الاكتئاب الجسيم كيف يسلب الإيمان مشاركة1
مشاركة على مشكلة الاكتئاب الجسيم كيف يسلب الإيمان؟
كنت قد قررت أن لا أفتح أي استشارة تتحدث عن الاكتئاب بعد أن منّ الله تعالى علي بالشفاء منه، ولكن تجدّ أحداث في حياة المرء تجعله يغير قراراته، لقد اكتشفت أنني لا أزال أعاني من بقايا وتداعيات هذه المحنة الرهيبة التي مررت بها، كنت أحسب أنني شفيت 100% بعد طول معاناة، وبعد طول مسير في طريق الشفاء، ولكن تبين لي أنني مخطئة، فلا تزال هناك بقايا من الاكتئاب في زوايا خفية من نفسي لم أفلح حتى الآن في التخلص منها، هذه البقايا تطل برأسها القبيح من جديد حين تجد الفرصة سانحة!! يا لها من ماكرة،
الأحداث الجديدة التي تبعث الماضي ليعود حيا من جديد، هذه الأحداث موجودة دائما، ومتوقع أن تحدث في كل لحظة، وهذا يستدعي أن أظل يقظة دائما وعلى أهبة الاستعداد للمواجهة التي قد تُفرض علي في أي لحظة؛ لأنني حين لا أكون مستعدة فهذا يعني خسارة كل النجاح والتقدم الذي حققته في معركتي مع الاكتئاب، طبعا الخسارة لن تحدث على شكل دفعة واحدة، وإنما على دفعات، وأخطر ما فيها المرحلة الأولى لأنها تكون كمن انزلقت قدمه من حافة البئر السحيقة، هذه البئر الرهيبة التي أعانني الله تعالى على الخروج منها، وبقي الآن أن أحاول الابتعاد عنها تماما، ولكن يجب أن أظل يقظة، لأنه ما أهون أن تزل القدم من جديد!!
ما دفعني للكتابة الآن أمران:
1- كلمة صاحب المشكلة "وهل هناك من عاش محنة مماثلة وخرج منها سليما؟"
2- أن الكتابة عن هذا الموضوع تساعدني أنا شخصيا، فهي تبلور أفكاري وتجعلني أتخلص من العبء الذي يثقل قلبي، فأنا أكتب وأرمي بهمومي على النت فأتخفف منها كمن يرمي همومه في البحر تماما!!
فهي من باب ما يسميه الدكتور أحمد عبد الله "الفضفضة"، هذه الفضفضة التي لا أستطيع ممارستها في الواقع الحقيقي لأنني لم أجد حتى الآن من يفهمني.
أخي صاحب المشكلة ، كان الله في عونك، محنتك التي تمر بها فعلا محنة كبيرة، ولا يستطيع أحد أن يعرف كم هي كبيرة وخطيرة أيضا، إلا الذي عاشها ووقع فيها كل ما أريد أن أقوله لك هو: نعم، هناك من عاش مثل محنتك وخرج منها سالما وهي أنا، لا أستطيع أن أقول لك إنني لم أخسر شيئا خلال هذه المحنة؛ لأن الخسائر كانت كبيرة خصوصا في جانب مهاراتي وقدراتي الفكرية، وكان من الممكن أن أخسر حياتي كلها أيضا.
وسأعد لك خسائري:
1- تراجع القدرات الفكرية وخصوصا القدرة على التركيز، لم أكن أستطيع أن أركز في أي صفحة أقرؤها، مثلا: عندما أقرأ مثل هذه الاستشارة، كنت أشرد كثيرا إلى أن أنهيها، أشرد وأعيد نفسي من جديد، وهكذا، وما إن أنتهي من القراءة حتى أشعر بالتعب والإنهاك، تصوّر: القراءة أصبحت متعبة بالنسبة لي، بعد أن كانت عشقي الوحيد، كنت في الماضي ألتهم الكتب التهاما، ولا أقطع قراءتي إلا إذا قطعها علي أحدهم، حتى إنني أذكر أنني استعرت كتابا عن عبقرية خالد بن الوليد لمؤلفه الجنرال الباكستاني، وهو كتاب دسم، فأنهيت قراءته في يوم ونصف فقط.
