السلام عليك ورحمة الله وبركاته,
دكتور وائل أبو هندي,
أنا صاحبة مشكلة قلق الفتاة المؤمنةأشكرك حقا يا أستاذي على كلامك الطيب الذي جعل قلبي يرتاح من هذا الهم وإنني أسأل الله دائما حب الصلاة ولست ادري إن كان السبب في تثاقلي منها هو الطريقة التي فرضت فيها علي وأنا صغيرة حيث كانت أوامر أبي لي بالصلاة مصاحبة بالاستهزاء والسخرية وإن قصرت مرة فيجب أن أسمع من الشتائم الشيئ الكثير وهذا كله وأنا بين 8 و ال12 سنة .. ولم أكن أفهم معنى للصلاة.
ولم أفهم لها معنى إلا عندما بدأت أسمع شرايط الاستاذ عمرو خالد–حفظه الله– وعندها بدأت أحب فقط الصلاة في الليل, وأشعر بها براحة نفسية فظيعة وإحساس عارم بالثقة والراحة والاستقرار النفسي مهما كانت مشاكلي كثيرة, لكن صلاة الفروض هي التي أحس بها بالغلبة وأنا أدعو الله دائما وأحاول أن أجاهد نفسي كثيرا وأعدك بأنني لن أيأس بإذن الله فهذا شعور مرعب بالنسبة لي,
فاليأس ماهو إلا بداية انهيار العلاقة مع الله والثقة فيه سبحانه وتعالى, وإنني دائما أفكر كيف أصبح بنقاء السيدة مريم أم عيسى عليه السلام, وأنا لا أقوم بالكثر من أعمال الخير رغم أنها في بالي ولكن لا أجد التشجيع الاسري والمادي الذي يدعمها ومن اهمها مثلا كفالة اليتيم معنويا,
فصديقة أختي توفي زوجها من سنتين وعندها 3 بنات وولد وهو يعاني نفسيا بشكل فظيع بعد موت أبيه ومرضت كلاه وأصبح يتبول بالدم, وإنني أريد حقا أن أساعد هؤلاء الفتيات أنا وأختي خاصة أنهن يحببنا جدا أريدهن أن يجدن صديقات وأخوات كبار يلجأن لهن, وعندما أجد محاربة لي في أسرتي أشعر بالاكتئاب وأنني لا أفعل شيئا يفيد المجتمع .... أعرف أنني دخلت في موضوع آخر,
لكن الصلاة يصبح لها معنى أكثر عندما يبدأ الانسان بفعل الخير وينسى العقد النفسية المترسبة في نفسه مهما كانت كبيرة هذا ما جربته عندما كنت أستمع لمشكلات صديقاتي وأحاول نصحهن ثم أهديهن شريطا للأستاذ عمرو يتكلم عن نفس الموضوع الذي هن متضايقات منه, ولا أعرف كيف أصف فرحتي عندما حثثت فتاة على الصلاة والقرب من الله وجاءت بعد فترة لي تشكرني وتقبلني وتقول لي كم أفتقد هكذا صديقات .... وكم أسر عندما اعرف أن صديقة لي تجدني الوحيدة التي نقبل النقاش في أمور الدين الفكرية وأتيح لها أن تعبر عن امتعاضها عن بعض الافكار في حين يقطب الجميع جبينه ويقولون الكلمة المعهودة, حرام, على أي شي وحتى دون فهم .... إنني بحاجة لفعل الخير يادكتور وائل وأشعر أنني أنتهي إن لم آخذ بيد انسان.
وإنني الان أطلب مساعدتك لي في موضوع دراستي, فأنا رغم أنني قدمت البكالوريا علمي وأعدتها إلا أنني بتوفيق الله طلع لي قسم علم اجتماع وأننا متأملة أنني أستطيع تحقيق الكثير, لأنني والحمدلله أملك شخصية قوية وجذابة في الحديث وعندي قدرة على الاحوار والاقناع وأهتم بالاخرين كما أهتم بنفسي, وأتأمل أن أحقق نجاحا لكنني بحاجة إلى يد حانية وخبيرة ترعاني وتوجهني ولست أجد أفضل منكم يا سيدي, فهل تقبلون أن تتبنوني علميا.
ومن هنا فأنا قبل أن اخطو أي خطوة في إصلاح أي أحد علي إصلاح نفسي وإبراز إيجابيتها والقضاء على أي ترسبات نفسية سيئة بسبب المعاملة الفظة كي أرى الامور على حقيقتها لا من منظور المعاناة.
