منغلق أم محافظ: محنة أمة ومستقبل منشود، مشاركة2
سيدي الكريم أعاود إرسال مشاركتي هذه والتي بعثت في الثلث الأخير من شباط الماضي ولم تجد طريقا للنشر. شكراً
السلام عليكم ورحمته تعالى وبركاته،
أتراه شكر استزادة أم اكتفاء؟
سألت نفسي نفسها حين وصلت للسطر الأخير في ردكم الكريم يا سيدي، فإن كان في سبيل الاستزادة فدونك ما تريد، أما إن كان اكتفاءً فأراني حيث لا تطيق نفسي، وليس أشق عليها من الوقوف حيث لا يتسع لها المكان والبقاء حين يراد لها الرحيل. ولعل حسن الظن غالب هنا، ففي تعليقكم شكوى يجب النظر فيها وسؤال يطلب الرد حثيثاً!.
أعدتني لمقعدي يا سيدي، ونثرت في وجهي أوجاعك وغيظك، وبسطت أمامي بواعث غضبك وأسباب كمدك... أتراك وحيداً في قبضة الألم؟ أجراحك وحدك المفتوحة؟
أعذرني يا سيدي إن لامست أصابعي عصباً عارياً أو دقت وتراً حساساً، فلن أكابد وحدي مرارة تأملاتي، ولن أقف وحيدة في دائرة الكرب والحَزن، ولن تلفح نار الحقيقة وجهي دون الوجوه بعد أن هتك حجابها أمامي...
لا يفلح صاحب الرأي الواحد يا سيدي! نحتاج من ينقل لنا الصورة من الطرف البعيد حيث لا تصل أنظارنا، من يضع عدسة مكبرة لتَظهر تفاصيل صغيرة لم نلحظها رغم قوة إبصارنا... أتدري لم تضيع الجهود وتهدر الطاقات وتخور القوى؟
ربما لأنها وحيدة تعمل في عزلة عن بعضها فيبقى الإنجاز- إن تحقق- نشازاً سرعان ما يبتلعه جزر الانكسار!.
ربما لأنها تصرف في تأمين ما لا ينبع عن حاجاتنا، فلا نشبع تلك الحاجات إشباعاً حقيقياً بل تستجد مشاكل وتعقيدات تجعل منا كذبابة وقعت في شباك عنكبوت كلما ازدادت حركتها عنفاً تعقدت خيوط الشبكة حولها واستحكم التفافها وتراجعت فرص الفرار!.
ربما لأنها تُستنزف في الإحماء ولا يبقى منها ما يكفي عندما تحين ساعة الحسم!.
أو ربما لأنها بنيت على الرمال ومن الرمال!!.
لا أملك إلا أن أحلل... لا يمكن للأشياء أن تمر دون سؤال واستجواب، كيف لنا أن نحيا وسط نكرات غير معرّفة؟
كيف نطمئن حين لا ندري أي طريق سلكت إلينا وإلى أين تأخذنا وتتجه؟ أطفح بالاستغراب والدهشة حين أطالع معظم المشكلات على موقعكم، بل أراها واقعاً حولي تمتص شخوصها حتى النخاع ويقف شخوصها مستهلكون بسلبية أقصى ما يلوون عليه استجلاب التعاطف واجتناب المسؤولية بقدر ما بقي فيهم من رمق! لدى الفرد في مجتمعنا نوع من الشجاعة لا يحسد عليها، يقفز في المجهول دون أن تطرف له عين أو ترتج ساق: يدخل الرجل
والمرأة أخطر المشاريع على الإطلاق في حياة الإنسان بلا معطيات واضحة أو كافية، بل ِبلاها مطلقاً، يتحدان بالصدفة، وينتجان أفراداً جدد ويحيا الجميع في عشوائية، وبفساد الفرد تفسد الحياة على كل وجوهها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.
دائماً هناك تفسير نعود فيه إلى الجذور حين رسمت الخطوط الأساسية لملامحنا جميعاً بيد جهلة أحياناً أو مرضى أحياناً أخرى أو بتحالف الفئتين معاً، لتنتج جهلة ومرضى.... هل من سبيل لكسر الدائرة؟؟؟
كتعبير جليّ للعجز الذي جبلت عليه نفوسنا تقف عادة التلاوم وفرضية الشمّاعة منتفخة حد التورم في ذهنيتنا.