لم تكن قدرتي على التركيز فقط هي المتضررة، بل قدراتي الذهنية جميعا، كالقدرة على الاستنتاج، والقدرة على التفكير أصلا، كنت أجد مشقة كبيرة في السيطرة على تفكيري وتوجيهه الوجهة التي أريدها.
2- تراجعت علاقاتي الاجتماعية كثيرا، لأنني كنت أنعزل عن الناس وأبقى أسيرة الجدران والوحدة وتداعيات الأفكار"، هذه الأفكار التي كانت كلها من قبيل أفكارك: يأس، تشاؤم، انعدام تقدير الذات، انعدام الثقة بالنفس وبالآخرين، كل تفكيري سيئ سيئ سيئ، حتى إذا كان هناك شيء جيد فإنني ألبسه الثوب الأسود دائما.
3- كان لهذا الوضع النفسي المريع انعكاساته على جسدي، حيث كنت أعاني من آلام مستمرة في ظهري وفي كتفي ورقبتي، هذه الآلام لم تكن تفارقني ولو للحظة واحدة، بالإضافة إلى حرقة في المعدة مهما كان نوع العام: حامض، أو حلو، أو مالح، أو لا طعم له كالماء مثلا!!
4- تراجعت رغبتي في الحياة وتعاظمت رغبتي في النهاية، ولكن الله سلّم، والحمد لله.
5- خسرت تفاعلي العالي جدا مع القرآن، حيث لم أكن أستطيع التركيز في القراءة، ونسيت كل القرآن الذي كنت أحفظه، فقد كنت أحفظ أكثر من نصف القرآن، ولكن عدم قدرتي على المراجعة وعلى التذكر وعلى التركيز جعلتني لا أستطيع الاستمرار في تذكره.
لكنني الآن، وبعد أن تجاوزت هذه المحنة بمسافة جيدة - والحمد لله - أجد أن مكاسبي من هذه المحنة كانت كبيرة جدا، هيا لأعدها لك:
1- ازدادت ثقتي بربي؛ لأنه هو الذي أنقذني من الهلاك حين يسّر لي أسباب الشفاء وهي: التعرف على عمرو خالد -حيث اقتنينا "دش" منذ سنتين ونصف- التعرف على إسلام أون لاين حيث صرت أفهم في الكمبيوتر والإنترنت، وصار لدي إنترنت في المنزل منذ 3 سنوات، قد لا تجد فيما قلته لك أي دليل على عناية الله بي، لكن حين تعرف الظروف التي أدت إلى دخول الدش إلى بيتنا وإلى دخولي عالم الكمبيوتر والنت فإنك ستصاب بالدهشة ولن تجد حينها إلا أن تقول: سبحان مسبب الأسباب، أنا شخصيا لو قيل لي منذ 4 سنوات فقط إنك بعد سنتين سيكون لديك دش وستصبحين خبيرة كمبيوتر وإنترنت لاتهمت هذا الشخص بالجنون؛ لأنني منذ زمن طويل حاولت أن أفهم هذا الجهاز الغريب العجيب فلم أفلح، ولم أفلح أبدا في التعامل معه، فأصبحت لدي قناعة أنني لم أخلق لأتعامل مع الكمبيوتر فنشأ بيني وبينه حاجز نفسي كبير جدا.
ولكن شاءت الأقدار شيئا آخر لم يكن بالحسبان، حيث عُرض عليّ عمل بوظيفة مصممة مواقع إنترنت، ربما كان الذي عرض علي أكثر جنونا مني؛ لأنه ليس هناك إنسان عاقل و"بيحسبها كويس" يطلب ممن لا تحسن أكثر من تشغيل الكمبيوتر ولعب "السوليتير" أن تتعلم لتصبح مصممة مواقع ويب، هذه الجاهلة التي كانت حتى ذلك الوقت تضع "السي دي" في السواقة بالمقلوب!! خصوصا إذا أخذنا بعين الاعتبار الحالة النفسية والذهنية السيئة والتي لا تصلح للتعلم أصلا، والتعلم هنا سيكون على جبهتين، جبهة الكمبيوتر وبرامجه، وجبهة اللغة الإنكليزية!!
