أريد أن أهرب لكن إلى أين ؟ م12
حل التأزم العصابي كيف يكون؟
غالبا ما أتابع استشاراتك يا دكتور وغالبا ما تكرّر وصفا معينا لحالة تسميها "العصاب" أو التأزّم العصابي، مما جعلني أبحث قليلا في هذه الكلمة.. عندما بحثت تبين لي أن هذه الحالة قد تنطبق علي فعلا فأنا أعاني أشدّ المعاناة من الافتقار للمهارات النفسية الأساسية الثقة بالنفس صفر والشعور بقيمة الذات والاستحقاق متردي جدا اشتعال مقارنة النفس بالزملاء والأصدقاء..
عندما يسيء إلي أحدهم أسمح له بذلك وأشعر من أعماقي أنني أستحق هذا، لدي مشاكل في التعلق كما سبق و ذكرت سابقا في مشكلتي مع صديقتي حيث كنت متعلقة بها وازدادت ملاحظتي لهذا النمط من السلوك لديّ التعلق بالأفراد وعدم التمكن من الابتعاد عنهم حتى لو عنى ذلك أن أتغافل عن الكثير ولا أكون صريحة لا مع مبادئي ولا معهم لكي ألبّي معاييرهم بالتالي أحظى بقليل من دفء العلاقة الناتج عن تجاهلي للكثير احتياجاتي وعدم مناقشة أفكاري التي قد لا تروق لهم و تلبية احتياجاتهم من الاهتمام الاستماع ...إلخ، .. قيل لي الكثير من الكلام الجارح وإن لم يكن على نحو مقصود ومتعمّد إلا أنني لم أصرح بأن هذا الكلام جرحني خوفا من أن تسوء العلاقة أو يتركنني.. لا أعرف كيف أقول كلمة لا، عندما تقول لي واحدة فلنذهب للتنزه أوافقها حتى إن كنت منشغلة جدا، وذلك لأنني أحب صحبتها رغم ما ذكرت من عيوب بها.. وأحيانا كثيرة أفعل أمورا غير مقتنعة كثيرا بها فقط لكي يظهر أنني شخص لطيف و nice
شخصيتي ضعيفة مهزوزة.. أشعر أنني قلت هذا الكلام في استشارات سابقة، لكن الجديد هو حالة الخوف والرعب التي أعيشها بالذات عندما أنشر رأيي على السوشيال ميديا ويكون هذا الرأي جدلي قليلا مختلفا عن آراء الأغلبية.. ترى ماذا سيعتقدون بي؟! هل سيكرهوني هل سيقومون بوصمي؟! هل سيظنون بي؟! هل وهل... علي أن أسارع بإزالة ما كتبته.. ولكن الأخطر هو أنني نفسي أخاف من آرائي وعندما أفكر بها.. أوه حقا؟!! هل ما قلته صحيح؟!! هل حقا أقتنع بذلك؟! وهنا تنشا الكثير من اللخبطات والاضطرابات لدي بين ما أؤمن به سلفا وبين الأفكار الجديدة المطروحة وأقيم وأراجع وأفكر كثيرا بل لا أتوقف عن التفكير طول الوقت بحثا عن إجابات لتساؤلاتي وبحثا عن الحقيقة الضائعة والرأي الأصوب والأكثر حكمة وإنسانية.. الإنسانية التي تغنى بها كل من الشرق والغرب فأين هي؟!
يتوقع لمن يخوضون مسارات كهذه أن يتسموا بالقدرة على التحدي والجرأة والشجاعة لكن فيما يبدو لا أتحلى بالقدر الكافي من أي منها.. لأجد أنني في النهاية لست الشخص الذي لطالما طمحت إلى أن أكونه وأن نظرتي لهويتي لا تعجبني إجابة سؤال من أنا ما زالت مضطربة عائمة وغير واضحة بعد... كل هذا يسبب لي أزمات لا حصر لها بصراحة كم أتمنى أن ينتهي كل هذا كم هو مخيف أن يفكّر الإنسان حقا في واقعه وقضايا مجتمعه وإنسانيته! ومرعب أن يبحث عن نفسه.. نظرتي لنفسي سلبية لا أستطيع أن أعدد ميزاتي فلا أجد أيا منها ولا أقتنع بمجاملات الآخرين.. هل أنا غبية أم ذكية لا أعلم!!
أستمد صورتي عن نفسي من رأي الناس بي، بمعنى لا أشعر أنني جميلة رغم أن صورتي في المرآة تؤكد لي ذلك لكن الناس لا يمتدحون شكلي لم يسبق للشباب أن أطروا على شكلي كذلك ولم يسبق لهم المبادرة بالتعرّف إلي.. بالتالي لا أصدق أنني جميلة ولربما جميلة بمعايري ليس بمعاييرهم إذا لا يكفي ولا أصدق ما يقوله الناس أو المرآة فلا أرى سوى عيوبي التي بالتأكيد هم يرونها جيدا لذلك يتجنبونني.. خصوصا التجربة العاطفية الفاشلة التي ذكرتها سابقا والتي أزّمت موضوع صورتي عن ذاتي بشكل كبير.
