قالوها فصدقها: بؤس الفهم الشائع للرجولة
عندما قرأت رسالتك..بكيت ....
منذ عدة أعوام...حاولت أن ألملم أفكاري, وأن أراجع ما تعلمت وما فهمت في الحياة...وحاولت أن أجرد أسئلتي...ووجدت ساعتها أن سؤالين..يدور كل شيء( في ذهني على الأقل) حولهما:
لماذا يؤذي الإنسان (بقصد أو دون قصد)... إنسانا آخر......ولماذا يحطم المجتمع ( أي مجتمع وليس مجتمعي فقط) أحلام أفراد ويكبتهم ثم يمسخهم...... مع أننا عندما خلقنا المجتمع لم نكن نقصد ذلك (نوعا ما) ؟؟؟
بدا لي وقتها...أنها كأسئلتي العادية...والتي سألمس بعض الإجابات عنها قريبا.... وبدا لي أنه المزيد من القراءة في العلوم الاجتماعية والإنسانية.. سيمدني بالمزيد من الإيضاحات والأجوبة والتفسيرات .......ولكن القراءة ... التأمل .والإخلاص.... لم تزد الأمور إلا تعقيدا، وبدلا من التفسيرات... خلقت الأجوبة مئات الأسئلة والتأملات ...أدركت لاحقا أن هذان التساؤلان... في الحقيقة (كأسئلة أخرى عديدة... وكمعظم بديهيات الحياة!) لم تكن أبدا من أجل إجابات واضحة أو تفسيرات كاملة... أو تصورات أحادية نهائية .
وأدركت أنني لن أجيب عن هذه الأسئلة إلا بالحياة نفسها... بالتفكر.. والتأمل والإخلاص والتي يحميهما ويرعاها...المطلق الإلهي... فكما يرعى الآلة الكون... يرعى(بما فيه) البشر !!! على كل حال..ربما سنفهم.. وربما سنكون قد حاولنا وكنت قد انشغلت قليلا.. فنسيت هذان التساؤلان... ولكنها الحياة.. بمداخلها ومخارجها.. توازناتها انفعالاتها ومشاكلها...هي التي تعيد النبش في الماضي وفي الأفكار... وتبعث في النفس ذروة التفكير والتأمل والرغبة في الفهم والحياة...وتعيد دائما هذان التساؤلان إلى نفسي وذهني. بكيت... ثم ابتسمت....
فقد أدركت أن هذi الدموع في عيني ...ستكون في نظر الكثيرين: ضعف وخنوع...وقلة رجولة...بينما أراها أنا سمو الرجولة وبداهة الإنسانية... أن نُقدر ونَفهم ونتفاعل مع مشاعر الآخرين وأفكارهم ووجهات نظرهم وأحوالهم...هي بالنسبة لي رجولة وتصرف أنساني....وهو لي كمسلم أساس عميق ومفهوم فاصل في الحياة والآخرة... لقد تعلمت في الفقه... ومن الحياة ...ومن الطبيعة ولا أدري كيف نسينا حديث النبي عن الدموع ...وأنها رحمات تتنزل على الأرض ...لكنها الحياة يا صديقي.. نسمي أسماء ونعبدها نخلق النماذج... وتسيرنا... ونمشي كالبلهاء والمسوخ في هذه الحياة... نتشدق ببعض ألفاظ الإنسانية وأشكال الرجولة وتطريز ورسومات الدين...
ثم وباسم الرجولة والقوة والتماسك...نقهر مشاعرنا ومشاعر الآخرين... ونعذب أنفسنا ونعذب الآخرين.... ثم نرجع ```بعد ذلك ونتساءل.. أين الخلل. .وما الذي حدث (بعد أن ندعي أننا يقينا بالمنهج التزمنا وعلى السنة و"التفسيرات الغير سائغة" استهدينا.... وطبقنا الحروف والهمزات ..وبالشريعة العصماء... اعتصمنا)!!
إنه الوأد يا أخي.. أتذكر وأد البنات أيام الجاهلية.. مرحبا بك يا صديقي في عالمنا...فلقد تطورنا... وبدلا من ذلك..أصبح عندنا وأد الرجال (وأسبابنا لطيفة جميلة:: كالرجولة والشهامة والشجاعة والجدعنة) وعندنا أيضا وأد النساء (وبأسماء أشد لطفا... كالأنوثة والحشمة والعقل الناقص.ومسؤولية المنزل وطاعة الزوج والضلع الأعوج ).......لا أدري هل يجدي ما أقول أم لا ؟ أحاول.... لكنني أدعوك... إلى أن تخرج للعالم..وأن تكن أنت... وأن تبحث بإخلاص وبهذا الحب الأبدي للحقيقة وهذه الرغبة المقدسة في أن تدرك نفسك وذاتك...
