السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أحييكم على هذا الموقع الأكثر من رائع، وأشكركم جزيل الشكر على ما تقدمونه للبشر من ثقافة ومعلومات وأفكار رائعة.... لكن وبصراحة إيماني بالله أصبح يتزعزع؛ فرجاء الرد على هذه الأسئلة حتى لا أفقد إيماني بالكامل.
أنا أخاف ربي وأعبده حق العبادة (صلاة-صوم- زكاة....). ولكن أنا الآن أمر بظروف صعبة للغاية، ومن المفروض أنني مسئول مسئولية كاملة عن عائلتي وهم 4 أفراد، وأصبحت مديونياتنا أكثر من 16 ألفا، ولدينا منزل أبحث عن بيعه، ولكن دون جدوى؛ حتى إنني رخصت من ثمنه لتيسير بيعه، ولكن دون جدوى، وتركت عملي وتركت أيضا خطيبتي، وأظن أنه لا بشر قط يستطيع أن يتحملها.
وأقول: "إن فرج ربنا قريب" لمدة 6 أشهر، وأدعو الله بفرج الحال بإخلاص، ولكن دون استجابة، وأصبحت الآن لا أستطيع التحمل؛ لأنني لا أرى أي ضوء للأمل، وأستند في قولي هذا إلى آخر سورة البقرة {لا يكلف الله نفسا إلا وسعها}، وأرى هذا ما أستطيع تحمله؛ لأنني ليس معي فلوس لتكملة التزامات الحياة...
والآن أسألكم وأسأل نفسي أكثر من سؤال، وأريد الإجابة من خارج القرآن، وإقناعي بالدليل العقلي: هل الله موجود؟ ومن هو؟ ولماذا نحن مسلمون؟ هل لأن آباءنا مسلمون (وراثة).
نحن -المسلمين- نبرهن على رسالتنا، وأن ديننا على حق بواسطة إعجازات القرآن العلمية، هل رأينا قدرة الله؟ لا أقصد ظهور الشمس والقمر وخلافه، ولكن الذي يعبده يراه أو تظهر كرامات له أو كل ما يطلبه في حدود المعقول يأخذه؟
كل مَن كان بمفرده (مثلا كل مدير أو صاحب عمل) عندما يتسع نشاطه يظهر بعض الخلل في هيكله التشغيلي من ناحية إدارة وتنظيم وتطوير.. فهل الله غير قادر الآن على إعادة تنظيم هيكله لإدارة الكون؟ إذا كان الله يتوعد الكافرين بعذاب أليم.. فلماذا لا نرى هذا العذاب في دنيانا حتى نتعظ من ذلك ونؤمن بقدرة الله؛ فمثلا في العراق وفلسطين وغيرهما يموت كل يوم من نقول عنهم أبرياء وإنهم مسلمون وإنهم سيدخلون الجنة؛ لأنهم شهداء.. فلماذا عدم القصاص الآن؟ (هل اليوم عند الله بسنة مثل يوم الحكومة؟).
هل توعدنا بدخول الجنة عند زهدنا في الدنيا واستشهادنا؟ أليس هذا غباء؛ لأننا لم نر أي هذا وسمعناه عن طريق بشر مثلنا؟ الأفضل أن نستمتع بدنيانا جيدا؛ لأنني لا أعرف ما سيحدث غدا كما يقال في الأمثال "عصفور في اليد خير من 10 ع الشجرة"؟ هل كل ما نسمعه عن الرسول والقصص المذكورة في القرآن ما هي إلا مجرد قصص لا أصل لها بدليل أننا من الممكن عمل كتاب قصص أو إصدار بعض الشائعات بشكل قصصي وتوارثها، وبعد 1000 سنه ستصبح حقيقة مثلا (قصص لعنة الفراعنة بأشكالها، وقصص أبو زيد وغيرها من القصص الشعبية...)؟
كل هذه الأسئلة ظهرت أمامي وغيرها لقوله {لا يكلف الله نفسا إلا وسعها}، وأرى أن هذا أقصى درجات تحملي بالرغم من أنني مطيع له، ولذلك فأنا الآن تركت الصلاة وباقي العبادات إلى أن أرى برهان ربي؛ لذلك هل ربي هو رب المسلمين أم غيره؟
برجاء الرد على هذه الأسئلة أو إقناعي بأن دين الإسلام هو الحق وليس غيره.
30/12/2004
رد المستشار
الأخ الكريم أهلا وسهلا بك على مجانين، كلماتك ليست غريبة عليَّ فأنا أذكرُ أني إما سمعتها من قبل من أحد مرضاي، أو أجبت عليها من قبل عبر الإنترنت، ربما من خلال صفحة مشاكل حلول للشباب، وأحسب أن الاحتمال الثاني أقرب وسأبحث الآن لأتأكد، ولكن قل لي ما معنى ذلك؟؟ هل أنت ما زلت تنتظرُ إجابةً لأسئلتك هذي؟ إن اكتئابك يا أخي أشدّ من أن تصبر عليه بهذا الشكل، عليك أن تتحرك قبل أن تضيع!
