السلام عليكم
أردت أكثر من مرة الكتابة إليكم، ولكنني مثل صاحب رسالة "الاكتئاب الجسيم كيف يسلب الإيمان؟؟" فقدت الرغبة في عمل أي شيء؛ فأنا على يقين بأنني مصابة بالاكتئاب الأعظم "severe depression".
وقد قرأت عن هذا وأجريت لنفسي عدة اختبارات من التي تجرى على الإنترنت، فوجدت أن لدي كل أعراض الاكتئاب، مثل: اضطراب المزاج كل الوقت (بعد أن كان على فترات)، والنوم كثيرا والإحساس بالإرهاق الدائم، وفقد الاستمتاع بكل شيء وأي شيء،
وعدم الرغبة في الذهاب للعمل (حتى بعد أن تغيرت ظروفه لصالحي ولم أعد أجد مبررا لتعليق سبب حزني عليه)، وعدم الرغبة في الخروج والتعامل مع الناس بل وإحساسي بالضجر الشديد من التعامل معهم في الأشياء الضرورية، والفتور والخمول، وحرقان المعدة الذي لا ينتهي حتى إن شربت الماء، ووجع القدم من دون سبب عضوي وكذلك تقصف الشعر.
فضلا عن العصبية الشديدة فلم يعد لدي طاقة أو رغبة في تحمل الآخرين وثورتي وحرق دمي من أشياء تبدو للآخرين بسيطة، كأن يترك شخص المناديل المستعملة في أي مكان غير سلة المهملات أو أن يقوم أولاد أختي الصغار بإحداث ضوضاء أو أن تقوم إحدى زميلات العمل بوضع كوب الشاي في مكاني فيترك علامة مكانه على مكتبي، وأشعر كأنني عجوز في الخامسة والعشرين.
أكره البيت ومن فيه وأكره الخروج منه، وأتمنى أن أعيش وحدي في هدوء في غير بلدي بعيدا عن كل من أعرفهم، ولعلكم تسألون ما هي الأسباب التي أوصلتني إلى هذه الحالة؟
الحقيقة أنني لا أعرف من أين أبدأ؟ ولا كيف أبدأ؟ وقد أنهكني هذا الحديث الطويل عن معاناتي؛ فأرجوكم ساعدوني؛ لأنني ومنذ سنوات أفكر في الموت لولا خوفي من الله ورحمته علي من أن أقع في هذا الزلل.
أشعر بالذنب حين لا أستطيع تأدية سنن الصلاة، وأشعر أنني مذنبة لأنني أشعر بكل هذا على الرغم من أنني أصلي وأذهب لحلقات حفظ القرآن، ويقول الناس إن المؤمن لا يجوز أن يصاب بالاكتئاب؛ لأن هذا من ضعف الإيمان. كنت أتمنى وما زلت أن أتزوج ممن يحتويني ويحن علي، إلا أنني الآن أشعر بأنني إنسانة محطمة النفسية والمشاعر، ولا أستطيع حتى إن ظهر زوج مناسب أن أقيم حياة أسرية سليمة؛
فكيف لفتاة محطمة الأعصاب والهمة أن تفعل ذلك؟
وشكرا جزيلا
16/12/2004
رد المستشار
الأخت العزيزة أهلا وسهلا بك على صفحتنا استشارات مجانين ، وشكرا جزيلا على ثقتك، نتمنى ألا يطول ترددك في تنفيذ ما نرشدك إليه مثلما طال ترددك في الكتابة إلينا، خاصة أنك كما وصلنا من الأعراض التي ذكرتها تعانين بالفعل من الاكتئاب الجسيم، وإن كنا لا ندري إن كان وحده أم أن هناك تواكبا مرضيا مع اضطرابات نفسية أخرى.
لم تحددي لنا منذ متى بدأت معاناتك، وهل الاكتئاب الجسيم الذي تعانين منه الآن جاء على غير سابق من عسر مزاج مثلا؟ وهي الحالة التي نسميه فيها بالاكتئاب المضاعف Double Depression ويمكنك الرجوع إلى إجابتينا السابقتين على موقع مجانين :
عسر المزاج ، والاكتئاب
الاكتئاب الدائم أم عسر المزاج ؟
وأهمية معرفة ما إذا كان اكتئابك حادثا من غير عسر مزاج سابق هي تحديد نوعية العلاج الذي تحتاجين إليه؛ لأن الحاجة للعلاج النفسي المعرفي ستكون ملزمة في حالة كون اكتئابك من النوع المضاعف.
