أوهام تقتلني
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته: وبارك الله فيكم وفي موقعكم الرائع وجعل الله هذا في ميزان حسناتكم وبعد:
بدأت مشكلتي منذ عامين تقريبا وذلك أثر تعرضي لحالة من الأرق حاد جدا جدا. ولم يكن هناك سبب وجيه كل ما في الأمر أنني كنت أستعد للنوم في أحد الليالي فراودني هاجس كان يقول لي ماذا لو لم أستطع النوم وبدأت أتقلب في الفراش وبدأ قلقي يزداد خوفا من حدوث ذلك خاصة وأن لي امتحان في الصباح وكانت النتيجة أن قضيت ليلة بيضاء، وأثر الأرق على مردودي بطبيعة الحال، وفي اليوم الثاني حدث نفس الشيء مع ازدياد وتيرة القلق، حتى دخلت في دوامة الأرق التي انتهت بعشرة أيام من الأرق القاتل. وهي فترة الامتحانات.
وظننت للوهلة أن الأمر انتهى بانتهاء الامتحانات لكن الهاجس تطور وأصبحت أحدث نفسي ماذا لو لم أنم شهرا مثلا وكان مجرد التفكير في ذلك يثير الرعب بداخلي نتيجة إدراكي لقسوة التجربة التي مررت بها من قبل.
وكان الأمر كذلك فبدأت أخاف عدم النوم بل أصبحت أخاف الفراش وبمجرد دخولي الفراش يزداد قلقي من عدم النوم خاصة وأن ذلك يؤثر على دراستي التي تتطلب الوعي الكامل واليقظة التامة.
وبدأت أبحث عن الحل: فذهبت إلى الإنترنت وإذا بي أصادف حالة شاب لم ينم أربعة أشهر وتوفي أثر ذلك وانتابتني حالة من الهستريا وبدأ كل جسمي يرتج خوفا من حدوث الحالة نفسها وعدت إلى المنزل أسوأ مما كنت، ونتيجة خوفي من الموت عن طريق الأرق دخلت في حالة من الأرق الرهيب دامت أربعة أشهر كادت تقتلني حقا حيث لم يعد بوسعي النوم سوى ساعتين تحت وطأة التعب الشديد حتى أستيقظ من جديد وكأن الفكرة هي من يوقظني.
فساعدوني يرحمكم الله
فهذه المشكلة شلت حياتي وسببت لي نوعا من الاكتئاب الجسيم
وجزاكم الله خيرا
25/02/2005
رد المستشار
الأخ العزيز أهلا وسهلا بك على موقعنا مجانين وألف شكر على دعواتك الملباة من الله إن شاء سبحانه، ولك منا مثلها، وشكرا على ثقتك ومديحك الطيب، تبدو مشكلتك لأول وهلة وكأنها أرقٌ نتج على خلفية قلق موقفي عادي، في فترة امتحانات، إلا أن استجابتك على المستوى المعرفي السلوكي لذلك الأرق كانت استجابة مبالغا فيها ولعل لذلك أسبابا ستتضح من خلال ردي عليك.
الأرق هو حالة عدم اكتفاء كمي مع أو بدون عدم اكتفاء كيفي من النوم تستمر فترة زمنية طويلة، وفي تشخيص حالة الأرق لا يعطى الاعتبار الأول لدرجة الانحراف الفعلي عما يعتبر بشكل عام الكمية السوية من النوم، وذلك أن بعض الأفراد (ممن يسمون بقليلي النوم) ينامون مدة قصيرة ولكنهم لا يعتبرون أنفسهم مصابين بالأرق، وعلي العكس، هناك مرضي يعانون كثيرا من سوء نوعية النوم في حين أن كمية النوم تعتبر بمقياس شخصاني أو موضوعي في إطار حدود طبيعية، واقرأ ما ظهر على استشارات مجانين من قبل تحت عنوان: قصر النوم وطول النوم ! لتعرف معلومات أكثر.