لقد كانت أياما صعبة للغاية، هذا الكلام منذ حوالي 3 سنوات و3 أشهر تماما، وهذا إذا أخذنا بعين الاعتبار أن والدي كان قبل ذلك يعارض بشدة التحاقي بأي دورة من دورات تعليم الكمبيوتر، لماذا؟؟ لأن فيها اختلاطا والاختلاط حرام، مع كل هذه المعطيات، تجد أن تعلمي هذه التقنية الجديدة أمر مستحيل، هذا بقانون البشر، ولكن بقانون رب البشر لا شيء مستحيل، دخلت عالم الكمبيوتر، وعالم النت، وعالم اللغة الإنكليزية، وحضرت دورات التعليم وذهبت وأتيت، ومارست ما تعلمته، ويا سبحان الله، كان دخولي عالم النت البوابة إلى عالم الشفاء؛ لأنني وبمعرفتي لهذا الموقع وللدكاترة الأكارم القائمين عليه بدأت أتحسن، حالتي يا أخي الفاضل كانت تحتاج علاجا نفسيا سريعا، والعلاج النفسي الصحيح والحقيقي في بلدي لا يوجد، وإذا بالله تعالى يسوق لي هذا العلاج عبر الأثير!! ولهذا أنا من أنصار فكرة أنه يمكن أن يتم العلاج عبر النت، ولكن الجهد الأكبر هنا سيقع على عاتق المعالَج؛ لأنه هو الوحيد الذي سيتابع حالته بنفسه، طبعا هذا الحل ينفع مع المنقطعين عن عالم الطب النفسي أمثالي، أما من منّ الله عليه بوجوده في بلاد فيها علاج نفسي مثمر وفعال كمصر مثلا، فهنا: "يا بخته"!!
2- حين تعرفت على أحد الدعاة المشهورين على النت، وتابعته أحببت الله أكثر وأكثر، كنت أحبه، ولكن كانت تأتيني أفكار سيئة عن الله وأنا في عز الأزمة، مثل أن الله لم يخلقني إلا ليعذبني ومن هذا القبيل، ولكن هل تدري، كانت في نفسي قناعة داخلية عميقة جدا بأن الله ليس إلها سيئا وأنه لطيف جدا وبما أنني أدعوه فهو سيستجيب لي لا محالة، بل لقد كانت له مواقف رائعة في إجابة الدعاء معي، ولكن وطأة الأزمة كانت تفقدني بصيرتي أحيانا فأعترض على حكمته تعالى.
3- تعلمت من هذه الأزمة أهم شيء على الإطلاق وهو: إذا لم أساعد نفسي، فلن يستطيع أهل الأرض جميعا ولو اجتمعوا على أن يساعدوني، فالتغيير يبدأ من الداخل، بقيت أنتظر أن يأتي التغيير ولسنين طويلة من الخارج، كنت أنتظر أن تتغير الظروف التي أدت بي إلى هذه الحالة، ولكن كنت واهمة، لأن الظروف لن تتغير، بل أنا التي يجب أن أتغير في طريقة مواجهتي لهذه الظروف.
