السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أنا متزوجة منذ سنتين من شاب طيب وعلى دين وخلق وحنون جدا، الحمد لله، ووهبنا الله من فضله طفلا جميلا في عمر العشرة أشهر.. مشكلتي التي تستهلكني نفسيا وعصبيا وتجعلني في حالة شبه دائمة من العصبية أنه عندما تم اتفاقنا على إتمام زواجنا قررنا أن نقيم في سكن خاص بنا، ومن حين لآخر نقيم مع والدته وأخواته البنات الثلاثة اللائي يكبرنه وأخيه الذي يصغره بعام، ليلة أو ليلتين؛ لأنه يعتبر نفسه مسؤولا عنهم بعد وفاة والده التي سبقت زواجنا بأكثر من ستة أشهر، ووافقت على ذلك أنا وهو بطيب خاطر في سبيل أن نتزوج وننعم بقربنا من بعض.
توالت أيام الشهر الأول على خير والحمد لله وحسب الاتفاق .. ومع مرور الأيام وانزعاجه المتكرر من بعد شقتنا عن مكان عمله القريب من بيت والدته والمتغير في مواعيد دوامه من فترة صباحية ثلاثة أيام وثلاثة أيام مسائية خلال الأسبوع، وفي آخر الأسبوع يسافر خارج المدينة، اقترحت عليه أنه نبيت ليالي أيام عمله الصباحي عند والدته وبذلك نوفر عليه معاناة الاستيقاظ الباكر وطول المسافة ثم نعود لشقتنا ... مرت الأيام على هذا الحال ثم ازداد الأمر بتكاسله حتى بتنا أيامنا كلها هناك في بيت والدته، ولا نعود لشقتنا إلا مرة في الأسبوع بعد محاولات مستميتة مني تبوء بالرفض المتكرر من طرفه وطرف عائلته التي تستنكر رغبتي في الذهاب لتلك الشقة التي باتت في نظرهم أمرا منكرا.
كل هذا وهو لا يشعر بحاجتي الماسة للسكن المستقل والتحرك بحرية في شقتي بلبس مريح، وأن أرتدي له الملابس الجميلة التي اشتريتها في جهازي بدلا من رؤيته الدائمة لي بالجلابية الطويلة بالكم الطويل و الإيشارب والشراب في قدمي بسبب تواجد أخيه في البيت، هذا بالإضافة إلى أنه في فترة عدم تواجد أخيه لا يمكنني ارتداء ما أريد بسبب وجود أخواته الكبار، وهن فتيات لم يتزوجن؛ حفاظا على مشاعرهن من جهة ومن جهة أخرى حفاظا على مشاعري من اللمز والاستهزاء منهن والتلميحات التي يطربن سماعي بها من بعيد أو قريب.
بالإضافة إلى حاجتي لخزانة ملابس أرتب فيها أمتعتي بدلا من وضع الملابس جميعها الخاصة بي وبه في حيز أقل من متر في متر ونصف، وكلها بدون ترتيب أو مكواة، وعدم قدرتي على غسل ملابسي الخاصة في الغسالة بدرجة حرارة عالية لتطهيرها ونشرها في الشمس؛ وذلك لأن والدته هي من تقوم بوضع الملابس في الغسالة ونشرها في بلكون غرفة أخيه، وهو المكان الوحيد لذلك .. أعتذر عن الإطالة، ولكني بحاجة لرد على سؤالي.
سيعود زوجي من سفر دام 8 أشهر وهو يطالبني بالمكوث مع أهله في فترة عودته التي ستدوم شهرا ليعود للسفر ثانية .. بحجة بره بأمه فهل البر أن تصادر حريتي وراحتي وسكني في سبيل البر الذي يمكن أن يتم بزيارة يومية لهم، والحمد لله تتوفر لنا السيارة المريحة والطريق السلس للذهاب والعودة.
أفتوني رجاء..
أرجوكم في أسرع وقت.. وشكرا.
21/5/2022
رد المستشار
ابنتي ... يبدو أن كل شيء يتغير إلا الحموات .. نادرة جدا هي الحالات التي لا تشكو فيها زوجة شابة من المعيشة مع حماتها .. إما أن زوجها يريد العودة إلى بيتهم .. أو أنه يريد أن يأتي بأهله ليقيموا في بيته. قلت يا ابنتي إنه سألك في فترة الخطوبة وطلب موافقتك على إقامته في بيت أهله لبضع ليالٍ كل فترة بصفته مسؤولا عنهم، وإنك وافقت "علشان يتم الجواز" .. وهذه أكبر مشكلة تقع فيها كل أنثى.
تصورها أنها ممكن أن توافق على أي شيء وكل شيء في فترة الخطوبة لأنها إن شاء الله تستطيع أن تغير ذلك حين تصبح هي الزوجة وهي المتصرفة .. ربما تكون هذه نصيحة الأمهات "مشي حالك دلوقتي يا حبيبتي ولما تبقي مراته الكلام ده كله حيتغير" .. الله أعلم، ولكن هذه معلومة غير حقيقية .. لقد وافقت يا ابنتي على نقطتين:
1- أنه مسؤول عن أهله.. فلم تناقشيه مثلا في أن إخوته كبار بما يكفي أن يتولوا أنفسهم بأنفسهم.
