تجربة حياتي
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته؛
أجدني أكتب لأشارك الدكتور أحمد عبد الله رأيه في عصافير الزينة فأنا عراقية عشت في بلد خليجي منذ طفولتي، حضرت عرسا واستحضرت هذه الكلمة (عصافير الزينة) هل هن كذلك حقا، فالعرس لصديقة لي مواطنة من هذا البلد الخليجي الذي أحبه كثيرا والعائلة كبيرة وبنات العائلة في العرس فعلا كعصافير الزينة، بثيابهن الملونة وعلى آخر موضة وعطورهن الباريسية القوية أو العطور العربية المركزة، هل هن فعلا هشات ولا يحتملن مصاعب الحياة؟؟؟؟
في طفولتي عندما التحقت بمدرسة أغلب تلميذاتها من هذا البلد، كنت أجد الوصايا التي تركز دائما على ضرورة عدم خروج الفتاة، وأن بيتها هو مكانها الطبيعي وأن إذا أرادت عملا عليها أن تعمل فقط كمدرسة أو الشأن، لا أقدم إحصاءات أو تقارير عن نسبة من التزم بهذه الوصايا، ولكن كلنا التزمنا بها بطريقة أو أخرى، ولكن هذه الحياة لم تناسبني أبدا، أنا الوافدة في هذا البلد عندي إقامة يجب المحافظة عليها وعملا أكسب منه عيشي وبدونها تصبح حياتي مستحيلة هنا وقلقا كبيرا على المستقبل أجهل به مصيري؟؟؟ وعائلتي بالعراق أو هم موزعون على جميع القارات؟؟؟
ولا أجد دعما من دولة أو عائلة في حل مشاكلي، علي أن أعتمد على نفسي فقط أظن أنني نجحت إلى الآن، ولكني أنظر إلى عصافير الزينة هل هن مجبرات على هذه الحياة؟؟؟
كلا بل سلكن حياتهن بنفس الوتيرة من المدرسة إلى الجامعة ثم العمل، العائلة تساندهن وإذا لم يكن الدولة تسد أي نقص، أرى بعض التجارب الإيجابية وفيها تكافح الأم لتربية أطفالها السبعة لوحدها ولكنها كانت مجبرة على ذلك ولم تختر تلك الحياة، طبعا أعود أقول لا أقدم إحصائيات أو تقارير رسمية ولكني أرى أن حياة المرأة المواطنة هنا أسهل فهي ليست مجبرة على حياة الشقاء، ولن تختار حياة الشقاء والصعوبات على هذه الحياة وأظنني بمكانها سأفعل نفس الشيء، وهي برأيها بذلك تكسب رضى الله سبحانه وتعالى فهي لا تخرج إلا إلى السوق أو زيارة الصديقات والعائلة الكبيرة، فلا عمل ولا قلق على المستقبل، وإذا عملن فبالشروط المعروفة (لا يوجد اختلاط) ويكسبن رضى العائلة التي تساندهن والدولة التي تبذل الكثير من أجلها، وفي سبيل ذلك لا بأس أن تتنازل أحيانا عن ميراثها (وهو حقها الشرعي) لأخيها الكبير فهو سوف يحافظ عليها وعلى إرث العائلة، وعليها أن لا تتزوج من غريب لا توافق عليه العائلة أو حتى الدولة (بعض الأحيان تسحب منها جنسيتها ولا يجد أولادها الدراسة أو العمل).