وبناء على هذا فإنني متشجعة لطرح مشكلة نفسية على حضرتك, خاصة وأنني أتابع ردودك في إسلام اون لاين وتعجبني جدا طرق معالجتك للأمور فهي عملية وليست نظرية.
فأرجو يا سيدي أن تكسب بي ثوابا وإليك المشكلة: عمري عشون عاما ومشكلتي هي:
مشكلة العنف في نفسي, حيث إنني وصلت لمرحلة, عندما أغضب غضبا شديدا ألجأ إلى شيئ حاد وأجرح نفسي, وأحيانا عندما يشتد غضبي, أكسر الزجاج بشدة على الأرض حتى يتحول الى قطع ناعمة, وعندما يقف أحد في وجهي ولا أستطيع ضربه أضرب نفسي, ومرات أفكر بالقتل, ومرة خربشت وجهي .... لشدة غيظي وغضبي وعندما تنتهي هذه الحالة الهستيرية معي أهدأ بشكل غريب ومعاكس تماما حتى أنني لا أستطيع الكلام ثم أنام طويلا.
وعندما استيقظ كأن شيئا لم يكن وأكون مسالمة جدا وأفكر بالأمور بعقل وحكمة ومهما كان الأمر مغيظا فلا يعود لي قدرة على أن أغتاظ منه ولكنني أكون خجلة جدا من نفسي ومن تصرفي بهذه الطريقة وخاصة مع من شاهدني بهذه الحالة, وخجلي هذاينعكس على تصرفاتي ويعاودني التوتر ويزداد شيئا فشيئا ... ولا أحب مقابلة هؤلاء الناس الذين رأوني بهذه الصورة مهما كنت أحبهم وأنعزل شيئا فشيئا,
حتى أنني أشك أنني أستطيع الزواج وبناء أسرة, فهذه ليست الطريقة التي تعالج فيها الأمور ولكنه شيء خارج عن إرادتي وكلما تقدمت بالعمر ازداد ذلك وتوحشت أكثر, وإنني ذات شخصية قوية وقيادية وذكية, أتمتع برجاحة عقل, وكلمة مسموعة بين صديقاتي حيث لا أحد يعلم ذلك مما يصدر عني, لأنني أتفاهم معهم جدا ومهما جاروا علي في المزاح أحس به شيئا محببا إلى نفسي ولا أتضايق منهم لأنني أثق بحبهم لي, لكنني أعتقد أن ذلك ليس وضعا طبيعيا.
ولا أملك نفسية متزنة وأكثر ما يثير غضبي هذا هو أن يتهمني شخص بشيء لي في, أو أن يقابل المواضيع التي أتكلم بها بسخرية ..... فإن هذا يجعل النار تخرج من رأسي....ولأول مرة رميت بكل شعاراتي وأهدافي وراء ظهري ولم أعد أريد نصرة العراق وإنقاذ فلسطين بل سخرت من نفسي أنني كنت أفكر أنني سأصنع شيئا جيدا للإسلام, إذ كيف سيقبله الله مني وأنا بهذه النفسية وهذه الأخلاق المقيتة..... أعطيكم معلومات عن وضعي العائلي: شجار دائم, تحقير وإهانات منذ الصغر, لا أسمع كلمة حب من أحد, لا أحد يهتم بي, ومحاربات على جميع الصعد, حتى على الصعيد الدراسي ....... الاضطهاد العاطفي شغال على الأربع وعشرين منذ 20 عاما.
هل أحتاج طبيبا نفسيا وفي حال عدم وجوده كيف يمكن أن أعالج نفسي؟؟؟؟؟؟؟؟؟.
وجزاكم الله خيرا .....