أدعوك أن تبحث في هذه الحياة عن المعاني والأشكال والأفكار ..المطلق والنسبي.... وأن تحاول أن تفهم وأن تكن أنت ...وأن تتغير.. أنها محاولات الإخلاص (والتي هي صعبة ...كيف ندرك الإخلاص ؟ أو أن ندرك كيف نحن منه ؟) هي التي تعصمنا.... والله هو الذي أخبرنا أن محاولاتنا الصادقة عنده محاطة بالرعاية والحب (إذا اقترب عبدي إلى شبرا تقربت إلىه ذراعا وإذا تقرب إلى ذراعا تقربت إلىه باعا وإذا أتاني يمشي أتيته هرولا) أو ما معناه.. ولذا فالخطأ عنده (الله) إن ارتبط بالإخلاص والرغبة الحقيقية في المعرفة... في الإدراك... تتحول إلى إضافة وإلى خير.
لأنها (أخطائنا- في سياحة الحياة والبحث عن الحقيقة) في رعايته ونماه (فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنت وكان الله غفوراً رحيماً)... فلا تخاف من أن تكن أنت... وعندما تبحث وتتأمل..كن أنت....كن أنت بكل ما فيك....وتحمل مسؤولية ذلك.. وحاول أن تشرح للناس تأملاتك وأفكارك وبحثك... أبحث داخل نفسك....وإذا وجدت أنك شاذا (أو رجل أو امرأة أو حتى كائن فضائي)...فلتكن.. ولتفهم لماذا...وتستمر في محاولات الفهم... ثم وللتحمل مسؤوليته ومعانيه....ثم فلتستلهم معونة الإله ...فكم هي زهيدة الأثمان التي ندفعها من أجل أدراك الذات.... وكم هو صعب أن نكون مسخا أن يكون الإنسان هو "الآخرين".
أبي الحبيب ابن عبد الله
تحية إلىك.... أعلم أن ملف الرجولة موضوع متعدد الأبعاد...وملفاته كثيرة ...لكنني في الحقيقة في ذهني بعدا ما .رأيت أن أتحدث عنه...فقد سألت نفسي...هل نستطيع أن نتحدث عن الإنسان الرجل... ونصف الإنسان بالرجل.. ونحن أصلا لا نستطيع أن نحدد هل هذا الكائن: إنسان....
ألا ترى أنه أشق علينا من محاولة فهم أبعاد الرجولة الغائبة ..محاولة فهم الإنسانية وأننا بدل من أن نسأل كيف يكون الإنسان رجلا... ربما علينا أن نسأل كيف يكون الكائن ..إنسانا ؟؟ مبعث سؤالي ليس فقط غياب الإنسانية ولكن في محاولتنا لتحليل مفهوم الرجولة ...نحاول فهمه دائما عندما نضعه في أطار الرجل والمرأة.... وبغض النظر عن معنى الرجولة وأنه أوصاف تناسب المرأة كما الرجل ...
فأظن أن هذا يحدث حتى بدون أن نشعر وفي أعماق عقولنا ..بينما الأمر أعمق من ذلك.. فمن خلال النمو البشري... يبدأ تكوين الرجل وتكوين الأنثى وتكون الإنسانية والمعاني الرابطة بين الإنسانية وتكويننا ضائعة ضبابية متناقضة ...فيبدأ الشكل والتكوين ...في البحث عن المعنى... وتحدث المأساة.... وينفصل المعنى (فالمعني لم يتكون والروابط غير موجودة) عن التكوين أو الشكل (والذي لا يكون إلا بمعنى ما).
ونجد للرجولة أشكال ا(سواء كانت فعلا جنسيا ما... أو إعفاء لحية... أو ضرب زوجة... أو قتل نفس) تنضح من هذا الانفصام... ولا أقول أن المشكلة في الشكل أو في التكوين في حد ذاته ...لكن أتحدث عن المعنى الذي يخلقه يزرعه....ثم يجعله بداهة...
ثم يحاول أن يخرج من التناقضات الفطرية الموجود بين الشكل والمعنى الغير مرتبط إلى تناقضات جديدة.... لأنه لا يريد البحث عن المعنى الأصلي...... والتي إن وجدناها نستطيع أن نمد التكوين والشكل بالمعنى الإنساني الأصيل... والذي سيشكل ببداهة وتلقائية المعنى المناسب للتكوين والشكل. وهذا ربما يمتد بنا (أو بي على الأقل) إلى نفس التساؤلات حول الأنوثة ومعناها أشكالها...
