سارة والخطة الإلهية وضياع الحبيب م
الشعور بفقدان نفسي
لا أعلم كيف أكتب لكم... صدقوني لا أعاني من أيام الفراق أو الحب لأنكم سوف تمزجون استشارتي هذه بالاستشارات السابقة... اعلمو أن مشكلتي أكبر من فقدان الحبيب الفاشل.
أنا أَمُرُّ بمرحلة فاقدة لذاتي وفاقدة لوجود نفسي، أشعر أن سمعتي كفتاة انتُهِكَت، وأني أَضَعت فرصًا كبيرة في الحياة بسبب تصرفاتي الخطأ، وبسبب طِيشِي وسوء تعاملي... لم أكن أعني ما أفعله وأتصرف هكذا، وما يخطر ببالي كنت أفعله، وأغضبت الله كثيرًا، وخُنْتُ أهلي وعملت أفعالًا غير صالحة في قصة حبي.
الآن بعد كل هذه السنين، وبعد إدراكي لما فعلته بنفسي ندمت ندمًا شديدًا، واحتقرت نفسي، وأتساءل كيف تصرفت هكذا؟! كيف أُلْغِي الحدود وأخلع ملابسي لحبيبي وأنا فتاة مُحَجَّبَة وأهلي محترمين وأنا محترمة أيضًا؟ كيف فعلت هكذا؟... هو كان يتمنى أن ينالني، ولو كنت فتاةً حازمة في تصرفاتي لكان الآن هو يعشقني.
أنا خسرت كثيرًا كثيرًا بسبب تصرفاتي الغير محترمة... الآن هل سأتزوج؟.. أشعر أن سُمعَتِي سيئة، وأن توفيقي من الله قد زال بسبب هذه التصرفات؟.. عمري سيصبح ٢٦، ولم أجد شخصًا أتصرف صحيحًا معه، كل الذين جاءوا أَضَعْتُهم نتيجة تصرفاتي.
الآن أنا فتاة عاقلة وواعية، ولكن ما الفائدة؟.. عمري قد جرى، وخسرت أشخاصًا مناسبين لو كنت جِدِّيَّة معهم لَكْنت قد حصلت على زوج مناسب مثل صديقاتي... أنا تبت إلى الله، وطلبت منه فرصة أخرى، ولكن هل سأتزوج؟.. أذهبت جمالي سدى بسببي.
والآن أشعر أني سوف أبدأ بدوَّامة أخرى وهي التهديدات من قبل حبيبي السابق لأنه لم يَكُفَّ عن الاتصال بي كل فترة، رغم أنه هو من تركني بإراداته، أشعر أنه سوف يُرْعِبُني بصوري التي عنده... كيف سأخبر أهلي؟ وكيف سأواجهه؟ هل أستحق كل هذا بسبب علاقة حب تصرَّفت فيها بحماقة وقلة أدب؟!
الآن كيف أستعيد ذاتي؟ كيف أنتهي من عذاب النفس وكره النفس؟ وكيف أسامح حالي ولا أحتقرها؟ كيف أجد شخصًا مناسبًا للزواج وأنا بهذا العمر وبهذا الجمال ولم أجد إلى الآن؟
أنا حزينة على حالي وعلى أهلي رغم أني وصلت في الدراسة إلى مستوى جميل جدًّا، ولكن ما الفائدة وأنا لم أُكَوِّن عائلة بسبب تصرفاتي القليلة أدب؟ كيف أُظْهِر صدري لشخص أحبه؟ كيف لم أفكر أنه سوف يأخذ نظره عليه؟... آه لو يعود بي الزمن لقتلت نفسي قبل هذا الفعل المُشِين... وا آسفي على حالي.
26/2/2021
رد المستشار
أهلا وسهلا بك مرة أخرى يا "سارة".
طيّب، لقد كان ظني في محلّه، وهو أنّ ذلك الشاب سيتركك ولن يصلح لك، ولا أعلم هل أفرح بانتصار نظرة مختص نفسي التي غالبا يتوجّس منها الناس فيما يخص علاقات الحب، أو أحزن لفراقك له، أعتقد أنني يمكن أن أفعلهما معا.
أما عن حالتك النفسية، فحقا هي تتجاوز مجرّد الفقد، فهذه عبارة عن صورتك الذاتية تنهار أمام عينك، أغلى ما تملكين، أغلى من "حبيبك" السابق وحتى من زوجك المستقبلي الذي تحلمين به !! نفسك وسلامتك النفسية واستقرارك النفسي هو أغلى ما تملكين يا "سارة".
قد أخطأت وفعلت أعمالا حمقاء في نظرك، والآن نضجت وتغيرت نظرتك للحياة، أليس ثمن النضج الخطأ؟! كيف يمكن أن تصلي لهذه المرحلة دون أن تخطئي وتتمرغي في السخافات؟ لاحظي أنك رفضت وحاولت إنكار كلامي لما قلتُ لك كذا وكذا عن قصص الحب والتعلق وطبيعة الشباب !! أفترض أنّك لو أعدت الآن قراءة ردودي لاتفقت معي، وهذا بفضل أخطائك.
مسيرة النضج مؤلمة ومتعبة فلا تكرهي نفسك لأن النفس البشرية هكذا تعمل، ربما نتفاوت في الحماقات التي نرتكبها لكننا نقوم بها كيفما كان الحال.
