الاضطراب القسري في الصلاة
الأخ الدكتور وائل أبو هندي السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد/
فأنا أم لأربعة أولاد، في الحقيقة أرسل لكم مشكلة ابني البالغ من العمر 18 سنة والذي يعاني من مرض الوسواس القهري بالإضافة إلى مرض أسبيرجر حسب تشخيص مرضه من قبل أخصائيين منذ ما يقرب من السنة، وقد تطورت حالته إلى بداية مرض الفصام والهوس منذ ستة أشهر تقريبا.
تم وصف زيبركسا(15 ملغم يوميا) له منذ شهرين بعد أن اعتاد على تناول ريسبردال لمدة ثلاث سنين.
مشكلته حاليا هي ضعف التركيز إلى درجة كبيرة وخصوصا في الصلاة حتى أنه يصعب عليه النطق بكل كلمة يقولها منذ دخوله الصلاة وحتى الانتهاء.
اقترحت عليه أن يقتصر في ذلك على التلفظ في قلبه لأن التلفظ باللسان يأخذ منه وقتا طويلا قد يقارب الساعة أو أكثر لكل فرض.
هذه المشكلة بدأت معه منذ ستة أشهر تقريبا لم يكن قبلها يشكو من صعوبة التلفظ بالقرآن في الصلاة أو خارجها. بعد ذلك واجهته مشكلة أخرى هي الشك في عدد الركعات والشك في عدد السجدات باستمرار فأصبح يعيد كل صلاة ست أو سبع مرات وهو غير مطمئن لذلك ويكثر من الشكوى وأحيانا البكاء مما يعاني.
اقترحت عليه أن يسجد سجود سهو بعد كل صلاة ويريح نفسه بدلا من أن يعيد كل صلاة عدة مرات. فأصبح يشك في عدد سجدات السهو ويقول لا أدري سجدت واحدة أم اثنتين, فيعيد بذلك سجود السهو لعدة مرات وهو غير مطمئن.
هو يبكي ويتعذب من هذه المشكلة بالإضافة إلى غيرها من المشاكل كالشك في طهارة ثيابه وبدنه وكثرة الأفكار الغريبة التي يصعب عليه طردها.
عذرا للإطالة هل هناك من علاج لهذه المشكلة (الحالية أقصد وهي الصلاة)؟
وهل إشارتي له بالنطق في الصلاة في القلب بدلا من اللسان جائزة شرعا في مثل حالته المرضية؟
وهل إشارتي له بسجود السهو جائز بعد كل صلاة تجنبا للشك المفرط؟
أشكركم كثيرا وأرجو مساعدتي قدر الإمكان
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
17/12/2004
رد المستشار
الأخت السائلة أهلا سهلا بك على موقعنا مجانين وشكرا جزيلا على ثقتك،
الحقيقة أن ما يعاني منه ابنك وهو متلازمة أسبيرجر وهو أحد الاضطرابات النمائية Developmental Disorders هو اضطراب غير مفهوم الأسباب بعد وغير متفق حتى على تصنيفه ضمن مجموعة ما من الاضطرابات النفسية، وكذلك فإن الوسائل العلاجية المتاحة إنما توجه أساسا إلى الأعراض أو الاضطرابات النفسية المصاحبة، ولكننا نحمد الله لأن قدرات ابنك اللغوية جيدة، وذكاءه طبيعي، ولعل هذا هو ما يجعل تشخيصه بمتلازمة أسبيرجر ممكنا.
ويتميز اضطراب أسبيرجر بنفس النوع من الاضطراب النوعي في التفاعل الاجتماعي المتبادل الذي يميز الذاتوية autism. (كعدم تقدير التلميحات الاجتماعية والتفاعلية بشكل مناسب، وكذلك فقدان الاستجابات لمشاعر الآخرين أو عدم تعديل السلوك وفقا للإطار الاجتماعي، وكذلك ضعف القدرة على استخدام الرموز الاجتماعية) بالإضافة إلى رصيد محدود ونمطي ومتكرر من الاهتمامات والأنشطة، كالميل إلى فرض قدرٍ من التصلب والروتين على نطاق واسع من أوجه النشاط اليومي، وكثيرا ما يظهر ذلك في صورة أفعال تكرارية قد تبدو بلا معنى، وهذا ما يمثل نقطة تشابه بين هذه المجموعة من الاضطرابات وبين اضطراب الوسواس القهري.