4- تعلمت أن أرحم أصحاب المشاكل الكبيرة في حياتهم، حتى أصحاب الكبائر لا ألعنهم بمجرد أن أعرف أنهم ارتكبوا كبيرة، بل أحاول تدقيق النظر لأعرف ماذا ساقهم لارتكباها، هل تدري لماذا؟؟ لأنني كنت على شفا حفرة الانتحار، بل فكرت فيه فعلا، وكم كنت خائفة أن تزل قدمي وأفعلها، وعندها أخسر الآخرة، كنت أريد أن أفوز بالآخرة، ألا يكفي أنني خسرت الدنيا وعشت فيها كل هذا الشقاء؟؟
والانتحار كبيرة، ويخلد فاعله في النار كما في نص حديث الرسول،. ولكنني وبفضل الله لم أفعل، لنتخيل أنني فعلتها وانتحرت، ماذا سيكون موقف الناس مني، ألن يكون رأيهم بي أنني عاصية لله وأنني أستحق الخلود في نار جهنم؟ وأنني لا أقدر نعمة الله علي وووو، هذا هو رأيهم في كل من ارتكب حماقة الكبائر، ولكنهم يغفلون أو يتغافلون عن الأسباب الحقيقية التي أدت بهذا الإنسان ففعل ما فعل، كل من أخطأ بحق الله تعالى يصنفونه في زمرة من "حادّ الله ورسوله وبارزهما العداوة" ولكن هذا خطأ. فأنا شخصيا لم أكن في حياتي متمردة على أحكام الله تعالى، بل كنت أسارع إلى التنفيذ حتى ولو لم أفهم الحكمة، وهذا طبعا في ظل التيارات الإسلامية الموجودة في واقعنا خطأ، لأنه يجعلنا ننفذ دون تعقل وهو ما يوقعنا في مشاكل، أهمها: إلغاء قضية التفكير من حياتنا. ولهذا، تعلمت أن أرحم الآخرين وخصوصا أصحاب المشاكل، فهم في النهاية بشر يخطئون وفيهم من روح الله التي نفخها في آدم فكيف أكرههم أو ألعنهم أو أقسو عليهم؟! استيقظت بعد هذه الكلمات وأنا متسمرة في سريري، وتكاد أنفاسي تتوقف لهول رهبة الموقف، وأخذت أفكر وبسرعة: لماذا قال لي الله تعالى هذه الكلمات بالذات؟؟ الأحاديث القدسية كثيرة، وفيها أحاديث جميلة جدا عن رضا الله عن عبيده وعن رحمته وعن،. لماذا هذه الكلمات بالذات؟؟
لم أفهم – وربما لم أرد أن أفهم – حقيقة تلك الرسالة، لأن غروري في ذلك الوقت غطى على تفكيري السليم، وأخذت أقول لنفسي: لولا أنني جيدة جدا عند الله لما خاطبني بنفسه جل وعلا، فمجرد كلامه لي بنفسه سبحانه وتعالى هو دليل على كرامتي لديه!! تعاميت عن أن هناك احتمالا آخر لهذا الحديث المباشر، وهو أنه لم تعد تنفع معي الوسائل الأخرى التي ينبهني الله تعالى بها، فاستخدم معي الله سبحانه وتعالى أعلى درجات وأساليب التنبيه وهي أن ينبهني بنفسه، نعم، هذا احتمال آخر لفهم هذه الرؤيا الخطيرة، لكنني لم أصل إليه إلا بعد سنوات، حين قرأت حديث رسول الله: "من لم يدع الله يغضب عليه" (حديث حسن)، وحين عرفت معنى الآية حين وصف الله تعالى الملائكة بأنهم لا يستكبرون عن عبادة ربهم، إنهم يدعونه دائما، وترك الدعاء استكبار عن الله عز وجل،
فهمت رسالة ربي ولكن متأخرة جدا!!!! وخلال خضم الحالة النفسية التي كنت فيها، كنت أدعو، أدعو بقلبي قبل أن ينطق لساني، كنت أشعر أنني بلا قيمة بدون الله عز وجل، وأنه إن لم يساعدني انتهيت، وأنه إن أعرض عني فهذا هو الشقاء الذي لا نعيم بعده أبدا،
والآن أتساءل:
هل قدّر الله تعالى لي أن أخوض تجربة الاكتئاب ليعلمني فقط أن لا أستكبر عن عبادته؟؟ ربما، والحمد لله أنه تعالى فعل ذلك، وإلا لكنت خسرت الدنيا والآخرة،