سمعتك سيئة فعلا أم أنّ الله سترك عليك، هل هذا كلام تقولينه بينك وبين نفسك أو فعلا أنت معروفة بين الناس، الجانب الاجتماعي لبعض الأفعال يكون أثقل وأصعب في المعالجة من الجانب النفسي، لذا إن ستر الله عليك فهذه نعمة يجب أن تستغلينها لا لكي تدّعي الصلاح والفضيلة، بل حتى لا تقتلي نفسك وتبقي مكانك، لتبدئي صفحة جديدة من حياتك بقواعد جديدة ورؤية جديدة والله يفرح بتوبة عبده عكس ما تظنين فليس لله في أن يخزيك أو يُهينك أو يقف أمام سعادتك هذا يفعله الناس أو نفعله بأنفسنا.
تستردين ثقتك وتقديرك بتغيير فكرتك عن "الخطيئة" والفضيلة، بتغيير فكرتك عن التجارب الفاشلة وعن طبيعتك الخطّاءة، برفع عباءة الدناءة عنك كأنثى كما ترفعينها عن المخطئين من الذكور في مجتمعك! بأن تشعري أنّ لديك الحق في فرصة ثانية.
وأيضا بعدم افتراض أشياء لا أساس لها من الواقعية، لو كنت تصرفت بجدية لعشقني! لو فعلت كذا لكنت زوجة وأمّا! هذه كلها افتراضات، فلو تعاملت بجدية فلن يعلب معك أكثر من اللازم فلا طائل من ورائك في نظره، ولن يكون لك عشيقا كما تفترضين، كونك جميلة وصغيرة المئات منك والآلاف فهل كلهنّ لم يتزوجن بسبب أنّهنّ كنّ قليلات الأدب وساقطات كما ترين نفسك"؟! كل هذه افتراضات نابعة من تأنيب الضمير وجلد الذات، كأنّك تنتقمين من نفسك.... ولا فائدة من تعذيب نفسك فهي أنت وأنت هي وبها تقومين وبها تتقوين. فليس هناك "نفس دنيئة" و"نفس شريفة" تجلدين الأولى بالثانية وتلعنين الأولى بالثانية وتستعلين بالثانية على الأولى! إنّما هي نفس واحدة فقط فيها ضعفك وقوتك، فيها شهوتك وفضيلتك، فيها عيوبك ومناقبك.... إلخ
لا تفكري في الأمر بهذه الطريقة: كيف أحصل على زوج! بل فكري كيف تنهضين من هذا كله، وحاولي ألا توسوسي بتهديدات "الحبيب" السابق فلو كان يريد فعل شيئا لما تأخر، وربما عنده الكثير من المغامرات حتى أنّه نسي هل حافظ على صورك أم لا من كثرة الصور عنده!! لا زلت تعتقدين بعد هذا كله أنّك كنت مركز عالمه وتفكيره وتفكرين على أساس هذا، حتى أنّك وصفته بحبيبي ثلاث مرات "حبيبي الفاشل/أخلع ملابسي أمام حبيبي/ من قبل حبيبي السابق".... وتتمنين لو كان عشيقا وفقط ينقصك أن تكون جدية معه.... الحقيقة غير ذلك. حاولي أن تنظري لنفسك من منظار آخر غيره، فهو منظار سيء يفقدك الثقة ويشعرك بالذنب والدونية لأنك في نظره لم تكوني تستحقين، لكن في نظرك أنت فيجب أن تستحقين وفي نظر غيره أيضا من أسرة وآخرين.
قلتُ أبني نفسك من جديد، باشري نشاطات ذات فائدة تعيد لك الثقة والكرامة التي تشعرين بفقدها الآن، اعملي على تحسين نفسك من الجهة النفسية (ولا أقصد الاجتماعية والمالية) رقّعي ما تمزّق منك ولملمي شتاتك، هذا هو الهدف الأول والأهم حاولي فهم نفسك ولماذا تتعلقين بهذه الطريقة وعمّاذا تبحثين عند "الرجل" ما ينقصك حتى تضطري لإيجاده في الشباب والعلاقات معهم، ما الذي دفعك كلّ مرة لتنازلات أخلاقية في علاقة مع شاب، هناك دائما سبب، رغبة في نيل الإعجاب، خوف من الفقد، حرص على الإبقاء على الآخر والشعور بالاهتمام، فربما لا تتحملين الإهمال ويقتلك فتسعين بكل شيء عندك أن تنالي الاهتمام وتبقين في مركزه. فكري جيدا كيف ترين نفسك في علاقة مع شاب هل أنت التي يجب أن تضحي بنفسها وجسدها من أجل الإبقاء على العلاقة أم ترين نفسك طرفا وشريكا له واجباته ومسؤولياته كما للآخر ولا يحق له استنزافك ولا التلاعب..... كل هذه الأسئلة وأجوبتها ستساعدك لتكوني إنسانة أكثر نضجا وألا تقعي في نفس الأخطاء مجددا، وبأن تُشعّي في علاقة زوجية مستقبلية وألا يتمّ التلاعب بك مجددا وبهذا ستسترجعين ثقتك وتقديرك وتنفضين عنك الشعور بأنك رخيصة سهلة المنال..
تمنياتي لك بالتوفيق والراحة