إذن هو الاحتمال الثاني فلقد أجبت على استشارتك هذي على مشاكل وحلول وظهرت الإجابة بتاريخ 14/7/2004 وكانت تحت عنوان: الاكتئاب يسلب الإيمان ويفتح للشيطان!
وقلت لك فيها ما نصه: الأخ الكريم أهلا وسهلا بك، رغم أنك أرسلت استشارتك إلى باب "استشارات دعوية"؛ فإن الإخوة هناك رأوا في سطورك الإلكترونية ما يشير إلى يأس وإحباط زائد عن الحد؛ حتى إنه يكاد يودي بك في ما لا تحمد عقباه؛ فأحالوا استشارتك إلي، وأسأل الله أن يهديني إلى توضيح اللبس الذي تعاني منه، وإرشادك إلى الطريق الصحيح للخلاص والصلاح والفلاح إن شاء الله.
بدأت المشكلة بضائقة مالية شديدة الوطأة عليك، خاصة وأنت مسئول عن الأسرة، وكان أن طالت تلك الضائقة ولم يتيسر الخروج منها بعد، وبالتدريج يا أخي الكريم تعاظم إحباطك حتى وصلت إلى الاكتئاب، ورحت في ظل اكتئابك وفقدانك الأمل والثقة تتساءل عن كل ما أنت مؤمن به بما في ذلك رب العباد جل جلاله! وليس غريبا على طبيب نفسي أن يجد من يصف نفسه في أول إفادته قائلا: "أنا أخاف ربي وأعبده حق العبادة ( صلاة - صوم - زكاة ....)"
وقد سقط في غياهب الاكتئاب حتى يقول في آخر إفادته: "ولذلك فأنا الآن تركت الصلاة وباقي العبادات إلى أن أرى برهان ربي لذلك هل ربي هو رب المسلمين أو غيره..."، أستغفر الله العظيم.
بينا من قبل كذب المفهوم الشائع القائل بأن: المرض النفسي لا يصيب المؤمن القوي، ووصفنا الاكتئاب الجسيم: عندما يسلب الإيمان، وكذلك أشرنا على صفحة مشاكل وحلول للشباب، إلى معاناة أحد قممنا الإيمانية من الاكتئاب في إجابة أبو حامد الغزالي يعاني الاكتئاب،
ونخلص من ذلك كله إلى أن قابلية الكائن البشري للوقوع في براثن الاكتئاب هي قابلية عامة إلا من عصم ربي سبحانه وتعالى، ولكن أهم ما أود مناقشته معك هو كيف يسلب الاكتئاب الإيمان؟
الحقيقة يا أخي أن جوهر الاكتئاب.. هو أن تفقد الأفعال طعمها، وأن تصبح الأشياء التي تمتعنا بلا طعم ولا معنى، وعندما يكون إنسان في هذا الوضع النفسي تصبح قدرته على مقاومة وساوس الشيطان أقل بكثير مما هي في العادة؛ فإذا بالأسئلة التي تشبه أسئلتك تلك تتزاحم في وعيه، وإذا به يستسلم لها،
وكثيرا ما يشعر بعد فترة من فقدان الشعور بحلاوة العبادات بعدم جدواها، أو بالرغبة في التكاسل عنها وبعضهم -ودون اشتراط وجود أزمات مالية كما في حالتك- يبدأ بالتشكك في غوث الله ورحمته، وبعضهم ينزلق إلى ما انزلقت إليه، وأنت تنتظر برهان ربك بعد أن تركت عماد الدين!!
وأما ما هو لافت للنظر في إفادتك هذه فهو ذلك التضخيم لقيمة أعمالك الدينية فأنت تقول: "ولكن الذي يعبده يراه أو تظهر كرامات له أو كل ما يطلبه في حدود المعقول يأخذه؟".. من قال ذلك؟ وما هي العبادات أو المراتب العالية في العبادات التي فعلتها أنت وتطلب الكرامات لأجلها؟ هل لأنك من الأشراف مثلا؟ أم لأسباب لا نعرفها؟ أستغفر الله العظيم، يا أخي لا يجوز أن نمتنّ على الله بأعمالنا، ولا أحد يرحمه عمله، وهذا مفهوم إسلامي معروف.