وأما ما تجب الإشارة إليه بعد ذلك فهو أن المفهوم الذي يكمن وراء قولك في إفادتك: "ويقول الناس إن المؤمن لا يجوز أن يصاب بالاكتئاب؛ لأن هذا من ضعف الإيمان"، فإننا نرد على ذلك دائما بأن هذا مفهوم خاطئ شائع، والصحيح هو أن الاكتئاب الجسيم يسلب الإيمان إذا استمر واشتد وطال وصاحبه لا يطلب العلاج.
وأما الأعراض التي تصفينها فهي بالفعل تشير إلى معاناة طويلة مع الاكتئاب الممزوج بالقلق، ربما، وأعراضك السلوكية والجسدية والمعرفية كذلك تشير إلى نفس الاتجاه.
ومهم أن تعرفي أن الكلام عن الأسباب سيكون مفيدا جدا في حالة بدايتك برنامج العلاج النفسي المعرفي،
لكن الأسباب أيا كانت لا تؤثر في اختيار الطبيب النفسي المعالج للعقار المضاد للاكتئاب الذي ينصح باستخدامه؛ لأن العقاقير التي تعمل على تحسين المزاج إنما تعمل عملها ذاك من خلال إعادة التوازن بين كيماويات المخ المختلفة، وهي كلها لا تسبب الإدمان ولا التعود.
وأرجو ألا تستغربي كيفية تأثير المادة المحسوسة على المعاناة النفسية،
وتذكري حديث رسول الله الذي أشار فيه إلى قدرة التلبين على إزالة الغم من النفس، حيث يقول صلى الله عليه وسلم: "التلبينة مجمـة لفؤاد المريض تذهب ببعض الحزن"، قال ابن القيم في شرحه: "التلبين هو حساء متخذ من دقيق الشعير بنخالته، وهي تذهب ببعض الحزن بخاصية فيها من جنس خواص الأغذية المفرحة، فإن من الأغذية ما يفرح بالخاصية" انتهى كلام ابن القيم.
والأدوية مثل الأغذية، فمنها ما يذهب الحزن والغم دون أن يكون فيها محظور شرعي، وقد قال صلى الله عليه وسلم: "ما أنزل الله داء إلا أنزل له شفاء علمه من علمه وجهله من جهله"، وقال صلى الله عليه وسلم: "عباد الله تداووا ولا تداووا بحرام".
ولما كنت قد أشرت إلى وجود ما تعتبرينه أسبابا لمعاناتك مللت من الحديث عنها ولا تعرفين من أين تبدئين، فأنا أستطيع استنتاج وجود مشكلات حياتية مزمنة ربما أسرية وربما غير ذلك، وأنا أعرف أن الشيطان سيوسوس لك بأنه لا فائدة من علاج المرض النفسي دون حل للمشكلات الحياتية،
فإنني أتمنى أن تصححي ذلك المفهوم المغلوط لديك، والشائع أيضا عند كثيرين من الناس، بقراءتك لما يقودك إليه الرابط التالي على صفحة الطب النفسي شبهات وردود على موقع مجانين: لا فائدة من علاج المرض النفسي دون حل للمشكلات الحياتية
إذن فقد عرفت أن لديك على الأقل اضطرابا نفسيا مزعجا ومؤلما اسمه الاكتئاب الجسيم، وعرفت أن عليك كمسلمة أن تطلبي العلاج من اكتئابك؛ لأنه لا يجوز الرضا بالمرض والقعود عن السعي في طلب العلاج مثلما لا يجوز للعطشان أن يقعد عن طلب الماء باعتبار العطش قدرا قدره الله.
وأخلص من ذلك إلى أن عليك أن تتوجهي بعد استخارة ربك إلى أقرب طبيب نفسي يقدم لك العلاج المناسب لحالتك؛ فالأمر بسيط، ولا يحتاج إلى إجراءات خاصة، وأنصحك بأن تقرئي ما يظهر تحت العناوين التالية؛ لأن قراءته ستفيدك في العملية العلاجية إن شاء الله، فقط قومي بنقر ما يلي:
مالخروج من الشرنقة للشمس والزهور م
نسأل الله أن يزيل عنك همك، وأن يهديك إلى طريق الصواب، وأن ينعم عليك بالزوج الصالح، وتابعينا بالتطورات الطيبة .