وسواس النجاسة الأمر بسيط !! كيف ؟؟
وسواس التدين: كيف التعامل معه؟
السلام عليكم... أرجو أن استشارتي ترد عليها الأخت الدكتورة رفيف الصباغ... بارك الله فيك يا أختي على الرد والتشجيع وتوضيح الأمور.
بالنسبة لـ "إسلام ويب" صحيح أنا أخذت موقف مُتسرِّع بأن المفتي أخطأ، ولم أفهم بشكل صحيح وهذا خطئي، وأعترف لأنني أصلًا أجهل مسألة النجاسة، فكيف أصير أحكم على غيري!، لكن تنبيهي بخصوص الموقع أرجو أخذه بعين الاعتبار فالموقع فيه تناقضات وهذا ما لاحظته خلال بحوثي العديدة عليه في مختلف الأفكار التي كانت تأتيني لما كنت شديد الوسوسة.
مثلًا: تجدين فتوى يقول فيها مفتي معين أن "الإباحية والعادة السرية هي صغائر (طبعًا هي ذنوب على كل حال، صغائر لا يعني أن نفعلها محتقرين لشأنها)"، وينصح الشاب السائل... بينما تجدين فتوى لشيخ آخر يقول أن "مشاهدة المسلسلات من الكبائر!".
مثال آخر: تجدين فتوى لمفتي يقول أن السيدة عائشة _رضي الله عنها_ تزوجها النبي _صلى الله عليه وسلم_ وهي طفلة غير بالغة، وبقيت عنده سنوات حتى بلغت! لكنها كانت مُهيَّأة لأمور الزواج كامرأة بالغة!، وسبب ذلك كله هو تحريم اللهو عنده، فبعض المتشددين يصلون لدرجة تحريم اللهو واللعب! لأن السيدة عائشة كانت تأتيها الفتيات ويلعبن في بيت النبي _صلى الله عليه وسلم_... وفي نفس الموقع فتوى بعنوان "الرد على من يزعم أن النبي _صلى الله عليه وسلم_ تزوج السيدة عائشة وهي غير بالغة" يرد فيها شيخ آخر على الرأي الأول، ويقول أن النبي _صلى الله عليه وسلم_ خطب السيدة عائشة وانتظرها 9 سنوات حتى تبلغ وتصير امرأة، ويشرح الكثير من الأمور حول الموضوع.
كل هذه الفتاوى ممكن أن تجديها على الموقع بمجرد بحث بسيط، والعديد من التناقضات الأخرى، وهناك حتى فتاوى شاذَّة مثل تحريم ألعاب كرة القدم الإلكترونية مثل لعبة "FIFA" التي يلعبها الشباب لاحتوائها على بعض الأندية شعاراتها فيها صليب، وحتى تكفير من يلعب بنادي شعاره يحتوي صليب (مثل برشلونة)!... وأنا سألت شيخ أزهري حول هذه المسألة وقال لي "لا تلتفت لهذه الفتاوى الشاذة"... بينما فتوى أخرى لمفتي آخر يجيز لعبة إلكترونية فيها صلبان!، ويقول "المهم ألَّا يكون هناك تقديس للصليب" واللعبة جائزة والأولى اجتنابها حسب رأيه.
لذلك لدي خبرة مع الموقع، وتنبيهي جاء بناءً على سوابق وتجارب وليس مسألة الطهارة والنجاسة فقط... وهذه التناقضات تعتبر كوارث للموسوس بوسواس التدين مثلي (دماغه سيحترق تمامًا)، وأنا شخصيًّا عانيت نفسيًّا حتى بدأت أستوعب وأُميِّز الأمور وأعرف عمَّن آخذ الفتاوى والآراء الفقهية، لأن ليس كل من تصادفه في موقع تعرف منهجه وعلمه وهل هو مؤهل للفتوى أم لا، لذلك هذا الموقع لا أنصح به أي موسوس بوسواس التدين، وأنصح جميع الموسوسين بدار الإفتاء المصرية، أما من كان غير موسوس ويريد التثقف أو البحث عن الفتاوى والآراء المختلفة فهو حر.