ثم تقول أيضا: "{لا يكلف الله نفسا إلا وسعها}، وأرى أن هذا أقصى درجات تحملي بالرغم من أنني مطيع له".. أليس المؤمن معرضا دائما للابتلاء من الله؟ ألم يقل سيد الخلق عليه أفضل الصلاة والسلام: "عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن؛ إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له" صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم ما هي أقصى درجات التحمل؟ وأين أنت من نماذج وصنوف ابتلاء المسلمين الصابرين على مر الزمن؟
ولنعد بعد ذلك إلى الكيفية التي يسلب بها الاكتئاب الإيمان (وأنبه هنا إلى أنه ليس كل اكتئاب يسلب الإيمان، وإنما نتكلم عن الاكتئاب الجسيم من النوع الشديد الشدة Major Depression, Severe، بل إن الإيمان برب عادل رحيم رحمان يفيد في علاج الاكتئاب الجسيم خفيف أو متوسط الشدة)،
فعندما تصبح النظرة سوداوية لكل شيء، والمشاعر مستاءة من كل شيء، والأفعال بلا أي رد فعل إيجابي، يفقد الإنسان بالتدريج أهم ما يربطه بالحياة على الأرض، فتقل قيمة النفس في نظره، ويقل إيمانه بربه، ويبدأ بالتكاسل عن العبادات وربما -خاصة إن كان ذا شخصية تتسم بالتحدي والثورة مثلما أخمن- ترك الصلاة لا تكاسلا وإنما شكا في قيمتها، وثورة على غياب رد الدعاء الذي ينتظره،
وعندما يحدث كل ذلك في زمن انحطاط الأمة (الأخير بإذن الله) والذي تداعت علينا فيه الأمم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها تذكرني تساؤلاتك عن شهدائنا في العراق وفلسطين والشيشان وأفغانستان، وباكستان... بقلة من أعلنوا ارتدادهم عن الإسلام في بعض البلدان الغربية عندما لم ينتصر الشيخ أسامة بن لادن أصلح الله حاله، والله هو المغيث من حال أمة كهذا الحال.
وأنت تقول أيضا: "وأصبحت الآن لا أستطيع التحمل؛ لأنني لا أرى أي ضوء للأمل، وأستند في قولي هذا إلى آخر سورة البقرة {لا يكلف الله نفسا إلا وسعها}، وأرى هذا ما أستطيع تحمله؛ لأنني ليس معي فلوس لتكملة التزامات الحياة..."، وفي هذا تلميح مستتر إلى فقدان الأمل في رحمة الله، وأخاف عليك من الأفكار الانتحارية يا أخي!
مكتئب أنت وفي قمة الاكتئاب، وقد أصبحت صيدا سهلا لوساوس الشيطان فرحت تجتر الأفكار التشكيكية والكفرية، لكن رحمة ربك وسعت كل شيء، فاستغفر الله، واتبع نصيحتي بأن تسرع بعرض نفسك على أقرب الأطباء النفسيين؛ لأنك تحتاج إلى علاج عقاري للاكتئاب، وربما أحد خيارات علاج الاكتئاب الأخرى،
وأتمنى أن تتابعنا بعد أن ينعم الله عليك بالتحسن، وأعد علينا ما لم نجبك عليه الآن من أسئلة إن كنت تحس بأنها ما تزال تدور في رأسك رغم انقشاع الاكتئاب واستعادتك لقدرتك على دحر الشيطان الرجيم -قريبا بإذن الله- فقط لا تبخل علينا بالمتابعة).
إذن فأنت تجيب على طلبي المتابعة بعد مرور ما يقرب من نصف العام بأن تكررَ إرسال الرسالة إلى استشارات مجانين، ثم لا تغير منها شيئا، فهل تحسبني في هذه المرة سأغير كلامي؟؟
الواقع أنك زدتني قلقا عليك بهذا الفعل سامحك الله، وهداك، وإذا بي أجدُ نفسي إما أن أكررَ لك ما قلته سابقا، أو أن أرسل إلى مستشار مجانين الفقهي والدعوي أخي الأستاذ مسعود صبري، ليكررَ ما حدث من استشارات دعوية في إسلام أون لاين من قبل،
فاستشارتك يا أخي الفاضل تختلف عن ما اعتاده من يتصدون للاستشارات الدعوية على الإنترنت لأنها تفيض اكتئابا ويأسا وانفلاتا من النوع الاكتئابي،(وهو انفلات المؤمن ضد ما يؤمن به حتى يصل إلى نفسه فيؤذيها)، لأنه لا يفقد الإيمان بربه فحسب وإنما بنفسه (ونفس المؤمن تستمد إيمانها بذاتها من إيمانها برب العالمين)،
ولذلك فقدر ما ينقص إيمانك بربك قدر ما ينقص إيمانك بنفسك، وحين توجدُ نزعات انتحارية لديك فإن الوضع يصبح خطيرا وخطر الانتحار جاثم يتربص بك، فتحرك واستعن بالله ولا تعجز، وتابعني بغير هذه السطور يرحمك الله ويهديك.