الله تعالى رحيم، ليس بقاس أبدا، وهو أحيانا يلجأ إلى علاجنا بالصدمات "الاكتئابية" حين لا ينفع معنا أي شيء آخر، وما ذلك إلا لإنقاذنا، تماما كما يفعل الطبيب النفسي حين لا يجد بدا من استخدام الصدمات "الكهربية" في الحالات الصعبة!! وهناك الكثير من الأشياء التي استفدتها من هذه التجربة والتي لا تحضرني الآن، والتي لا أملك إلا أن أشكر الله أن جعلني أمر بهذه التجربة، لأنها أغنتني كثيرا. وله الحمد أنه بعد أن أنزل علي الداء هيأ لي سبل الدواء،
وأخيرا، أحب أن أنبهك إلى نقطة اكتشفتها أنا بالتجربة، أنت تقول: " والغريب أني أفكر في المستقبل وفي النساء كثيرا، لكن دون استطاعة الوصول إليهن! لقد حاولت غير مرة البحث عن بنت الحلال ولكن لم أوفق، وقد خيب ظني أكثر من مرة ممن أملت خيرا. وهذا أنتج لدي ردة فعل حمقاء، وأتذرع مبررا وأقول لو أن الله يريد أن ييسر أمري لاختصر علي الطريق وجعلني أعثر على ما أريد لكي أستثمر وقتي فيما هو أكثر فائدة، ولكن يريد أن ينتقم مني في الدنيا والآخرة؛ لذلك سلط علي هذا الأمر لأني لا أستحق شيئا!!" ما أريد قوله هو أن الاكتئاب يسلب الإنسان الرغبة في أي شيء، حتى في التنفس، ولولا أن التنفس أمر لاإرادي لتوقف المكتئب عنه، ولهذا أجد غريبا أنك تفكر في النساء، رأيي الشخصي في موضوع تفكيرك بالنساء أنك لا تفكر فيهن من باب الشهوة والغريزة مثل كل خلق الله، لأن المكتئب تموت شهواته كلها، ولكنك تفكر فيهن من باب أنك تظن أن الحل لخروجك من حالتك التي أنت فيها هو تغيير حياتك، وأنت لا ترى هذا التغيير إلا بالزواج،
يا أخي العزيز، أنا أيضا كنت مثلك، كنت أظن أن الزواج هو الحل السحري الذي سيخلصني من كل المتاعب التي أعانيها في حياتي، ولكن وبتعسير الزواج – هذا التعسير الإلهي – تبين لي فيما بعد أن تغيير الحياة هو الحل بكل تأكيد، ولكن هذا التغيير ليس التغيير الخارجي، بل التغيير الداخلي، مثال: كنت أتوق للزواج جدا لأنني كنت أراه باب الفرج والخلاص مما أنا فيه، وفعلا بدأت في تنفيذ هذه الخطوة، "فاتخطبت"، ولكن ماذا كانت النتيجة، هل زالت همومي، هل انتهت أحزاني لا بل لقد زادت لأن الشعور بمسؤولية الزواج بحد ذاتها زادني رهقا فوق رهقي،
كنت أرى كل البنات المخطوبات طائرات من الفرح، إلا أنا!!، إذا المشكلة ليست في الخطوبة والزواج، بل المشكلة فيّ أنا وهذا ما كان فعلا، عندما بدأت بإعادة البرمجة لدماغي، وعندما بدأت باكتشاف من أنا وماذا أريد، توصلت إلى أنني كنت أعرف من أنا وماذا أريد منذ أن كنت طفلة في الثانية عشرة، ولكن الضغوطات الشديدة حرفتني عن مساري ولسنوات طويلة، وهذا هو سبب تعبي، طبعا هناك أسباب كثيرة جدا، ولكن لب القضية أننا لا نعرف كيف نتعامل مع ضغوطات الحياة، ولا نعرف كيف نكون نحن، ولا نعرف كيف ندافع عن الحق، وأشياء كثيرة أخرى لا نعرفها، لن ألقي باللوم على الذين ربونا، لأنهم هم أيضا تربوا بشكل أسوأ منا، ولكن في النهاية معرفتي لمكمن الداء هي نصف طريق الشفاء.
