقد كان والدي يهددني ما بين فترة وفترة، ولم أشعر بالأمان.
انتقلت إلى غرفة خارج منزلهم بعيدة كي أبتعد عن المشاكل، كانت غرفة مخيفة بعيدة هادئة لا يمر شخص من أمامها لكني شعرت بشعور أفضل فقد كنت أفضل الوحدة على أن أجاملهم ويتحدثون وكأنهم يحبونني وهم بالوراء يتحدثون عني، كنت لا أخرج منها أبداً حتى أنني لا أذهب إلى الجامعة، لا أنام لمدة يومين أو ثلاثة وبعدها أنام لمدة طويلة، لا أحب أن أنهض من سريري، أصبحت لا أصلي لأسبوع أو أسبوعين، أصبحت أشعر وكأن هنالك من يتحسس جسدي في تلك الغرفة، انخرطت في أمور لا أحب التكلم عنها لكنني لست كذلك في الواقع، فقط كنت أريد أن يرتاح عقلي كي أشعر بالارتياح ولو لفترة قصيرة أو كي أنسى، كي أشعر بالسعادة حتى وإن كانت لحظية،غاب شغفي لدراسة الطب، كنت أسأل نفسي لماذا أنا غبية؟!
لماذا لا أترك الدراسة وأشعر بالسعادة بدلاً عن الدوام كل يوم، تدنّت درجاتي جداً جداً فكنت لا أدرس إلا قبل الامتحان بليلة أو ليلتين لأني لا أريد الامتياز وأريد فقط النجاح. بعد أن تركت من سكنت معهم قاموا بالتحدث أني لا أخرج أو ربما تُدخِل الرجال عليها ونحن لا نعلم، قاموا بإخبار أبي فأتى إليّ وهددني وكسر شوكتي وكبريائي وقام بإهانتي أمامهم. بكيت كثيراً كثيراً، كرهت والدي أو أصبحت أتساءل هل هو حقاً والدي؟ طالما ضربني أمامهم عندما كنت صغيرة، طالما حطّم من معنوياتي أمامهم. أصبحوا يًهدّدوني بوالدي، أصبحت أشعر وكأن ما يحدث لي حلمم، كنت أستيقظ وأنام، أستيقظ وأنام من دون مشاعر ومن دون تفكير ومن دون أي هدف، فقط كنت أتمنى الموت وأكره عندما أستيقظ صباحاً، قمت بجرح وجهي بأظافري وجرح يدي بالمقص وبكيت كثيراً، وكنت أفكر كيف أموت من غير ألم، فكنت أتمنى إن كان هنالك مسدس لكي أنتهي من العذاب أو لا، لماذا أموت أنا؟! لماذا لا أقتل أقربائي؟! لماذا لا أقتل أبي وبعد ذلك أقتل نفسي؟!.
كان ذلك تفكيري لمدة سنة كاملة حيث كنت أخطط بالتفصيل وأتخيل الأحداث على أمل أن أُطبّق خطتي يوماً ما. في السنة الثالثة: اشتد رعاش يدي وأصبح ذلك يحرجني جداً، فكانت الممرضة تخبرني ألّا أخاف وأخبرها بأني لست خائفة، أصبح صديقاتي ينبهونني بأن الأمر ليس طبيعي، حتى أصبحت لا أستطيع الكتابة جيداً في بعض الأحيان. قررت أن أذهب إلى طبيب مخ وأعصاب، قمت بعمل أشعه مرتين للمخ وكان كل شيء سليم، صرف لي بي12 و بي6 وبعض الأدوية وبيتا بلوكر لتخفيف الرعشة، وهو مستمر إلى الآن يبحث عن سبب المشكلة ولم يجدها حتى بإجراء الكثير من التحاليل.