لا بأس من التنازل عن بعض الحقوق كقيادة السيارة مثلا (فهو ليس حقا والعلماء أفتوا بعدم جواز قيادة المرأة للسيارة) لا بأس من كل هذا فهن يحصلن على الحياة الرغيدة والعيش كالأميرات في بيوتهن وحولهن الخدم، ولكن هذه الحياة لم تناسب العراقية التي يذهب زوجها للحرب قد يعود أو لا، أو المصرية التي يذهب زوجها للبحث عن لقمة العيش في كل بقاع الأرض أو السورية أو الفلسطينية أو غيرهن من النساء، علي أن أتعلم قيادة السيارة لأنه يجب أن اذهب إلى العمل لأنه يجب أن أكسب لقمة عيشي لأنه يجب أن أصرف على عائلتي المحتاجة دائما، ولكني مع ذلك أفخر بنفسي فما أملكه من مهارات وخبرات في مكافحة مصاعب الحياة جعلني في ثقة كبيرة لمواجهة ما تأتي به الأيام (ثقة بالله سبحانه وتعالى أولا وثقة بالذات بعيدة عن الغرور إن شاء الله) ولن أرضى أن أبادل هذه الخبرة في الحياة بأي ثمن.
وأعود إلى مشكلة الأخ أحمد الكناني، قد يعجب الخليجيون بالحرية الموجودة في بلاد الغرب ولكنهم لن يبادلونها بالحياة الرغيدة التي يعيشونها ويبدو لي أن فتاتك قد اختارت العيش كطيور الزينة في قفص ذهبي، لن تبادله أبدا بحب ومصاعب الحياة التي تأتي مع هذا الحب، فهي عادت إلى موطنها إلى الراحة والأمان والعائلة الصغيرة والكبيرة التي تهتم بها، وهي خريجة جامعة أمريكية إذا تستحق الأفضل، عملا براتب مجزي ولا تقل لي أن هذا العمل لا يحقق طموحها فيكفي أن الراتب يكون مجزيا ليحقق لها الطمأنينة وأنها حققت جزءا من طموحها، وربما كانت من ذوات الطموح السياسي وأنا أي أن لهن مستقبلا جيدا، فالأبواب تنفتح الآن للنساء ذوات المستقبل السياسي وخصوصا المتخرجات من الجامعات الأمريكية والبريطانية، وهناك تشجيع لهن من كل الشخصيات الكبيرة في البلد، فهل عليها أن تترك كل هذا للذهاب وراء حب عراقي لن تعرف فيها الراحة أبدا والغربة عن الوطن والأهل؟
والأهم أنها سوف تكون أقل من إخوانها وبنات العائلة (ولا تقل لي أن هذا الأمر ليس مهما وأنك سوف تغنيها فهذا الأمر مهم جدا جدا جدا هنا)، ومؤكد أنها تحلم بعرس كبير يتحدث فيه الأهل وكل البلد لشهور طويلة (فهي ليست أقل من أختها أو بنات العائلة اللاتي أنفقن الملايين على أعراسهن)، أعجب كثيرا بردود الدكتور أحمد عبد الله وأتمنى لو تستمع لنصيحته فأنا أرى فيك موهبة وعقلا أستخسره في هذا الحب المستحيل، أتمنى لو تركز أكثر في دراستك وعملك فإذا فعلت أرى أنك سوف تحقق شيئا مميزا لبلدك فهو المحتاج الآن إلى كل طاقاتنا، فهذا ما أسعى أنا إليه وأرجو أن تسعى أنت إليه أيضا.
وأعيد عليك جملة الدكتور أحمد عبد الله (ولا أريد أن أكذب فأقول لك أن الألم شرُ كله، فهو مدرسة عليا لمن يوفقه الله ويريده بشراً سوياً متوهجاً ومبدعاً لفترة أطول) فهذا الكلام قد تحقق معي، أتمنى أيضا لو أنك كففت عن محاولات الاتصال بوالد الفتاة ووالدتها والفتاة أيضا، فهم فعلا لا يفهمونك وليس عندهم سبب لمحاولة فهمك و الإصغاء إليك، وفقك الله ورعاك، آسفة جدا لأن مشاركتي جاءت طويلة ولكنها تجربة حياتي اختصرتها على قدر ما أقدر أن اختصرها، وجزاكم الله خيرا على الجهد المبذول في هذه الصفحة، وأتمنى أن تكون بداية التغيير للنفوس.
العربية المجنونة
29/4/2005
رد المستشار
بل وجب الشكر علينا وأنت تختصرين أوجاع وأحداث وخبرات وتجارب ثمينة ومعلمة.
