أيها الآباء: اتقوا الله في أبنائكم
السلام عليكم ,,
أود أولاً أن أسجل إعجابي بموقعكم الرائع والذي هو ثمرة جهود جميع القائمين به وتحياتي الخاصة للدكتور وائل أبو هندي والذي حظيت بشرف مقابلته في عيادته لمشكلة كانت تتعلق بأحد أقاربي وأسأل الله أن يجعل هذا العمل العظيم والشاق في ميزان حسناته.
أنا مهندس شاب عمري 29 عام, هادئ الطباع, متدين, مرح (أو كنت), أعمل في وظيفة جيدة ومرتب لا يستطيع الكثير الحصول عليه, محبوب من الجميع ولا أجد سعادتي إلا في إسعاد من حولي, أحب القراءة وأمارس الرياضة.
منذ أن كنت صغيراً خطبت أسرتي ابنة عمي لي والتي كانت تصغرني بعام والحقيقة أني كنت فرحا كثيراًً بهذا الموضوع وبعد أن بلغت المرحلة الإعدادية أصبحنا لا نرى بعضنا كثيراً ولكنها ظللت فتاة أحلامي وكنت أسرح بخيالي كيف أننا سنتزوج ونعيش حياة مليئة بالسعادة.
بعد أن بلغت المرحلة الثانوية بدأت أدرك أن ابنة عمي ليست هي الفتاة الوحيدة في العالم وأنني لست مضطراً للارتباط بها فقط لأن أهلي قد خطبوها لي وأنا صغير وبعد أن بلغت المرحلة الجامعية بدأ عقلي ينضج أكثر وينفتح على العالم أكثر وبدأت أدرك وأتعلم مفاهيم وأفكار جديدة.
وبعد تخرجي من الجامعة بدأت أعي أنني يجب أن أفكر في ماذا أريد لنفسي وليس ماذا يريد الآخرين لي وماذا أريد أن أفعل وليس ماذا يريد الآخرون مني أن أفعل وبعد التفكير أدركت أن ابنة عمي بعيدة عن الفتاة التي أتمني أن أرتبط بها, على الأقل من ناحية الشكل على الرغم من أن الجميع كانوا يشيدون بجمالها وأما عن تقارب الطباع والرؤية والتفكير فلم أستطع أن أقرر حيث أننا لم نكن نتبادل الكلام كثيراً.
وبعد تخرجها من الجامعة وكان عمري حينئذ 26 عاماً طلبت مني أسرتي أن أتقدم لخطبتها فأخبرتهم أني لا أميل إليها إلى جانب أني لا أفكر في الزواج حالياً ولكن أهلي أقنعوني أن فترة الخطوبة ستكون فرصة جيدة لكي أتعرف عليها أكثر كما أستطيع أن أختبر مشاعري الحقيقية ناحيتها وبالفعل تقدمت إليها وتمت الخطبة.
ومع مرور الوقت اكتشفت أن هناك اختلافاً كبيراً بيني وبينها في الطباع وطريقة التفكير وحتى في روح الدعابة كما أني شعرت فيها بالانانية وحب الذات والعصبية الزائدة ولم أشعر تجاهها بالقبول أو الارتياح النفسي فكانت زياراتي لها تمثل عبئاً ثقيلاً على نفسي.
فأخبرت أهلي برغبتي في إنهاء الخطبة ولكني فوجئت بهجوم عنيف من عائلتي وأنه لا يليق أن أفسخ خطوبتي بها وماذا سيقول الناس وأنني سأكون السبب في تدمير مستقبلها وهدم الروابط الأسرية وكلام كثير من هذا القبيل, واتفقنا في النهاية على أن أعطي نفسي فرصة ثانية ولكنها بالطبع باءت بالفشل وعندئذ أثرت مشكلة بيني وبين خطيبتي وعائلتها وقمت بفسخ الخطبة إلا أن عمي (والد خطيبتي) حاول أن يصلح الأمر فأخبرته بالسبب الحقيقي وكانت مفاجأة له وأخبرته أن من الأفضل أن تتزوج ابنته بمن يحبها حتى يسعد بها ويسعدها ولكن عمي لم يخبر أحداً بالحديث الذي دار بيني وبينه وهو ما عرفته لاحقاً.
