السلام عليكم
أنا شاب متزوج منذ ستة أشهر، اشترطت زوجتي السماح لها بالعمل فوافقت، لكن بشرط قدرتها على التوفيق بين عملها ومسؤولياتها الزوجية والعائلية خاصة أنني أقيم مع عائلتي. في البداية كان الأمر سهلا، كان عملها قريبا من البيت وتوقيته منتظم فلم أكن أحس بغيابها إلا صباحا عندما تستيقظ مبكرا، ولكن مع مرور الوقت ومع تغير مكان عملها إلى مدرسة بعيدة تضطر للخروج باكرا والعودة أحيانا متأخرة. أصبحت أرى عملها أنانية، فعملي أنا للعائلة (لنا نحن الاثنين)، أما عملها فلها فقط.
أنا أرى دور الزوجة ليس في التنظيف وغيرها من الأعمال المنزلية فقط وإنما يتعداه إلى دورها كصدر حنون يستقبلني كل مساء وهي متزينة، ومشتاقة إلي وتلومني إذا تأخرت (هكذا أرى جزءا من دورها) .. صارحتها بعدم رضاي بالوضع و.. و.. أتذمر كل يوم من خروجها باكرا، وأشتكي لها من غيابها وشوقي لها. هي الآن حامل في شهرها الثالث، وعليها ركوب المواصلات للوصول إلى عملها والعودة منه.
هي إما غائبة عن المنزل أو مرهقة. أعلم يقينا أني لو طلبت منها المكوث بالبيت فإن ذلك سيكون بداية لمتاعب ومشاكل لا نهاية لها. وقد يصل الأمر إلى ذهابها إلى بيت أهلها.. أحب أن تشتغل زوجتي وأن تملأ وقت فراغها، ولكن لا أن تملأ الوقت المخصص لي، وصارحتها أني لا أرضى حتى لأولادي (إذا رزقنا الله بهم) أن ينازعوني في وقتي، كل هذا في غياب الأولاد فكيف سيكون الوضع في وجودهم؟ دائما أحاول أن أوصل لها رسائل عن الأولويات وعن ضرورة ترتيبها، وعن أولوياتها هي.
أظهر عدم رضاي وأفتح باب النقاش حول مشكل خالتها التي تعمل وتترك أولادها عند المربية التي كانت تضربهم إلى أن اكتشفت أمرها من بكاء الطفل، وكيف أنها تبحث عن مربية أخرى فأخبرتها أن أحسن وأفضل مربية لهم هي أمهم.
أحبها جدا وهي تحبني، ولكن أعتقد أنني إن طلبت منها المكوث بالبيت فيمكن أن تستغني عن زواجنا.. أعترف أن لي نزعة امتلاكية نوعا ما ولكن أريد منها أن تجعل عائلتنا أولى أولوياتها. أختاها تعملان، كل واحدة أم لطفلة وخالتها أم لطفلين، وأعتقد أن الرأي السائد لديهم أن المرأة التي تتم دراستها يجب أن تعمل وإلا فقد ذهبت جهود الدراسة سدى.
أرشدوني، فالجو مشحون في البيت،
وشكرا لكم.
18/7/2022
رد المستشار
أخي الكريم.. بارك اله لكما في زواجكما وفي ذريتكما، وأتم عليكما السعادة في الدنيا والآخرة.
دعني اتفق معك في البداية على شيء: إذا كانت أمنيتك هي أن تعود لعشك كل يوم فتجد زوجتك (صدرًا حنونا يستقبلك وهي متزينة ومشتاقة وتلومك إذا تأخرت) – كما تقول، فإن عمل زوجتك يا أخي ليس له دور من قريب أو بعيد في تحقيق هذه الأمنية أو عدم تحقيقها!! هذه الأمنية الفطرية التي يتمناها كل زوج طبيعي يتوقف تحقيقها على عوامل أخرى أهمها: طبيعة العلاقة بين الزوج والزوجة وطبيعة شخصية كل منهما، بدليل أن هذا الحلم لا يتحقق في بيوت كثير من الزوجات غير العاملات، بل قد يحدث العكس، فيعود الزوج ليجد زوجته مستعدة للقائه بقائمة الطلبات ولائحة من الشكاوى من أمه أو أخته أو أبنائه، ويفاجأ بأن هذا الفراغ قد امتلأ نكدًا وغيظًا.