هذا ينطبق على جميع صفاتي وتكويني كفرد النفسية والجسدية وغيرها حتى لو كنت مؤمنة أنني ذكية أو أمينة أو لطيفة أو رحيمة فلا أعترف بذلك لأن أحدا لا يراني كذلك.. هناك رغبة بداخلي أن أكون مرئية أشعر أنني في فترة من حياتي حيث أني شفافة ومهمّشة.. هذه الرغبة غير ملبّاة بعد للأسف، أشعر أنني عبء على نفسي وكل من حولي صديقاتي صرّحن لي مرات عديدة أنهن لا يفهمنني وأنهن لا يشعرن بالراحة برفقتي بسبب أحاديثي وفتحي لمواضيع جدلية معهن، وأنني سلبية لذلك لا تحببن أن تخبرنني بمشاكلهن .. مع أنني أستمع للجميع ولا أتذمر من أحد أتصرف على طبيعتي أنا أصلا أتمنى لو يعم السلام الجميع وأن لا يكرهني أحد.
لا أتسامح مع نفسي عندما أخطئ أجلد ذاتي بعنف وأحيانا أعاقب نفسي.. أحيانا أعاقب نفسي من غير سبب أو أجوع نفسي، أحيانا أعاقبها لسبب لم تقترفه هي أحيانا أعاقبني لأنني أنا!!! ولأن لدي أفكارا مختلفة!!! ولأنني ارتكبت خطأ ولأنني.. إلخ، شعوري عندما أعذب نفسي أو أجوعها شعور رائع كأن أعيد الأمور إلى نصابها أستحق هذا الألم ولا أستحق أي حب أو طعام أو اهتمام أستحق الجوع والألم!
في الأيام العادية الهادئة شهيتي جيدة جدا ونومي منتظم وتركيزي جيد ونفسيتي مستقرة لولا ما ذكرته.. عدا أيام تجويع الذات
هذه هي تجربتي لما فهمت أنه قد يسمى بالعصاب وهي تجربة متعبة كثيرا.. عندما تتغير ظروفي كأن أقضي إجازات مع الأهل يتغير محتوى هذا العصاب لكنه يبقى نمطا موجودا في سلوكي وتفاعلي مع ما هو حولي.. هل لو لجأت للعلاج النفسي على شكل جلسات مع طبيب ذي خبرة في العلاج السلوكي سأستفيد وأكتسب مهارات تحسن وضعي؟! أو هل تنصحون بهذه الخطوة؟!
الشخص الذي أريد أن أكون عليه هو شخص يعرف من هو لديه قيم ثابتة هو مرتاح معها شخصية قوية الفلتر بها يعمل جيدا تجيد التمييز بين ما يتماشى مع مبادئها ونظرتها وما لا يفعل، شخص يسير واثقا ليس مهزوزا وواضحا.
آسفة على الإطالة....
كنت أود أن أضيف المزيد من التفاصيل لكن يكفى هذا للآن.
رد المستشار
شكرًا على مراسلتك الموقع.
البشر من صنفين. الصنف الأول يكتب روايته بنفسه استناداً إلى أفكاره وتجاربه وتفاعله مع الآخرين. يحصن نفسه بالمعرفة والأخلاق الحميدة ويتمسك بمبادئه٬ ولكنه في نفس الوقت لا يتخلى عن المرونة في تفاعله مع المقربين منه من البشر وغايته استيعاب سلوكهم وسلوك البشر عموماً. لا يوجد حمض نووي في خلايا أي إنسان يشبه إنسان آخر. هذا الإنسان يتقبل نقاط ضعفه وضعف الآخرين كذلك ولكن يمضي في حياته محددا أهداف مسيرته في الحياة.
الصنف الثاني لا يكتب روايته بنفسه وإنما يبحث عن كاتب روائي يكتب له الرواية. هذا الإنسان لا يتعلق بصورة سليمة مع الآخرين ولا يتأزم إلا مع ذاته ويديم التحديق في المرآة وهذه الأيام في المواقع الاجتماعية ولا يعرف السعادة أبداً. أنت بصراحة من الصنف الثاني الذي لا يعرف كيف يتخلص من عصابه ويحمله معه أينما رحل.
الحياة أقل تعقيداً من ذلك. الصورة الجميلة الذي تبصرين إليها في المرآة هي الصورة التي يجب أن تعتزين بها ولا تنتظري مديح الآخرين. تنظمين أوقات اتصالاتك مع الآخرين ليس للحصول على رضاهم وحنانهم وإنما من أجل الشعور بالمتعة والبهجة. أما المواقع الاجتماعية فهي نادراً ما تثير اهتمام البشر عكس ما يتصور من هو مولع بها.
العلاج المعر في السلوكي ليس بعلاج سحري ولا تختلف نتائجه عن جلسات علاج نفساني آخر أو حديث مع أحد المقربين أحياناً. ازرعي الثقة في نفسك واعتزي بها وتفاعلي مع الآخرين بدون انتظار تصدقيهم لملف حياتك.
وفقك الله.
ويتبع >>>>: أريد أن أهرب ولكن إلى أين؟ م14