عندئذ قامت الدنيا وهاجت ووقفت عائلتي تضغط علي بكل قوتها حتى أتمم الزواج إلا أنني رفضت بشدة وعندما يئس أبي من إقناعي أحضر شيخاً وقرأ عليَّ قرآناً ثم أخبر أبي أن بي سحرا ومسا من الجن يتتطلب العلاج بالقرآن وأن من فعل هذا هو شخص يسكن معنا في البيت ولما كانت هناك خصومة شديدة بين أبي وأحد السكان فقد صدق أبي كلام الشيخ, أنا لم أقتنع بكلام الشيخ مع إيماني بوجود السحر والمس ولكن حتى أريح أبي فإني التزمت ببرنامج هذا الشيخ الذي عاد بعد أسبوعين وطلب إحضار زجاجة ثم فتحها ووضع فوهتها على إصبع قدمي وبدأ بقراءة القرآن وبعد فترة أغلق الزجاجة وقال أن جسدي أصبح خاليا من السحر والمس وللعلم فإن هذا الشيخ لا يتقاضى أجراً على هذا.
كانت أسرتي تظن أنها سترى شخصا مختلفا تماماً بعد فك السحر على حد زعم الشيخ إلا أنني لم أشعر بأي فرق وصممت على موقفي, الأمر الذي جعلهم يستعينون بكل الوسائل الممكنة والغير ممكنة للضغط علي مما أصابني بالاكتئاب, وتحت وطأة الضغط والابتزاز العاطفي والاكتئاب أصابتني حالة من اللامبالاة جعلتني أشعر أنه لا شيء أسوأ يمكن أن يحدث لي أكثر مما يحدث بالفعل فقبلت الزواج.
حاولت في بداية الزواج أن أتقرب منها ولكني وجدت نفسي أنفر منها ولم أستطع أن أتواصل معها أو أوجد لغة للحوار بيننا وأصبحنا نعيش حالة من الخرس الزوجي المبكر, ومما زاد من نفوري منها أنانيتها الشديدة وعصبيتها الزائدة وعدم وجود اهتمامات مشتركة وعدم تقبلها للنصيحة واعتبارها نقدا لا تقبله وتفكيرها المادي الذي يحكم على كل الأمور بمنطق المكسب والخسارة ومحاولتها الدائمة التظاهر بأنها ذات شخصية قوية, حاولت في البداية أن أخفي نفوري وضيقي منها إلا أن عيوني كانت تفضحني فكما يقولون "العيون وجوه القلوب" وكنت أشعر بالمعاناة الشديدة خصوصاً اثناء العلاقة الحميمة فكنت بمجرد الإنتهاء أذهب مسرعاً إلى الحمام لكي أغتسل وعندما سألتني عن سبب تصرفي هذا قلت لها كذباً أنني لا أحب الجنس, حتى عندما حاولْت إيجاد اهتمامات مشتركة فكرْت في شيء مثل القراءة فأحضرت لها كتباً عن تربية الأطفال ومقالات رائعة من صفحة اسلام أون لاين وكنا حينئذ ننتظر طفلتنا الأولى والتي كان يجب أن أحرص ألا تأتي قبل أن أتأكد من استقرار الحياة مع زوجتي ولكنها إرادة الله, فكانت النتيجة أنها سخرت من الكتب وقالت إن هذا كلام كتب ولا يصلح للتطبيق العملي, فقرأتهم أنا واستفدت منهم استفادة عظيمة, وحتى بعد أن جاءت ابنتنا بعد عام من الزواج لم تستطع أن تقرب بيننا بل حدث العكس لإختلاف طريقة تفكيرنا عن كيفية تربية البنت.
سارت حياتي على نفس هذه الوتيرة من المعاناة والضيق والقلق الشديد الذي أصبح يلازمني باستمرار, فكنت كلما يزيد بي الضيق والهم وأدخل دائرة اجترار الأحزان والرثاء على نفسي ألزم الاستغفار فكما يقول الحديث الشريف "من لزم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجا ومن كل ضيق مخرجا" وأذكر نفسي بنعم الله الكثيرة على من صحة وعافية وأعظم نعمة بالطبع وهي الإسلام أو أن أفتح أحد كتب الأستاذ العظيم عبد الوهاب مطاوع فأتعرف على معاناة الناس فأدرك معنى المعاناة الحقيقية وأتذكر أحوال إخواننا في فلسطين وما ينالهم من قتل وتعذيب وتشريد فكانت نفسي تصفو أحيانا لكن سرعان ما يعود الضيق والهم مرة أخرى.
