السلام عليكم ورحمة الله وبركاته؛
أساتذتي الافاضل, مشكلتي عويصة وخطيرة, هكذا أراها على الأقل من وجهة نظري، إنها تتجلى في شكي في نفسي من ناحية الإخلاص لله تعالى, أنا خائفة ولا أعرف نفسي إن كنت مخلصة لله أم لا, كيف أعرف ذلك, أخشى أن أعمل وأعمل ثم يأتي الله فيأخذ ماعملت ويجعله هباء منثورا بسبب عدم إخلاصي, وإن ما يزعجني في نفسي هو تثاقلي من الصلاة, إنني أحب جميع العبادات من صيام وصدقة, حتى أنني أفكر بالعمل لأجل الصدقة وأشعر أن فيها رضاء كثيرا لله.
أما الصلاة فأبقى أحس بثقلها وأصلي الفرائض والسنن ولكن في أحيان كثيرة أترك السنن، وعندا أكون مغتاظة جدا فإنني أترك الصلاة ليوم لأنني أحس بها حبلا يلف حول رقبتي ويخنقني، ولم يحدث هذا سوى مرتين في حياتي وأخاف أن يتكرر.
المشكلة تتلخص عندي الآن كيف أعرف أنني مخلصة لله, وأنه يحبني, إنه موضوع يؤرقني وأفكر فيه كثيرا،
وجزاكم الله خيرا.
27/8/2003
رد المستشار
الابنة العزيزة أهلا وسهلا بك وشكرًا على ثقتك في صفحتنا، الحقيقة أن تساؤلك هذا في حد ذاته يجيب على نفسه، فما رأيك أن مجرد حرصك على أن تخلصي لله عز وجل دليلٌ على إخلاصك له، ومجردُ شكك في ذلك الإخلاص دليلٌ على أهميته ومكانته داخل كيانك النفسي المؤمن، وأنا هنا أستطيع أن أجيب على أول سؤال في أول فقرة من إفادتك.
بعد ذلك نصل إلى تحليلٍ أعمق للموقف أو للحالة التي تمرين بها لنتساءل هل ما تمرين به يا ابنتي في الأصل أمر طبيعي أم لا؟ الإجابة أنه في مثل سنك وهو (15-20) كما جاء في إفادتك، وفي مثل الزمان الذي نعيش فيه يكونُ ما تحسين به طبيعيا تماما لا بل هو الأفضل مقارنة بالأخريات، فغالبية شبابنا لا يعنيهم أصلا ما يعنيك ولا يهتمون به،
أما كيف يعرف الإنسان إن كان مخلصًا لله أم لا وهل يحبه الله سبحانه وتعالى أم لا؟ فإن على الإنسان أن يحرص مثلما أنت حريصة على الإخلاص لله عز وجل وأن يقول : "اللهم إني أعوذ بك من أن أشرك بك و أنا اعلم، و أستغفرك لما لا أعلم" فمن قال ذلك أذهب الله عنه الشرك ظاهره وخفيه ويجب على الإنسان المؤمن ألا يحجم عن أي عمل من أعمل الخير أو من الفروض أو السنن مخافةَ الرياء، فهذا مدخلٌ من مداخل الشيطان كما جاء في أكثر من موضع من تراثنا،
وأما كيف يعرفُ الإنسان هل يحبه الله أم لا؟ فالأصل أن الله سبحانه وتعالى يحب عباده كلهم ، والله سبحانه وتعالى عند حسن ظن عبده به كما قال تعالى في الحديث القدسي : (أنا عند حسن ظن عبدي بي)، أخرجه البخاري في صحيحه، وكما قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الذي يرويه جابر بن عبد الله: (لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله عز وجـل)، رواه مسلم في كتاب الجنة، باب الأمر بحسن الظن بالله.
وإن كان العبد مقبلاً على ربه سالكاً طريق قربه فعليه أن يجمع بين مقامي الخوف والرجاء، لا يغـلِّبُ الخوف على الرجاء حتى يقنـط من رحمة الله تعالى وعفـوه، ولا يغـلِّـبُ الرجاء على الخوف حتى يسترسل في مهاوي المعاصي والسيئات، بل يطير بهما محلقاً في أجواء صافية، فلا يزال في قرب ودنو من الحضرة الإلهية، قد حقق صفة هؤلاء الذين وصفهم ربهم بقوله تعالى: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ المَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفَاً وَطَمْعَاً} صدق الله العظيم، خوفاً من ناره وطمعاً في جنته، وخوفاً من بعده وطمعاً في قربه، خوفا من هجره وطمعاً في رضاه، خوفاً من قطيعته وطمعاً في وصاله
وقد حثنا الله تعالى على الرجاء ونهانا عن القنوط من رحمته فقال: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الذِيْنَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَـطُوا مِنْ رَحمَـةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْـفِرُ الذنُوبَ جمِيْعاً . ، إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيْمْ} صدق الله العظيم، وقال تعالى مبشراً بسعة رحمـته: {وَرَحمَـتِيْ وَسِعَتْ كُلَّ شَيْء} صدق الله العظيم.
فعلى العبد إن كان في ريعان شبابه مقارفاً للذنوب مطيعاً لنفسه الشهوانية أن يغـلِّب جانب الخوف على الرجاء، أما إذا كان في نهاية عمره فعليه أن يغـلِّـب جانب الرجاء، وما أراك يا صغيرتي إلا تغلبين الخوف على الرجاء كما يبين كل سطرٍ في إفادتك.
وجاء الحديث الصحيح التالي في صحيح البخاري: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا أحب الله عبدًا نادى جبريل: إن الله يحبُّ فلانًا فأحببه، فيحبه جبريل، فينادي جبريل في أهل السماء: إن الله يحبُّ فلانًا فأحبوه، فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول في الأرض" صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولاحظي هنا أن الإشارة الوحيدة التي يمكن أن تستدلي بها هيَ أن يكونَ لك القبول في الأرض وليس طبعا من كل الناس، فهو القبول من الطيبين من عباد الله.
وأما ما أشرت إليه في آخر إفادتك من أنك أحيانًا تتركين السنن، وأحيانًا أقل تتركين الصلاة فأنت تقولين في إفادتك (وعندما أكون مغتاظة جدا فإنني أترك الصلاة ليوم لأنني أحس بها حبلا يلف حول رقبتي ويخنقني، ولم يحدث هذا سوى مرتين في حياتي وأخاف أن يتكرر)، فهو إن شاء الله لن يتكرر، ولكن عليك ألا تستسلمي لغواية الشيطان مرةً بأن يشعرك بثقل الصلاة ومرةً بأن يجعلك تحجمين عن فعل الخير مخافة أن يكونَ رياءً، وأراك تقولين (أخشى أن أعمل وأعمل ثم يأتي الله، فيأخذ ما عملت ويجعله هباء منثورا بسبب عدم إخلاصي)، فهنا أقول لك عليك أن تعملي الخير وأن تحسني أعمالك وهذا هو ما عليك، وأما إذا زاد الأمر عن ذلك وتعداه ولم تجدي في هذا الكلام ما يطيب خاطرك ويهدئ بالك فإن الرأي عندي هو أنك تمرين بفترةٍ من القلق كثيرًا ما تعرض للمؤمن وعليك أن تقاوميها بشتى السبل واعلمي أن حرصك على الإخلاص كفيلٌ بأن يكتبه المولى عز وجل لك خاصة في أيامنا هذه، وأدعو الله لك في النهاية أن يهديك سواء السبيل وتابعينا بأخبارك.
ويتبع>>>>>>>>> : قلق الفتاة المؤمنة م