أحب امرأة تكبرني بعشر سنين، ولكن المجتمع لن يرضى
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته... أود شكر جهودتكم في البداية، وأسأل الله لكم خير الجزاء على ما تقدمونه من نصح ودعم نفسي لنا.
أنا شاب في منتصف العشرين، أقيم في أوروبا منذ عدة سنوات.... قبل سنتين تعرفت على امرأة أكبر مني بعشر سنوات بحكم ظروف العمل، وحصل بيننا صداقة، ثم تطور الأمر إلى حب حقيقي (أقول حقيقي لأني عشت مشاعر لم أعش مثلها في حياتي وصلت أحياناً للبكاء بسبب ألم القلب).
هذه المرأة تحبني كثيراً، وتهتم بي وكأني أهم شخص في حياتها، وأنا أيضاً أبادلها نفس الشعور... بالإضافة لذلك هي تعشق الإسلام، وتسألني دائماً عن أشياء في الإسلام، وتتمنى أن تعتنق الإسلام يوماً ما.
المهم مرة أخبرتها أن علاقتنا لا يمكن أن تتطور طالما نحن غير متزوجان بسبب ديني، وهي قالت أنها مستعدة لأن تتزوجني، ولكني أخبرتها أن هذا صعب بسبب مجتمعي وأن أهلي بالتأكيد لن يوافقوا، وتقبلت هي الأمر، ولكن قبل فترة أخبرتها أن أهلي يتوقعون مني أن أتزوج فتاةً عربية من أقاربي بعد سنة على الأكثر، ومن وقتها أصابها حزن شديد، وأنا أيضا أشعر بتأنيب الضمير لأني أخبرتها ذلك، لكن هذه هي الحقيقة... أشعر بألم في قلبي عندما أتذكر لحظاتنا الجميلة وأني لن أجد امرأة تحبني بهذا القدر الذي أحبتني به.
المرأة عندها طفلة صغيرة، ومطلقة من زوجها السابق لأنه كان أباً سيئاً.
عندما أفكر بعقلي أقول أنه يجب أن أتزوج فتاة بعمري لأني أريد عائلة، وهذه المرأة لا أعتقد أنها مستعدة لأن ننجب أكثر من ولد لو تزوجنا، ولكن عندما يتعلق الأمر بقلبي فأنا أحبها جداً ولا أتخيل أني سأحب امرأة أكثر منها.
انصحوني جزاكم الله خيراً...
هل يجب أن أنساها؟ أم أن أغامر وأفكر بالزواج بها رغم رفض أمي (التي لا تعرف بهذه العلاقة وتريدني أن أتزوج من قريبتي التي لا أعرفها ولا يعجبني شكلها)؟
17/11/2020
رد المستشار
لم أكن لأكترث كثيرا لهذه الاستشارة لو كانت من شاب عشريني يعيش في العالم العربي في ظل مجتمعات الخيارات فيها محدودة, التوقعات شبه ثابتة، ولكن الوضع يختلف مع وجودك في مجتمع غربي مختلف في ثقافته، وأنظمته، وقوانينه.
هل لديك دراية كاملة مثلا بقوانين الزواج في بلد مهجرك!!
الاتجاه العام للقوانين في الغرب هو تمكين المرأة، وتقوية وضعها على حساب الرجل، فإذا تزوجت امرأة من هذا البلد صرت أقرب للعبد، فأنت الرجل في العلاقة، أي الجانب الأضعف، وأنت مهاجر أو لاجئ، وعليه تصبح رهين المحبسين!! قرأت مؤخرا تعبيرا يصف الوضع القانوني للرجل في الزواج المعاصر بأغلب البلدان حتى في أوطاننا.
تقول العبارة أن الوضع القانوني للعشيق هو أقوى من وضع الزوج، وليس هذا مجال مناقشة فلسفة هذه القوانين، ولا موقعها من العدل والظلم، ولكنه تنبيه لك أن الأمر ليس مجرد: أحبها، وأهلي ما يرضون!!