ومنذ ثمانية أشهر ذهبت إلى أحد الأطباء النفسيين فشخص حالتي على أنها اكتئاب من النوع التفاعلي وأعطاني مودابكس 50 مجم (حبة واحدة صباحاً) ثم حضرت معه أكثر من جلسة حاول من خلالها كسر الحاجز النفسي بيني وبين زوجتي إلا أنه لم يوفق فتوقفت عن الذهاب اليه مع االمداومة على أخذ الدواء الذي قلل فقط من حدة القلق والتوتر كما أنه قلل إلى حد كبير من الرغبة الجنسية لدي مما اعتبرته ميزة وليس عيبا,
أما الأعراض الاكتئابية فإنها ظلت كما هي واستمر التباعد بيني وبين زوجتي حتى أصبحت لا أطيق الاقتراب منها أو حتى النظر في وجهها وأصبحت أنام في غرفة مستقلة منذ أربعة اشهر وعندما سألتني عن سبب نومي بمفردي أخبرتها الحقيقة كاملة فطلبت مني الطلاق على الفور وأحسب أنها لم تكن جادة في طلبها لذلك طلبت منها التفكير جيدا قبل أن تأخذ هذا القرار فعادت لتخبرني أنها تفضل أن تكون نصف زوجة على أن تحمل لقب مطلقة وعادت تتصرف وكأن شيئاً لم يحدث.
منذ شهر ذهبت مرة أخرى إلى الطبيب فنصحني بالزواج مرة أخرى وأضاف دواءً جديدا هو أنافرانيل 25 (حبة واحدة مساءاً).
الآن وبعد عامين من الزواج وبعد التفكير وجدت أن الاختيارات المتاحة أمامي هي:
أولاً:أن أطلق زوجتي رغم رفضها له وأعطيها حقوقها كاملة (و هو الحل الذي أميل إليه) للأسباب التالية:
1- أن الطلاق أمر مشروع وقد يكون مطلوباً في حالتي هذه وإلا لما طلق الصحابي زيد بن حارثة زينب بنت جحش أم المؤمنين لبغضها له.
2- عدم استطاعتي أن أوفي زوجتي حقوقها كاملة.
3- أن الزواج لم يحقق الهدف المنشود منه من سكن ومودة ورحمة.
4- من باب أن ما بني على خطأ فهو خطأ ولا داعي للتمادي في الخطأ.
5- أنني وزوجتي ما زلنا صغاراً في السن ويستطيع كل منا أن يشق طريقه بعيداً عن الآخر ويحظى بفرصة مناسبة في الزواج.
6- أن أعود للتركيز مرة أخرى في عملي الذي أهملته لتفكيري الدائم في مشكلتي.
ثانياً:الإبقاء على زوجتي مع الاستمرار في أخذ الدواء (لا أعلم إلى متى؟) للأسباب التالية:
1- عدم رغبة زوجتي في الطلاق.
2- التسليم بقضاء الله والصبر على الابتلاء وانتظار الأجر من الله (إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب).
3- من باب "وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم".
4- لأني مسئول عما حدث لي ولو جزئياً وكان يجب أن أظل رافضاً ولا أرضخ للضغوط .
5- حرصاً على أن تنشأ البنت (التي لا ذنب لها) بين أبويها.
6- حفاظاً على الروابط الأسرية.
ثالثاً:أن أحب زوجتي ونعيش في سعادة وهو ما يحتاج إلى معجزة حتى يتحقق.
رابعاً:الزواج مرة ثانية وهو ما لا أعلم نتائجه وعواقبه.
وأخيراً فأنا لا أطلب منكم الاختيار بدلاً عني ولكن أرجو منكم:
أولاً:التعليق على هذه المشكلة.
ثانياً:إيضاح بعض الجوانب التي قد تكون خافية عني وتساعدني على الإختيار.
معذرة للإطالة وجزاكم الله خيراً.