في الإجازة (ما بعد السنة الثالثة) كانت صدمة وتحول كبير في حياتي حيث تزوج والدي بالسر وأصبحت هنالك مشاجرات بين والدي وأمي ووقفت مع والدتي فكرهني وغضب مني وطردني من منزل من كنت أسكن معهم وأصبحت بلا مأوى. حمدت الله أننا في إجازة فقررت الذهاب إلى أمي وتفاجأت أنه قد أرسل لي أني أيضاً مطرودة من منزل أمي وإذا أتيت سوف يغضب ويضربني ويطردني. قررت ألّا أذهب فأصرّت أمي وأخبرتني بأنه ليس موجود في المنزل حتى يفعل ذلك، سافرت وكنت أشعر وكأن هنالك شي سيحدث، عندما وصلت وجدت أن أبي موجود، سألتها لماذا تكذبين؟! فقالت "لا لم أكذب، فقط أظن أن والدك قال ذلك في لحظة غضب ولن يتجرأ على فعل ذلك فأنتي ابنته".
علم أبي أني قد أتيت فأصبح كالمجنون يصرخ ويصرخ ويقول أني لا أخاف منه وأنني أتهاون بغضبه، فأتى وضربني ضرباً شديداً وكان يقول "اخرجي الآن، اخرجي من المنزل" وكان يلعن ويسب ويضربني، حتى أتى أخي وسحب أبي بعيداً، بقت علامات الضرب في جسدي وقررت أن أبلغ عنه لكن والدتي قالت ليس هذا من البر وليس سمعة جيدة عندما يسمعون الجيران أنك قمتي بالتبليغ عن والدك، كرهت أمي أيضاً، 21 سنة وهي لم تدافع عنّا أو عن نفسها! قررت أن آتي وأتفاهم معه لماذا أنت غاضب مني؟ هل فعلت شيء يغضب؟ هل أنا فتاة من الشارع؟ هل؟ هل؟، فقال لماذا لم تسمعي كلامي وأتيتي! قلت له أنت من طردني من منزل الأقارب كيف تريد مني أن أستأذنك وأنت من طردت ابنتك؟ هل أنت أب؟ فقام وضربني مرة أخرى.
هنا حدث شيء غريب ولأول مرة لم أخف منه، لم أبكي، لم أهرب، صرخت في وجهه "لعنك الله يا ملعون، لعنك الله يا ملعون، أتمنى أن تموت، أتمنى أن تموت الآن" شعرت وكأنني لست من أتحدث! كان لساني من يتحدث وعقلي يخبرني بأن أصمت لكن لم أستطع! وكأنني تغيرت إلى شخصية أخرى، إلى شخصيتي القديمة القوية التي لا تبكي، التي لا تتأثر، التي ترد على كل شخص. شعرت وكأني شخصين، شخص يخاف ويبكي وشخص قوي يريد أن ياخذ حقه وسئم من الظلم والكره.
هنا في هذا اليوم شعر جميع من في البيت بالخوف، حتى والدي أصبح خائفاً إن كنت قد أصبت بالجنون أو قد سكن بي جني وهو يتحدث الآن، خافت أمي وظن الجميع بأن هناك جن بداخلي، أصبحت أنتفض بقوة وأريد أن أصل لعنق والدي وأقتله، كنت أتقدم له، لا أخاف، لا أشعر بأي شيء، لا أستطيع التحكم في نفسي حتى قام أخي بحملي إلى غرفة أخرى حتى أهدأ. لم ينسى أبي هذا الموقف عندما رأى ابنته تُجن، مرت أيام قليلة وأتى إلي وأعتذر، قام باحتضاني لأول مرة بعد 22 سنة، طلب السماح من العائلة كلها وبكى أمامنا (لأول مرة يبكي!)، سرعان ما ذهب وقمت بلعنه مرة أخرى وأخبرت عائلتي أنه يخدعنا وأنه كاذب، كيف تصدقون من طرد ابنته؟! من ضربها؟ من طعن في شرفها ولم يدافع عنها؟!.