وأخيرا... فقد جربت اليوم الرجوع من عملي بأتوبيس النقل العام..وبينما كنت أقف منتظرا النزول في محطتي ...وجدت أمامي شابين...يحكي أحدهما للآخر عن خناقة عظيمة ..ودماء سالت...ورجال شجعان أفنوا حياتهم ووقتهم... ثم يبدأ في وصف أسلحة الخناقة من مطاوي وسنج وطبنجات...ثم يصف له سنجته الأسطورية: طويلة, قوية حادة.. .بينما يتعجب الثاني..... ويسأل كيف أستطاع ألا يخاف من البوليس ومن مشاكل الخناقة..... فنظر إليه الأول بعمق...وأمسك بيده مسكة الناصح الأمين ثم قال كما يقول الدرويش الهائم: ربك يسهلها... طول ما فيه رجالة... طول ما في جدعان..يبقى ربك ستار ويدبرها....
فكرت ما الذي يجب أن أدعو به الله في هذه اللحظات...
ضحكت مجلجلا... فقد دعوت الله ألا أكون رجلا جدعا!!!! ... وألا أكون متدينا!!! على طريقة: القتل جدعنة، ثم ربك ستار
20 ديسمبر 2004
رد المستشار
الذكورة عكس الأنوثة فهل الإنسانية= الرجولة ؟
شاهدت الليلة فيلم "فهرينهات 1109" للمخرج الأمريكي "مايكل مور"، وهو الفيلم الذي أثار ضجة كبيرة عند عرضه في مهرجان كان الأخير، وحصل علي جائزته الكبرى ليكرر حدثا نادرا وغير معتاد في مهرجان سينمائي للأفلام الروائية حين يمنح الجائزة الأولي لفيلم وثائقي الفيلم نقدي وتهكمي من النوع الثقيل ويدور حول "بوش" وعلاقاته بالعائلة الحاكمة وعالم الأعمال والنفط في السعودية،
وكذلك يتحرك في بعض كواليس الحرب علي العراق والتي تواصلت كما نعرف جميعا باحتلاله، والفيلم مبذول فيه جهد كبير جدا في التوثيق والانتقاء وجرأة الطرح، وقد ذكرني أنه لا ينجح إلا الجادون، وأننا قليلا ما نجد ونجتهد، ولذلك فإن حصادنا هو قبض الريح في غالب الأحيان.
لكنني أيضا فكرت أننا لم نستفد من كثير المعارضة التي لاقاها الرئيس الأمريكي "بوش" داخل بلاده، والتي كان الفيلم من أهم أسلحتها وخطواتها، ولكن قصور أدائنا كعرب ومسلمين داخل وخارج الولايات المتحدة والأداء العلمي والتنظيمي المتفوق للجمهوريين بأجنحتهم المختلفة وعوامل أخري ساهمت في حسم النتيجة النهائية لفترة ثانية رغم اتساع حجم المعارضة لتصل إلي نسبة وحجم غير مسبوق – ربما – في تاريخ الانتخابات الرئاسية الأمريكية،
وأحسب أن الاختلاف الذي يصل لحدود الانشقاق مازال موجودا في المجتمع الأمريكي، وإن كنا نبدو عاجزين –وسنظل– عن استثمار هذا المناخ لأن البنية التحتية والقواعد الأساسية المطلوبة لانطلاق عملنا وجهادنا المدني الواسع، هذه البنية وتلك القواعد تبدو مفقودة!!! وأول هذه المفقودات هو الإنسان ذاته؟!!
نبشت رسالتك في دماغي فذكرتني بحفريات فكرة شغلتني لفترة سابقة وملخصها أن الناس –ونحن منهم– نفتقد الكثير من الأسس الجوهرية لنكون أناسا أي بشرا تتوافر فينا شروط الإنسانية الحقة !!!
نعم نأكل ونشرب وننمو ونتكاثر ونبول ونتغوط، ونتعارك ونتصافى فهل في هذا كله ما يجعلنا بشرا؟!!
أليست البهائم أيضا تفعل هذا؟!!
لكن البهائم لا تقوم بالعمليات العقلية الكبرى من تفكير وشعور مركب ولغة راقية متطورة وابتكار واختراع ..........الخ، ولكن إذا تمهلت وتأملت: كم ستجد منا القائمين بهذه العمليات ؟!!