أرجع الآن إلى السؤال عن حالتي... ملخص تاريخي مع الوساوس هو كما يلي:
السنة الأولى: وسواس الأحداث السلبية بعد تجربة اجتماعية سلبية.
السنة الثانية: وسواس الأحداث السلبية.
السنة الثالثة: وسواس الأحداث السلبية (وتجارب سلبية أخرى).
السنة الرابعة: وسواس الأحداث السلبية، وسواس التبول المتكرر أو الرغبة في دخول الحمام _أكرمكم الله_، والخوف من الدوام لأنه كيف سأحضر الحصص في الجامعة!.
السنة الخامسة: وسواس الموت، الغيبيات، الأمراض، القلب، الخوف من العين، وسواس التدين، مع اضطراب هلع ومعدة عصبية وقولون عصبي... وتجاوزت كل ذلك _بفضل الله عز وجل_ بالصلاة والدعاء والأذكار اليومية وتمارين التنفس يوميًّا وحمية القولون العصبي وتمارين الوعي والتدرب على التجاهل.
السنة السادسة: وسواس التدين.
السنة السابعة (الحالية): وسواس التدين.
وكل هذه السنوات كانت فيها مشاكل عائلية وظروف حزينة، يعني أصلًا هناك سلبية في حياتي ومحيطي العائلي، ولا يوجد تحفيز أو إيجابية تساعد على انشراح النفسية، والحمد لله على كل حال.
وطبعا أكرر القول أن شخصيتي أصلًا مثالية وسواسية، وأحب التحكم في الأمور والتدقيق في كل شيء، والتجاهل الموجود عند الناس أحتار فيه!، وعائلة أبي يبدو لي أنهم مصابون بالاكتئاب الوراثي الخفيف.
إذن حاليًا يسيطر عليَّ وسواس التدين منذ سنة 2019، وهذا الوسواس صعب لأن الإنسان ناقص ولن يبلغ الكمال في أخلاقه وأفعاله خاصةً في هذا العصر الذي يوجد فيه الحرام في كل مكان!... الغريب أنني قبل وسواس التدين ومع الوساوس التي سبقته كنت متدينًا وراضيًا عن نفسي دينيًّا وأقول "أنا جيد قدر الإمكان والحمد لله" ومتفائل ومرتاح بالتدين، لكن الآن التفكير الوسواسي أخذ فكرة التدين وصار التدين مرهقًا جدًّا وعبءً عليَّ ويمنعني من العيش براحة وصار اكتئاب ديني حتى كدت أضيع دراستي الجامعية، والحمد لله وفقني الله ورجعت للمذاكرة ونجحت.
المشكلة حاليًا عندي هي البقاء على توبة، ما السبيل إلى ذلك؟
الشيوخ والدعاة يقولون أن على الإنسان الحرص على البقاء على توبة، ونفسهم يقولون أن الصلوات والاستغفار تكفير للصغائر بدون توبة، ومعروف في الدين أن الصغائر لا تحتاج إلى توبة لأنها لا يسلم منها أحد (لا عالم ولا غيره)... وقرأت لأحد الشيوخ الأزهريين يقول "إذا أذنبت فبادر بالتوبة خشية أن تموت على معصية" وهذا حيَّرني كثيرًا، فهل الإنسان الذي يتقي الله ما استطاع مُعرَّض لخطر الموت على معصية بمجرد أن يذنب؟! كيف وأحاديث النبي _صلى الله عليه وسلم_ تخبرنا أن الصلوات والجماعات وصيام رمضان واتباع السيئة الحسنة تمحها؟!