7/9/2003
رد المستشار
الابنة العزيزة، أهلا وسهلا بك وشكرًا على ثقتك في صفحتنا استشارات مجانين،
الحقيقة أننا نشعرُ بنوعٍ من الحيرة تجاه استشارتك تلك، ذلك أن جزءها الثاني يعطي للطبيب النفسي إيحاءات تختلف تماما عما يوحي به جزؤها الأول، وسيتضح لك مقصدنا بعد قليل فأما ما يتعلق بالجزء الأول من إفادتك: فيبدو أنك صائبةُ الرأي إلى حد كبيرٍ فيما يتعلق بتثاقلك القديم عن أداء فريضة الصلاة، فمن المؤكد أن طريقة الوالدين في ترغيب أبنائهم في أداء فريضة الصلاة يجب أن تكون غير الطريقة التي كانت تتبع معك،
فلجوء الوالدين إلى السخرية من أبنائهم والاستهزاء بهم رابطين ذلك بتقصير الأبناء في الصلاة لا يمكن أن تولدَ في الشخص الطبيعي في تلك المرحلة من العمر (نهاية الطفولة وبداية المراهقة) إلا رفضا لذلك الذي يؤمرون به حتى ولو كان الصلاة المفروضة من رب العزة، خاصةً وأن من خصائص تلك المرحلة النفسية من النمو أن يحاول المراهق باستماتة أن يشكل لنفسه هويةً مستقلةً تختلف عن هوية الآخرين وتتخذ لنفسها آراءً خاصةً وتوجهات مبتكرةٍ أو على الأقل مخالفة لما هو مرضي عنه من الآباء،
فهذا جزءٌ مهم من صراع الهوية ومن الانتقال من الاعتماد النفسي على الوالدين إلى الاستقلال عنهما، والآباء الأذكياء هم الذين يبعدون الصلاة وغيرها من الفروض الدينية عن صراع الهوية ذلك بالنسبة للمراهق، ولا يدخلون الأمور المتعلقة بالدين في ذلك الصراع قدر الإمكان، فليكن الخلاف مثلا في التوجهات السياسية أو الثقافية أو الاجتماعية، ولن نعدم نقاط الاختلاف، بمعنى آخر فإن الصلاة يجب أن تعلم لأبنائنا من خلال الترغيب والحسنى والقدوة، وليس بالترهيب والإكراه.
المهم أن الله سبحانه وتعالى شاء لك الهداية بعد ذلك فأصبحت ملتزمةً بالصلاة حتى وحريصةً عليك حتى وإن مرت بك بعض فتراتٍ من التثاقل كما يفهم من إفادتك السابقة قلق الفتاة المؤمنة، وهذه أنت الآن تجاهدين نفسك وأسرتك ساعيةً لفعل الخير وحريصةً على بذل الجهد في سبيل ذلك كان الله في عونك دائمًا، كما أنك أصبحت داعيةً إلى الله بين صديقاتك، أثابك الله على حسن فعلك خير الثواب وأما بخصوص رغبتك في أن نتبناك علميا، فإننا نرحب بذلك لأن تبني فتاةٍ نابهة صالحةٍ مثلك أمرٌ مشرف وواعد بخير كثيرٍ إن شاء الله.
أصل بعد ذلك إلى الجزء الكبير الثاني في إفادتك، والذي كان مفاجئا بالنسبة لي حتى أنني أستغرب وروده في نفس الإفادة، فمع الجزء الأول من إفادتك والذي قمنا لتونا بالرد عليه، لا يتوقع أحدٌ ما يرد في الجزء الثاني والذي تقولين فيه (مشكلة العنف في نفسي, حيث إنني وصلت لمرحلة, عندما أغضب غضبا شديدا ألجأ إلى شيئ حاد وأجرح نفسي, وأحيانا عندما يشتد غضبي, أكسر الزجاج بشدة على الأرض حتى يتحول الى قطع ناعمة, وعندما يقف أحد في وجهي ولا أستطيع ضربه أضرب نفسي, ومرات أفكر بالقتل, ومرة خربشت وجهي)،
فهل هذه مشكلةُ فتاةٍ أخرى؟ أم أن تصنيفات الطب النفسي وطريقتنا في فهم الناس كلها تحتاج إلى إعادة تقييم؟؟!!!
أقول ذلك لأن سلوك إيذاء الذات بجرحها أو خربشتها أو غير ذلك لا يمكن أن يستقيم مع فتاةٍ لها من الصفات والمميزات ما جاء في الجزء الأول من إفادتك! فسلوك الإيذاء المتعمد للذات حتى ولو كان في فورة الغضب وذروته إنما يستدعي في ذهن أي طبيب نفسي صفات أخرى وسمات شخصية أخرى تختلف تماما عن وصفك السابق لنفسك، فلا يمكن أن تكون لديك سمات اضطراب الشخصية الحدية أو البين بينيةBorderline Personality Disorder .
