إلحقوه قبل أن يقتلنا....!؟
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته "شيلوا الحاجات اللي حطتوها في بيتي وإلا قتلتكم واحد واحد" كانت هذه الكلمات لأحد أصدقائي (والذي أتأسى كثيراً لما يلم به الآن).. حيث أنه يتخيل أن أصدقاءه يراقبونه ويضعون له الكاميرات والميكروفونات في منزله ... يشعر صديقي هذا أننا نراقبه ونعرف كل صغيرة وكبيرة عنه – حتى تلك التي تحدث بينه وبين زوجه – وبالتالي كان هذا هو الدافع لديه ليصل به الأمر للتفكير في القتل، حتى أنني عندما خاطبته في ذلك قال لي:" من مات دون عرضه فهو شهيد" يعني أنه بذلك يدافع عن عرضه ويصون الحرمات التي نتجاوزها – بزعمه – حتى أننا نعرف أسرار زوجه.
تدور الفكرة الأساسية لديه كما فهمت منه – حيث أني أعتبر أقرب الأصدقاء إليه – أننا نراقبه معللاً ذلك بأن ما يدور في بيته يخرج إلى الشارع فيجدنا نتحدث فيه فمثلاً: يغسل يده بأحد أنواع الصابون وفي نفس اليوم يجد أحدنا (بمحض الصدفة) يتحدث عن هذا النوع من الصابون ذاكراً إياه بأي شيء كأنه من المنتجات اليهودية ويجب مقاطعته مثلاً، فيظن أننا نقصده ونوجه إليه الكلام بطريقة غير مباشرة ويتساءل: ما هي مناسبة ذكر هذا الكلام وتحديداً في هذا اليوم؟!
مرة أخرى: تصنع زوجته بعض الجبن في البيت، فيجد أحدنا يذكر أن زوجته قد صنعت جبناً، فيدور السؤال السابق بنفس الكيفية... وهكذا، ثم تطور الأمر في شعوره بالمراقبة الفعلية حتى أنه يرى في نظرات الناس له في الشارع نظرات غريبة وأنهم يعرفونه ويتعمدون مضايقته بنظراتهم إن لم يكن بكلامهم كما يذكر، حتى أنه رأي شخصاُ نعرفه من قرية مجاورة في إحدى الأسواق خمسة أيام متتالية فظن أنه يراقبه... حتى العملاء الذين يتعامل معهم في وظيفته يرى فيهم أننا نعرفهم وعلى صلة بهم وفي الفترة الأخيرة بدؤوا يتعاملون معه بطريقة غريبة كما يذكر.
أثناء حواري معه ذكرت له أن هذا التفكير هو نوع من "الإدراك الانتقائي" وشرحت له ذلك المعنى حيث أن فكرة المراقبة تسيطر عليه وبالتالي يدرك المواقف في إطار هذه الفكرة، وبالطبع رفض الفكرة معتبراً إياها بالمرض وأنه لا يعاني من أمراض (كعادة معظم المرضى النفسيين) رغم أني ذكرت له أن هذا طبيعي في كل الناس إلا أن التطرف في هذه المسألة هو المرضي وليس ذاك الإدراك في حد ذاته.
وحاولت إقناعه بزيارة طبيب نفسي فلعله به إحدى الأمراض النفسية التي يتحتم علاجها قبل أن تتطور (إلى حد القتل كما ذكرت وكما رأيت عندما زرته في بيته حيث وجدته قد علق المسنّ في باب الغرفة التي جلسنا بها) بالطبع ذكر أنه ليس مريضاً حيث أنه (لا يمشي ويرمي الناس بالطوب في الشارع)... على كل حال، فإنه لم يقتنع بفكرة زيارة الطبيب، فحاولت معه في اتجاه آخر وحدثته عن موقع إسلام أون لاين ومجانين وما فيه من بعض الاستشارات التي تفيد فاقتنع أخيراً وبعد جهد جهيد أن أذكر لكم حالته منتظراً الرد الذي سيقرؤه معي، ومن هنا جاء طلبي لكم بالسرعة في الرد حيث أن هذا موضوع ملح في نظري رغم أنه قد لا يستهوي كثيراً من قراء الصفحة الفضلاء.
كان الحل في وجهة نظره أن يبتعد عنا جميعاً ونبتعد عنه وبالفعل لبينا رغبته في الابتعاد عنه قليلاً لعله يعود إلى صوابه ويعلم أن كل هذه الأشياء مجرد وهم يعيش فيه، إلا أنه يتصل بنا مهدداً بأننا إذا لم نبعد الناس في الشارع عن مضايقته وملاحقته فإنه سوف يفعل كذا وكذا.. أود أن أشير إلى أن صديقي هذا متدين يؤدي الصلوات في أوقاتها ومحافظ على أوراده ويستغرق منه عمله معظم يومه فلا يكاد يخلو بنفسه إلا بعض الأوقات القليلة من النهار أو الليل، وله ظرف خاص أعتقد أنه يؤثر على نفسيته وهو أنه لم يرزق الذرية حتى الآن.