مرت سنة على هذه الحادثه وأصبحت في السنة الرابعة للطب وأنا مازلت أكرهه، لا أتحدث معه، أتجنبه، ألعنه، لم أستطع مسامحته ولن أستطيع فأنا أراه مخادعاً وسوف يظهر وجهه الحقيقي في أقرب وقت. كرهت أمي وإخوتي، كنت أقول لهم أنتم أغبياء، كيف تثقون فيه؟! أصبحت لا أثق في أحد أبداً، أصبحت شكاكة. كنت أشعر أنهم ليسو عائلتي.
عندما ذهبت لدوامي في السنة الرابعة: أكثر ما كنت أعاني منه هو أنني لا أستطيع التحكم في حديثي وكأن لساني يتكلم من دون إذن مني. خسرت كثير من العلاقات بسبب شكوكي وردودي القاسية، كنت أفسر تهامس زميلاتي بأنهن يتحدثن عني، كنت أدخل بنواياهم، وكنت أكره الجميع وأنفرهم مني، كانت كل كلمة تستفزني حتى أن مرة من الأيام كنت في المستشفى وطلبت فتاة أن نخفض من أصواتنا بأسلوب وقح فاستفزتني بطلبها فأكلتها بكلماتي القاسية وتقدمت أقدامي إلى أن وصلت إليها وكنت أتمنى أن أضع يدي على عنقها كي أخنقها، وتوقف الجميع بعجب لما فعلته. لقد كان موقف بسيط لا يتطلب أن أغضب منه. هنا شعرت بأني بحاجة إلى العلاج فأصبحت أخاف أن أقتل شخصاً يوماً ما بغضبي هذا.
مرت الأيام وقررت الذهاب إلى راقي شرعي بحجة التأكد إذا كان بي جن أم ماذا بطلب والدتي، ذهبت إلى هناك حيث كان الرقية جماعية ولم أتأثر. باليوم التالي قال آيات عن الذنوب والمعاصي وتذكرت أني أصبحت متهاونة فبكيت تأثراً من الآيات، فأصبحت عين الشيخ تتلألا وأخبرهم أن بي مرض روحي.
ذهبت مرة أخرى فقرأ رقية جماعية ولم أتأثر فأصرت أمي أن يقرأ لي بجلسة خاصة ففعل ذلك وما أن وضع يده على رأسي حتى سقطت وأصبحت أتلوّى وأصرخ صراخاً عالياً، كان ما أتفوه به أعيه وأتذكره، فقط كنت لا أستطيع منع نفسي عن قوله، كان أول ما قلته لعن وسب في والدي وأقاربي الذين ظلموني، وبعدها استمر الشيخ في القراءه وتحسُّس جسدي فقد كان متحرشاً ولم يكن يخاف الله، وقد استغل الوضع فقد أصبح الجميع من حولي متأثر وأصبحوا يبكون على حالتي وهنا بدأ بفرد عضلاته وأخذ يقرأ ويقرأ ويلمس جسدي من دون أن يرى أحد ذلك فصرخت أن يبعد يده وقلت "لا تلمسها!" كنت أتحدث عن نفسي بضمير الغائب، لم أكن أقول "لا تلمسني!"
كان يستدرجني بالحديث "هل تحبها؟" فكنت أقول "نعم إنها مظلومة، إنها مسكينة، إنها طيبة". هنا صدقت عائلتي أكثر ما قاله، فقد قال أن بي عاشق وهو يغار عليها ويسكنها. كان يخنقني ويؤلمني حتى أني لم أستطع تحريك إصبعي 3 ايام مما فعله، وكنت عندما أصرخ يقول انظروا إنه العاشق يحترق! كان قد شوه أعلى عيني بأصابعه، كان يؤلمني عمداً كي يصدقوه.
استمرت الجلسات بعدها لأنني عندما أخبرهم أنه كاذب كان يقول لهم سوف تقول أشياء كثيرة أو قد تطلب منكم الذهاب لطبيب نفسي أو تقول بعض الأكاذيب عني فل اتصدقوها لأنه العاشق يريد الخلاص. في كل جلسة كان يتمادى أكثر في تحسس جسدي، وكنت كلما أغضب أو أرغب بتحرير يدي أُثبت ما قاله في نظر أمي، فأصبحت أذهب من دون غضب محاولةً التحكم في نفسي كي يقتنعوا على الأقل أني بخير.