وأحمد الله كثيرا الآن أنه عسّر موضوع زواجي ولعدة مرات، مع أنني كنت أيامها في حالة فظيعة، بل يُرثى لها فعلا، بعد أن اكتشفت نفسي وبعد أن رتبت أولوياتي وبعد أن حددت هدفي في هذه الحياة، توصلت إلى نتيجة أيضا وهي أنني لو تم زواجي في الحالات السابقة فإنها كانت الطامة، لأن الزواج بحد ذاته ليس مصحة نفسية يقصدها المنهكون من أعباء الحياة ليستعيدوا قواهم ويستردوا عافيتهم فيها، ولكنه بداية الكفاح الحقيقي في الحياة الذي يجب أن يدخله المرء وهو مستعد تماما وبكامل عافيته النفسية قبل الجسدية،
هذا ما اكتشفته الآن، وأنا سعيدة تماما لأن الله تعالى تولى أمر زواجي واختار لي ما يناسبني، مع أنني أنا نفسي لم أكن أعرف ما يناسبني!!! هناك أمر آخر وهو سر عميق جدا، ويتعلق بالناحية الجنسية في موضوع الزواج، وهو أنني حين كنت مخطوبة، وللعلم فقد تمت خطوبتي مرتين لشابين مختلفين، ودامت كل منهما بضعة أشهر، وعندما كنت مخطوبة كنت أفكر بكل شيء في الزواج إلا في الناحية الجنسية، كنت أفكر في بيتي كيف سيكون وفي أطفالي كيف سأربيهم، وفي أهل زوجي كف سأعاملهم، ولكنني كنت أصل إلى غرفة النوم فأتوقف، لم أكن أجد الجرأة لأفكر في هذا الموضوع، بل كنت أعنف نفسي وأعتبر نفسي قليلة أدب أنني أفكر في موضوع سابق جدا لأوانه، ثم اكتشفت أنني ما كنت أفعل هذا إلا لأنني كنت لا أجد أي رغبة في الجنس، بل كنت أراه غير ضروري على الإطلاق، وكنت أتعجب من ذلك، ولكنني بعد أن عرفت أن فقدان الرغبة الجنسية هو من آثار الاكتئاب، عرفت السر الكامن وراء ذلك، وعرفت لماذا كنت ألوم نفسي حين أصل بتفكيري إلى ليلة الزفاف فأقيّم نفسي أنني قليلة أدب مع أنني كنت على مشارف هذه الليلة!! كل هذا لأوجد لنفسي تبريرا منطقيا لعدم رغبتي في الجنس أصلا،
ولهذا أقول لك انتبه إلى هذه الرغبة المقنعة، فقد تكون شيئا مختلفا، فانظر يا أخي إلى رغبتك في النساء وحللها، هل هي الميل الفطري الطبيعي الذي خلقه الله تعالى في البشر أم أنه شيء آخر مقنع بهذه الرغبة؟؟ وآخر شيء – بجد هذه المرة – أود أن أنبه إليه هو أثر كلامنا السيئ مع أنفسنا، من خلال هذه المشكلة فهمت تماما معنى البرمجة العصبية السلبية لقد فهمت تماما ماذا تفعل هذه البرمجة في الـ"بني آدم"، وكيف تدمر حياته وتحوله إلى مخلوق تافه بلا قيمة في نظر نفسه،
على فكرة، كل ما تقوله لنفسك الآن قلته لنفسي أنا قبل الآن كثيرا جدا، بل لم أكن أصدق أي كلام إيجابي يأتيني من الخارج، أظن أنه يجب أن تغير هذه الناحية، فأول ما يجب أن تفعله هو أن توهم نفسك أنك تحب نفسك، وبعد قليل ستجد أنك جدير فعلا بأن تحب نفسك وتثق في قدراتك، لأنك – كما يجب أن تكون أمام نفسك– أفضل مخلوق خلقه الله على هذه الأرض،
أعانك الله يا أخي على تجاوز هذه المحنة الأليمة والمدمرة فعلا، وأبشرك بأنه: نعم يوجد من كان مثلك، ومنّ الله تعالى عليه بالشفاء، وأنت أيضا تستطيع أن تكون مثلي وأن تسير في طريق الشفاء. وما عليك إلا اتباع نصائح الدكاترة، وإيجاد صحبة صالحة أو أي عمل خير تشعر من خلاله بقيمتك، ثم وقبل كل ذلك: الدعاء إلى الله أن يمن عليك بالشفاء،
