الحدية والذهاني
الحدية والذهاني 2- تعقيب
طبيبي العزيز المستشار أ.د سداد التميمي تحية طيبة وبعد، أشكرك على وجهة نظرك القيمة التي ساعدتني على رؤية الأمور بوضوح وتقييمها بشكل سليم. في الحقيقة إنه من الصعب جدا علي أن أثق بالأطباء لأنني شخصية كثيرة الشك والوسوسة في نوايا الآخرين دائما أشعر أنه هناك من يراقبني ويتجسس في أفكاري وأن عيون الآخرين تلحقني.
لكن أسلوبك في الشرح جعلني أشعر بالارتياح لسرد تفاصيل جديدة للمشاكل التي أعاني منها. خاصة وأنه طبيبي الذي ذهبت إليه كان يقاطعني ودائما يتفحص ساعته ليرى كم مضى من الوقت وكأنه قد مل من شكواي وقال لي أن شخصيتي حدية ولكن الغضب الشديد الذي أغضبه أوجهه إلى نفسي بدلا من الآخرين.
لقد عانيت منذ طفولتي من قسوة والدي وتقلب مزاجه الذي كان لطالما يحبسني في الغرف ويجعلني أذهب للنوم بدون عشاء كنوع من العقاب. كذلك كان عنيفا جدا جسديا تجاهي وأنا طفلة مصابة بإعاقة سمعية منذ الطفولة وأجريت فوق العشر عمليات للتخلص من أورام على الأذن. دائما تتردد في ذاكرتي هذه المشاهد المؤلمة لطفلة حزينة وخائفة سيئة الرائحة والمظهر تعاني من التنمر في المدرسة والضرب في المنزل.
تعرضت لتحرش مرتين أثناء الطفولة ولا أود استرجاع التفاصيل لكن أبي عندما أخبرته كان خائفا وصرخ في وجهي ولامني على التحرش الذي تعرضت له.
بعد ما رحلنا عن الوطن وتغربنا تركت منزل العائلة فور وصولي إلى السن القانوني وذلك بسبب رغبتي في بدأ حياة جديدة خالية من العذاب النفسي والجسدي. وافق أبي بشرط أن أسكن إلى جواره. ولكن على رأي المثل المصري: جت الحزينة تفرح ملقتلهاش مطرح.. أول سنة في دراستي الجامعية دخلت في علاقة فاشلة استنزفتني عاطفيا وقمت بإيذاء نفسي في الجامعة بسبب الضغوط المتزادة التي لا أعرف كيف أفرغها إلا في نفسي وطردت بأبشع صورة أمام الجميع وشعرت بالإهانة.
بسبب ضعف سمعي لا أتمكن من سماع الناس بشكل صحيح من يزيد من حدة الوساوس. جميع علاقاتي العاطفية مع أشخاص مشوهين ومرضى. لا أعلم ما الجزء من شخصيتي الذي يجعلني أنجذب لذلك. الشخص الذي أخبرتكم عنها في المشكلة السابقة كانت له ميول جنسية غريبة وسادية أحيانا وكان يطلب مني أن أفتح له الكاميرا وأؤذي نفسي له بأن أحفر إسمه على جسدي بالسكين أو غير ذلك وكان يشعر بالنشوة من ذلك أما أنا فكنت أشعر إنني غير موجودة وعقلي في عالم آخر. لكن كل ما يهمني أن أنام في الليل وأسمع منه كلمة جميلة ككلمة أحبك.
أعاني أيضا من اضطراب تشوه صورة الجسد واضطراب في الأكل. وزني ٣٩ تقريبا وطولي ١٥٣ سم. لا أشتهي الطعام وأجبر نفسي عليه. شهيتي جدا سيئة وأريد أن أصبح أصغر لكي أختفي ولا أخذ مساحة لا أستحقها في هذا العالم. مع العلم إنه اضطرابي الذي شخصت به: anorexia nervousa binge/purge subtype ولا أعلم ما الترجمة بالعربية. لكن باختصار أنا أقوم بتجويع نفسي كثيرا ثم آكل وجبات كثيرة بشراهة مجنونة حيث ألتهم الطعام في الخفاء مثل حمامات المطاعم أو في المنزل لكي لا يراني أحد ثم أحاول التقيؤ لكن غالبا لا أستطيع وأستخدم الملينات.
والشراهة هذه تكون شهيتي الحقيقية فيها معدومة تماما لكني آكل بشكل عاصف. كنت أسرق الطعام كثيرا لكي أستطيع تغطية نوبات الشراهة هذه. ولكن في غالب الوقت شهيتي سيئة. النوبات تتكرر مرة كل ثلاث أو أربع أسابيع وباقي الوقت طعامي قليل جدا.
