السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
أشكركم على هذا الموقع الرائع، وفقكم الله إلى ما يحب ويرضى. أحب أن أعرض عليكم مشكلة أعاني منها الآن، وتكمن المشكلة في نفسي، وتتلخص في أنني مررت خلال سنة بالعديد من المصائب الكبرى التي أفقدتني كثيرا من نشاطي العلمي والعملي مثل فقدي (موت) أختي، وصنو حياتي ومعلمتي ومرشدتي وعكازي الذي أتوكأ عليه (فأنا معاقة أستعمل عكازين في السير).
وهذا بالإضافة إلى تعرضي لكسر في القدم جعلني أبتعد عن مجالي العلمي مرغمة لمدة ما يقرب من السنة، وقد كنت بحمد الله أملك الكثير من القدرات العلمية والعملية التي أوصلتني إلى الفوز بالعديد من الجوائز الدولية في مجال البحوث والاختراعات.
هذا المصائب تسببت لي في حالة من التبلد العقلي عندي لم أعهدها في نفسي أبدًا، لم أعد أرغب في عمل أي شيء رغم تكدس العديد من مشاريع الكتب ومشاريع البحث التي هي على وشك الإنجاز أو تحتاج مراجعة فقط، بل لم أعد أرغب في التدريس والتعليم، وهو الأمر الذي أحبه فوق كل وصف، وكنت أقوم به متطوعة في معظم الأحيان.
علما بأني أملأ وقت فراغي بالعمل الدعوي والاجتماعي، ولكن عملي العلمي بحاجة ماسة لي؛ فليس من السهل بناء قدرات علمية عالية المستوى لتبقي عاطلة أو لا تقدم شيئًا.
أحيانًا أقول لنفسي بأنه قد نضب معيني العقلي أقصد العلمي، ولكم أفاجأ بأني ما زال لديّ معين كبير من القدرات البحثية والعلمية، عندما أجد نفسي وجهًا لوجه أمام تحدٍّ أو أني مرغمة على العمل في ذلك.
ولكن المشكلة تكمن في طبيعة عملي، حيث لا أحد يملك أو يستطيع فرض أي عمل عليّ فإنني أنا التي يجب أن أحدد ما يجب أن أقوم به، وما يقوم به العديد غيري من الباحثين.
كيف أستطيع الخروج من هذا التشرنق الذي أنا به الآن؟
30/12/2004
رد المستشار
الأخت العزيزة..
أهلاً وسهلاً بك على موقعنا مجانين، وشكرًا على إفادتك التي أثلجت صدري كثيرًا، فبقدر ما آلمتني معاناتك بقدر ما شعرتُ بقوتك واعتيادك الكفاح، وهو ما جعلني أظن فيك من القوة (وأنت قاهرة الإعاقة الجسدية بفضل الله) ما سيجعل النهوض من كل كبوة أمرًا يسيرًا بإذنه تعالى.
رحم الله أختك، وجازاها كل خير عن الخير الذي قدمته لأمتنا من خلالك أنت تميزًا وتفوقًا وإبداعًا بإذن الله، وأتمنى من الله أن يتم علينا فضله جميعًا، ولها في ذلك صدقةٌ جارية بإذن الله تعالى، ولكن تذكري أنك أنت تعرضت أولاً لاضطراب التأقلم Adjustment Disorder في صورة رد فعل الأسى Grief Reaction بعد موت صنو حياتك، وغالبًا أخذ صورة الأعراض الاكتئابية، ثم تعرضت لاضطراب التأقلم مرة أخرى بسبب حادثة مؤسفة نتجت عنها إصابة مقعدة لمقعدةٍ أصلاً ولله الأمر من قبل ومن بعد، وهذا ابتلاء كبير يا أختي وقاسٍ، على أي من بني آدم، ولكنني أظنك برغمه قوية لا تزالين.
بعد كل ذلك أستطيع إعطاء انطباع مبدئي عن حالتك لأقول:
إن لديك ربما ما نسميه باضطراب الاكتئاب بين الخفيف والمتوسط الشدة، وإن تعلق فقط بالنواحي المعرفية الأكاديمية في حياتك، لا بالنواحي المعرفية السلوكية (الدعوية)، ولا أستطيع استبعاد تأثير عامل الأحداث الحياتية المؤسفة المتتالية في حياتك فلا بد أن لها دورًا فيما حدث.
وهناك أيضًا مما يعضد انطباعي ذلك، هناك ما أخمنه، ولم تذكريه ربما من الأعراض، فما ذكرته من فقد الرغبة والاهتمام بفعل التدريس الذي كنت تحبينه فيما مضى (وسيعود بفضل الله قريبًا)، بل وكنت تفعلينه متطوعة لوجه الله،
وأنا هنا أذكرك بما كتبته في كتابي نحو طب نفسي إسلامي في وصف ما قاله أبو حامد الغزالي وهو يعاني الاكتئاب في وصف ما كان يشعر به حين يجيء الناس له يطلبون منه العلم، وتجدينه مشروحًا أيضًا على الرابط التالي: من على موقع مجانين: المرض النفسي لا يصيب المؤمن القوي
هذا وإن كانت حالة الإمام أبي حامد الغزالي -رحمة الله عليه- كما يفهم أشد من حالتك بكثير، وأما ما لم تذكريه ويكمن غالبًا خلف أعراضك فهو فقدك للاستمتاع والتلذذ بما كنت تفعلينه في مجالاتك البحثية والعلمية، وهو الذي يفقدك الرغبة في الفعل وكذلك الاهتمام به.
أرى أنك تحتاجين بصدق إلى تقوية إيمانياتك أولاً وقبل كل شيء، وأنصح بالإكثار من ذكر الله سبحانه، ففي ذلك ما يعصمك من كل زلل إن شاء الله، ثم أنصحك باستخارة ربك في عرض نفسك على طبيب نفسي مسلم يحدد لك بالضبط إن كان انطباعنا المبدئي عن الحالة وعن شدتها صحيحًا أم لا، وأي أنواع العلاج سيفضلها وتفضلينها أنت لعلاج الاضطراب.
وأرى من المفيد أن تقرئي الروابط التالية عن الاكتئاب وعن عسر المزاج أيضًا من على مجانين:
الاكتئاب الدائم أم عسر المزاج ؟
الاكتئاب المتلصصُ في الغربة
االاكتئاب والقلق: الأعراض الجسدية
وأعتقد أنني إن شاء الله سأتلقى منك متابعة مبشرة في القريب العاجل، ونحن في انتظار عودتك إلى مستواك المشرف قريبًا بفضل الله عز وجل