وأنا ربما أعتصر لكم نفسي –مثلما يفعل بعضكم– وأتوهج معكم ولكم، فإذا وصلت إلى الأقربين كان أن نفذ الزيت والرحيق!!!
ننزف مع الكلمات دماء الحقيقة طاهرة لعلها تروي شجرة الأمل في مستقبل أفضل، ولعل في المصارحة عزاءا وسلوى ورفيق سير على درب شاق وطويل.
مسكين من ولدته أمه فوق خزان نفط في جوف الأرض فاعتبر أن الحلية في المسكن والملبس، وناعم العيش في الحل والترحال، ونعمة الرخاء هي معالم تشريف ورضا لا تحديات اختبار ومحطات ابتلاء كما خلق الله الحياة والموت ليبلونا أينا أحسن عملا!!
فأي غبن وأي مأزق وأي فخ، لا يتجاوزه إلا أولو العزم، وهم من وسط "الأنبياء" و"الرسل" كانوا "خمسة" كما في الأثر والله يقول لرسوله:(فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ)(الاحقاف: من الآية35)، وإذا كان الرسول قدوتنا حقا، وقائدنا صدقا، وأسوتنا من بين الخلق، فهو لا آوى إلى عائلة، ولا ارتكن إلى غير جنب الله، ولا جاهد إلا في سبيل الحقيقة حتى فارق أهله وبلده، وما انتمى، ولا سكن ولا استقر إلا في سلسلة الترحالات، فاختار الفقر على الغنى، واختار البساطة لا التكلف، واختار أن يكون نبيا لا ملكا، فأتعب من بعده بأبي هو وأمي عليه الصلاة والسلام.
أحتار مثلكم أحيانا في زمن اختلاط الألوان، وضلال العقول والآراء، وأوصيكم ونفسي بما تركنا عليه الرسول الأكرم كتاب الله وسنته فلا نضل إذا فهمنا واستوعبنا وظل نظرنا معلقا بهما أبدا.
مهمة تربية الأبناء هي من أشرف وأخطر ما يكون، ولكن هل كل من تجلس في بيتها تربي أولادها بمجرد البقاء في المنزل؟!
بل ما هي علاقة التربية بالمكوث في المنزل غير أن المكث يفتح المساحة ويتيح الوقت مبدئيا، ولكن يبقى المحتوى مفتقدا ما لم تكن الجهود والإبداعات، ليكون جهاد التربية والتنشئة.
فإذا خرجت المرأة للعمل ألا يرتبط هذا بما تنتجه وتضيفه أقصد إلى المجتمع والأمة، أم الإضافة المعينة هي فقط لرصيدها في البنك، ومشاركتها في بناء البيت وتغيير السيارة إلى أفخم؟!
أهلا بالدولة الراعية والعائلة الداعمة شريطة ألا تكون رعاية الدولة وكفالة العائلة أنواع من الرشوة للصمت على الاستبداد في العائلة والدولة، والفساد والكذب وغياب العقل ومسخ الدين، أوضاعنا كلها في حاجة إلى إعادة نظر وأشكر مساهمتك في توجيه العيون والعقول إلى بعض مكونات الصورة حتى لا نخلط بين غيث التعبير المنشود وسراب المزيد من الرشاوي في إعطاء بعض الفرص للبعض على حساب الحقيقة ولا تحرمينا من مساهماتك.
* ويضيف الدكتور وائل أبو هندي الأخت العزيزة أهلا وسهلا بك على مجانين ونشكرك على ثقتك وعلى مشاركتك الرائعة، ولا إضافة لدي على رد ابن عبد الله لكنني فقط سأوصل الأمانة التي حملناها وهي أنه ترك نقاطا جديرة بالرد في رسالتك لأنه يود فتح باب المشاركات والاستفسارات حول ما تفجره نظرتك الثاقبة من أسئلة تتعلق بالحياة في الخليج، سعدنا بك ولا تحرمينا من مشاركاتك.