أعود وأقول: إذا حرصتما –من الآن – على تعهد المشاعر الحب والتواصل بينكما، وإذا اجتهد كل طرف أن يغير من نفسه ومن الآخر – قدر المستطاع – للمحافظة على حيوية وبريق العلاقة بينكما، عندئذ ستتحقق الأمنية.. فأنت مثلا تعود من عملك ومعك وردة جميلة أو هدية رمزية لتقدمها لزوجتك وتضمها إليك وتعبر لها عن شوقك لها، وإذا عدت في يوم ولم تجدها على القدر المعقول من الزينة تقول لها: أنا أحب أن أراك في كل صورك، ولكنك عندما تتزينين يزداد جمالك في عيني.. وعلى الجانب الآخر، إذا عدت ووجدتها متزينة تعبر لها أنك اليوم أسعد رجل في العالم لأنه عاد من عمله فوجد هذا القمر المضيء في انتظاره.. ولا مانع –بل إنه يجب – أن تظهر ضيقك وحزنك إذا انشغلت عنك زوجتك وذلك لكي لا تتمادى في تهاونها وتقصيرها، ولكن بشرط أن يكون هذا مقترنا بتعبيرك عن الحب لها، وأنك تنتظر اهتمامها لأنك تحبها، ولو لم تكن تحبها لما اكترثت بها.. وأن تدعوها للمحافظة على هذا الحب وألا تضيعه بإهمالها لك.
النهر يفيض بالحب ليروي العلاقة بينك وبين زوجتك إذا سارت العلاقة بينكما على هذا الطريق وبهذه الروح، فإن زوجتك ستكون حريصة كل الحرص على تلبية ما تتمناه منها، ليس فقط لأن هذا يسعدك ولكن لأنه يسعدها أيضًا، ولأنها تستمتع به مثلك تماما وتحتاج إليه ليهون عليها متاعب اليوم من عمل وبيت وأولاد... وهذا هو "السكن" الذي تحدث الله تعالى عنه حين قال: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا) وليس المقصود من الآيات الرجل فقط، بل كلاهما يسكن للآخر.
وأختم هذا الجزء من إجابتي بتعليق للدكتور "سحر طلعت" – مستشارة القسم الاجتماعي بالموقع- على الآية الكريمة: (وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ)، فتقول أنه ليس المقصود الإفضاء الجسدي والجنسي فقط، بل وأيضًا الإفضاء الوجداني والنفسي، فكل طرف يتواصل في علاقته مع الآخر ويفضي إليه ما بداخله من مشاعر وأفكار، وهكذا تكون هناك علاقة حقيقية رائعة بين الزوجين.
أخي الكريم.. لن أطيل أكثر من هذا في حديثي عن أمنيتك وعن العوامل "الحقيقية" التي تؤثر في تحقيقها وسأنتقل الآن للحديث عن مشكلة عمل زوجتك.. وسأعبر عن رأي في ثلاث نقاط:
النقطة الأولى:
زوجتك "لن" تترك عملها!! وإذا تركت العمل فإن حياتك ستنقلب جحيمًا"" زوجتك "رضعت" حب العمل من أهلها، وهي ترى أخواتها وخالتها يعملن، كذلك فإن كيمياء عقلها وقلبها سيحدث بها اضطراب إذا لم تعمل،وسيصيبها الاكتئاب والحزن والنكد حتى إذا ضغطت على نفسها ولم تذهب لبيت أهلها وقررت أن تحافظ على بيتها فإنها لن تكون سعيدة، وستنقلب تعاستها عليك!! هي كانت عاقلة وصادقة مع نفسها منذ البداية واشترطت عليك هذا الشرط، ولكن –سامحني- أنت لم تفكر في الأمر بالعمق المطلوب ووضعت شرطا نسبيا ومطاطا وهو التوفيق بين عملها ومسؤولياتها الزوجية والعائلية.. هذا الشرط فضفاض جدًا، ويمكن أن يفهم بألف طريقة!! والآن.. لا سبيل للتراجع! حاول أن تجلس مع زوجتك جلسة هادئة، وتتفقا على الحد الأدنى من المسئوليات الزوجية والعائلية التي يجب عليها القيام بها، وتتفقا أيضًا على الأمور التي يمكنك التنازل عنها، وكذلك على الأمور التي لا مانع لديك من أن تساعدها فيها.. هذا الاتفاق سيكون اتفاقا مبدئيا، وهو سيبدل بلا شك مع تبدل الظروف، ولكن لا مانع من أن تضعا إطارا عاما ثم تكتسبون مهارة "المرونة" في إجراء بعض التعديلات إذا لزم الأمر بكل الحب والتفاهم والهدوء وبدون توتر أو مشاحنات.