أنا صار عندي إحساس بعدم الأمان (إذا أذنبت سأموت على معصية)، وصرت أراقب تصرفاتي كثيرًا، ومحتار أيضا هل أتوب مباشرةً أم أترك ما أقع فيه للصلوات والاستغفار مع الأذكار لتكفيرها... لنفترض ذهبت إلى الجامعة أو المكتبة ووقعت في نظرة محرمة (طبعًا النظرة الأولى لك والثانية عليك، ولكن فشلت في غض بصري) هل أستغفر مباشرةً؟ أم أتقي الله ما استطعت وأدرس وأذاكر وسوف أصلي الظهر ويكون تكفير لما وقعت فيه إن شاء الله؟
أليس اشتراطًا أن يكون المؤمن دومًا على طاعة فيها مشقة في عصرنا هذا؟ أليست الدراسة حسنة، وبالتالي العودة للمذاكرة بعد الوقوع في ذنب يعتبر اتباع السيئة بالحسنة؟ وهل المسلم يعيش في وسواس خوفًا من المعاصي؟ وهل المسلم الذي يتقي الله ما استطاع هو على خير؟ وبالنسبة لحالتي: هل تنصحونني بزيارة الطبيب النفسي للتخلص كليًّة من الوسواس؟ أم يمكنني محاربته وحدي؟
بصراحة تعبت من تضيِيع سنوات حياتي، وكل فترة من فكرة إلى فكرة، وأريد الاستمتاع بحياتي كباقي الشباب (لكن في طاعة الله وليس بتجاهل ديني)... أنتم أكثر موقع كسب ثقتي لأنكم تجمعون بين الطب النفسي والمعرفة الدينية، لأنه أعتقد أن من الممكن أن تذهب لطبيب نفسي وتسأله عن أمور الدين فلا يدري ماذا يفعل لك لأنه هو غير متدين...
فبماذا تنصحونني؟...
وبارك الله فيكم.
13/12/2020
رد المستشار
وعليكم السلام ورحمة الله تعالى وبركاته أخ "محمد"
واضح أن سؤالك الرئيسي هو عن وسواس التدين، فأنت تريد نفسك ملاكًا أي سالمًا من الذنوب 100%، ولكنك بشر و((كل ابن آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون)) كما قال الصادق المصدوق عليه أفضل الصلاة والتسليم. نحن ضعفاء لا ننفك عن الذنوب خاصة الصغائر، وربما انزلق الإنسان إلى كبيرة من الكبائر حتى إن كان ملتزمًا، وكان أمر الله قدرًا مقدورًا. وقال صلى الله عليه وسلم: ((وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَذَهَبَ اللَّهُ بِكُمْ وَلَجَاءَ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ فَيَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ فَيَغْفِرُ لَهُمْ)). الله سبحانه وتعالى خلقك هكذا لترجع إليه وتقف بين يديه، وتعرف عظته وسعة غفرانه.
المطلوب فقط أن تأتي الله تعالى معترفًا بذنبك، أن تقول له: يا رب... أنا عبد ضعيف لا أملك لنفسي شيئًا، كلما تبت أعود للذنب، ولكني سأبقى على بابك طامعًا بكرمك وعفوك....
والتوبة ليست مشروعًا يحتاج إلى أيام لتأتي بها! إذا غلبتك نفسك فلم تغض بصرك، ستشعر بالندم ولا ريب بعد ثانية، وستحزن، وتحدث نفسك أنك لن تفعل هذا في مرة قادمة، هذا يمر في ذهنك بثوانٍ، وهو عين التوبة، وأتبع ذلك بقولك بلسانك: أستغفر الله.. وبهذا تكون قد حصلت التوبة ومُحِيَ الذنب بإذن الله. فما الصعب في الموضوع؟!