وأكثر الشكاوى انتشارا بين المصابين بالأرق هي الشكوى من صعوبة الاستغراق في النوم، يليها صعوبة الاستمرار في النوم وبعدها الاستيقاظ المبكر ومع ذلك فعادة ما يشكو المرضى من أكثر من واحدة من هذه الشكاوى وفي العادة يحدث الأرق في وقت تزيد فيه وطأة الحياة، وهو ما تمثل فترة الامتحانات نموذجا له في حالتك، كما يميل الأرق إلى أن يكون أكثر شيوعا بين النساء وكبار السن والأشخاص المضطربين نفسيا ومن يعانون اجتماعيا واقتصاديا.
وعندما تتكرر تجربة الأرق فإنها قد تؤدي إلى خوف متزايد من عدم النوم وانشغال بعواقبه، مما يخلق حلقة معيبة تؤدي إلى دوام المشكلة، ولكننا في حالتك نراك كمن كان مستعدا للاستجابة المبالغ فيها للأرق منذ الليلة الأولى لحدوثه، ثم استجبت استجابة وسواسية لتلك الحادثة بأن ذهبت تبحث على الإنترنت عن مخاطر عدم النوم، أليس في حياتك أصلا من تسألهم؟ أليس في بلادكم أطباء أو حتى صيادلة يا أخي!، ثم من ذلك الذي مات من الأرق؟ هل كان يستخدم منشطات نفسانية التأثير مثلا؟ أي أرق كان أرقه؟ لا أحسب أن هذا كلام علمي، وإن كان أرسل لي رابط الصفحة الإليكترونية التي قرأته فيها من فضلك.
ومثلما تصف لنا خوفك بعد ذلك من الفراش ومن موعد النوم، يصف لنا مرضي الأرق أنفسهم حين يحين وقت النوم بأنهم يشعرون بالتوتر والقلق والانشغال أو الاكتئاب، وكأن أفكارهم تتسابق وكثيرا ما تستغرقهم التأملات، وكثيرا ما يلجئون إلى الأدوية المنومة أو غيرها، وفي الصباح كثيرا ما يشكون من إحساس بالتعب الجسدي والنفسي أما في أثناء اليوم فهم يشعرون عادة بالاكتئاب والانزعاج والتوتر والتهيج والانشغال بأنفسهم، وكثيرا ما ننصحهم بأن يتخلصوا من الارتباطات التشريطية التي نحسبها عاملا فاعلا في علية الأرق في كثير من الأحيان، كما نساعدهم في تعلم سلوكيات جديدة تربط الاستلقاء على الفراش في المساء وقراءة أذكار النوم وما تيسر من القرآن والأدعية المأثورة، بالدخول المأمول في النوم بسهولة.
من الواضح إذن أن استجابتك الوسواسية تلك كانت بوابة دخلت منها في حالة من المتعمم أو القلق المتعمم؟ ربما، وإن بدت شكواك أكثر تركيزا رغم ذلك على الأرق، ومن ثم تحول القلق المزمن بعد أشهرٍ من المعاناة إلى اكتئاب جسيم كما تقول، ولا ندري هل هذا مجرد وصف تستخدمه أنت لتوصل إلينا معاناتك الشديدة أم هو تشخيص من قبل طبيب نفسي متخصص؟؟ واقرأ هنا الإحالات التالية لتعرف معنى اكتئاب جسيم:
الاكتئاب الجسيم لا الأعظم!
فقدان الطعم والمعنى جوهر الاكتئاب
وأنا لا أميل إلى اعتبار ما قصدته أنت من قولك اكتئاب جسيم أكثر من تعبير أردت به إيصال معاناتك لنا، مثلما فعلت بنتنا صاحبة مشكلة: اكتئاب حاد ماذا يعني؟، وإنما أميل إلى استنتاج طبيعتك القلقة التي ربما تحتاج إلى بعض محاولات التغيير على يد متخصص.
ومن الممكن جدا أن تكونَ هناك مشكلات نفسية عندك قبل ما تعتبره أنت البداية، ويكونَ الأرق الذي تعرضت له واستجبت تلك الاستجابة العصابية له عوامل تفجير وتعزيز للاضطراب النفسي الأولي، مثل هذه الأسئلة مهمة لتحديد نوعية العلاج الذي يلزمك وأحسب أن اللجوء إلى طبيب نفسي مختص قريب من مكان عيشك هو ما يجبُ أن أنصحك به، فاستعن بالله وتوكل عليه وتابعنا على مجانين بأخبارك.