كنت أتلوى في الأرض ولا أستطيع الإفاقة إلا بعد ما تقارب 3 ساعات، كانت أصابعي وكأنها تتكسر أو كأني قد أصبت بالصرع، لا أتجاوب معهم، فقط أصرخ وأفضفض عما بداخلي. إلى أن قررت أن آخذ رقمه وأحادثه وقلت له أنت تتحرش بي، فقمت بتهديده وقلت له عليك أم تخبر عائلتي أني بخير، فعل ذلك خوفاً على سمعته وخبرته ذات ال35 سنة أن تتشوه. هنا بدأت أعرف أن مسألة الجن ليست صحيحة، قمت بتحليل ما فعله لي، كنت أقنع أهلي أنه مجرد عقلي الباطني، كنت أقول لهم إذا كان حقا جن لماذا لا يقول أشياء أنا لا أعرفها؟ والمضحك لماذا عندما خنقني كنت أقول لا تضغط على شريان الحياة (إنه ال carotid artery) وهذا ما قد درسته أنا، فقالت أمي إذاً لماذا منذ أن كنتي صغيرة تتوهمين وترين أشخاص وأحلامك دائماً مخيفة؟! فقلت لها لا يوجد علاقة لكنها لم تصدقني.
عشت شهرين كاملين وأنا أتوهم ذلك الشيخ بأنه خلفي، يطاردني، ينتظرني خلف الأبواب! إلى الآن وأنا مازلت أشعر بأنه يراقبني. قرروا الذهاب بي إلى شيخ آخر لكن جائحة كورونا أنقذتني. هذه قصتي أعتذر عن إطالتها لكن أحب أن أكتب التفاصيل التي تفيدكم وتفيدني بإذن الله.
أكثر ما أعاني منه مزاجيتي، قلقي، عدم الشعور بالأمان، عدم القدرة على المسامحة، الشعور الدائم بأن هنالك شيء سيحدث، انقلاب مزاجي سريع، الملل السريع حتى إن قررت أن أرسم رسمة أفعل ذلك بشغف وحب وبمجرد أن أصل منتصفها لا أستطيع إكمالها وأرى أن ذلك شيء غبي وتافه، وآخر ما حدث معي أني أصبحت أحدث نفسي كثيراً وأخبرها ألا تتسامح فهذا يعتبر غباء.
بعض الأحيان تأتيني أفكار بأني مخلوق لست آدمي لكن سكنت في جسد هذه الفتاة ريم كي أساعدها لأنها ضعيفة وتحتاج من يساندها ويقويها. خُطبت كثيراً لكن سرعان ما أشعر أنه من هذا الذي يريدني وهم جميعهم الرجال يخونون وكاذبون ولا يستاهلون شخصية مخلصة مثلي. أكره العلاقات لأني أراها جميعاً تفاهات وكذب، أكره الحب وأكره من يحبني ويتمنى أن يبني علاقه معي، أكره الناس جميعاً وعائلتي وأتمنى فقط أن أنهي دراستي وأحصل على الوظيفة وأتخلص منهم وأعيش وحيدة.
لدي عادة نتف الشعر بإرادتي ووعيي والشد على الفك بقوة أثناء النوم وعند الاستيقاظ باستمرار منذ 7 سنوات أو أكثر.
وشكرا لكم
2/6/2020
رد المستشار
في بداية رسالتك "كنت في أحد الأسواق وفجأة من دون إنذار أصبت بهبات باردة وساخنة ورجفان في اليد، خفقان في القلب، برودة الأطراف، لم أستطع حتى الوقوف على رجلي، كنت أظن أنني أموت" أنت هنا تصفين بما يعرف بالجزع أو نوبة الهلع، لم تذكري فيما إذا كانت هذه النوبة تنتابك إلى الآن غير الرعشة التى هي مستمرة.