أشكر لكم سعة صدركم لقراءة هذه الرسالة، وأسأل الله أن يوفقكم إلى سرعة الرد قبل أن يتفاقم الوضع (حيث أنه بدأ يشك في زوجته وأنها هي التي تنقل أخباره إلى الناس، حتى أنه ذكر لي "أنها كانت تموت في يده من شدة التعنيف") مع علمي بكثرة الأعباء عليكم إلا أنني أظن أن لهذا الأمر أولوية خاصة..
جزاكم الله خيراً
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
25/03/2005
رد المستشار
عندما هممت ممسكة قلمي لأكتب بعض الأسطر التي دائما ما أدونها في هامش الورقة كملاحظات عندما أطلع المشاكل التي تردني من مجانين فأقرأ الرسالة جزءا جزءا وعند قراءة كل جزء تندفع لدي الأفكار فأهرول أكتبها قبل أن تذهب وتضيع في عقلي المزدحم على أن أعود إليها فيما بعد إلا أن هذا لم يحدث هنا وكأني بعد قراءة كل جملة كنت على دراية بما ستخطه لنا يداك في الجملة التالية وأقصد أن أوصل لك من كلامي هذا أن حالة صديقك ليست بالغريبة أو المستعصية ألا أني سأقفز إلى الجزء الأخير من رسالتك لأتوقف عند قولك أنه لا يعترف يكونه مريض ((كعادة المرضى النفسيين)) وأعلق هنا تعليقا سيفيد في تناولنا للحالة بل سيساعد في توضيحها، ومن ناحية أخرى سيوضح لك أيضا مفهوما خاطئا:
من قال أن المرضى النفسيين لا يعترفون بمرضهم بل على العكس فهذا ما يفصل بين المريض النفسي والذهاني وهو إدراك المريض النفسي بمعاناته فهو يعلم أنه يعاني وإن كان يجهل طبيعة وأسباب مرضه ونلاحظ أن المرضى النفسيين قد ينكرون مرضهم ويخفونه عن الآخرين ويرجع ذلك إلى النظرة السلبية للمرض النفسي في مجتمعاتنا مما يدفع المريض لإنكار مرضه عن الأغراب أو من تربطهم به علاقة سطحية حتى لا ينظر له الآخرون على أنه مجنون إلا أن اعترافهم بالمرض يكون معلوما للمقربين منهم لإحساسهم بالاحتياج لمن يشاركونهم آلامهم ويخففون عنهم ويهتمون بهم وأنت كما ذكرت لنا في رسالتك أنك أقرب الناس إلى صديقك!!! وعدم إحساس صديقك بمشكلته له معنى آخر....
هذا تعليق عام وفى الأسطر القادمة سنتناول بشيء من التفصيل الذي سيوضح لك لماذا لا يعترف صديقك بمرضه
أخي الكريم الذي وفق بقدر كبير في رسم صورة واضحة لحالة صديقه فوصفها بشكل جيد وأسلوب قويم ساعدنا كثيرا في فهم الحالة، كما نرى من خلال كلماتك نجد أن صديقك لا يعاني من هلاوس فأنت لم تذكر لنا ذلك كما أنه يحتفظ بالتفكير المنطقي وتتماسك شخصيته إلى حد جيد كما أن اتصاله بالواقع لا بأس به كل هذا يدفعنا للقول بأن صديقك قد يكون يعاني من وهام (أو هذاء) الاضطهاد delusion of persecution فالصورة التي رسمتها لنا بكلماتك تتفق وملامح الشخص الذي يعاني من وهام الاضطهاد بشكل كبير
والوهام هو حالة مرضية ذهانية بشكل واضح، حيث يعتقد الشخص اعتقادا جازما راسخا بصحة فكرة لا حقيقة لها في الواقع، ومريض وهام الاضطهاد يعتقد أنه شخص مضطهد هناك من يحاول إيذاءه وتحطيمه وهناك من يكيدون له ويتجسسون عليه ويحاولون الفتك به ويفسر أي حركه أو قول عابر من الآخرين على أنه موجه ضده، وقد يشك في العلاقات الجنسية للزوج أو الزوجة حيث يملؤه الشك والغيرة والغضب كما يميل سلوكه للكراهية والعداء
وكما نعلم فإن المرض النفسي لا يظهر فجأة بل يكون له خلفيه سابقه قد تكون طويلة الأمد ومتجذرة من الطفولة، فهناك أنماط من الشخصيات التي تعتبر بمثابة التربة الخصبة لنمو المرض النفسي ومن هذه الأنماط الشخصية الزورانية Paranoid Personality
حيث نرى الطفل ذو المستقبل الزوراني يتميز بالوحدة وقلة الأصدقاء والعزلة والعناد والسلوك والشك وكلما اتجه الفرد نحو الرشد تزداد حده هذه الأعراض وتزداد المبالغة فيها فيصيح شديد الحساسية للنقد الذي لا يغفره بسهوله لذا فهو غير متسامح وتتواجد لديه مشاعر الاضطهاد أو العظمة والأنانية والتزمت والجمود ونضيف إلى ذلك الإيمان بالسحر والتفكير الخرافي
وللوهام أسباب كثيرة لا يمكن أن نرجعها كما ذكرت في رسالتك إلى العمل الكثير وعدم وجود الأطفال فهذه أسباب فقيرة جدا لخلق المرض ولا يمكن أن نعزو لها حدوثه.
