مشاركة في ملف الخليج
لقد اطلعت على رسالة أبناء الصمت والقوة: لا تنسوا أسرانا وأحسست يا سيدي بقسوة ردك على المغتربين،
بحيث أن المشاكل التي ذكرتها صديقتي يعاني منها الشباب المغترب أو الشابات من حيث صعوبة الحصول على زوج والرضا بأقرب شيء موجود وانعدام العمل وعدم توفر الدراسة لدرجة أننا ندفع مبالغ طائلة للالتحاق بجامعات خاصة غير معترف بها ليكون اسمنا متعلمين والإحساس بالدونية وحصار الوالدين الشديد وجفاف منابع العطاء من حيث الأهل والأقارب، الابتعاد عنهم يؤدي إلى نسيانهم وعندما نلاقيهم نشعر أننا لانعرفهم (الجفاء، القسوة) فما رأيك بشابة في الثانية والعشرين من عمرها قد ذهبت إلى عدد من الأطباء بسبب انعدام الطاقة واصفرار وجهها الدائم وقد برر الأطباء ذلك بالحبس والاكتئاب ونصحوها بالخروج والاجتماعيات وما إلى ذلك من أشياء مستحيلة عندنا..
ما رأيك بها؟ تحيا صامتة لا تستطيع التعبير عما في نفسها إلا بالدموع أو بالقلم، ما رأيك بها، لا تستطيع أن تختار أي شيء في حياتها.. حتى شريك الحياة!
أحيانا يتهمها البعض كأنها في الخمسين من العمر فما رأيك بآثار الغربة التي تشبه آثار القنبلة النووية من حيث الشيخوخة المبكرة وانعدام العقل وانحباس اللسان فعندما عممت القضية وجعلتها قضية أمة لا قضية شباب وبررت لأهالينا أسباب مقنعه للحياة خارج مصر وعدم العودة أيضًا حيث لا وجود لموضع قدم تألمت!
فما ذنبنا إذا طلبنا أو اخترنا أن نحرم مما نريد أو نختار؟؟ ولماذا تضيق عنا بلدنا وتتسع لنا بلاد الآخرين ولم أفهم قضية الكذب التي تحدثت عنها وأن حياتنا في الخارج قد تكون أفضل بكثير من مصر ومع أني أحيا منذ 17 عام في هذا البلد العظيم فإننا مهددون في أي وقت بالترحيل إلى مصر لذلك يجب أن نحيا جنب الحيطة لكي نسلم من خطر التهديد بالرحيل فما طعم هذه الحياة؟؟؟ وهل تتخيل أني إذا عدت إلى مصر أستطيع أن أتأقلم مع الحياة هناك بعد أن تربيت هنا ودرست من الصف الأول الابتدائي؟؟ فأي نفسية؟؟؟ وأي استقرار؟؟؟
وأنا أي موضع قدم في مصر يكفيني عن سعة مواضع إقدام وانعدام كل شيء آخر أما البحث عن المال ففي نظري ليس حجة كافية لأننا فقدنا ما لا يمكن أن يشترى بمال وأصبحنا مسوخا بلا هوية وأصبح من حق أي إنسان في الدولة التي نعيش فيها أن يسبنا علانية وفي وجوهنا وأن نصمت لأن هذا هو وضع البلد وإذا كنا قد وجدنا الرزق واكتفينا منه فلماذا لا نعود؟ ولماذا نعتبر أنفسنا فارين بديننا وأن سبيلنا إلى الجنة هو تواجدنا في السعودية وهل يا ترى الجفاف والقسوة وحصار الآباء المبرر بالخوف علينا من الغربة موجود أيضًا داخل مصر؟؟؟ نفس القدر المؤلم؟؟؟
وهل يفقد أبناء مصر كيانهم وشعورهم بالثقة في ذاتهم وقدراتهم؟ أو لا تجد من أبناء مصر من لا يتمسك بدينه بشكل صحيح، أرجو أن تتناول قضية الشباب والشابات المغتربات رغما عنهم بشكل خاص بغض النظر عن قضية الأمة التي تحتاج إلى إصلاح لأن الغربة ليست سبيل إلى الإصلاح،
وجزاكم الله خيرا وأرجو أن يتسع صدرك لكلامي وأن أكون أحسنت فهمكم في الرد السابق
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
25/2/2005
رد المستشار
أشكرك على مشاركتك وعلى تهذيبك، في الحقيقة أنني لم أقل كل ما أردت قوله ردا على الرسالة التي أرسلتها الأخت عن حالتها وصديقاتها، ولكنني خشيت الإملال، ووجدت أنني قد كتبت بالفعل ست صفحات فقلت: يكفي وأعود في فرصة أخرى، فشكرا على إعطائي هذه الفرصة.
