السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد
أنا فتاة في العشرين من عمري ملتزمة ولله الحمد، ولكن تَكْمن مشكلتي أنني تعرفت على شاب منذ العام ونصف العام رغم شدة احتراسي وشدة خوفي من الوقوع في مثل هذه الأشياء، ولكن أحيانًا يضطر الإنسان إلى أن يبحث عن راحته وأمنه واستقراره خارج المنزل إذا لم يجدها داخل المنزل، أعني الحالة النفسية والاجتماعية. كنت وما زلت أوقن بأن ما فعلته لم يكن الصواب، ولكني فعلت واستسلمت لأسهل الطرق وأردئها وكانت مشكلتي الأولى.
بدأ تفكيري يتغير تدريجيًّا مع هذا الشاب (حفظه الله) ولكن بشكل إيجابي، دفعني إلى الحياة والجد والاجتهاد، فبدأت حياتي بكل مجالاتها تتقدم إلى الأمام، حتى أصبح حلقة الوصل بيني وبين السعادة التي أنشدها ولم أجدها في أحضان عائلتي، أصبح وأمسى يدلني إلى طريق الخير.
بدأت أتمسك به كثيرًا حتى لا أكاد أتخيل حياتي بدونه وبدون إرشاده ونصحه الطيب، بدأت تتهيج نار الحب بين الطرفين بعد أن أثبت صدقه معي، ولكن إلى أين فهو رغم قوة العلاقة التي بيننا لم يَعِدني ولا بأي شيء يذكر، وأنا أعلم بالسبب وهو حالته المادية التي لا تؤهله للإقدام على الزواج.
وسؤالي الذي يمثِّل مشكلتي هو ماذا أفعل؟! أحبه كثيرًا ولا أستطيع العيش من دونه، وفي نفس الوقت أشعر بتأنيب الضمير تجاه هذه العلاقة؛ لأنها مهما سمت تبقى في نطاق المحرمات، هل من حقي يا ترى أن أنهي هذه العلاقة؟
هل أقتل راحة نفسي ونفس من وقف بجانبي؟ هل أسدل الستار الأسود على حياتي؟
الجواب سيكون نعم، بما أني فتاة مؤمنة يجب أن أتخلى عن مباهج الحياة وأتجه إلى الله، ولكن كيف؟ أشعر بعجز تجاه ذلك، أتخيل أن الله لن يقبل مني عملاً بسبب هذه العلاقة ولكني أفقد السيطرة.
أنقذوني فقد بدأ الجنس عبر الهاتف يشكل جزءًا من علاقتنا، وأنا والله لا أريد ذلك ولا هو، فقد حاول ألا يتصل بي لأيام بسبب ذلك، ولكن نبقى في النهاية بشر وهذه فطرتنا التي فطرنا عليها.
أرشدوني ماذا أفعل؟ وادعوا لي وله بالصلاح والهداية،
وجزاكم الله خيرًا.
27/7/2024
رد المستشار
الأخت الكريمة:
أشكرك على كلماتك البسيطة المعبِّرة عن حالة ربما تعيشها الفتاة العربية المسلمة من المحيط إلى الخليج في ظروف متشابهة ومتكررة، فمنهن من تبوح وتسأل مثلك، ومنهن من تكتم، والله أعلم بحالها.
يا أختي من قال إن هناك تلازمًا بين الحب والخطيئة؟! تقولين: إن علاقتك بهذا الشاب دفعتك إلى المعالي، وهكذا الحب الصادق والحقيقي فهو يجعل من الحياة شيئًا جميلاً، ويخفف من الشعور بالضغوط المختلفة في الأسرة والدراسة والعمل، ويدفع إلى الجد والاجتهاد، ويكون بابًا كبيرًا واسعًا على سعادة القلب، واستقرار النفس والعقل.
وتتحدثين عن "نار الحب"، وصدقت، فإن الحب طاقة هائلة تشبه النار أو الكهرباء التي تسري في العروق؛ فيكون منها الضوء والحرارة، وإدارة المحركات وغيرها من مصارف استثمار هذه الطاقة في البناء والتعمير، ولكنها أيضًا يمكن أن تكون هدمًا إذا لم يحسن توظيفها واستثمارها.
ولا يدعو الحب الحقيقي الصادق الذي هذا شأنه إلى أي نوع من تأنيب الضمير، أو القول بأن علاقته مهما سمت من المحرمات، أو أنه من مباهج الحياة الواجب الإعراض عنها، والاتجاه إلى الله!!
فهذه كلها هواجس والتباسات، وأفكار خاطئة تعتبر الحب في أصله دنسًا مرتبطًا بالخطيئة بما يقترب من مفهوم المسيحية التي تخلصت منها أوروبا في العصور الحديثة؛ لأنها وجدت فيها قيودًا، ومفاهيم غير إنسانية وضد الفطرة، فتخلت أوروبا عنها بلا رجعة، فابتعدت عن الفطرة، ولكن من طريق آخر، أما عندنا فالأمر مختلف: ليس الحب دنس ولا خطيئة ولا من "مباهج الحياة"، بل من ضرورياتها وأساسياتها من حيث المبدأ.