الحب جميل في كل الأحوال، والمجتمع عندك يسمح بصيغ متنوعة للعلاقات فهل تريد أنت، وتوافقان معا أن تدخل علاقتكما في إطار يتضمن الحد الأدنى من الأركان الشرعية من إيجاب وقبول ونية وإعلان في دائرة الحركة الحياتية القريبة منكما أي فيما يشبه الزواج العرفي عندنا دون تسجيل أية أوراق رسمية بما يساوي علاقة الرفيق والرفيقة في هذه البلاد!!
يكفل هذا لك ولها إرواء مشاعر الحب، ولا يتضمن مسألة إنجاب أطفال لأن الإنجاب يدخلك تحت طائلة القوانين، ولو لم تكتب أوراق!!!
هل ترى هذا حلا للموقف الحالي؟! أم يزيده تعقيدا؟!
من ناحية أخرى لست مضطرا لإنفاذ رغبة أمك بالزواج من قريبتك التي لا تعرفها، ولا يعجبك شكلها سيكون هذا ظلما وجنونا وإضافة تعاسة غيرمقبولة في أوضاع مفتوحة لا يبدو أن والدتك الكريمة منتبهة أنكم انتقلتم إليها، ربما تظن أنها ما تزال بالضيعة – بلغة أهل لبنان!! بل ربما تدرك النقلة وترى أن التماسك الأسري سيتحقق بالزواج من قريبتك، وفي هذا وجاهة جزئية كان من الممكن أن تكتمل لو كنت تعرف قريبتك، وتحبها!!
هل كلامي واضح في التمييز بين مسارين: مسار المشاعر والرغبات التي تبحث عن إشباع، ومسار تكوين أسرة وبيت مستقر، ولو نسبيا؟!
على صعيد المسار الأول تبدو المرأة التي معك الآن مناسبة، وواعدة. فهل تريد أنت وتقبل وتستطيع أن تدخل في علاقة لن تكون هي الدائمة، ولا المؤدية لأسرة، هذا إذا كنت تريد تكوين أسرة، وإيجاب أطفال على النمط العربي المتعارف عليه، ولو في الغرب!!
فهل تريد أنت إنجاب أكثر من طفل وتكون أسرة متوسطة الحجم، أو كبيرة وربما أوضاعك الاقتصادية مواتية لعمل هذا، لكن هذه المرأة لن تكون الشريك الأنسب في هذا المشروع!!
في تكوين أسرة يلزمك البحث عن الشريكة المناسبة، وربما لا تكون قريبتك هي الأنسب أيضا، وبالتأكيد ليست صديقتك الحالية هي الأنسب من عدة جهات كما أحاول أن أشرح لك.
خروج الملايين من العرب المهاجرين بعد الربيع العربي يخلق أوضاعا وأسئلة تحتاج إلى تأمل واجتهادات، ولا تسعفها تصورات أغلبنا المحدودة عن الاختلافات الثقافية، وعن الآراء الشرعية، وعن الاحتياجات الإنسانية، وعن خبرات إشباعها بصور متنوعة تختلف عن أوضاع بلداننا المرتبكة سياسيا واجتهادات عامة، وممارسات مستقرة، وخبرات متراكمة سيكون عليك أن تحتاط لنفسك، وتتفقد أين تضع قدميك في خطواتك القادمة، وألا تترك نفسك للمشاعر دون أن تستكمل الصورة بملابسات وظروف وسياقات الحياة عندك!!
وهذه دعوة مني للانتباه والاجتهاد، ورؤية سريعة لمسألة شائكة ضمن أجندة كبيرة لم تأخذ حقها من النقاش عن أوضاع العرب في الغرب، وبخاصة بعد الهجرات الجديدة!!
تابعنا بأخبارك، ودمت بخير، والسلام.