السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أود أن أعرض عليكم مشكلتي وتكمن في أنني أعاني من عدة أمراض نفسية ومع علمي بهذه الأمراض ودائما أقرأ عنها، لكن لا أحد يعلم بذلك،لا أحد ،لا أهلي ولا أصدقائي، وهذا يشعرني بالضيق لأنني أكبته ولا أخبره لأحد.
ومن هذه الأمراض الوسواس القهري والاكتئاب والمزاجية الفظيعة وضعف بالشخصية فأحيانا تكون قوية وأحيانا ضعيفة والتردد،وأريد الذهاب إلى أي طبيب نفسي ولكنني لا أريد أن يعرف أحد ما بي وأيضا لا أستطيع أن أقول لهم فأنا متأكدة من أنهم سيقولون لي أنني سليمة من كل هذه الأمراض لأنهم لا يعرفون ما يوجد بداخلي.
وكثرة الإزعاج والمشاكل في المنزل تزيد هذه الأمراض عندي، مع العلم أن نسبة الإزعاج في المنزل أقدرها بنسبة 95% ،ولا أستطيع التأقلم مع هذا الوضع المزعج، وأيضا والدي لا يحب أن يرمي الأشياء اللا فائدة منها فهو يحب الاحتفاظ بها ولهذا البيت لا يطاق من كثرة الأشياء وكل غرفة أكثر دمارا من الأخرى، وهذا لا يطاق،
فما الحل لهذه المشكلة التي تؤرقني كثيرا
9/4/2005
رد المستشار
الأخت العزيزة أهلا وسهلا بك على صفحتنا استشارات مجانين، وشكرا على ثقتك بنا، ربما يُظهرُ الجزءُ الأول من إفادتك نزوعك للقلق والتوجس وعجزك عن الشعور بالطمأنينة في كثير من مواقف حياتك، وما تصفينه بالأمراض النفسية أو (عدة أمراض نفسية) التي ترين أنك تعانين منها، هو على أغلب الظن-والله أعلم- لا يزيد عن بعض أعراض هذه الأمراض، وربما مجرد أعراض القلق أو الاكتئاب أو الوسوسة، والفرق بين العرض والمرض هو أن المرضَ مجموعة أعراض تنتظمُ في شكل معين وتأخذُ مسارا مرضيا معينا ولها مآل مرضي يمكنُ التكهن به إلى حد ما، بينما العرضُ قد يوجدُ منفردًا وغالبا ما يكونُ عابرا.
المهم أن ما تصفينه بعدة أمراض لا يتعدى إن شاء الله عدة أعراض، ذلك أن ما وصلنا عبر هذا النص الإليكتروني عن معاناتك، لا يصل بها إلى أكثر من عدة أعراض، والواقع أن كونها أمراضًا أمرٌ مشكوك فيه إلى حد كبير لماذا؟ لأن قولك : (لكن لا أحد يعلم بذلك،لا أحد ،لا أهلي ولا أصدقائي،وهذا يشعرني بالضيق لأنني أكبته ولا أخبره لأحد،)، فهذا القول وحده يحملنا على ترجيح كفة عدم وجود أعراضٍ نفسية ترقى إلى درجة الاضطراب النفسي، ذلك أن من أهم شروط اعتبار الأعراض (أو حتى العرض الواحد أحيانا) مرضا أن تؤثر تأثيرا ملموسا واضحا على فعاليات الإنسان في حياته اليومية، سواء في مجال علاقاته الأسرية أو الاجتماعية أو مجال عمله، ومعنى وهذا ما يعني أن الآخرين سيعرفون، وأنت على العكس من ذلك ما تزالين رغم معاناتك قادرة على إخفاء كل تلك الأعراض عن المحيطين بك، وقادرة في نفس الوقت على البحث عن تفسير لما تعانين بل وقرأت في الطب النفسي وشخصت مجموعة من الأمراض في نفسك، خيب الله تشخيصك ذاك، ونصرك على معاناتك بالحق.