النقطة الثانية:
كل إنسان يا أخي من حقه أن يحافظ على احتياجات (نفسه) حتى يستطيع أن يلبي احتياجات الآخرين.. وهذه ليست أنانية، بل هي تصرف عامل وحكيم، وعلى العكس... ليس من النبل أو الشهامة أن ينتحر الإنسان أو يدمر نفسه ليحيا الآخرون.. دعني أوضح فكرتي: كل إنسان منا يحتاج شيئا ما يحقق لو توازنه النفسي حتى يستطيع أن يقوم بدوره تجاه الآخرين، فإذا لم يلبي هذا الاحتياج الشخصي فإنه لن يستطيع تلبية احتياج الآخرين.
هناك زوجة يتحقق لها توازنها بأن تكثر من زيارة أهلها، وهناك أخرى تحتاج أن تسترخي ثلاث ساعات يوميا أمام شاشة التلفزيون، وهناك ثالثة تتحدث في التليفون أربع ساعات، وهناك زوجة تستمتع بأن تقف في المطبخ خمس ساعات.. زوجتك تعتمد في توازنها النفسي على العمل.. لذلك لا أوافقك على اعتبار هذا أنانية حتى إذا أدت لبعض التقصير في جوانب أخرى... هل تعلم متى تكون أنانية؟ إذا أتت على الأخضر واليابس.. إذا أعمت بصيرتها فلم ترَ سواها.. كل منا يا أخي بداخله احتياج لا يستطيع الاستغناء عنه.. ويجب أن يحترم الآخرون هذا الاحتياج ويتحملون قدرًا من ضريبته ولا يقفون في وجهه، وإنما يقفون في وجه "التمادي" فيه، لأن "التمادي" هو الأنانية.
النقطة الثالثة:
الرجل القوى – في نظر نفسه وفي نظر زوجته – هو الذي يدبر بيته بنفسه وفق الرؤية التي يرتضيها هو وشريكة حياته، ولا يسمح لأحد بأن يدير بيته في وجوده، أنت قد اخترت هذه الفتاة، وقبلت أن تكون زوجة لك بمميزاتها وعيوبها، وأنت الذي تستمتع بمميزاتها، وأنت الذي تكوي بعيوبها، وكذلك هي... قبلتك بمميزاتك وعيوبك. وليس لأحد شأن بكما إلا بالحسنى... فإذا انتقل التذمر لأفراد عائلتك، فهنا من حقهم فكل إنسان من حقه أن يكون له رأي ووجهة نظر، ولكن عليه أن يحتفظ بوجهة نظره لنفسه، وإذا عبر عنها فليس بالضرورة أن تكون ملزمة للأخرين.
نحن درسنا في الفيزياء أن هناك مواد مثل النحاس موصلة جيدة للكهرباء وأخرى مثل الخشب لا توصل الكهرباء.. كذلك الأزواج!! هناك زوج موصل جيد لتذمر الأهل، فالتذمر ينتقل منهم إليه ثم منه إلى زوجته فيحدث الماس الكهربائي.. وهناك زوج آخر موصل ردئ للتذمر، فالتذمر لا يؤثر عليه أصلا.. وبالتالي لا ينتقل لزوجته. فلا يتكهرب الجو!! أرجو أن تكون رجلا "خشبيًا" تمتص أهلك بلطف، وتوضح لهم أنك سعيد مع زوجتك، ولا تقارنها بأحد، فكل إنسان فيه من المميزات ما ليس في الآخر، ومن العيوب ما ليس في الآخر أيضًا.
أخي الكريم.. ربما كان من الأفضل أن يرد على هذه الاستشارة رجل مثلك، ولكن الله تعالى يشهد أن مئات المشكلات التي نستقبلها قد علمتنا أن نخرج من ذواتنا وأن نكون صادقين وأمناء.. وأنني عندما أجيب على سؤالك لا أكتب بقلم "د. فيروز عمر" – السيدة العاملة التي تبارك عمل زوجتك – ولكني أكتب بقلم يحاول أن يتقي الله تعالى ويتحرى الموضوعية والصدق.
أدعو الله تعالى لك ولزوجتك بكل الخير والرضا.