إلا أن هناك أسبابا عامة مفترضة للوهام، وبشكل عام ومختصر منها:
الصراع النفسي بين رغبات الفرد والمعايير الاجتماعية
والإحباطات الاجتماعية المتكررة والفشل في التوافق الاجتماعي
اضطراب الجو الأسري وتربية الطفل تربية التسلط والنقد والرفض وأسباب أخرى كثيرة تختلف من حالة لأخرى فلكل فرد طبيعته المتفردة ولكل حالة قول وتفسير لا يمكن الوصول إليه إلا من خلال الكشف الطبي التفاعلي بين المريض والطبيب
لذا أنصحك بان تعرض صديقك على الطبيب النفسي قبل أن تزداد الحالة سوء وطمئن صديقك أن الوهام لا يحتاج الإيداع في المستشفى طالما لم يكن من النوع الخطر العدواني وعلاج الوهامات يكون باستخدام الأدوية بالإضافة إلى العلاج النفسي وهذا ما سيقوم به الطبيب النفسي الذي سيوقع الكشف الطبي على صديقك
مع أطيب دعواتي لصديقك بالشفاء أن شاء الله واعتذر عن تأخر الرد الذي كان بسبب ضيق الوقت وكثرة المشاغل وأرشح لك بعض الروابط الأخرى مثل:-
الشك في نوايا الآخرين: التفكير الزوراني
الـزَّوَرُ (البارانويا) أنواع ، فأيّ الأنواع أنت
اضطراب الشخصية الزوراني (البارانوي)
ويضيف الدكتور وائل أبو هندي الأخ العزيز أهلا وسهلا بك على مجانين وأشكرك على ثقتك، أول ما أبدأ به هو الاعتذار لتأخرنا في الرد عليك وسببه ازدحام وقت مجيبتك الأستاذة إيناس لأنها ترد على عشرات الرسائل الداخلة إلى موقعنا من خلال بريد المشاركات يوميا، فهي بمفردها قسم التفاعل الجماهيري بمجانين، فنسأل الله أن يعينها ونطلب منك أن تسامحها، وأنبه أيضًا إلى أن التفريق بين المريض النفسي والمريض الذهاني بناء على الاعتراف بالمعاناة ليس قابلا للتعميم لأن هناك كثيرين من المرضى النفسيين الذين تنطبق عليهم كل محكات التشخيص لا يدرون أصلا بأن ما يعانون منه مرض ومرضى اضطراب الوسواس القهري وكثيرين من مرضى الاكتئاب والقلق لا يعرفون أنهم مرضى، ويحسبون أن الله خلقهم على تلك الشاكلة.
بالنسبة لموضوع صديقك فإن أصعب ما في التعامل مع حالته أمران الأول هو أن يرضى بالذهاب إلى الطبيب النفسي والثاني أن يواظب على تناول العقاقير المضادة للذهان،... ولكن واجبكم هو إيصاله إلى أقرب طيب نفسي وتعاونكم أنتم معه، وانتبه يا أخي إلى أن الشخص الزوراني لا يمكن أن ننتظره ونتفرج عليه خائفين من رد فعله لأنه لن يعترف بمرضه ولن يقتنع بعدم صحة أفكاره وربما خبراته الحسية التي لم يذكرها والأمر بالنسبة له كالعقيدة الدينية لا يقبل المناقشة، وأنصح في حالة رفضه وعجزه عن الاقتناع بضرورة زيارة الطبيب النفسي بأن يتم إدخاله قسرا إلى أحد المستشفيات النفسية لأن الأمر جلل وقد تحدث جريمة قتل أو أكثر ، وقد أعذر من أنذر، سامحني