ولأنك تكررين ما قاله غيرك من قبل: أرجو أن أكون قد أحسنت فهمكم في الرد سابق، وهذا أدب منك يدفعني إلى الاجتهاد أكثر في الإفهام والتفهيم، والله أسأل أن يخلص أعمالنا لوجهه، وأن يصل بكلامنا إلى الإفهام كما نقصده.
نعم يا أختي ليست الغربة في حد ذاتها سبيل للإصلاح، وكذلك فإن الإقامة في الوطن إن لم تقترن بجهد واضح وعملي ومخطط فرديا وجماعيا، فلن تكون أيضا سبيلا لأي تغيير أو إصلاح، ولعك تدركين معي أن حل ومعالجة المشكلات الفردية بمعزل عن المشكل العام هو بعض ما أوصلنا إلى ما نحن فيه، وتذكري أن جيل الآباء والأمهات ومن فروا بدينهم إلى حيث الوفرة لأن هناك من فعلوا هذا وذاك، هذا الجيل كان يبحث عن حلول فردية في الأساس، وظن أن الغربة ستحل المشكلة، وأربأ بك أن تظني العكس!!!
فواقعنا البائس وأسئلتنا الحائرة ليست إجابتها محض العودة بالأجساد إلى أرض الوطن كما لم تكن الإجابة الصحيحة من قبل هو الارتحال، إذن العبرة ليست في أن نحل –بكسر الحاء– أو نرتحل، وإنما يبدأ الحل بأن تعود مصر، ونعود إليها، في القلوب والعقول والهموم والهمم، والشجون والشئون، وفي التخطيط والفعل، وفي تدبير البناء، ومعالجة المشكلات، وهو تغيير استراتيجي كبير نخرج به من حالة "إدمان الشكوى"، وثنائية تمجيدا جلد الذات، التي تعودنا عليها كمصريين مقيمين أو مغتربين إلى إستراتيجية جديدة بناءة وإيجابية تبحث عن حال مائل لتصلحه بدءا من الصغائر إلى عظائم الأمور، تصوري لو أن الملايين الخمسة أو السبعة -على تعدد الروايات عن المغتربين– والملايين السبعين بحسب التعداد الأحدث-، تصوري أن هؤلاء جميعا يكفون عن الشكوى والنقد السلبي، والبكاء على اللبن المسكوب، وتدبيج عرائض مديح الذات أو شق الجيوب بجلدها، ولو أننا توجهنا جميعا لفعل شيء مفيد، ولو كان بسيطا، كيف يمكن أن تكون مصر ؟!!
طيب... هل انتهت إجابتي عليك هكذا؟!!
وهل سننتظر حتى يفتح الله على الغافلين فينتبهوا، والمغفلين فيهموا والغارقين كل في مخدراته ليفيقوا؟!!
أقول: إذا كان اختيار الآباء والأمهات واجتهادهم واجتهادهن قد أوصلنا إلى ما نحن فيه، أو أوصلكم إلى ما أنتم فيه، فما هو اجتهادكم أنتم؟!
لا تقولي لي: العودة إلى الوطن، وترابها زعفران، وموطأ قدم تحت أي شجرة فيها أغلى من الدنيا وما فيها.
شوفي: أنا أعتقد فعلا أن شبرا من أرض بلادي يمكن أن أفديه بروحي، ولكن هذا ليس برنامج عمل لتغيير أحوال أفراد أو بلد، هذا يمكن أن أقوله لك أو أقوله في حصة التربية الوطنية أو برنامج صباح الخير يا مصر.
إنما العمل يكون كالتالي – وأنا هنا أقترح – وأبدأ بحيث أنتم:
- الخليج ليس أمريكيا ولا فارسيا، وهو ليس ملكا لأهله أو لمن يحملون جنسية أقطاره وحدهم، بل هو ملك لنا جميعا مثلما هي مصر بيت لكل عربي ومسلم، وتعديل أوضاع المقيمين على أراضي الخليج لتصبح أكثر آدمية وإنسانية، هذا التعديل هو مسئوليتنا جميعا لأن قوانين السبي والعبودية والكفيل، وأوضاع ال"بدون"، والتمييز الصارخ بين مواطن ومقيم هو وضع لا يرضاه دين ولا عقل، وهذا الملف مرشح لتغييرات واسعة وسريعة إذا وجد من يتبناه بعقل وتدرج ودأب وأدب، والأصوات الخافتة الهامسة التي تتناول هذه المسألة تحتاج إلى دعم.