28/1/2005
رد المستشار
ولدي الكريم العزيز
لو قلت لك أن بين مئات المشاكل التي مرت علي قليلا ما وقفت حائرة هل تصدقني؟؟ قليلا ما شعرت أنه ليس لدي ما أضيفه لصاحبها ؟؟ لقد وضعتني في خندقك يا ولدي بهذا الأسلوب الواضح الصريح البسيط المرتب في شرح القصة وأبعادها وتوابعها
ولقد صدقت يا ولدي فأنت صاحب الإختيار ولن يستطيع أحد أن يدلك على قرار ولكن قد تساعدك بعض الكلمات في فتح نوافذ أخرى.. ربما.... أو هكذا أتعشم
بما أننا لسنا في وقت ذكر ما كان ينبغي عمله من قبل فلنقل ما يجب فعله حاليا...
زوجتك من تصرفاتها صح تحليلك لشخصيتها ..فهي تعيش بمبدأ المكسب والخسارة.. وهذا يفسر حياتها الهادئة الهانئة رغم النار التي تتأجج تحت الرماد.....
إذن فالحل يا ولدي يجب أن يمر بها ..إذا كانت ترفض الطلاق..لأن حياتها كزوجة وأم حتى ولو كانت حياة صورية أفضل لها فهي شخصية واعية جدا لاختياراتها ومثلها قد يتغير قراره بتغير المصلحة العامة أو بظهور فائدة في وضع آخر
وأنا أرى أن هناك اختيارا ثالثا طرحه عليك الطبيب وأغفلته أنت.... الزواج بأخرى إذا سمحت إمكانياتك المالية به...
أن تختار بعقلك وقلبك رفيقة للحياة تشاركها وتشاركك ويحتضن كل منكما الآخر إلى آخر العمر في مودة ورحمة...
لماذا لا تضع هذا الحل بين الحلول؟؟
وسيكون تخييرك لزوجتك بين البقاء معك بدون مساس بحقوقها المالية التي لا تحصل منك على سواها أو التسريح بإحسان.... ولي في ذلك ملحوظتان:
أولا: إحساسك انك عدت حرا تبحث عن شريكة سيعطي حياتك دفعة أمل جميلة وناعمة ..وسيتدفق دم الشباب مرة أخرى إلى عروقك وتشعر أنك بصدد بناء بيتك وحياتك..وهذا سيكشف الكثير من توترك ويعيد إليك مرحك وانطلاقك وحيويتك
ثانيا.. أعتقد أنه بعد تفكير منطقي ستقبل زوجتك الوضع.. لأنه أفضل لها من وصف المطلقة ولكني لا أعتقد أنها ستقبله لفترة طويلة... فأتصور أنها ستطلب الطلاق بعد فترة طالت أو قصرت من إعادة ترتيب أوراقها ومكاسبها وخساراتها.... وقد تكون هذه المطالبة مدوية مجلجلة لتحدث لك أكبر قدر من الخسائر..ولو أني لا أرجح ذلك.. أو قد يكون انفصالا هادئا عن تراضي...
لا تشرك أهلك في قراراتك فلا يبدو عليهم أي تعقل أو نضوج فكري...
وسامحني يا ولدي في هذا الوصف فلا يوجد من يصمم على إتمام زواج بهذه الصورة المخيفة من الرفض والكراهية على تصور افتراضي ..
أن العشرة تفعل الأعاجيب.. نعم العشرة تخلق مشاعر وتنميها وتغذيها وتقلبها حبا جارفا ..إذا بدأت من أرضية متعادلة.. بلا حب ولا كراهية وتكون هذه هي أسوأ الظروف التي يفترض أن تقوم العشرة فيها بمعجزة
فليكن حوارك مع زوجتك بنفس العقل والهدوء الذي اتبعته معها حين حاورتها عن الطلاق.. وضع أمامها جميع الأوراق ودعها تختار لما بينكما من قرابة وأبناء...
ولا تجعل قلة إمكانياتك المادية تقف حائلا وحيدا أمام ارتباطك الآدمي بمن تسكن إليها.. فأنت شاب يبحث عن العفاف وحق على الله أن يعينك
لا تتصور أني شريرة أبحث عن هدم بيتك.. بل أنا أم أبحث عن بناء إنسان تحطم ولن يكون قادرا على تربية طفلة لا ذنب لها سوى أنها ابنته، فخسارتنا فيك خسارة لبيتين.. بيتك الحالي.. وبيت ستقوم ابنتك على شئونه في يوم من الأيام
أعانك الله يا ولدي