أعتذر على الإطالة لكن لدي سؤال بسيط: ما هي المصادر التي ممكن أن أقرأها أو التقنيات العلاجية التي ممكن أن تنفع لوضعي أريد أن أكون طبيبة نفسي وأصبح إنسانة سليمة وطبيعية إن الطب النفسي مكلف جدا ولا أستطيع أن أغطي ثمن العلاج حاليا.
شكرا لك على صبرك وحكمتك في الرد.
تحياتي، إلينا
1/8/2021
رد المستشار
شكراً على متابعتك الموقع.
موضوع الاستشارة:
علاج الشخصية الحدية.
تعليق الموقع
اضطراب الشخصية الحدية بحد ذاته تحديا يواجه الطبيب النفساني، المعالج النفساني، والمراجع.
هناك لا عد ولا حصر لمنشورات ومقالات حول استعمال العقاقير واستعمال هذا العلاج النفساني وذاك، ولكن الحقيقة الذي يغفل عنها الكثير هو أن تأثير أي علاج مهما كان لا يتجاوز ١٠٪ في وصول المريض إلى خط النهاية والشفاء.
هذه الحقيقة الأخيرة مصدرها دراسات إحصائية دقيقة، وما تعنيه أن هناك عوامل اجتماعية وبيئية وشخصية تلعب دورها في رحلة العلاج، وربما مهمة العلاج تكمن في احتواء خطورة المريض على نفسه من جراء الاندفاع والتهور وإيذاء الذات.
كذلك الأمر مع العقاقير فدورها أقل أهمية في علاج الاضطراب ذاته وإنما علاج اضطرابات أخرى تصاحبه وحتى في هذه الاضطرابات دور العقاقير فيها محدود إلى درجة ما.
لا توجد إرشادات رسمية تستند على دراسات ميدانية يستطيع الموقع أو غيره التوصية بها، ولكن هناك توصيات عامة يمكن الحديث عنها في هذا المجال وفي حالتك هي ما يلي:
1- ظروف الماضي البيئية والعائلية والشخصية لعبت دورها في رسم سماتك الشخصية، ولكن شخصية الإنسان تتغير، وعملية التغيير بحد ذاتها لا تتوقف وإنسان اليوم غير إنسان الماضي والمستقبل. إيمان الإنسان بأهمية التغيير وتطوير نفسه في غاية الأهمية.
٢- ذكريات الماضي لا يمكن تغييرها ولا فائدة من وضعها في إطار غير الإطار الموجودة فيه. في نفس الوقت لا فائدة من حملها في حقيبة ومراجعتها بين الحين والآخر، ولا بد من القبول بأن ذكريات الماضي يتم حسمها فقط بوضعها في أكياس نفايات سوداء والتخلص منها وليس بتكرارها مع الدخول في علاج كلامي لا نهاية له.
٣- استعمال إطار اضطراب كرب ما بعد الصدمة Post-Traumatic Stress Disorder PTSD ومراجعة ذكريات الماضي لا يضمن الشفاء بل ولا يوجد دليل قوي على فعاليته في علاج اضطراب الشخصية الحدية، وبدلاً من التركيز على الذكريات الصدمية يجب الاعتراف بوجودها ولكن عدم الاستجابة لها في إيذاء الذات عن طريق القطع والجرح والصيام.
٤- عملية إيذاء النفس عن طريق القطع وعدم الأكل عملية عقيمة لا تساعد الإنسان ونهايتها واحدة فقط هي الاستسلام لذكريات لا تستحق المراجعة ويجب نبذها كليا من قبل المريض. حجة المراجع أحياناً بأنه لا يقوى على مقاومتها ولكنها حجة هدفها جذب أنظار من حوله وارتداء ملابس المرض.
٥- الإنسان وشخيصته الحدية في صراع أو حرب شعواء مع نفسه ومع الآخرين في ذات الوقت ولكنه لا ينتصر ولا جدوى من هذه الحرب، ويجب أن يكون هدفه السلام. عملية السلام تحتاج إلى تفاوض ومساومات، والقبول بأن الماضي والبشر وجسد الإنسان نفسه فيها صفات جيدة وأخرى سيئة والقبول بذلك.
عملية السلام تعني التوقف عن إيذاء النفس، وإصدار الحكم العشوائي على الآخرين. أنت الوحيدة التي تقوين على وقف إلحاق الأذى بنفسك.
٦- بعد السلام يجب على الإنسان العمل على رفع مقاومته وتطوير ذاته نفسيا واجتماعيا وصحياً. مقاومة الإنسان الجسدية والنفسية ترتفع مع الطعام الصحي والوزن الطبيعي، اتباع إيقاع يومي منتظم مع تحديد أهداف معقولة مرحلية يمكن الوصول إليها.
٧- اخلعي ملابس المرض وتوجهي صوب أحلامك. هذه الرحلة لا تحتاج إلى خدمات صحية في الغالبية.
وفقك الله.