السلام عليكم،
سأحكي لكم إحساسي منتظرًا نصائحكم. أنا شاب عربي - 23 عامًا - أدرس بفرنسا منذ 3 أعوام ، أعاني من عدة مشاكل لكن أظن أن السبب واحد؛ فاقد الشهية ضعيف البنية الجسمية، فقدت أغلبية رأس شعري، ودائمًا مهموم البال بمشاكل أعرف أنها تافهة، وهذا هو أغرب الأمور.
أشرح لكم:
رغم تواجدي بفرنسا فإنني أحافظ على صلواتي، وأحيانا أبقى في المسجد بين صلاة المغرب والعشاء، لا أقرب الحانات ولا المراقص والحمد لله. عندي فائض من الحنان والعطف ولا أجد من يبادلني ذلك. ولعدم تفكيري في الزواج فإنني أحب أن يكون لي صديق خليل يهتم بأموري، وأنا أيضا أهتم بأموره، لكن أظن أن الخطأ يبدأ من هنا.
هذا العام مثلا.. جاري في الحي الجامعي كنت أنا وهو كالمتزوجين.. وأنا أعي ما أقول، نأكل معا، نخرج معا، نلعب، نسافر.. حتى إنني حينما نفترق لا أفكر إلا فيه رغم تواجدي مع عدد كبير من الأصدقاء، وأحس أنه لا جدوى من أي عمل نقوم به دونه.. قليلا ما أجد شخصًا يستجيب لرغباتي التي أعترف أنها مختلفة عما يريده العامة، لكن لا تخرج أبدا عما يمليه لنا ديننا الحنيف، وكان هذا الجار من هؤلاء القلة، لكن في بعض الأحيان كنا نتخاصم بسبب أشياء تافهة فلا نكلم بعضنا الساعات والأيام، وفي هذه الأيام كنت لا أحب فعل أي شيء، وأكون مهموما لا آكل بتاتا، وأتقيأ أحيانا.
أنا شاب قلبي ضعيف لين أحب مساعدة الآخرين، أتصدق دائما، أحزن لحال إخواننا بفلسطين وسوريا واليمن والسودان، وعندما أكون في الحالة السابقة أحس ألا أحد يهتم بي كما أفعل أنا بهم.
أظن أن ما قلته ناقص نوعًا ما، لكن أرغب أن تشخصوا حالتي وألا تبخلوا علي بنصائحكم.
وجزاكم الله خير الجزاء.
19/4/2023
رد المستشار
الأخ السائل، أرجو أن تتابعنا بأخبارك بعد أن تقرأ هذا الرد؛ لأن بعض ما تصفه من أحوال يمكن تفسيره بقلق الاغتراب الذي يحدث لمن يغادر وطنه إلى بلاد لا يستطيع التأقلم فيها بسهولة، وقد يتجلى الشعور النفسي بالوحدة والاحتياج وبعض الاعتمادية إلى أعراض جسمانية؛ كالقيء وفقدان الشهية والهزال...إلخ.
وبالرغم من هذا التفسير الراجح فإننا ننصحك بإجراء بعض الفحوصات لاستطلاع كفاءة أجهزة جسمك المختلفة، وسلامة وظائف الأعضاء في القيام بدورها، ولعل هذا يكون متاحا أمامك كجزء من الوضع القانوني الذي تخضع له كدارس، ولا تعارض بين وجود أسباب نفسية وعضوية - في الوقت نفسه - للحالة التي تشكو منها، ومن المبكر أن نقول بأنك محتاج إلى معونة نفسية متخصصة.
أخي، لا يوجد خطأ في أن يكون لك صديق مقرب تجد راحة أكبر في الالتقاء به، وتتآلف معه أكثر من غيره، ولا بأس أبدا من استمرار هذه العلاقة؛ شريطة أن تلتزم بحدود الشرع كما تذكر أنت، ومع مراعاة ألا تتحول هذه العلاقة إلى عبء يخنق أحد الطرفين أو كليهما، ويحدُّ من قدرته على الحركة لمراعاة بقية شئونه.. ولتمتين أواصر أي علاقة بين طرفين لا بد أن تبقى هناك مسافة أو فسحة، بحيث تتجدد النفس، وينشأ للقاء القادم طعم ومبرر، أما الملازمة أو الالتصاق فيخلق نوعًا من الإملال، ويضفي جوًا من الركود والتكرار فتخبو العلاقة تدريجيًا وتكثر الخلافات.
ولتمتين العلاقة أيضًا لا بد أن يكون هناك اهتمام مشترك بهوايةٍ أو فكرة، بحيث تكون اللقاءات نوعًا من التواصي بتنمية هذا الاهتمام، والتعاون على تطويره وتكريسه، وتصبح ممارسة هذه الهواية أو خدمة هذه الفكرة نوعًا من الوفاء للصداقة، مع تلبية احتياجات الذات... ومن سبل التمتين أيضًا أن تحاط هذه العلاقة بشبكة من الدعم الاجتماعي والنفسي قد تقوم بها جماعة المغتربين حولكما، وقد تقوم بها جماعة المسجد الأقرب أو رابطة جامعية... إلخ.
وأعتقد أنه من الطبيعي عندما تحقق شئونك الحد الأدنى من الاستقرار المعيشي -ولعله بسبيله إلى هذا قريبًا- أن تشرع بالتفكير في الزواج؛ لأن هذا الشأن يستغرق وقتًا -أو هكذا ينبغي- حتى تعثر على الفتاة المناسبة لظروفك، ولأن طاقة المشاعر، وعلاقة الاحتياج المتبادل، وطقوس الإمتاع والمؤانسة لا تتم إلا بوجود علاقة حميمة مع أنثى تتبادل معها نوعًا آخر من الاتصال لا تكفي لتلبيته علاقات الصداقة مهما كانت متينة، ولا تشبعه الأخوة في الله مهما تعمقت.
وأزيدك أيضًا أن علاقتك بالمجتمع الفرنسي ينبغي أن تأخذ منك بعض الوقت والجهد لتقوم بعملية ترميم وإصلاح لها، خاصة إذا كنت قد قررت العيش الدائم هناك.
ويا أخي الكريم لا يصح أن تنظر إلى المجتمع الغربي -مثل كثير من المغتربين- فلا ترى فيه إلا الحانات والمراقص!! ستجد عندك الكثيرين ممن تتنوع اهتماماتهم الاجتماعية والثقافية، وتقل لديهم النزعة العنصرية إلى أدنى درجة ممكنة، ويرجعون بتواصلك معهم مع احترام ثقافتك، وأسلوب حياتك.
ولا أقول إن هناك شعبًا يخلو من النماذج الشيطانية المشوهة، ولكن في فرنسا وغيرها من البلدان ستجد أقوامًا متحضرين لديهم ما تتعلمه منهم، ولديك ما تفيدهم به؛ فلا تتقاعس عن هذا، فإنما أنت سفير لثقافتك ودينك وبلدك، فلا تنكفئ أو تنعزل فتتكاثر عليك الهموم، وتخنق صاحبك بمطالبك، والدنيا أمامك واسعة بفضل الله، فلا تضيقها بقلة حيلتك، وستجد دائمًا من يرحب بك ويحبك ويهتم بك شرط أن توسع دائرة البحث.