عين الإجحاف يا سيدي أن نلوم هؤلاء دون النظر في الظروف التي تكونوا فيها والتجارب التي وضعت التفاصيل في ملامحهم، لا لالتماس العذر لهم فقط بقدر ما هو للتّعرّف على طريقة تسمح بوجود آمن لهم في حياتنا تتراجع معه حدة تأثيرهم فيها و تتدنى احتمالية الصدام لحساب مساحة أكبر من التغيير.
إن القضية ليست في "هم أخطئوا" بل كل القضية في "ماذا بعد"، علينا أن نتحمل مسؤوليتنا كراشدين في التعديل أو التغيير أو التخلص من عيوبنا وعقدنا ونقائصنا التي نعيها. وحكم "اكتساب الوعي"- إن عرّفناه بأنّه نهج فكري يقوم على المنطق والموضوعية- هنا واجب على كل عربي وعربية.
وكما في القاعدة الفقهية "ما لا يقوم الواجب إلا به فهو واجب"، فإن أدوات الوعي ثلاثتها واجب: التعلّم، وهو عملية رغم تعاسة واقعها في مجتمعنا إلا أنها الأفضل حالاً مقارنة بالأداتين الأخريين: الإطلاع وآلته الكتاب، والتأمل ووسيلته الخصوصية. وحتى تعمل هذه الأدوات ما جُعلت لأجله- اكتساب الوعي- فإن فضاءً من الحرية- وليس أقل- يبدو مساحة مناسبة لتحقيق ذلك. فضرب القيود وفرض لوائح من المحظورات تعيقها إن لم تعطلها بالمطلق. لابد للفرد أن يقرأ في كل شيء عن كل شيء، وأن يتأمل ويناقش ويستجوب كل المستجدات بل البديهيات والمسلمات أيضاً.
بغير ذلك لن نفلح، وبغير ذلك فإننا لا نخرج من زمرة من استحقوا مقت الله وغضبه لاتباعهم ما وجدوا عليه آباءهم وإن كان آباؤهم لا يعقلون!.
في الفكر لذة خاصة، يا سيدي، ومتعة كاملة تستشعرها في كل مرة تستدعيها، فتأتيك دون اجتزاء وتملؤك بنشوة المعرفة والإدراك التي بها سجد لك عباد الله المكرمون وكان البر والبحر والفضاء بيمينك تتناولها كيف تشاء... أتظن من يختبر أكمل المتع يتحول لناقصها أبداً؟ أتراه يسلّم "لعدوى" الفتور؟ أيقنع بالدنيا باهتة بعد أن تعرّف لألوانها ورأى خطوطها واضحة فاصلة؟... في المعرفة ضوء مريح لا تقوى عليه ظلمة "اليأس" الذي يخلقه التدبر في أمر أمتنا، ولا إبهار البدع القادمة من كل حدب وصوب.
كلا... ليس للنقطة موضع هنا، فالحديث عن علاقتنا "الشاذة" بالغرب لم يبدأ بعد، بيد أن لجسدي عليّ حق في حين العافية ، فكيف الحال حين يحل المرض ضيفاً ثقيلاً؟!.
أكرمنا وإياكم بالعفو والعافية والمعافاة الدائمة في الباقية والفانية.
تحياتي
لميس
18/4/2005
رد المستشار
لا أدري لماذا ينبغي أن نرد على كل رسالة!!!
عقلي يحدثني أنه قد آن الأوان –وربما منذ فترة– أن نترك الناس تتحاور بأقل قدر من التدخلات، لأن الثبات في موقع "نحن نجيب" يفترض أن لدينا ما ليس لديكم، وهو إن صدق في مجال التخصص الدقيق، أقصد معرفة بعض ما في أدبياته بالإنجليزية، فإن المعرفة بيننا مشاع لكل من يحترم عقله وتجاربه، ويستخلص بالقراءة أو التأمل أو أشكال لتعلم خبرة تنفع، والمعرفة بهذا المعنى ليست حكرا على أحد، ولا هي تنزل من سماء المثقفين الوهمية لتروي العطش المتوهم للعامة، ولذلك أوشك أن أضع بعض الرسائل للناس يقرءونها ويتفاعلون بدلا من إدمان الرد، ثم يقولون رائع يا دكتور، أو كنت قاسيا هذه المرة،!!!!
