وسواس النجاسة : زكية والفوطة المنسية ! م
وسواس النجاسه: زكية والفوطه المنسية 2
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. هذه الاسشارة موجهه للدكتورة رفيف الصباغ أشكرك جزيل الشكر دكتورة رفيف على أنك أجبتني وأطمع في إجابتك مرة أخرى فتحمليني رجاء.. خلال الشهر الذي بعثت به السؤال وإلى لحظة إجابتك علي وأنا أدور بين الفتاوى عل قلبي يرتاح للمخرج الذي أرشدتني إليه وكنت قد قرأت عنه وهو مذهب الإمام مالك رحمه الله ولكني وإن ارتحت يوما تعذبت باقي الأيام.. فأنا لا أرتاح أبدا وأشعر أني أخالف الجمهور ويأتيني هاجس أني عندما أموت سيكون عملي هباء منثورا فإذا كانت صلاتي لا تصح فكيف بأي شيء آخر!!..
والمشكلة الأكبر هي أنني قرأت أن للعمل بالرخصة يجب أن يرتاح قلبي لها وأنا لا أرتاح أبدا فماذا أفعل؟؟ وإن عملت بهذا الرأي فماذا سيحدث إن تخلصت من الوساوس سأعود لنقطة الصفر لأن الجمهور على تنجس الماء إذا لاقى النجاسة وسيصبح كل شيء متنجسا مرة أخرى وهذا يزيد من همي.. أيضا أصبحت أكره الخروج من البيت فأنا كلما خرجت كل ما أفكر به إنني أنقل النجاسه لغيري على مذهب الجمهور طبعا وبأنني أتحمل وزر من لا يعلمون بالأمر وهنا أسأل سؤالا كيف يكون التعامل بين شخص يتبع مذهب الإمام مالك وآخر يتبع مذهب الإمام الشافعي في مسألة كمسألتي مثلا.. فالطاهر عند مالك نجس عند الشافعي.. فهل يجب إخبار من يتبع المذهب الشافعي بالأمر لأنه يعتبر نجسا في مذهبه؟؟!!
غير هذا أنا أشعر بالسخط وكل ما يدور في بالي هو لماذا حدث معي هذا الأمر بالذات ولماذا أنا؟؟ أهلي يظنون أنني جننت ويتعاملون بطريقه بطبيعية وكأن شيئا لم يكن ويقولون أن الفوطة غسلت والماء جاري ولابد أن غسلها طهرها ولكني لا أستطيع أن أتخيل الأمر.. ولا أعرف هل هم مؤاخذون على ذلك لأني أخبرتهم بما حدث أم لا..
أشعر أنني لن أتخلص أبدا مما أنا فيه وذلك يصيبني بالاكتئاب ولا أعرف لماذا لم يتفقوا الأئمة على شيء واحد يكون يسيرا بالنسبة للعامة..
دليني رجاء.. وأعتذر منك على الإطالة
16/8/2021
رد المستشار
وعليكم السلام ورحمة الله تعالى وبركاته، وأهلًا وسهلًا بك مرة أخرى
تساؤلات الموسوسين وما يقلقهم، وليس شيئًا آخر البتة.... ودعيني أناقش هذه التساؤلات الباطلة من أصلها:
تقولين إنك لا ترتاحين للرخصة! ومتى كان الموسوس يرتاح؟ الموسوس لا يرتاح للعزائم، ولولا ذلك لم يكن موسوسًا، فكيف يرتاح للرخص؟!! طالما أنك موسوسة، فإنه لا يشترط في حقك الارتياح، ويجب عليك العمل بالرخص اقتنعت بها أم لا، وأعجبتك أم لا!! وفي الحديث الصحيح الذي رواه الإمام أحمد في مسنده عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِنَّ اللهَ يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى رُخَصُهُ، كَمَا يَكْرَهُ أَنْ تُؤْتَى مَعْصِيَتُهُ)). قال الشوكاني في نيل الأوطار: (وفي تشبيه تلك المحبة بكراهته لإتيان المعصية دليل على أن في ترك إتيان الرخصة ترك طاعة، كالترك للطاعة الحاصل بإتيان المعصية). يعني بالمختصر: أنت تعصين الله تعالى إن لم تأخذي بهذه الرخصة، لأنك ستحولين حياتك إلى جحيم، والله يريد سعادتك في الدارين، وأنت تخالفين ما أراده الله لك.
الأمر الثاني: تقولين: (فأنا لا أرتاح أبدا وأشعر أني أخالف الجمهور ويأتيني هاجس أني عندما أموت سيكون عملي هباء منثورا)!! هل تعرفين ما معنى كلامك هذا! معنى هذا أن الإمام مالك، وجميع تلامذته وكذا علماء المذهب المالكي، وجميع أتباعه سيكون عملهم يوم القيامة هباء منثورًا!!! ما رأيك يا حلوة؟ هاجس في غاية العبقرية!