وآسفة لأنني كتبت جريدة مطولة، ولكنها تجربة سنوات فلم أفلح في اختصارها بأكثر من ذلك.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
24/3/2024
رد المستشار
الأخت العزيزة أهلا وسهلا بك،
وشكرا جزيلا على مشاركتك الرائعة تلك التي دفعتني مراتٍ إلى قول: "ألله الله" أتدرين لماذا؟، الحقيقة أن لذلك عدة أسباب:
أولها لغتك الصحيحة وأسلوبك المرتب ورسالتك الدسمة الطويلة دون ملل، وثانيها دقة وصفك لأعراض الاكتئاب المعرفية حين تكلمت عن تأثير اكتئابك -لا رده الله أبدا- على قدراتك الذهنية وتركيزك، وثالثها تعبيرك عن أثر الاكتئاب على علاقاتك الاجتماعية، ووصفك لأعراض الاكتئاب الجسدية حيث يشعر المريض/المريضة إما بآلام دون أساس عضوي مفهوم بالمعنى الطبي التقليدي، أو أن يشعر بالألم مضخما لأسباب بسيطة وعابرة ولا ينتظر أن تنتج كل ذلك الألم، وكذلك ما أشرت إليه من أعراض تتعلق بخلل وظيفة الجهاز العصبي المستقل Autonomic Nervous System والتي تجلت في شعورك بحرقان المعدة وغير ذلك من أعراض الاكتئاب والقلق المختلطة.
ورابعها بيانك للكيفية التي تلصص بها اكتئابك ليسلبك إيمانك بالتدريج، فنسيت ما كنت تحفظينه من كتاب الله الكريم، وانخفضت إيمانياتك إلى الحد الذي كاد يفقدك الرغبة في الحياة، وهاجمتك الأفكار التشكيكية المتعلقة بعلاقتك بالله سبحانه وتعالى إلى آخر ما عانيت ورفعه الله عنك بفضله سبحانه وتعالى.
كنت في كل ذلك رائعة إلى حد أدهشني ولم أستطع إخفاء تلك الدهشة وأنت تصفين خبرة المرض، وأما ما كنت فيه أروع فهو وصفك بعد ذلك لخبرة التعافي تلك الخبرة التي تفتقدها أدبيات الطب النفسي في عالمنا العربي ولي أنا وأخي الدكتور أحمد عبد الله اهتمام بذلك وكثيرا ما ندعو إليه ونادرا ما نلقى مجيبا كما تفهمين من قراءة الرابط التالي:
ضحايا الطب سابقا: خبرة. المرض والتعافي مشاركة
فقد بينت لنا ما اكتسبته من تلك التجربة المريرة، وكيف أنك استطعت بفضل الله عز وجل أن تهزمي اكتئابك رغم ما كان قد وصل إليه من شدة وقسوة عليك، ولعل تجربة كتجربتك تمثل نموذجا للعلاج في إطار الدين الإسلامي، وإن كنا سنجد من يشكك في ذلك مع الأسف كأن يقول لك أحد الأطباء النفسيين إن نوبة الاكتئاب كانت قد أخذت مدتها وانقضت وتلاشت بالتدريج في الوقت الذي بدأت أنت فيه أنشطتك السلوكية والدينية فعزوت شفاءك من الاكتئاب إلى تحسن علاقتك بالله، ولعلي لهذا السبب أريدك أن تفصلي لنا أكثر في هذه النقطة، فتبيني لنا كيف كان دخولك عالم الفضائيات وسماعك لعمرو خالد الذي نسميه بائع الورد، وكذلك دخولك عالم الإنترنت وصفحتنا مشاكل وحلول للشباب، كيف كانت تلك النوافذ طريقا لإخراجك من الاكتئاب الشديد Severe Depression الذي وصفته لنا، لأن هذه خبرة جديرةٌ بالدراسة، خاصةً أنك تنادين بعد ذلك بأن العلاج النفسي عبر النت ممكن وهذا أيضًا موضوع مختلف عليه، ورأينا الشخصي فيه هو أن الإرشاد النفسي لا العلاج هو أقصى ما يمكن للطبيب النفسي فعله.