نعم هذه هي الحقيقة كما أراها وأود التواصل معكم على أساسها:
أننا متورطون وشركاء بالكامل في الجرح وفي المسئولية، وفي صناعة الحاضر، وطبعا آمال المستقبل لمن يريد.
لا أحد يحتكر الخطأ ولا الصواب، ولا الباطل ولا الحقيقة، إلا بمقدار عمله في الإفساد أو الإصلاح، وكلنا ينبغي أن نندرج في تغيير ما ساهمنا في إفساده كل حسب موقعه وقدرته، إضافته أو صمته، ومن أساسيات عملي ومنهجي وطريقتي أنني لا أعمل وحدي أبدا، ولا أفكر إلا بصيغة الجمع أولا وغالبا، بل ربما دائما.
حين قيل لي أنت مسئول عن صفحة استشارات "مشاكل وحلول" التمست الصحبة والعون فبدأت مع أخي وزميلي د.عمرو أبو خليل، ووقفنا وحدنا وقتها بأقلامنا وعقولنا لتعبيد الطريق الذي سار فيه الكثيرون من بعدنا، وها هو أخي د.وائل بدأ "مجانين" وقال وكتب وطبع لي بطاقات تعريف بشخصي تحمل عنوان الموقع، وتعريفي فيها مستشار ومؤسس موقع.
فنحن لا نعمل فرادى لأن الجهد والأمل والهدف والأحمال والمهام تفوق قدرة أي فرد، وأحسب أننا لا نقدم المجد الشخصي على الإنجاز العلمي، والنجاح الجماعي أبدا، ونفخر بهذا وسط مناخ تسقط فيه روح الفريق وتضطرب الجماعيات !!
ونحاول عبر الكتابة المزمنة المنتظمة أن نقرع أبواب القلوب والأفئدة لعلها تنفتح اليوم أو غدا، بهذه الكلمة أو تلك.
وإذا صدق المثل القائل "الطيور على أشكالها تقع" فإننا فخورون بصحبة قراء "مشاكل وحلول"، و"مجانين" وفخرنا يكون أكبر بمن يفتحون القلم أو الحاسوب ويكتبون لنا مشاركين أو متفاعلين، إنه التواصل، وهي الشورى التي تحقق "وأمرهم شورى بينهم" ونحن نتحاور في كل أمر، إلى الأمام إذا يا فريق النور، وزمرة الوعي، وتحالف الأمل.
تصلني كلماتك فتصلني بمتفرقات المعاني التي ربما نكون قد نثرناها فتنظمينها، أو بسطناها ونشرناها فتكثفين وتختصرين، فتأتي لغتك توليدية موحية تعيد الاعتبار للعربية لغتنا الأم المنسية التي تاهت منا وتهنا عنها، فشكرا لك.
لست وحيدة بعد اليوم، ولا يوجد إنسان وحيد معزول اليوم طالما فوقه سماء تحمل موجات البث الفضائي، وتحته أرض أو حوله بحار أو محيطات تحمل أو تغمر أو تحتضن كوابل وألياف وأسلاك الاتصال الإليكتروني، لا عذر اليوم لقاعد أو متفرج .
ورسالتك تتحدث عن نفسها، فقط تحتاج إلى تكرار القراءة لفك الشفرات، وبسط التكثيف، أتركها لوعي كل صاحب عقل يقرأ معنا، وأنت تكتبين عن ثقافتنا ومعالمها: الهروب من المسئولية، وشجاعة الحمق في قفزة الزواج والإنجاب، ومؤسسة الأسرة العليلة عندنا المحاصرة، والتي آلت إلى إعادة إنتاج الجهل والتخلف والأمراض النفسية !! فتفتح كل كلمة ملف يستحق نقاشا معمقا، ونحن نحارب نهج الكلام بالتشاور، ونلتمس الحكمة من أي وعاء خرجت، ومطلبنا الأول هو الحرية والتحرر، وسبيلنا الأهم هو المعرفة، ووسيطنا هو الحوار الدائم، وسننتظر رسائلك.