بسم الله الرحمن الرحيم
مشكلتي هي الوسواس والحساسية الزائدة، أشك في كل شيء في حياتي وخاصة من معاملة الآخرين لي إحساسي الدائم بالنقص وعدم الرضا عن نفسي مهما ملكت من الأشياء فأظل أنظر للآخرين وأتمنى أن أملك ما لديهم
شكي الدائم برائحة فمي وجسدي مع أني عندما أكون مع أهلي لا أشك بنفسي أبدا، والمشكلة الأمر أن أبي وأمي يرفضون عرضي على طبيب نفسي والآن يعايرونني بمرضي، أتمنى الموت كل لحظة، أتمني أن يوجد شيء يميزني عن الآخرين، أنا أعرف أن الطب النفسي هو الحل..
عندما أكون في مناسبات عائلية أظل أفكر بنفسي وشكلي مع أني أخرج من البيت وأنا راضيه عن نفسي وبمجرد وصولي أحس أني غير راضية عن شكلي تعبت من حياتي.
وأتمنى أن يكتب الله الحل على أيديكم وشكر
آسفة على الإطالة
8/11/2004
رد المستشار
الابنة العزيزة أهلا وسهلا بك، وشكرا على ثقتك بصفحتنا استشارات مجانين..
تبدئين إفادتك بقولك إن مشكلتك هي الوسواس والحساسية الزائدة، ومعاني كلمة وسواس في اللغة العربية الدارجة على ألسن الناطقين بالعربية اليوم تختلف عن معانيها المدرجة في معاجم اللغة العربية الشائعة، وكذلك عن معناها عند الطبيب النفسي، المهم أن الكلمة قد تعني الانشغال الزائد أو الشك أو الحساسية الزائدة أو الخوف الزائد أو الاهتمام الزائد أيا كان موضوع أو كانت بؤرة أيٍّ من تلك المشاعر المعرفية البشرية، فقد تكونُ الصحة وقد تكونُ الحب وقد تكونُ الشكل وقد تكونُ الرائحة وقد تكونُ نوايا الآخرين وقد تكونُ غير ذلك.
المهم أن استخدامك لهذه الكلمة رغم عدم مطابقته للاستخدام الأمريكي (الرسمي) في تصنيفات الطب النفسي فإنه استخدامٌ أقرب لقلوبنا وعقولنا (وقلوب وعقول معظم البشر)، وما تشتكين وتعانين منه يا ابنتي من مشاعر وأفكار لا ندري بالطبع قدر تسلطها عليك، ولكنها بمجموعها تشير إلى تحرك معاناتك داخل نطاق الوسواس القهري، خاصة وساوس الخوف والريبة، والمشكلة هي أن أهلك سيفسرون تلك المعاناة بأنها دليل على عدم ثقتك بنفسك، مع أنه ليس دائما كذلك، وقليلون جدا في مجتمعاتنا من يعترفون بأن الطبيب النفسي أو المعالج النفسي هو من نلجأ إليه بعد الله لكي نزيد من ثقتنا بنفسنا.
أما التوصيف الطبي لما يتوارد على خاطرك من أفكار ومشاعر فإن إفادتك المختصرة (والتي تتأسفين على الإطالة في آخرها!!!!) لا نستطيع من خلال ما جاء فيها إلا أن نعبر لك عن انطباعات مبدئية وغير مكتملة ناهيك عن التأكد منها، وسأشرح معك سطورك في محاولة لتوضيح الأمر أكثر، لكي تتمكني من إرسال متابعتك بتفاصيل أكثر إلماما وعمقا، وسنبقى معك إن شاء الله.
أولا قولك:
"أشك في كل شيء في حياتي وخاصة من معاملة الآخرين لي، إحساسي الدائم بالنقص وعدم الرضا عن نفسي مهما ملكت من الأشياء، فأظل أنظر للآخرين وأتمنى أن أملك ما لديهم" فهناك مفهوم ضعيف للذات لديك، وعدم رضا عن النفس وهو ما تحتاجين من أجل الخلاص منه إلى برنامج علاج سلوكي معرفي لتوكيد الذات وقد يفيدك أن تقرئي عن توكيد الذات: كثرةُ البكاء أم نقص التوكيدية ؟، وكذلك عن كيفية تنمية الثقة بالنفس: كيف تنمي ثقتك بنفسك،.