حقيقة لا يمكن أن تعاني واحدةٌ في الدنيا من (أمراض الوسواس القهري والاكتئاب والمزاجية الفظيعة)، ثم تكونُ (متأكدة من أنهم سيقولون لي أنني سليمة من كل هذه الأمراض لأنهم لا يعرفون ما يوجد بداخلي)، غالبا ما سيكون هنالك نوع من الفهم المبتسر لأعراضك، ولعله ناتج عن استجابتك الوسواسية لاكتشافك وجود عرض ما لديك، وهذا النوع من الاستجابة (الوسواسية) هو أحد نماذج رد فعل الإنسان على التهديد بالخطر الجسدي أو النفسي، وهي استجابة معرفية شعورية تصبغ سلوك ذلك الإنسان، إذ ينغمس وينشغل في جمع المعلومات الطبية المتاحة عن العرض أو المرض الذي أصابه أو ظن هو أنه أصابه، ويتضاعف القلق وتمتزج مشاعر الصدمة بمشاعر الخوف والتنبه والرغبة في الخلاص، ويتضخم ذلك كله تحت تأثير عدم الفهم الكامل للأمور النفسية أو الجسدية.
قد يكونُ ما تعانين منه إذن أمرًا يتعلق ببعض السمات في الشخصية، وهو ما تقودنا نحوه عدة روافد في إفادتك الرائعة هذه، ومنها ما يحسُّ من طول معاناتك الداخلية دون أن يدري بك أحد فلماذا لا تشتكين يا أختي؟، ومنها قولك : (وضعف بالشخصية فأحيانا تكون قوية وأحيانا ضعيفة والتردد)، ومنها ما يبدو أنه شكلٌ من أشكال التخزين المرضي، يعاني منه الوالد، وهو ما قد يشير إلى مرضٍ نفسي بالفعل، وكما ترين فإن كل من يحيون معه يعرفون أنه مريض، وربما مريض مزعج أيضًا، وعند هذه النقطة أحيلك إلى قراءة ما تقودك إليه الروابط التالية أو من على مجانين :
التخزين المرضي: وسواس أم فصام؟ م
الكمالية والتخزين القهري: هل هو إدمان؟
فرط التذكر والتردد: أم هي الوسوسة؟
التردد متى يكونُ مرضيا ؟؟
أصل بعد ذلك إلى قولك: (وأريد الذهاب إلى أي طبيب نفسي ولكنني لا أريد أن يعرف أحد ما بي، وأيضا لا أستطيع أن أقول لهم)، لكي أؤكد لك من جانبي أنك لو تكلمت معهم عن ما يزعجك من أعراض فسوف يصبحون أكثر قلقا منك، ليس الصحيح في مثل هذه الحالة (في مجتمعاتنا على الأقل) أن تقولي لأهلك أنني أريد الذهاب إلى طبيب نفسي دون إبداء أسباب مناسبة، وليس مناسبا بالطبع أن تقولي لهم لأني مكتئبة المزاج أو لأن لدي أسرارا أو مشكلات خاصة أود استشارته فيها، أترى فهمتني؟؟
الأخت العزيزة، صارحي على الأقل المقربين من أهل بيتك بحقيقة أعراضك، وقولي لهم أن وصمة المرض النفسي: ليست من عندنا!، أي أنها ليست من ثقافة الإسلام الحق في شيء لأن كل ما يصيب المؤمن وما يعرض له في حياته هو ابتلاء من الله سبحانه، وأختتم بقول ما صح عن سيد الخلق عليه الصلاة والسلام من أنه قال: "ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه" صدق رسول الله، وهذا بيان نبوي شامل لجميع الهموم والغموم صغيرها وكبيرها، وأياً كان نوعها، وفي الأصل أن الأمراض النفسية مثل غيرها من الأمراض ولا شك، وهي نوع من الهم والابتلاء ، ولذلك فإنها قد تصيب المسلم مهما بلغ صلاحه .أسأل الله لك النصر على معاناتك وتابعينا بالأخبار الطيبة.