- هناك في السعودية وغيرها تيارات إصلاحية جادة وجديدة بعضها يدعو إلى الانفتاح والتغيير من منظور إسلامي معتدل ومستنير، والالتحام بهذه التيارات ودعمها خطوة لازمة لتعديل هذا الإصلاح المنشود بشدة، والذي سوف يؤثر على المنطقة العربية بأسرها في حالة حدوثه، بينما سنتضرر إذا كان الإصلاح القادم -لا محالة– أمريكي الهوى والهوية، ولو كان عربي اللافتات والواجهات. لابد من دعم هذه التيارات معنويا بالمشاركة الإيجابية ونشر الأفكار وتطويرها والإصرار على الإصلاح والتغيير من منظور الإسلامي كما نفهمه ونريده
- يقتضي هذا أن تنهدم الأسوار والحواجز والمتاريس التي أقامها الاستبداد ودعمها التخلف باسم الدين، وهذه الأسوار والمتاريس أقيمت لعزل المواطنين عن المغتربين، وعزل المثقفين عن العامة، وعزل عامة الرجال عن عامة النساء، وعزل وتقسيم المجتمع إلى فئات تتعامل معهم السلطة كل على حدة فتسهل عليها السيطرة، والمطلوب فتح مجال مدني عام يعتمد الحوار المستمر الصريح لتناول القضايا الاجتماعية والاقتصادية ثم السياسية، ولا أستعجل البدء بحتمية التقاء الرجال والنساء في مكان واحد، ولكن كسر الأسوار والمتاريس والحواجز هام ولنبدأ بكسر بين المواطنين المغتربين، وهو ما يستلزم جهدا من عقلاء الطرفين.
- نحتاج إلى روابط قوية بين المصريين المغتربين وأوطانهم لإحياء معاني الانتماء في نفوسهم من ناحية التعريف بالوطن تاريخه وقضاياه وواقعه الحالي بإمكاناته وتحدياته، وبدء المشاركة الفردية والجماعية في تحريك الجهود حثيثا نحو الفهم والتعامل مع هذه القضايا، وبالتالي يمكننا فتح آفاق كثيرة لتبادل النفع والمعرفة والاتصالات بين مصر المقيمين والمغتربين، وعبر هذه الروابط يمكن أن تنحل بعض مشاكل هؤلاء وهؤلاء، ومنها مثلا التعارف للزواج، وإيجاد فرص عمل أحيانا..الخ.
- المعركة واحدة هنا وهناك ضد الجمود والاستغناء عن التفكير، ضد العزلة وفقدان الأمل، ضد إدمان الشكوى، وتعطيل العمل، ضد اليأس والاكتئاب، وضد مفاهيم الأساطير الساذجة، وضد حصار الأفكار والطاقات في مصر وخارجها. التدين المغشوش منتشر هنا وهناك، ومعركتنا كأفراد سنخوضها في بيوتنا أولا ردا على أطروحات التخلف، وأصنام الكذب الذي نكذبه على أنفسنا ليل نهار في مصر والسعودية وغيرهما.
- نحن نقول لأنفسنا أحيانا: كل شيء منهار، ولا فائدة، وهذا كذب، ونقول أحيانا، الخير في مصر، ولا خير في السعودية، وهذا تكذبه الحقائق، أو يقول آباؤكم أن مصر بلاد الفساد، والخليج أتقى وأنظف، وفي كل بلد نجد الصلاح والطلاح، هذه كلها أكاذيب نتداولها ونستهلكها أو نسمعها ونمررها، لسنا ملائكة ولا شياطين، لسنا مقدسين ولا مدنسين مصريين كنا أو سعوديين، نحن بشر نصيب ونخطئ، ومعا سنعمل بأمل، ومن أجل الإصلاح، ومعا سندفن الأفكار المتعفنة، والعنصرية المنتنة، وأخطاء الماضي في التصورات والممارسات.
- هذه خطوط عريضة ومبدئية لبدايات برنامج عمل فهمت من رسالتك أنك تسألين عنه، وأرجو أن أكون قد أحسنت فهمك، وأهلا بك.