ويختلف اضطراب أسبيرجر عن الذاتوية بصورة رئيسية في عدم وجود تأخر أو تخلف عام في اللغة أو في الارتقاء المعرفي وأغلب الأفراد يكون ذكاؤهم العام عاديا، ولكن الشائع أن يكون بعضهم أخرق clumsy صريح الخَرَق،
وتحدث الحالة على الأغلب بين الفتيان، (فالنسبة تقريبا 8 فتيان إلى فتاة واحدة) وقد يكون هناك احتمال كبير لأن تمثل بعض الحالات على الأقل أشكالا خفيفة من الذاتوية ولكن ليس من المؤكد أن هذا يحدث في كل الحالات،
والاختلالات كلها تميل إلى الاستمرار في مرحلة المراهقة والحياة البالغية ولا تتأثر بالمؤثرات البيئية وقد تحدث نوبات ذهانية أحيانا في بدايات الحياة البالغية، وهذا هو ما أشرت إليه بقولك: (وقد تطورت حالته إلى بداية مرض الفصام والهوس منذ ستة أشهر تقريبا)
وهذه المتلازمة تشبه الاضطراب الاجتراري أو الذاتوي Autistic Disorder، ولذلك فإن علاقتها بالوسوسة قائمة أصلا، ولكنك لم تذكري لنا أعراض الوسواس القهري التي كانت ظاهرة على الولد من قبل، ولدينا في الحقيقة عدة احتمالات:
الاحتمال الأول: أن أعراض الوسواس القهري لديه أصلا جزءٌ من أعراض متلازمة أسبيرجر Asperger's Syndrome ، وهذا ممكن لأن كثيرا من الزملات العضوية المخية Organic Brain Syndromes، تظهر فيها أعراضٌ تشبه أعراض الوسواس القهري.
الاحتمال الثاني: أن أعراض اضطراب الوسواس القهري ظهرت عليه مستقلة عن المتلازمة، وذلك من قبل أن يتناول العقَّاقير الحديثة المضادة للذهان، أي الريسبيردون (ريسبردال) والأولانزابين (زيبركسا)، وكلاهما من مجموعة المَسَد (S.D.A) أي مضادات السيروتونين والدوبامين Serotonin & Dopamine Antagonists ، والتي تختلف عن مضادات الذهان التقليدية التي كانت فقط مضادات للدوبامين Dopamine Antagonists واختصارا مَد، وإن كان هذا احتمالا أضعف.
الاحتمال الثالث: أن أعراض اضطراب الوسواس القهري ظهرت عليه بعد فترةٍ من تناوله لعقاقير المسد، وهذا هو الاحتمال الأقرب، وسبب ظهور هذه الأعراض هو أن تأثير مضادات الذهان من مجمعة المسد على السيروتونين هو تأثير يعاكس تأثير عقاقير الم.ا.س.ا“SSRIs”(مثبطات استرجاع السيروتونين الاختيارية Selective Serotonin Reuptake Inhibitors) التي تستخدم في علاج أعراض الوسواس القهري،
معنى ذلك أن ظهور أو زيادة أعراض الوسوسة لديه قد يكونُ راجعا لاستخدام هذه النوعية من العقاقير لعلاج أعراض الذهان لديه، ذلك أن من الملاحظات المشهورة لكثيرٍ من الأطباء النفسيين في مناطق مختلفة من العالم، وأثناء استعمالهم لأدوية الذهان الجديدة تلك ظهور أعراض الوسواس القهري في المريض الذهاني بعد تحسن أعراضه الذهانية،
وهوَ ما كانَ يعتبرُ دليلاً على صحة افتراض علاقة نقص السيروتونين بوجود أعراض الوسواس القهري لأنك إذا زودت تركيزهُ في المشابك العصبية باستخدامك للم.ا.س.ا قلت الأعراضُ وإذا قللت تركيزهُ في المشابك العصبية باستخدامك للم.س.د في مريض الذهان ظهرت أعراض الوسواس القهري في بعض المرضى بعد فترة من الاستخدام.
وأما كيف نتعامل مع الأعراض التي ظهرت على ابنك لتقليل معاناته، وهذا هو سؤالك، فإن لدينا طريقان لمحاولة التخفيف من الأعراض القهرية لديه، أولهما هو ما فعلته أنت من إفهامه بجواز اللجوء لسجود السهو، وكذلك جواز التلفظ في قلبه أثناء الصلاة، فالدين يسرٌ لا عسر،
كما ينصح بالإكثار من ذكر الله وأما ثانيهما فهو إما إنقاص جرعة عقار المسد الذي يتناوله إن كان هذا ممكنا أو استبداله بأحد عقاقير المد أي التي تضاد تأثير الدوبامين فقط، إضافة إلى استخدام أحد عقاقير الم.ا.س.ا “SSRIs”، للتقليل من أفكاره التسلطية وأعراضه القهرية،
ولكن لابد من التشديد على أن المنوط باتخاذ القرار الأنسب لحالة ابنك هو طبيبه المعالج، فهو الذي يستطيع تفريق الاحتمالات المختلفة لأسباب ظهور الأعراض القهرية، وهو كذلك يستطيع تبديل العقار المضاد للذهان بغيره، ويستطيع انتقاء أي من عقاقير الماسا يكونُ أنسب للحالة،
نتمنى أن يعينكم الله على التخفيف من معاناته
وأهلا وسهلا بك دائما على مجانين، فتابعينا بالتطورات.
ويتبع>>>>>>>> : متلازمة أسبرجر الأدوية وأعراض الوسوسة م