أنت انوِ الاستقامة قدر المستطاع، فإذا زللت فالتوبة تحصل في ثوانٍ معدودة، حتى لو مِتَّ خلال هذه الثانية، فنيتك تشفع لك، وفي الحديث الشريف، قال صلى الله عليه وسلم: ((كَانَ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكمْ رَجُلٌ قَتَلَ تِسْعَةً وتِسْعينَ نَفْساً، فَسَأَلَ عَنْ أعْلَمِ أَهْلِ الأرضِ، فَدُلَّ عَلَى رَاهِبٍ، فَأَتَاهُ. فقال: إنَّهُ قَتَلَ تِسعَةً وتِسْعِينَ نَفْساً فَهَلْ لَهُ مِنْ تَوبَةٍ ؟ فقالَ: لا. فَقَتَلهُ فَكَمَّلَ بهِ مئَةً، ثُمَّ سَأَلَ عَنْ أَعْلَمِ أَهْلِ الأَرضِ، فَدُلَّ عَلَى رَجُلٍ عَالِمٍ. فقَالَ: إِنَّهُ قَتَلَ مِئَةَ نَفْسٍ فَهَلْ لَهُ مِنْ تَوْبَةٍ؟ فقالَ: نَعَمْ. ومَنْ يَحُولُ بَيْنَهُ وبَيْنَ التَّوْبَةِ؟ انْطَلِقْ إِلى أرضِ كَذَا وكَذَا فإِنَّ بِهَا أُناساً يَعْبُدُونَ الله تَعَالَى فاعْبُدِ الله مَعَهُمْ، ولاَ تَرْجِعْ إِلى أَرْضِكَ فَإِنَّهَا أرضُ سُوءٍ. فانْطَلَقَ حَتَّى إِذَا نَصَفَ الطَّرِيقَ أَتَاهُ الْمَوْتُ، فاخْتَصَمَتْ فِيهِ مَلائِكَةُ الرَّحْمَةِ ومَلائِكَةُ العَذَابِ، فَقَالتْ مَلائِكَةُ الرَّحْمَةِ : جَاءَ تَائِباً، مُقْبِلاً بِقَلبِهِ إِلى اللهِ تَعَالَى. وقالتْ مَلائِكَةُ العَذَابِ: إنَّهُ لمْ يَعْمَلْ خَيراً قَطُّ. فَأَتَاهُمْ مَلَكٌ في صورَةِ آدَمِيٍّ فَجَعَلُوهُ بَيْنَهُمْ -أيْ حَكَماً- فقالَ: قِيسُوا ما بينَ الأرضَينِ فَإلَى أيّتهما كَانَ أدنَى فَهُوَ لَهُ. فَقَاسُوا فَوَجَدُوهُ أدْنى إِلى الأرْضِ التي أرَادَ، فَقَبَضَتْهُ مَلائِكَةُ الرَّحمةِ)). وفي رواية: ((فَأَوحَى الله تَعَالَى إِلى هذِهِ أَنْ تَبَاعَدِي، وإِلَى هذِهِ أَنْ تَقَرَّبِي، وقَالَ: قِيسُوا مَا بيْنَهُما، فَوَجَدُوهُ إِلى هذِهِ أَقْرَبَ بِشِبْرٍ فَغُفِرَ لَهُ)). ما رأيك؟ جعله الله بقدرته أقرب إلى الأرض التي فيها الصالحون، لأنه قبل توبته وأراده من أهل الجنة.... فأين هذا مما تخاف منه من الموت على المعصية؟!!
الشيخ الأزهري عندما قال: (إذا أذنبت فبادر بالتوبة خشية أن تموت على معصية). كان يوجه كلامه إلى عموم الناس، وأكثرهم غافلون يتمادون في الذنوب دون أن يرف لهم جفن، لهذا ينبغي تغليب التخويف في الكلام علّهم يستيقظون؛ أما من كانت نفسه تميل للخوف إلى حد الوسوسة فاللائق في حقه تذكيره بآيات وأحاديث الرجاء حتى يعود إلى الطريق المستقيم بين الخوف والرجاء، ولكل مقام مقال.
دع عنك هذا الوسواس الغبي (وكل الوساوس غبية)، فالله تعالى ما أنزل القرآن لنشقى، وإنما لنذوق حلاوة الإيمان ونعيش في أنواره وأمانه.....
أخيرًا: من الأفضل لك طبعًا أن تراجع الطبيب، فأنت منذ سنوات تخرج من وسواس لتقع في آخر، ولابد من مساعدة اختصاصية في هذه الحالة.
عافاك الله وأعانك.
ويتبع >>>>>>>: وسواس النجاسة الأمر بسيط !! كيف ؟؟ م1