وأعراض الاكتئاب واضحة في طي رسالتك، لكن الشئ المؤلم هو والدك الذي لم يصغي لك وكان جباراً ومتسلطاً بل عنيفاً كما ورد في رسالتك، مما جعلك سخرية وذليلة أمام الآخرين الذين في الأصل هم من أهلك، لو كان أنصت وتفهم لكان احتوى معانتك، ولقد امتلأ رأسه بـ "قاموا بالتحدث أني لا أخرج أو ربما تدخل الرجال عليها ونحن لا نعلم! قاموا بإخبار أبي فأتى إلي وهددني وكسر شوكتي وكبريائي وقام بإهانتي أمامهم" بما سمعه من أهلك بما لا يرضي إنسان شريف، لكن القسوة والإهانة وفرض السلطة الأبوية عليك ليفتخر أمام الأهل أن هذه التربية التي تستحقينها. هو بفعله وسلوكه جعلك نكرة أمام الآخرين، وفوق هذا الضرب والتعسف حاول أن يقمعك، بل أهانك وأذلك.
ولم يكتفي بذلك بل تكرر الأمر إلى أن وصل إلى طردك من البيت وعدم دخوله، وحدث ما حدث عندما رجعتي إلى المنزل بطلب من والدتك التى اعتقدت بأنه من غير المعقول أن يطرد أب ابنه فكيف إذاً هي بنته فلذة كبده؟ هكذا تصورت والدتك الموقف، وم أن علم والدك بوجودك لم يتمالك نفسه فانهال عليك بالصياح والضرب وطردك من الدار "فأصبح كالمجنون يصرخ ويصرخ ويقول أني لا أخاف منه، وأنني أتهاون بغضبه فأتى وضربني ضرباً شديداً وكان يقول اخرجي الآن! اخرجي من المنزل! كان يلعن ويسب ويضربني! حتى أتى أخي وسحب أبي بعيداً، وبقت علامات الضرب في جسدي". بعدها انسابت مشاعر كره وبغض لوالدتك التى لا حول ولا قوة لها أمام طغيان والدك "قررت أن أبلغ عنه لكن والدتي قالت ليس البر، وليس سمعة جيدة عندما يسمعون الجيران أنك قمتي بالتبليغ عن والدك! كرهت أمي أيضاً، 21 سنة وهي لم تدافع عنّا أو عن نفسها". هنا كان مجئيك للبيت في محاولة لك لرئب الصدع وتصحيح الكثير مما كان يسمعه عنك، وبدل من أن ينصت ويدرك عاد وضربك من جديد "قررت أن آتى وأتفاهم معه لماذا أنت غاضب مني؟ هل فعلت شيئاً يغضب؟ هل أنا فتاة من الشارع؟ هل؟ هل؟ فقال لماذا لم تسمعي كلامي وأتيتي! قلت له أنت من طردني من منزل الأقارب، كيف تريد مني أن أستأذنك وأنت من طردت ابنتك؟ هل أنت أب؟ فقام وضربني مرة أخرى".
هنا حدث شيء غريب ولأول مرة، لأول مرة كانت ردة الفعل تجاه سلوكيات والدك، لم تشعري بالخوف، صرختي بقوة، وقفتي أمامه وأفرغتي ما بجعبتك، وتلفظتي بكلمات نابية، لم تتمالكي نفسك. تلك السلوكيات التي جعلت الأسرة تنظر إليك وكأن مس من الجن تلبسك، ومن ثم الذهاب إلى المشعوذ الذي حاول من خلال سلوكياته وأفعاله القذرة أن يتحرش بك "ويتحسس جسدي فقد كان متحرشاً، ولم يكن يخاف الله وقد استغل" ويقنع أسرتك بأن عاشق من الجن يتلبسك مما جعل الأهل يعتقدون بذلك الوهم..