ثم ماذا في أن تبقَي مالكية إلى نهاية عمرك في شؤون الطهارات؟ هل هناك مشكلة لديك؟ عندما يكون الإنسان مريضًا مرضًا مزمنًا، ويأخذ برخصة الإفطار، أليس يبقى طوال حياته مفطرًا؟ ما الفرق بين هذا الترخص، وبين ترخّص الموسوس؟؟
ثم نأتي لضمير الموسوسين: (أنا أنجس غيري، أنا سبب بطلان صلاة غيري!!) مالك ومال الناس؟!! هم يحاسبون على اعتقادهم وأعمالهم وأنت تحاسبين على اعتقادك وعملك...، أولًا: أنت قمت بتعبد الله تعالى والتطهير حسب قول اجتهادي قوي له أدلته. وثانيًا: دائمًا أكرر: الصحابة كان أكثرهم مجتهدين، وما يعتبره هذا طاهرًا، قد يعتبره ذاك نجسًا، وهكذا.... وكانوا يعيشون مع بعضهم البعض، ويصلي بعضهم خلف بعض، ويتوضأ كل منهم من آنية الآخر، ويزوره في بيته.... ولسنا أفضل منهم ولا أورع. واعتبري تعايش الناس مع بعضهم مع اختلاف مذاهبهم من عموم البلوى الذي لا يمكن التحرز عنها، ولذلك لا يؤثر عمل أحد على الآخر.
ولأخبرك هذه القصة: مرة كسرت أنابيب المياه والمجاري في حينا، واختلط هذا بذاك، واكتشفنا هذا بعد ثلاثة أيام من استخدام الماء في الطبخ والتنظيف والاستحمام والغسيل.... وكنا نتساءل عن هذه الرائحة الغريبة التي نشمها عند فتح الصنبور!!! بالمختصر أصبحنا غارقين في النجاسة من رأسنا إلى قدمنا...، ولن أقص عليك محاولات التطهير والصلاة حسب مذهب المالكية ريثما نتدارك الأمر.... لكن بقي هناك أشياء يستحيل تطهيرها، ولا يمكن تطهيرها إلا بإحضار سيارة إطفاء ترش البيت كله! هنا تأتي الرخصة حتى عند الشافعية: طالما أن هذه النجاسة عامة في الحي، فهي بلوى عامة، يعفى عنها ويعتبر البيت وكل شيء طاهر لا يؤثر على صحة صلاتنا.... ويأتي إلينا الناس، ويصلون عندنا... ولا نخبر أحدًا منهم ولا نقول له: إياك أن تصلي فالنجاسة يعفى عنها بالنسبة لنا لكن أنت لست مضطرًا للصلاة في بيتنا!!! الموسوس عنده بلوى خاصة لكنها تصاحبه مدة طويلة من الزمن، كدائم الحدث، فيكون هذا عذرًا له في التخفيف كما يعذر دائم الحدث ولا يطالب بالتطهير كالمعافى.
عندما يكرمك الله بالشفاء، وتريدين ترك مذهب المالكية، فلا يوجد أية مشكلة، الأشياء أصبحت طاهرة على طريقة الإمام مالك، فقط ستغيرين طريقة تطهيرها فيما لو تنجست في المستقبل. المهم أن يعافيك الله، وإذا عاد الوسواس مع ترك مذهب المالكية، فابقي على طريقتهم إلى آخر العمر، ولا ضير في هذا.
ثم يدخل الشيطان ونأتي للطامة الكبرى! (أشعر بالسخط وكل ما يدور في بالي هو لماذا حدث معي هذا الأمر بالذات ولماذا أنا؟؟) لو أصيب غيرك لقال: لماذا هو بالذات ولست أنت؟ وهكذا في سلسلة لا تنتهي من السخط والاعتراض على قدر الله تعالى!
أصبت أنت بالوسواس، وغيرك بالعمى، وآخر بالصمم، وغيرهم بالسرطان... لماذا؟ هكذا شاء الله تعالى أن يكون سؤال امتحانك. نحن في هذه الدنيا في قاعة امتحان، لكن لكل طالب أسئلته الخاصة به، فإما أن يحسن الإجابة فيرضى ويصبر، فينجح وينال درجات عالية، وإما أن يعترض ويسخط، ويفوته الأجر بل يرسب في امتحان لا إعادة له! قال صلى الله عليه وسلم: ((إِنَّ عِظَمَ الجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ البَلَاءِ، وَإِنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلَاهُمْ، فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا، وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السَّخَط)) رواه الترمذي وابن ماجه. أي: فمن رضي بما ابتلاه الله به، نال الرضى منه تعالى وجزيل الثواب؛ ومن سخط أي كره بلاء الله وفزع ولم يرضَ بقضائه، فله السخط منه تعالى وأليم العذاب، ومن كان أقرب إلى الله تعالى، كان بلاؤه أشد ليكون ثوابه أكثر.
فكوني ذكية، وأجيبي على سؤالك ببراعة، وإن صبرك ورضاك بالبلاء فرض، وهو أحب إلى الله تعالى من صلاتك على مذهب الجمهور مع وجود رخصة.
وهكذا الإنسان، لا يعجبه العجب!! فحيث جعل الله تعالى اختلاف الأقوال رحمة لعباده، أراد الموسوسون أن يحجروا رحمة الله فيجعلوها قولًا واحدًا، وكل موسوس يريد القول مناسبًا لوسواسه هو! كل هذا لأنه يرفض رخصة الله تعالى، ويشدد على نفسه فيدقق ويفتش ويوقع نفسه في الحرج.... بل يريد أن يوقع غيره أيضًا!!!
ارحمي نفسك هداك الله، والمهم أن تعملي بيسر وتعيشي حياة هانئة، ولا يهم هل اقتنعت بذلك أم لا
عافاك الله وطمأن قلبك