2- ثم بموافقته على فكرة المبيت وتسليمك بأنها الحل الأمثل لرعاية الأهل، ولم تناقشيه أيضا في أنه ممكن أن يقوم بشئونهم كلها بدون مبيت .. فأكيد حين يكون في البيت أم وبنات أكبر منك سنا فهن لن يخفن من النوم وحدهن، ولن يخرج لهن في الحلم العفريت.
الخلاصة أنت أقررت أن جزءا من مسؤوليته عنهم أن يذهب إليهم ويبيت معهم ... زاد على ذلك أنك بنفسك اقترحت عليه حتى يرتاح من "المشوار" أن تذهبا للمبيت عند أهله الذين يسكنون قريبا من عمله .. أنت يا ابنتي من تخلى عن الحياة المستقلة، مرة من أجل أن تتزوجي، ومرة من أجل أن يرتاح زوجك من المشوار .. لقد شعر هو وشعرت أنا شخصيا من كلامك وأسلوبك أنه لا غضاضة لديك من المبيت عند أهل زوجك .. فلماذا الشكوى؟! لقد اعتاد على الراحة، فلا هو يقطع مسافات طويلة ... ولا هو يضطر للاستيقاظ مبكرا، وأنت من يتعب بالبقاء عند أهله.
إن الزواج نوع من عقود الاتفاق .. لن أقول كما يقول المثل المصري: (جوزك على ما تعوديه) .. ولكنه حقيقة إلى حد ما اعتاد أن تكون راحته وراحتهم أولا بموافقتك ومباركتك، بل باقتراحك ومبادرتك. قد تسألينني هل أخطأت حين حاولت أن أريحه وأطيعه؟! لا يا ابنتي لم تخطئي طبعا، ولكنك لم تحسبي حساب هذه الراحة ولا الثمن المطلوب دفعه في مقابلها .. ولا الأجر المتوقع الحصول عليه، ولم يكن لك فيها نية لله.
لا تتصوري أنني أقلب الحياة إلى بيع وشراء بدون عواطف ومشاعر .. بالعكس فأنا أتمنى أن يحظى كل إنسان بأجمل مشاعر في الدنيا ويحيا حياة كلها مودة ورحمة .. ولكني أعرف تماما أن الله وحده سبحانه وتعالى هو من يملك مفاتيح القلوب، وأن ابن آدم بطبيعته مجادل جهول (أي يخطئ ولا يعترف بذلك، ويرمي بالمسؤولية على غيره) ملول (أي سريع الملل)، علاوة على أنه إذا مسته الضراء بكى واستعطف، وإذا حصل على مراده غدر وكفر .. هذه مواصفات ابن آدم العادية الطبيعية المذكورة في القرآن الكريم، فإذا أراد شخص الحصول على شيء من ابن آدم فعليه أن يوسط رب العباد .. عليه أن يحرص على أن يكون الله سبحانه وتعالى هو الضامن والوكيل في تعاملاته تلك مع أخيه الإنسان، سواء كان زوجا أو أما أو أختا أو صديقا أو أي شخص.
والآن بدل فلسفتي التي قد لا تعجبك تعالي أقول إنه يجب عليك أن تصممي على العودة إلى بيتك، والتصميم يكون بهدوء وحنان حازم.. لأنني أحيانا أفاجأ بمن أطلب منها أن تصمم أنها "بتقلبها خناقة"، وهذا ليس ما أعنيه بكلمة التصميم.. يستطيع الإنسان أن يصمم على شيء وهو مبتسم وهادئ ولطيف.. ولكنه مصمم.
إذن عليك أن تصممي على العودة إلى بيتك، وأن تخبريه بكل صراحة أنك تتمنين أن ترتدي له الثياب العارية.. وتتدللي.. وتعيشي كأنثى.. ولو كانت إجابته: إن هذه الأشياء لا تهمه في مقابل البر .. أو تصوره الخاص عن البر .. فعليك بالدموع و"المحايلة" .. في النهاية حاولي أن تصلي معه إلى اتفاق جديد مؤداه أنه قد يتعب قليلا في الذهاب إلى عمله والعودة منه في مقابل أن تتمكني من تربية ابنك في مكان أوسع قليلا من غرفة واحدة .. وبعيد عن كل تأثيرات التدليل وعدم الانضباط الذي يحدث في بيت أهله .. علاوة على حقك كأنثى في أن تكوني على راحتك و"مش محجبة".
لا تتوقعي النجاح ببساطة، فستجدين مقاومة منه ومنهم وقد اعتادوا وجوده ووجودك أنت وابنك بينهم.. وهذا بالتأكيد يدخل السرور على قلوبهم ويملأ بيتهم بروح جميلة مرحة، عليك إصلاح ما أفسدت "بالمحايلة" بالدلال بالبكاء، لكن أكيد لن تصليحه "بالخناق" والعصبية والإساءة إلى أهله بأي صورة أو أي طريقة قريبة أو بعيدة.