ماذا حدث؟ حدث لك نوع من التحول، ببساطة الأعراض والمعاناة والضغوطات النفسية التي مررتي بها تحولت إلى أعراض جسدية كما وصفتي تماماً برسالتك، وخاصةً ما كان يحدث لك وأنت عند المشعوذ. وشيء آخر أنك كنت مدركة لما يحث لك تماماً وتعي كل كلمة تلفظتي بها. والمسألة ليست جن أو عاشق كما كان المشعوذ يوحي للأسرة، وإنما حاول أن يستغلك. بلا شك أنها تجارب مريرة ألمت بك، وبعد ذلك حدث تغير في سلوكك تجاه ذاتك وكذا الآخرين
فكرة مبسطة عما حدث لك:
حدث لك اضطرابات انفعالية مع خلل في أعصاب الحس والحركة، بمعنى بسيط أنه حدث عصاب تحولي, فيه تتحول الانفعالات المزمنة إلى أعراض جسمية، وليس لها أساس عضوي، لغرض ما أو الهروب من الصراع النفسي أو من القلق أو الضغوط الاجتماعية والمشكلات الأسرية والتوتر النفسي والهموم، والرغبة في الهروب منها (هذا واضح في رسالتك)، والرغبة في العطف واستدرار اهتمام الآخرين، والحساسية النفسية وسرعة الاستثارة وعدم النضج الانفعالي والضغوط الانفعالية والصدمات الانفعالية العنيفة وكبتها والهروب منها عن طريق تحويلها إلى أعراض تحويلية أو هستيرية.
فما حدث معك أن مناطق الجسم التي يتحكم فيها الجهاز العصبي المركزي (الإرادي) مثل الحواس وجهاز الحركة. وهذا غير المرض النفسي الجسمي، حيث تصاب الأعضاء التي يتحكم فيها الجهاز العصبي الذاتي (اللاإرادي). فالتحولية Conversion التي تعني تحويلاً جسمياً لأمور نفسية نظراً لأنها تعتمد على حيلة دفاعية نفسية أساسية هي التحويل، حيث تحول الانفعالات والصراعات إلى أعراض جسمية كحل رمزي للصراع الذي تعانين منه. وهناك الإغماء الهستيري Hysterical Trance، ويتمثل في نوبات يفقد المريض وعيه وقد يتصلب جسمه أو يهذى بكلمات لا معنى لها أو يأتي بحركات شاذة كما ورد في رسالتك.
أما ما ورد في رسالتك من سلوكيات يتخللها الكره وعدم الثقة في الآخرين ومحاولة الهروب من واقعك أو عدم شعورك بالأمان أو المسامحة أو التوقع السيء وأن العلاقات تافهة وكذب، كل هذا ما هو إلا ردة فعل لما حدث، وأتمنى ألا يكون نمط لحياتك المستقبلية. لا يا ابنتي، صحيح أن مسار حياتك كان مؤلم، لكن الآن كثير من الأمور تغيرت بعد تجربتك الأخيرة مع والدك الذي اعتذر، وتجربتك مع المشعوذ.
لابد أن يكون التغيير الجديد هو أن تنظري لمستقبلك وإكمال دراستك الجامعية ومن ثم مواصلة دراساتك العليا. عليك أن تنظري للحياة بتفاؤل وحب, ومن تجاربك السابقة أن تكون نبراساً لك يضئ حياتك. اخلقي علاقات طيبة مع الآخرين. انظري كيف يفكر الآخرون، تعلمي من تجاربهم. كوني عوناً لمن يحتاج مساعدة. اجعلي من الحب أساساً في تعاملك وخاصة مع الأسرة. استبدلي الكره بالحب والحقد بالحب.
أنت لست بحاجة إلى أقراص نفسية، بل إلى إدراك شيء واحد هو أنك قادرة على التغيير. ابدئي الآن. لا تنظري إلى الخلف. انسي ما كان، وفكري الآن بما سيكون. لكِ احترامي.