أما رأيك في أن يكونُ الاكتئاب ابتلاء من الله أو صدمة اكتئابية كما وصفتها لكي تعودي إلى طريقه سبحانه، فقد يكونُ ولكن كل ابتلاء يصاب به المؤمن هو اختبار من الله، قد ينجح فيه الإنسان وقد يفشل ولله الأمر كله، ولكن لا علاقة بين هذا وبين الصدمات الكهربية التي قد يلجأ لها الطبيب النفسي، لأن الصدمات الكهربية ليست مؤلمة أصلا ولا يشعر بها المريض، وهي ليست نوعا من العقاب أصلا.
أجدك بعد ذلك تفجرين عددًا من القضايا والمفاهيم التي يستدعي كل منها إجابة منفردة ولا يتسع المقام هنا لأكثر من التعليق المقتضب عليها لأن مشاركتك نفسها طويلة وقيمة لا يمكن أن نختصرها، فمن ذلك إشارتك إلى مشكلة الخلل في تعامل كثيرين منا مع الكروب ودور الأفكار السلبية في تحطيم معنويات المرء وإن كنت أختلف مع تسمية ذلك بالبرمجة العصبية السلبية Negative Neurolinguistic Programming حتى ولو كان هذا الاسم ليس اختراعك أنت، لأن المسألة لها اسم آخر يسمو بالإنسان أكثر وهو المعرفيات السلبية Negative Cognitions، لأن علينا أن ننتبه جيدا إلى أن الإنسان أسمى من مجرد تجمعات أو دوائر عصبية بكثير، وتجدين فكرةً مبسطة عن ذلك في مقال العلاج المعرفي على الموقع.
نقطة أخرى مهمة في إفادتك هي علاقة الرغبة الجنسية بالاكتئاب، فصحيح أن الاكتئاب كثيرا ما يكون مصحوبا بضعف الرغبة الجنسية، ولكن ليس كل اكتئاب كذلك ولعل في إجابتنا عن الاكتئاب اللانماذجي التي ظهرت على مشاكل وحلول للشباب ما يوضح لك تلك النقطة، فهناك اكتئاب يدفع إلى العكس تماما أي إلى زيادة الشهية للجنس وللأكل أيضًا ربما بسبب الأثر الذي يتركه إشباع تلك الشهوات من تحسين وقتي للمزاج المكتئب.
يبقى أن أعلق على أول ما ورد في مشاركتك حين قلت:
(كنت أحسب أنني شفيت 100% بعد طول معاناة، وبعد طول مسير في طريق الشفاء، ولكن تبين لي أنني مخطئة، فلا تزال هناك بقايا من الاكتئاب في زوايا خفية من نفسي لم أفلح حتى الآن في التخلص منها.. هذه البقايا تطل برأسها القبيح من جديد حين تجد الفرصة سانحة!! يا لها من ماكرة...)، فرغم أن ما تشيرين إليه قد يكونُ علامة على: الاكتئاب المتبقي أو العلاج المنقوص؟، فإنني شخصيا أرى أنه قد يكون أقرب إلى الحزن الطبيعي أو ربما عسر المزاج.
واقرئي أيضًا:
الحواجز المانعة للشفاء من الاكتئاب
علاج الاكتئاب بين العقاقير والعلاج النفساني
وفي النهاية أرجو أن تعين مشاركتك صاحب المشكلة الأصلية وأن يجزيك الله خير الجزاء على مشاركتك النبيلة، وأما نحن فقد سعدنا بمشاركتك ونحتاج منك إلى متابعة تفصيلية لخبرة التعافي الرائعة التي مررت بها فجعلتك ذلك العقل النابه الناطق بلسان عربي فصيح ودمت سالمة لصفحتنا.