ونحن في الواقع لهذا السبب نجد أنفسنا أمام احتمالين: الحلم "البين بيني"00! والشخصية الحدية
الأول: هو أن تكوني قد بالغت بعض الشيء أو ذكرت لنا ما حدثَ مراتٍ معدودةٍ في حياتك وكأنه مشكلةٌ تعيش معك فأنت تقولين (عمري عشرون عاما ومشكلتي هي مشكلة العنف في نفسي, حيث إنني وصلت لمرحلة, عندما أغضب غضبا شديدا ألجأ إلى شيئ حاد وأجرح نفسي) ونحن نعتبر أن هذا إن حدث معك فإنه حدث لمراتٍ قليلةٍ وإن كان الأمر غير ذلك فأخبرينا بتفاصيل أكثر ولمزيد من المعلومات حول هذه الشخصية عليك بمراجعة إجابتنا السابقة بعنوان: كما أن وصفك لتلك النوبات الغضبية بأنها نوبات هيسترية فهذا أيضًا ما تحتاجين لتصحيحى مفاهيمك فيه لأن النوبات الهيستيرية لا يحدث فيها إيذاءٌ متعمدٌ للذات،
إلا إن كنت تقصدين بكلمة هيستيرية معنى آخر غير المعنى المقصود بها في الطبر النفسي (وهي بالمناسبة كلمة لم نعد نستخدمها كأطباء نفسيين في كلامنا العلمي وذلك بسبب التباس معانيها عند الناس فهم مثلاً يطلقونها على نوبات الغضب غير المتحكم فيه كما فعلت ويطلقونها أيضًا على نوبات المشاعر المتضاربة التعاقبة أو التي تصاحب بعضها بعضًا كالبكاء والضحك في نفس الوقت، لكن أيا من معانيها القديمة تلك ولا حتى الحديثة لا يشمل إيذاء النفس المتعمد بل إنه يستبعد ذلك تماما، فلو حدث ضرر جسدي للشخص عادةً ما يكونُ بسبب الآخرين أو بسبب خطأ غير مقصود منه)
إذن سنسمي ما تصفينه بنوبات من الغضب والاندفاع تكسرين فيها الأشياء ربما وتعتدين على جسدك ربما، ولكنك بعدها تهدئين تماما وكأن شيئًا لم يحدث بل تفقدين القدرة على الغضب من الذي كان قد أغضبك، وهذا ما يجعلنا نصل إلى الاحتمال الثاني.
والاحتمال الثاني: هو أن تكونَ هذه النوبات ناتجةً عن خلل ما في نشاط المخ الكهربي لديك، ولعل ما يدفعنا لذلك هو قولك أنك تنامين طويلاً بعد تلك الحالة، وإن كان الأكثر شيوعا في حالات نوبات الهياج الناتجة عن خلل في نشاط المخ الكهربي، هو أن تحدث هذه النوبات دون مثيراتٍ معنوية معينة وأنت تقولين بعد ذلك أنك تشعرين بالخجل، حتى أنك تتجنبين كل من رأوك وأنت في تلك الحالة بعد ذلك، أي أنك ترفضين هذا النوع من السلوك تمام الرفض، ونصل بعد ذلك إلى قولك ولا أملك نفسيةً متزنةً، ثم تصفين بعد عدة عباراتٍ نفسيتك بأنها نفسية مقيتة،
وأنا لست معك في ذلك، فأنت في الأغلب طيبة القلب ودودة ومحبة للخير ولديك كثير من الصفات المحمودة، ومن الواضح أن السلوكيات السيئة تلك ليست منك ولا أنت منها، ولابد في واقع الأمر من أن تقومي بعرض نفسك على أقرب طبيب نفسي لأنك بحاجةٍ إلى تقييم شامل كما أنك بحاجةٍ ربما إذا ارتأى طبيبك النفسي ذلك إلى تخطيط كهربي للمخ لمعرفة السبب وراء حالات الهياج والغضب الغريبة تلك، وأنا شخصيا أشعر أن الأمر سيكون أبسط بكثيرٍ مما تتصورينه وتصورينه لنا في الجزء الثاني من إفادتك، ولكن الأمر في حدود ما ذكرته لا يصح معه أن أقول لك أنك قد تستطيعين علاج نفسك بنفسك، وفي النهاية أتمنى أن يوفقك الله وأن يقربك منه وأن يتولاك برعايته وهدايته وتابعينا بأخبارك.
ويتبع>>>>>>>>> : قلق الفتاة المؤمنة .. م1