مثلا أنظر حولك واحسب عدد من يفكرون قبل أن يتكلموا أو يتصرفوا أو يصدروا رأيا في الحياة اليومية أو حتى الأوضاع السياسية، وحاول أيضا حساب عدد الذين يشعرون بغيرهم فضلا عن مساندتهم إذا احتاجوا، أو حساب عدد من يتذوقون الفن الراقي ويستطيعون إدماجه في تكوينهم ليصبحوا أكثر تحضرا وحكمة وإنسانية!! وباختصار أنظر حولك واحسب عدد من يمكن أن يستحقوا وصف "إنسان" ذكرا كان أو أنثي، كم ستجد ؟!!
وشغلتني وقتها الإجابة علي سؤال كيف يعود الإنسان عندنا إنسانا ؟!!
كيف تساعد الإنسان فينا ؟!!
وهو ما أسميته عندها: "أنسنة الإنسان"، وقد توفرت له خبرات متنوعة غير العقدين الماضيين جعلتني موقنا أن مناهج التربية والتعليم، والتنشئة والتكوين عندنا تحتاج إلي تصحيح يقترب من الانقلاب أو الثورة لأنها لا تكاد تنتج إلا الغثاء والهباء والهواء، والإنسان الذي فؤاده هواء، ودماغه غباء، وشعوره إحباط واكتئاب وتعاسة حتما سيحطم نفسه وغيره، والمجتمع الذي يتنفس هذه الملوثات حتما سيصاب بالدرن والسرطان الثقافي والاضمحلال والانحسار، وسيكون مصدرا للمزيد من التدمير لمن يعيشون فيه.
ومعترض أنا علي من يتصورون الكون كما لو كان آلة لأن التصور الميكانيكي للعالم لم ينتج إلا البؤس، والكون أكثر تركيبا وتعقيدا ومفاجآته لا تنتهي كما الإنسان والحياة، وهنا بالتحديد يكمن دورنا.
وربما تكمن البداية الصحيحة في وقف المراهنة علي السياسة بالمعني المباشر أو الكبير، فالطاقة الإبداعية والبنائية لدينا مبددة بين إرضاء سلطة ذوات المبدعين من ناحية، ولعن الحاكمين من ناحية أخري، وكلاهما هشيم تافه.
ولو أننا طرحنا علي أنفسنا سؤال الإنسان وبرنامج تكوينه ليكون سليم العقل والنفس والدين، نافعا لنفسه ووطنه وأمته، مرهف الحس، عالي الهمة، مستقر اليقين، تزول الجبال ولا يزول.
إذا أحصينا الخرافات والكوارث التي نعيشها ونتداولها ونتواطأ على تمريرها باسم الدين أو باسم غيره، ووضعناها تحت أقدامنا –فهذا مكانها– ونشرنا بين الناس غيرها مما هو أصل في ديننا وثقافتنا وحضارتنا، ولو أننا تفاعلنا مع غيرنا حتى نتعارف ونتعاون، ونتعلم من كل إنسان ما لديه من حكمة وخبرة وتجربة،
ولو أننا من قبل ومن بعد تدبرنا هذا القرآن الذي بين أيدينا، نقبل عليه بالإصغاء والتحليل والاستيعاب والسؤال الملح، ولو أننا نجحنا في كبح جماح المادية وتجلياتها المتنوعة في حياة العالمين –ونحن منهم– ولو استطعنا إحياء الربانية في حياتنا، والناس جميعا يحتاجونها،
ولو أفلحنا في بدء حوارنا المستمر الدءوب في كل زاوية مكان ومسألة فهم ووقت فراغ، ولو ربطنا ما انقطع بيننا وبين الله سبحانه وتعالي من صلات روحية ووجدانية وتأملية، وعملية، ورتقنا ما انقطع بيننا ومن حولنا من صلات ود وتراحم وتعاون علي البر والتقوى.
ولو أنجزنا هذا لأصبحنا قوة نفسية وعملية لا يمكن إلا أن تجبر كل مثال لقاهر ظالم مستبد علي أن يقف عند حده، ويقف عن إصدار إشارة البدء لمتواليات الظلم وانتهاك الإنسانية التي تصدر عنه وتنقلها موجات الإرسال الاجتماعي فتصبح تدريجيا نهج حياة مستقر، ليس مستحيلا أن نستعيد الإنسان فينا... لكنها مسيرة تحتاج إلي جهد،
وشكرا لك.