هذا تصويب لازم أردت أن يستقر قبل أن ألفت نظرك إلى مكمن الخلل وموضع المشكلة في قصتك، فالمسألة ليست في العاطفة التي بينك وبين هذا الشاب، ولكن في مسار ومصير هذه العاطفة.
تقولين: إنه لم يتقدم للزواج منك، بل لم يَعِدك بأي شيء فهل هذا يبدو لك حبًّا جادًّا، أو عاطفة صادقة؟!
وتقولين: إن تخلفه عن الوعد بالزواج أو الإقدام عليه هو بسبب حالته المادية، فما هو تخطيطه للتعامل مع هذه العقبة، وتحسين أوضاعه؟؟
وتقولين: إن الجنس قد بدأ عبر الهاتف، وما يتم عبر الهاتف ليس جنسًا، ولكنه تهييج متبادل ضار بالنفس والجسد، ويعقبه شعور عميق بالذنب عند من لديه مروءة أو بقية من حياء.
لقد وقعت في الحب يا أختي، وهذا شيء يحدث للناس، وهو حادث سعيد يغبطك عليه كثيرون، ولكن المسار الذي تتخذه علاقتك بهذا الشاب يبدو محفوفًا بالمخاطر، يجهل المصير بما ينبغي الحذر منه... من الفطرة التي فطرنا الله عليها أن نحب وأن نطمح إلى الحصول على الحب، ولا يحتاج الحب إلى تبرير أو الاعتذار، ولكن يحتاج إلى إدارة حكيمة تصل به إلى التتويج الفطري والإنساني لتكتمل السعادة، وتقر العين والنفس.
الحب من طبائع النفوس السليمة، والزواج هو حلقة هامة وأساسية، والتطور الطبيعي للحب الصادق، فما هي خطتكم ليحدث؟؟
يا أختي إذا كنت تريدين الاقتران بهذا الشاب، وأحسبك تريدين ذلك، فعليك بمساعدته وإرشاده إلى ما ينبغي أن يفعل، ويرتب لإتمام الزواج، وأن تساعديه في كل خطوة بكل ما تستطيعين ليتم هذا الزواج، ومن قبل ذلك لتخرج علاقة الحب التي بينكما إلى النور، فالحب –كما قلت قبل ذلك - هو نبات يحب الشمس، والهواء الطلق، يموت تدريجيًّا حين يمارس في السر بعيدًا عن أعين الأهل، ومعرفة الناس.
الجنس يُمارَس على فراش الزوجية يا أختي، وليس في الهاتف؛ فإن كان يريدك حقًّا فعليه أن يسلك الطريق السليم للارتباط بك بما يقتضيه ذلك الطريق من مجهودات ومسؤوليات، وإن كنت تريدينه فعليك الاستعداد للدفاع عنه، وإقناع أهلك بالموافقة عليه، وإبراز جوانبه الإيجابية للتوازن مع ضعف مستواه المادي الذي لا يعيبه حاليًّا، ولكن يعيبه ألا يجتهد في تحسينه ليكون جديرًا بك.
إن الجدية في الحب تظهر من خلال الجهد المبذول في السعي لتتويجه بالزواج، وتظهر في حجم الاحترام الذي يُكِنُّه كل طرف للآخر، وتظهر في جدية المساعي لتوفير الظروف المناسبة لنمو هذا الحب واستمراره، وأرى أن المسار الحالي للعلاقة يخلو من هذه الجوانب جميعًا، وربما يؤدي إلى انتكاسة في البداية الإيجابية التي بدأت بها، والتي دفعتك إلى المعالي.
أختي، إما أن تتخذ هذه العلاقة مسارها في العلن نحو الزواج وفق خطة وبرنامج، فتدفعكما إلى المزيد من جمال المشاعر، وروعة العشق، أو أن تظل في السر فتتطور شيطانًا يهوي بكما إلى حضيض ما له قرار، وساعتها أرجو ألا يتم هذا باسم الحب، ولا باسم الفطرة الإنسانية، ولا تحت مبرر تقصير الأسرة، أو البحث عن الراحة والأمن والاستقرار خارجها، فالحب السري لا يحمل راحة ولا أمنًا ولا استقرارًا، ولكنه لا يحمل إلا الشقاء وتأنيب الضمير، والهوان كل الهوان.
أدعو الله أن يلهمك الصواب، والحكمة في إدارة أمورك حتى تشربي من نبع الحب الصافي بدلاً من مستنقع الحرام الآسن، أو أطياف السراب التي تلوح أملاً خادعًا في هجير الحياة.
ويتبع>>>>>: الحب والخطيئة.. نقطة الضعف م