وثانيا قولك:
"شكي الدائم برائحة فمي وجسدي مع أني عندما أكون مع أهلي لا أشك بنفسي أبدا"، فهناك من نسميهم بمرضى اضطرابات رائحة الجسد olfactory reference syndrome وهو اضطراب نادر الحدوث ولكنه يقع ضمن نطاق الوسواس القهري، حيث يشعر الشخص أن رائحة ما غير طيبة تخرج من جسده رغم عدم مطابقة ذلك للواقع وتلح عليه تلك الفكرة (التي غالبا ما تكونُ تسلطية أو وسواسية)، وهناك فئة يعرفها أطباء الأسنان وأطباء جراحة الأنف والأذن والحنجرة وهم أولئك الذين يشكون أو يشمون رائحة غير طيبة تخرج من أفواههم أو أنوفهم، وأسميهم مرضى وسواس البخر المتوهم Imaginary halitosis وذلك بالطبع عندما لا تكون هناك رائحة لها أسباب عضوية بالطبع كالتهاب مزمن أو تلوث في الأسنان أو الحنجرة أو غير ذلك، وتأخذ الفكرة لدى معظم هؤلاء أيضًا شكل الفكرة التسلطية، وغالبا ما تصحبها أفعال قهرية في صورة العرض المتكرر على أطباء الأسنان أو جراحة الأنف والأذن والحنجرة..
واقرئي في ذلك:
متلازمة شم رائحة الجسدORS مقدمة
متلازمة شم رائحة الجسدORS التشخيص
متلازمة شم رائحة الجسدORS التصنيف
والأغلب في ظني بحالتك أنها أبسط من ذلك بكثير، وربما لا يطاوعك أهلك في البحث عن سبب لهذه الرائحة لأنهم لا يشمون غير الرائحة الطيبة منك أصلا، بل إنك أنت نفسك لا تشعرين بذلك وأنت بين أهلك كما تقولين وهو ما يجعل الأمر غير منطقي أو غير مطابق للواقع في رأيك الشخصي، إلا أنه يذكرني بحالة شاب وفقني الله إلى معالجته حيث كان يعاني من فكرة أنه يخرج ريحا من القولون وذلك عند اقترابه من الآخرين (من غير أهله)، وتسبب ذلك في انعزاله عن المجتمع وكان يواصل دراسته بصعوبة، ولعله يمثل نموذجا لوسواس القولون، لكنه لم يكن يأخذ الشكل الديني أي إنه يختلف عن المشكلة التي ظهرت على صفحتنا استشارات مجانين تحت عنوان: وسواس القولون عند المسلمين: نموذجٌ أوضح
وثالثا قولك:
"أتمنى الموت كل لحظة، أتمني أن يوجد شيء يميزني عن الآخرين" فهنا نجد لمحة اكتئاب تضاف إلى اللمحة الأخرى التي تظهر من شعورك بأنك أطلت علينا رغم أنك فعلت العكس وهو ما يشير إلى شعور بعدم تقبل الآخرين لك، وأما رغبتك في أن تجدي شيئا يميزك عن الآخرين فهذا جزء من العلاج المعرفي السلوكي الذي سيعنى أولا بتعريفك بما أنت متميزة به بالفعل، وكذلك تعليمك طرق تعلم المهارات الجديدة وتنمية المهارات الموجودة دون أن تستغل!
ورابعا قولك:
"وأما عندما أكون في مناسبات عائلية أظل أفكر بنفسي وشكلي مع أني أخرج من البيت وأنا راضية عن نفسي، وبمجرد وصولي أحس أني غير راضية عن شكلي" ففضلا عن كونه يذكرني بحالة الولد الذي أشرت إليه منذ قليل، فإنه يبين لنا في نفس الوقت ضرورة جهادك من أجل الحصول على العلاج المناسب لكي لا يصل بك الأمر إلى الانطواء، كما أنه يشير من طرف خفي إلى حاجتك لتعلم المفاهيم التي ذكرناها على هذه الصفحة المباركة في الرابطين التاليين:
اضطراب التشوه الوسواسي: وسواس التشوه
أنفي مُعْوَج: وسواس التشوه